افتتاح مهرجان دمشق: جمهور السينما ما زال غائبا!
تكريم متأخر لمصطفي العقاد بعد رحيله والجمهور حضر
الاستعراض وغاب عن الفيلم
دمشق القدس العربي ـ من أنور بدر
منذ عام 1979 ونحن علي موعد ينتظم كل عامين مع مهرجان دمشق السينمائي، الذي
كان مخصصاً لنتاجات آسيا وأمريكا اللاتينية والبلدان العربية السينمائية،
قبل أن ينفتح منذ دورتين علي السينما العالمية، بالتزامن مع التحولات
السياسية والأيديولوجية التي حدثت في العالم.
فالمهرجان الذي بدأ في دوراته العشر الأولي تحت شعار من أجل سينما متقدمة
ومتحررة ، ليتحول إلي سينما من أجل التقدم والتحرر نراه قد غادر هذه الشحنة
الأيديولوجية لصالح شعارات السينما تجدد شبابها و دمشق تحتضن العالم انتهاء
بشعار الدورة الراهنة تحيا السينما .
وقد انعكست هذه التحولات في التعبير عن أهداف المهرجان التي ابتعدت أيضاً
عن الدلالات الأيديولوجية لتكتفي بالدعوة إلي نشر التذوق الفني وتعزيز
التفاهم بين الشعوب والثقافات وتشجيع الإبداع .
كما عملت المؤسسة العامة للسينما علي استكمال شروط تحول هذا المهرجان
السينمائي إلي مهرجان دولي، بدءأً من الصالات المجهزة تقنياً لاحتضان عروض
المهرجان، بالإضافة للتأمين الشامل علي الأفلام وعلي ضيوف المهرجان أيضاً،
ويبقي أن يتحول إلي مهرجان سنوي، يشرف عليه الاتحاد الدولي للمنتجين
السينمائيين، كما وعد السيد محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة العامة
للسينما مدير المهرجان.
السيد الأحمد لم يتحدث في الافتتاح عن التظاهرات المختلفة للمهرجان
والنشاطات المرافقة، بل تحدث عن الظروف الصعبة للمنطقة، والكوارث والنكبات
التي ألمت بالبشرية في السنتين المنصرمتين والتي تشكل خلفية المشهد الذي
نتابع من خلاله هذا المهرجان، مؤكداً علي دور الثقافة والأمل في قهر الموت
والانتصار علي كل أشكال الظلم والظلمات.
فيما ذهب وزير الثقافة الدكتور محمود السيد ـ كعادته في الإسهاب ـ حول
التظاهرات التي يشملها المهرجان، والحديث عن جمال الشعار تحيا السينما
ودلالة الحياة فيه، وعلاقتها بالقيم المادية المحسوسة، وصولاً إلي دور
الثقافة والإبداع ـ كمدخل لتكريم الإبداع والمبدعين ـ والتي تجلت بإهداء
هذه الدورة من مهرجان دمشق السينمائي إلي روح المخرج السوري مصطفي العقاد،
والذي ذهب مؤخراً ضحية تفجيرات العاصمة الأردنية عمان، كما منحه الرئيس
الأسد بعد رحيله وسام الاستحقاق السوري.
حفل الافتتاح بدأ بالتعريف بلجان التحكيم للأفلام الطويلة والقصيرة، ثم
توزيع شهادات وميداليات التكريم علي فنانين عالميين وهم:
(الكساندرا ستيوارت، كورين كليري، كارين ساخنازاروف، كاترينا ديدا سكالو،
والفنان المصري محمود ياسين كضيف شرف في المهرجان، مع الفنانة نبيلة عبيد)،
بينما ضمت قائمة المكرمين من سورية لفيفاً من الفنانين والفنيين والعاملين
في حقل السينما وهم: (زهير الشوا، سعد الدين بقدونس، نبيلة النابلسي،
د.إبراهيم نجمة، حسن سامي يوسف، منير جباوي، محمود حديد، جان الكسان).
وإذا كان تكريم هذا الأخير الذي كتب في النقد السينمائي كما كتب في الزراعة
والإصلاح الزراعي، يشير إلي غياب النقد السينمائي، مع وجود أسماء في هذا
الحقل كانت أجدر بالتكريم، إلا أن اللافت للانتباه أن يجري تكريم الفنان
الراحل سعد الدين بقدونس الذي رحل دون هذا الحلم، مع اعتقادنا بأن تكريمه
في حقل المسرح كان أجدر بالقائمين علي الأمر،كذلك تكريم الراحل مصطفي
العقاد الذي قدمته الفنانة مني واصف من خلال الاسكتش الغنائي أبو مرعي
ـتأخرتي كتير يا مواسم الزيتون ، ففستان الحرير الأزرق بعد ثلاثين سنة لم
يعد صالحاً لأم مرعي، بل لحفيدتها، وهكذا تابعت الممثلة القديرة بصوت مبحوح
وبمشاعر الأسي الكبير، أنها مثلت مع العقاد في فيلم الرسالة وعمرها 32 سنة،
والآن عمرها 64 سنة وفيلم العقاد لم يعرض في سورية، تأخرت مواسم الزيتون
كثيراً، لكن في المحصلة لا بأس أن يكون هذا التكريم حتي بعد وفاته.
وقد ضم العدد الأول من دورية المهرجان اليومية مقالات نقدية، ببلوغرافيا،
وشهادات في العقاد وفي أعماله.
كما تم تكريم ثلاث نجمات احتفاء بسينما المرأة هن: (الفنانة القديرة نادين،
والفنانة المخضرمة نبيلة عبيد، والفنانة العالمية الراحلة أودري هيبورن)،
وكان لافتاً للانتباه أن الفنانة نادين عملت في بداياتها في السينما، لكنها
هجرتها منذ سنوات إلي الدراما التلفزيونية، وقد رفض الفنان غسان مسعود لذات
الأسباب التكريم، لأنه لم يشارك سوي في فيلمين عالميين هما: المتبقي، وصلاح
الدين، فيما هو ممثل ومخرج وأستاذ في المسرح، وأن كان لا بد من التكريم
فليكن في حفل المسرح وعلي خشبته.
حفل الافتتاح قدمته كل من الفنانتين سلمي المصري باللغة العربية وسلافة
معمار باللغة الإنكليزية، فيما أخرج الفنان ماهر الصليبي عرضاً احتفالياً
بالسينما في هذه المناسبة، من بطولة الفنان القدير سليم صبري والفنانة ديمة
قندلفت، وهو من تأليف الكاتبة ريم حنا، وقد شاركت في الاسكتش الفني فرقة
إنانا للرقص، بينما صمم الديكور الدكتور أحمد معلا.
وكان لافتاً في هذا الديكور شعار المهرجان وملصقات أفلام عالمية من ذاكرة
الفن السابع، بينها ملصقات فيلمي الرسالة وعمر المختار، وكذلك فيلم زوربا،
وقد أدت فرقة إنانا استعراضات جميلة كان ألطفها رقصة زوربا.
ثم بعد استراحة قصيرة، تم عرض فيلم قصير من أوكرانيا بعنوان عابروا سبيل ،
وهو حائز علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي عام
2005، تلاه مباشرة عرض الفيلم البلجيكي الطويل الطفل الحائز أيضاً علي
السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي لهذا العام. وهو أول عرض
عربي له.
هذا الفيلم من إخراج الأخويين دارديني اللذين بدءا حياتهما السينمائية
بإخراج أفلام تسجيلية، ثم انتقلا للأفلام الروائية الطويلة، وفي عام 1999
فاز فيلمهما روزيتا بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، وجائزة أحسن ممثلة لإميلي
دوكسون، وفي عام 2002 فاز فيلمهما الابن بجائزة أحسن ممثل أوليفر جورميه
ليعودا هذا العام ويحصدا السعفة الذهبية عن فيلمهما الطفل .
تنتمي سينما الأخوين دارديني لما يعرف بسينما الحقيقة التي تمتح من
الواقعية دون ايهام، يساعدهما تجربة عريقة في إخراج ما يقارب من 60 فيلماً
تسجيلياً، مع أن القصة ملونة بشحنة ميلودرامية لمراهقين من قاع المجتمع،
نلتقي بالمرأة سونيا ديبورا فرانسوا وهي تحمل طفل حديث الولادة وتبحث عن
برونو جيرمي ريتر ولا ندري أن كان هو والد الطفل، رغم أنهما يسجلاه في
القيود الرسمية.
لكن برونو الذي يستخدم طلاب مدرسة ابتدائية في تنفيذ بعض سرقاته ليقاسمهم
الغلة، يبدو عدمياً في كل شيء حتي في مشاعره تجاه الطفل الذي يبيعه لعصابة
تتاجر بالأطفال، لكنه سرعان ما يسترده وبشروط سيدفع ثمنها لاحقاً إثر
انهيار سونيا والتي لن تسامحه علي هذه الفعلة إلا بعدما يعترف بآخر جريمة
نشل ارتكبها، كي ينقذ طالب المدرسة من السجن.
في هذا العمل فكرة بسيطة وأشخاص قلائل والحدث واقعي، لكنه يستفزنا بطريقة
بريختية ـ إن صح التعبير ـ يدفعنا إلي التفكير في ظروف هذه الشريحة، خاصة
عندما نتعرف علي والدة برونو وهي تحدثه عن الباب، كما نتعرف علي نموذج
لعلاقة قد تبدو مبتذلة بعض الشيء لكننا نكتشف غريزة الأمومة عند سونيا،
وانتصار الحب في مشهد زيارتها له في السجن وهما يبكيان، فهل يكون ذلك مؤشر
لبدء حياة جديدة؟
مع ذلك كانت دهشتنا عند بدء العرض، أن القاعة التي اكتظت أثناء الافتتاح
ببعض الضيوف والفنانين وقوفاً في قصر المؤتمرات علي طريق مطار دمشق الدولي،
قد خلت إلي ما يقارب العشرين بالمئة من الحضور إثر الاستراحة، فجمهور
السينما الذي قطع ما يقارب من 20 كم تحت المطر كي يحضر حفل الافتتاح، تابع
الاستعراض ثم ترك القاعة مع بدء العروض، وهو ما أشار إليه أندرية كوتيليك
مدير مهرجان فيلم الحب في بلجيكا، الذي أكد ان هذه الظاهرة تتكرر بشكل سيء
ومحزن في دورات مهرجان دمشق السينمائي.
فهل يذهب جمهورنا وفنانينا ممن حصلوا علي بطاقات الدعوة لمجرد حضور
الاستعراض؟ أم أن جمهور السينما غائب لدينا، ولم يلفت انتباهه كون فيلم
الطفل حائز علي السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي، وهو من تحف السينما
الواقعية التي تمتع وتنير العقل ؟ أم أن شعار تحيا السينما لم يستطع بعد
إحياء هذا الجمهور؟.
|