نجاح «عمارة يعقوبيان» في عرضه البرليني
فاجأ أصحابه...
عماد الدين أديب: انتقلت الى السينما بفضل
حبي لها
برلين - اسكندر الديك
فوجئ
القيمون على مهرجان برلين الدولي الـ٥٦ للأفلام السينمائية «برليناله»
والكثير من نقاد السينما بالفيلم المصري الأول في المهرجان بعد ٢٧ سنة من
الغياب الذي يعود إلى ضعف نوعية الانتاج المصري على حد ما أكده لنا نور
الشريف في لقاء معه على هامش المهرجان. وإلى جانب مشاركة الفيلم المغربي
«باب السماء» من اخراج سويل وعماد نوري، والفيلم الجزائري «بركة» من اخراج
جميلة صحراوي تجمعت جملة من العناصر لتحيط الفيلم المصري الجديد «عمارة
يعقوبيان» بضجة إعلامية تجاوزت التمثيل العربي المتواضع في المهرجان كما في
كل سنة.
العامل
الأول أن الفيلم مأخوذ عن رواية كتبها الطبيب المصري علاء الأسواني قبل
سنوات ونشرها تحت الاسم نفسه ونالت شهرة بسبب من رصد تحليلي أجراه للمجتمع
المصري، والقاهري تحديداً، ووصل صداه إلى ألمانيا أيضا. وثانيها أن الفيلم
الذي انتهى انجاز تقنياته في لندن قبل أيام من بدء المهرجان، شهد عرضه
الأول فيه وسط حبس أنفاس كل من عمل فيه أو سمع به. وثالثها أن مخرج الفيلم،
مروان حامد ( ٢٨ سنة)، شاب كان مغموراً إلى أن عرض الفيلم في المهرجان
فأدهش النقاد والمشاهدين الذين صعب عليهم الاقتناع بأنه فيلمه السينمائي
الأول بعد تخرجه من معهد السينما العالي في القاهرة واستيعابه بهذه السرعة
أسرار الفن السابع. ورابع هذه العوامل مشاركة عدد من الممثلين الكبار مثل
عادل إمام ويسرى ونور الشريف وهند صبري الذين مسحوا الفيلم بمسحة النجومية
الفائقة في المهرجان من دون أن ننسى أيضاً كاتب السيناريو وحيد حامد الذي
قدم نصاً متيناً ومتماسكاً جداً. وشكلت الموسيقى التصويرية التي صاحبت
الفيلم ووضعها الفنان خالد حماد عامل نجاح كبير له بفعل جماليتها وسلاستها
ودراميتها.
ولكن
العوامل هذه ما كانت لتجتمع سوياً لولا القفزة الانتاجية الجديدة التي
أمنها المنتج السينمائي الجديد عماد الدين أديب، وهو إعلامي محترف ومثقف
واسع الإطلاع، ودخوله مع «عمارة يعقوبيان» ميدان الانتاج المكلف جداً (ستة
ملايين دولار) وفي ذهنه تحقيق أعمال كبيرة إلى جانب تحقيق الربح لشركة
الانتاج الجديدة التي أسسها تحت اسم «غود نيوز غروب»، والانطلاق إلى
الأسواق العالمية من خلال مجموعة من الأفلام مثل «محمد علي» و «القاعدة»
و «الغاوي» و «حليم» كما قال في حوارنا معه.
مهرجان «البرليناله»
الدولي في برلين أعاد في الواقع اكتشاف السينما المصرية منذ آخر فيلم عرض
فيه عام ١٩٧٩، وهو «اسكندريه ليه؟» ليوسف شاهين. والسينما المصرية الجادة
أعادت على ما يبدو اكتشاف نفسها وقدرتها على انتاج أعمال مبدعة تستحق أن
تعرض «ليس فقط من المحيط إلى المحيط» على حد تعبير المنتج أديب، بل في كل
أسواق العالم السينمائية، وهنا المراهنة والتحدي. وإذا كان «عمارة يعقوبيان»
يؤرخ لسينما جديدة تضع الأصابع على الجروح المؤلمة وعلى الأخطاء السياسية
والاجتماعية والتطرف الديني والدنيوي، ولا تهادن في هذا المجال لا السلطة
ولا المعارضة، فان الفيلم المذكور مؤشر على تكوّن مفهوم فكري - ثقافي -
وطني يسعى إلى إيقاظ المجتمع من سباته العميق عن طريق الصدمات النفسية
ومواجهة الحقائق لا إشاحة الوجه عنها والانفتاح على العالم الواسع.
وقبل
العرض الجماهيري ابتداء من شهر حزيران (يونيو) المقبل، ومعه أيضا فيلم
«حليم» عن حياة المطرب الكبير عبدالحليم حافظ الذي هو قيد الانجاز حالياً
في لندن، سيشارك فيلم «عمارة يعقوبيان» قريباً في عدد من المهرجانات
السينمائية الدولية مثل «ترايبيكر» في نيويورك و «كان» في فرنسا. ويأمل
منتجه أديب أن يسمى أيضا لنيل أحد جوائز الأوسكار.
قضايا
شائكة
ويقول
المنتج – الإعلامي عماد الدين أديب حين سألناه عن انتقاله من الصحافة الى
السينما: «أنا لم أترك الصحافة، وكما تعلم فالصحافة هي المكتوبة والمسموعة
والمرئية. تركت الصحافة المرئية كمقدم مقابلات وحوارات لمدة 11 سنة ولكنني
ما زلت رئيساً لتحرير ورئيساً لمجلس ادارة ثماني مطبوعات تصدر، وكذلك لأكبر
موقع في الانترنت يقدم الأخبار بالعربية وهو «غود نيوز فور مي». أما لماذا
كان قرار الدخول في الانتاج فأعتقد انه حان الوقت لأتفرغ لتحقيق أحلامي وأن
أطل على الناس من خلال اطار فني. والسينما هي عشق قديم بالنسبة إلي إذ انني
ولدت في بيت يعشق السينما، ووالدي هو كاتب السيناريو والمنتج السينمائي
عبدالحي أديب وشقيقي الأصغر عادل هو مخرج وأنا وأخي عمر من عشاق السينما.
وأعتقد ان السينما قادرة على أن تجسد الكثير من الأحلام والطموحات. كنا
دائماً كمشاهدين نلوم المخرجين والمنتجين الذين لا تعجبنا أعمالهم ونقول
لماذا لا يكون الفيلم على المستوى، ولماذا لا نقتحم الأسواق ولماذا الفيلم
العربي متخلف عن السينما العالمية. لدينا اليوم الأحلام وشركة قادرة على
العمل وإيمان بأن القدرات البشرية والتقنية موجودة في العالم العربي ولا
عذر لنا ان لم نقدم فناً جيداً. والحمد لله تمكنا من خلال شركة «غودنيوز»
ان نقدم خطة لانتاج نوعية من الأفلام ستكون رفيعة المستوى من حيث الفكرة
والرسالة والنص والمحتوى مع انتاج يضاهي المستويات المتعارف عليها عالمياً
حتى نستطيع الخروج من الحلقة الخانقة الضيقة المتمثلة بالسوق العربية
المحدودة الى السوق الأكبر وهي أوروبا وأميركا وآسيا. إذا قدمنا مستوى
مقبولاً سنفتح أسواقاً جديدة ونستطيع زيادة دخل الفيلم بصورة تمكننا من
مواصلة حلقة الانتاج المتميز. أما اذا ظللنا محصورين بين المحيط والخليج
العربيين مع ستة أو سبعة أصوات رئيسة في عالمنا العربي فسنظل تحت سقف محدود
للغاية من النمو المالي والاقتصادي. إذا الحل العملي هو الخروج الى السوق
الأوسع، الى السوق العالمية.
وأضاف
أديب: «عندنا أيضاً فيلم انتهى للتو وهو عن حياة العندليب عبدالحليم حافظ
بطولة الفنان الكبير الراحل أحمد زكي، وهو كان حلمه لمدة تسع أو عشر سنين
ونحن نشعر بسعادة وبعاطفة شديدة تجاه هذا العمل لأنه يرتبط بفنان كبير هو
أحمد زكي ويعلن أيضاً ميلاد نجم جديد هو هيثم أحمد زكي الذي يمثل عبدالحليم
وهو صغير. كلفة هذا الفيلم الذي أخرجه الأستاذ شريف عرفة تجاوزت أربعة
ملايين دولار ويجري حالياً تسجيل الموسيقى التصويرية في لندن حيث الفنان
عمار الشريعي يسجل الموسيقى مع اوركسترا لندن الفلهارمونية وطباعته مثل
«عمارة يعقوبيان» في استوديوات «تكنيكولور» في لندن أيضاً. وهناك أيضاً
فيلم آخر نعد له هو «محمد علي»، مؤسس نهضة مصر الحديثة بعد ان حكمها مدة 42
سنة وساهم في تحديث البلد ونقلها نقلة نوعية أدخلتها العصر الحديث. الذي
يهمنا منه ليس النظر اليه على انه حاكم أو متآمر أو «مذبحة القلعة»، وإنما
كمحدِّث ومطور. يتكلمون في العالم عن الاصلاح ومحمد علي كانت له رؤية
اصلاحية واستطاع بناء مصر الحديثة. الفيلم ليس مجرد مناقشة ولكن فيه أيضاً
قصة حب عظيمة وقصة كفاح ومعارك ودسائس، أي ان الحبكة الشعبية والتجارية كما
تسمى ستكون ممتعة لناس».
وإضافة
الى هذا لدى أديب أيضاً مشروع فيلم عنوان «القاعدة» عن أسامة بن لادن وأيمن
الظواهري والرؤية العربية لهذا الموضوع من منظور إدانة الإرهاب وإبراز
ظروفه الموضوعية. حتى الآن العرب والمسلمون لم يقولوا وجهة نظرهم، والرسالة
التي نريد إيصالها من خلال هذا الفيلم انه يمكن أن يكون هناك بن لادن واحد
أو ألف بن لادن، ولكن ليس كل العرب وكل المسلمين بن لادن. وأول ضحايا هذا
الإرهاب وهذه الجريمة التي حصلت في 11 أيلول (سبتمبر) 2001 كنا نحن العرب
والمسلمين. صعوبة هذا العمل تتمثل في تطلبه فترة بحث طويلة. هناك أيضاً
مشاريع أفلام أخرى منها فيلم ممتاز وشديد الانسانية سيكون عنوانه «الغاوي»
عن رواية للكاتب عبدالرحمن فهمي وسيناريو الأستاذ وحيد حامد».
حساسية
وجرأة
أما كاتب
السيناريو وحيد حامد، فحدث «الحياة» عن مشاركته في «عمارة يعقوبيان»
قائلاً: «أولاً، الرواية دائماً شيء والسيناريو السينمائي شيء آخر. كاتب
السيناريو ينطلق من إيمانه بالرواية وحماسته لها ورؤيته الخاصة لها. وهذا
ما حصل معي، ولكن لا أحد يروي الرواية كما هي، وإلا من الأفضل الابقاء
عليها كرواية، وخصوصاً ان اللغة في السينما هي الصورة وليست الكلمة. من هنا
لا بد من أن تكون لكاتب السيناريو رؤيوية ويضيف الصورة اليها بدل الكلمات».
أضاف: «منذ القراءة الأولى للرواية أدركت انها عمل مهم جداً. ونظراً الى
جرأة الكاتب وتناوله لقضايا مصرية شديدة الحساسية والجرأة، إضافة الى أنها
متقنة الكتابة، حرصت كل الحرص بسبب عشقي لها أن أقدمها من دون نقصان الى
مشاهدي السينما بلغة السينما، وأعتقد ان المتفرج سيرى أشياء مختلفة كثيراً
عما هو موجود في الرواية لأن من العجز الفني حصول تطابق بين الفيلم
والرواية».
مروان
حامد: انه زمن المسكوت عنه
·
هذا أول فيلم لك في حياتك السينمائية بعد
تخرجك. لماذا وافقت على اخراج هذا الفيلم بالذات؟
- هي
رواية مهمة جداً، وعندما قرأتها شدتني لأسباب عدة: أولاً الرواية جريئة
وتدخل الى مناطق انسانية جميلة أثرت فيّ، وثانياً أسلوب سردها شدني كثيراً
وشخصياتها مبنية على قاعدة سينمائية، ولذلك استمالتني من جوانب عدة.
·
أين الجرأة في هذه الرواية؟
- هناك
مواضيع نتحدث فيها وأخرى لا نتكلم عليها في الوطن العربي. أعتقد ان هذه
الرواية تتحدث في أغلب الأمور التي لا نتحدث فيها.
·
مثل؟
- شخصية
الشاذ جنسياً، الفساد السياسي، العلاقات الجنسية الموجودة، التطرف والعنف
البوليسي... وهذه أمور لا نتكلم عليها كل يوم ونحاول أن نداريها ونخفيها أو
نستغني عنها.
·
لا نتكلم حولها أو أنها من المحرمات أو
الممنوعات؟
- انها
الأسباب الثلاثة التي ذكرتها أنت، أي هناك المحرمات أو الممنوعات، اضافة
الى عدم الحديث عنها لأننا لا نحب طرحها.
·
هل تتوقع ردود فعل عنيفة على الفيلم من
الجمهور المصري أو من أوساط محددة دينية أو غيرها.
- من دون
شك انه سيحصل جدل، وهذا هو النجاح الحقيقي. والجدل كما هو معروف يحرك
المياه الراكدة، والفيلم دعوة الى التفكير. وفي النهاية لو ان الفيلم أعجب
كل الناس أو لم يعجب أحداً أمر يختلف عن الفيلم الذي يثير جدلاً. وفي رأيي
هذا ما يحقق النجاح.
·
ماذا يعني لك قبول هذا الفيلم في الـ «برليناله»؟
- أمر
سرني وفاجأني جداً أن يدخل أول فيلم لي في مهرجان برلين السينمائي وأنا
أعرف أهميته وهذا يشرفني ويضع على أكتافي مسؤولية أكبر.
·
ماذا بعد هذا الفيلم الأول؟
- هناك
مشروع فيلم كان مؤجلاً منذ فترة اسمه «ابراهيم الأبيض» لكاتب جديد جيد هو
عباس أبو الحسن وبطولة أحمد السقا. لكننا لا نزال في البدايات.
·
حدثنا عن مسيرتك السينمائية وكيف اخترت
الاخراج؟
- أنا
أساساً خريج المعهد العالي للسينما في مصر واشتغلت مساعد مخرج لأستاذي
ومعلمي شريف عرفه لفترة طويلة وأخرجت أفلاماً كثيرة صغيرة. وهناك طبعاً
فيلم «ليلي» الذي توجت به تخرجي في الدراسة وهو مأخوذ عن قصة قصيرة للكاتب
الكبير يوسف ادريس، والفيلم حقق نجاحاً مقبولاً جداً ونال جوائز عالمية.
|