تنعقد الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس في ظل تراكم أزمان السينما العربية وتضاعف الأسئلة حولها. فعلى مدى أربعة عشر عاماً، استطاع المهرجان في أحد أشكاله الأولية أن يكون صورة عن الإنتاج السينمائي في البلدان العربية. وأتاح له انعقاده كل سنتين أن يلعب دور "الترموميتر" من حيث رصده ثلاث سنوات من عمر الصناعة السينمائية، 2002 و2003 و2004 بالنسبة لهذه الدورة. على أن الدورة الحالية تحمل أسئلة ربما يتجاوز بعضها الجوانب الفنية لهذه السينما وبعضها الآخر يتجاوزها الى الحالة العامة. أمس في المقهى، كان الحدث الطاغي على جلسة مجموعة من الصحافيين والسينمائيين، تسليم السلطة في العراق، ولكن ليس بعيداً منها في المهرجان برنامج "اللقطة المكبّرة" على السينما العراقية حيث تكثر الأسئلة السينمائية: عشرون فيلما عراقياً معروضاً بنظام "بيتا كام" لعدم توفّر النسخ السينمائية إما التالفة وإما المفقودة وإما الناقصة. وفي مكان آخر، يعلن مخرج فلسطيني متميّز عن توقفه إنجاز أفلام معرباً عن حالة يأس كبرى من الأوضاع السياسية الآيلة الى تدهور ومن تلك العلاقة بين السينمائي الفلسطيني و"قضيته" التي تحتاج باستمرار الى تبديل الأساليب ومراجعة الذات لئلا تسقط السينما أسيرة فكر معلّب ومعادلة جاهزة. في المقابل، يعرض المخرج المصري محمد خان فيلمه الأخير والأول منذ "السادات" في برنامج العروض الخاصة معزّزاً الأسئلة حول "الديجيتال" وما إذا كان دوره حقيقياً وفاعلاً في إيجاد بعض الحلول للسينما العربية. فالمخرج قرر خوض تجربة "الديجيتال ـ فيديو" بمشروعه بعد توقف الأخير سنوات عدة في أروقة شركات الإنتاج ولفظه من قبل غير جهة من خطة إنتاجها لعدم انسجامه مع "تطلّعات" المنتجين و"تصوّراتهم" للسينما المصرية الحالية.

على أن تجربة خان تواجه بعيد اكتمالها مشكلة العرض ومصير التعليب. فمن تعليب قبل الإنجاز الى تعليب بعده، لن يجد المشروع سبيلاً الى الجمهور من دون تحويله نظاماً سينمائياً باهظ الكلفة يتلاءم ونظام الصالات السينمائية. "تزداد الهوّة بين السينما العربية والسينما العالمية في شكل مخيف" علّق أحد السينمائيين. البطاقة التعريفية الخاصة بكل فيلم من أفلام المسابقة، الروائية على الأقل، تشير الى حقيقة ساطعة مؤرّقة: استناد الإنتاج السينمائي في البلدان العربية في شكل شبه كلّي الى الدعم الأوروبي. وتلك دوامة أخرى أصبحت من السرعة و"التسليم بالأمر" ما يحوّلها وعاء ضخماً لصهر الخصوصيات والاختلافات في بوتقة "نظرة الآخر" وأحكامه وتوقّعاته المسبقة.

الأسئلة كثيرة وكبيرة وربما قديمة، إلا أنها تتكثّف في المناسبات السينمائية كالتي يحييها معهد العالم والحكايات على هامشها وفي كواليسها الأكثر دفعاً الى التفكير والتأمل. يصيب الإحباط فئة المخرجين "الشباب" بشكل عميق. وكلمة "الشباب" غالباً ما تصف التجربة أكثر منها السن. بعض "الشباب" تجاوز الأربعين وما زال ينتظر ذلك "الباب" الذي مُنّي به بعد عمل أول، حمل إمارات التفرّد والخصوصية السينمائية. ولعلّ تدوين جزء من حوار بين مخرجين أو حتى ناقد وصحافي التقيا في الدورة الماضية للمهرجان، أي قبل سنتين، أو في الدورة السابقة للأخيرة، أي قبل أربع سنوات، كفيلة بنقل صورة واضحة عن التخبّط الكبير الذي يحياه أولئك. فأن يتكرّر الحديث مثلاً حول "مشروع" المخرج، أي عمله غير المنتج، بالصيغة عينها (البحث عن الإنتاج، الحيرة بين السينما والفيديو...) التي تم بها قبل سنتين أو أربع، لهو أكبر دليل على حالة المراوحة التي تحياها السينما العربية، اليوم ربما أكثر من أي وقت مضى. أو لنقل انه إحساس المهتمين بها هو الذي أصبح اليوم خالياً من بصيص أمل أو دافع الى التحدّي.

الروائية

تنعقد الدورة السابعة للمهرجان منذ الخامس والعشرين من حزيران وحتى الرابع من تموز حيث تُختتم بإعلان الفائزين في المسابقات الأربع: الروائي الطويل، الروائي القصير، الوثائقي الطويل والوثائقي القصير.

عُرضت في مسابقة الروائي الطويل التي تضم اثني عشر فيلماً أعمال محمد عسلي "الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء" (المغرب/ إيطاليا)، نوفل صاحب الطابع "الكتبية" (تونس/ فرنسا/ المغرب)، ميد هوندو "فاطمة، جزائرية من دكار" (موريتانيا/ فرنسا/ تونس/ سنغال)، هاني خليفة "سهر الليالي" (مصر) ومحمد عبد الرحمن التمازي "جارات أبي موسى" (المغرب).

"الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء" هو الفيلم الروائي الأول لمخرجه المغربي الذي درس في إيطاليا وعمل منتجاً لفترة طويلة قبل أن يؤسس شركته الخاصة واستديواته بالتعاون مع استديوات "سيني تشيتا" الإيطالية.

ينتمي فيلم عسلي الى الأفلام ذات النفس الطويل ولا يخلو من تأثير أجواء السينما الإيرانية والروسية. فهو في معالجته قصة رجل ريفي ينتقل من قريته الى الدار البيضاء بهدف العمل، إنما يضمن أولى جماليات فيلمه وحساسيته تجاه بيئتين، الريف والمدينة، بين القرية الباردة المغطاة بالثلج طوال الفيلم والمدينة الصاخبة، يتولّد تناقض يبدو هو المسؤول عن الحزن في وجه "سعيد". بل انه ليس وحده البعيد عن أسرته؛ فهناك رفيقاه في العمل في المطعم ولكل منهما حلمه: أحدهما يخشى أن يخسر فرسه تحت ضغط الحاجة المادية والثاني يحلم بحذاء باهظ الثمن كأنه يرى الحياة تنشق من نعله.

ربما كان فيلم محمد عسلي من الأعمال القليلة المعاصرة في السينما المغربية والعربية الذي يقوم على مساحات كبرى من الصمت وتناقضه مع الضوضاء وهو تناقض ينسحب على "سعيد" ورحلته الأخيرة مع زوجته المريضة بحثاً عن شفاء ليس من مرض آني وحسب بل من عيش ضاغط قاهر.

يخوض التونسي نوفل صاحب الطابع تجربته الروائية الطويلة الأولى أيضاً بفيلم "الكتبية" بعودة واضحة الى الرومنسية والحنين. بين جدران مكتبة قديمة بكل ما ترمز إليه من تاريخ وأصالة وحضارة، أو ربما بكل ما ترمز إليه من أمور مفقودة، يبني الطابع عالم فيلمه المغلق الى حد بعيد على شخصياته ومحيطهم. "جميل" العائد من سفر طويل ومن قصة حب انتهت، يعمل بائعاً في مكتبة "طارق" الذي يقطن شقة قديمة فوق المكتبة مع أمه "عائشة" وزوجته "ليلى" المندفعة وغاوية الغناء. لن يطول المقام بجميل ليصبح شاهداً على حيوات أولئك: "ليلى" الباحثة عن منفذ من رتابة حياتها على الرغم من حبها لزوجها، "طارق" المهدّد باندفاع "ليلى" و"عائشة" التي تحيا وحدتها بصمت رقيق. بخلاف التوقّعات التي يبنيها المشاهد بحكم "الكليشيات" السينمائية المتراكمة في رأسه، لا يقع "جميل" في حب "ليلى" الشابة بل يميل الى الأرملة "عائشة" وتبادله الأخيرة مشاعره. إلا أن تلك العلاقة، تخضع بحكم شذوذها عن "المألوف" و"العادي" في حسابات المجتمع المحيط لسلسلة تساؤلات: هل مشاعر "جميل" نتيجة لفقدان حبيبته وانغلاقه داخل المكتبة؟ هل أحاسيس "عائشة" نابعة من وحدتها وعدم احتكاكها بالآخرين؟ إذا كانت تلك الأسئلة مرتبطة بعالم الفيلم، تبقى ملاحظة واحدة من خارجه: ثمة كيمياء مفقودة بين "جميل" و"عائشة" على الشاشة وحضور باهت للأخيرة يفقدان العلاقة بينهما الصدقية.

يسجل الفيلم عودة الممثلة هند صبري الى السينما التونسية بعد انقطاع طويل، تطلّبه عملها في مجموعة أفلام مصرية آخرها "أحلى الأوقات" لهالة خليل.

"سهر الليالي" هو الآخر الروائي الطويل الأول لمخرجه هاني خليفة. ولعل الحضور الطاغي للأفلام الأولى في المسابقة هو، بقدر ما يمنحها طزاجة ودماً شاباً، لا يخلو من حقيقة انكفاء أجيال سينمائية سابقة تحت ضغط شروط الإنتاج أو عدم توفره. لعل "سهر الليالي" بدخوله مسابقة مهرجان السينما العربية يحمل في طياته "براءة" السينما المصرية من سيطرة الكوميديا الهابطة بشكل نهائي عليها. حتى المهرجان يعيد حساباته باختيار هذا الفيلم تحديداً، على الرغم من وجود عملين آخرين على الأقل مؤهلين للمشاركة: "أحلى الأوقات" لهالة خليل و"بحب السيما" لأسامة فوزي. في دورة العام 2000، خصّ المهرجان موجة الأفلام الكوميدية ببرنامج خاص كأنما ليكرّسها الشكل السينمائي المعاصر. لعل جزءاً كبيراً من نجاح "سهر الليالي" الذي يفيض عنه تناقضه شكلاً ومضموناً مع موجة الأفلام تلك. فهو بمجرد خروجه من تحت مظلة الكوميديا ومعادلتها، وان انتهج معادلة أخرى، أثبت لشريحة كبرى من المهتمين بالسينما أن السينما المصرية قادرة على استعادة مكانتها، ليس كمختبر سينمائي، بل كصناعة بالدرجة الأولى بعد أن تراجعت كثيراً في السنوات الأخيرة. من هذه الآمال والمخاوف، طلع فيلم خليفة بحكاية حول الأزواج والعلاقات وبكوكبة نجوم شباب من منى زكي الى حنان الترك وخالد أبو النجا وغيرهم. فيلم خليفة بسيط المعالجة ولكنه قريب وحميم، يلمّح الى موضوعات غائبة عن الأفلام المصرية أكثر منه يعالجها بعمق، ولا يخرج على التقليد في طرح المشكلة ومعالجتها بحسب المفاهيم الاجتماعية السائدة. على الرغم من ذلك، يقوم على عنصر شاب قوي ويقدم الممثلين في أداءات قوية لا مساحة لها في الأفلام الهابطة.

أما الموريتاني ميد هوندو، فيصوغ الحكاية المتوقعة في إنتاج مشترك حيث تحضر الشخصيات بجنسيات البلدان المشاركة في الإنتاج: فاطمة شابة جزائرية تتعرض للاغتصاب من ضابط سنغالي في الجزائر وتلد ابناً أسود منه ثم تسافر للعيش في دكار بعد زواجها من قريب لوالدها بهدف إنقاذها من الفضيحة. في فيلم هوندو، يبدو التاريخ والحاضر غائبين من دون صلتهما بالاحتلال الفرنسي، كأن تلك الحكايات تتجاوب بشكل كامل مع أفكار الآخرين عن رؤيتهم لذلك العالم. وسجل المخرج حافل بالأفلام ذات الطابع السياسي إنما يفتقر عمله الى الخصوصية (Nuance) بما يجعله أقرب الى حكايات الذين تخطوا الحروب وعاشوا ليحكوا مشاهداتهم بعناوينها العريضة.

الوثائقية

اللافت في برنامج الأفلام الوثائقية الطويلة اكتشاف أنها استطاعت أن تجد سبيلها الى المتفرّج أكثر من الأفلام الروائية. فبين "خريف آدم" الروائي المصري الطويل الذي يعود إنتاجه الى العام 2002 و"اجتياح" أو "جنين جنين" الوثائقيين اللذين يعود إنتاجهما الى العام نفسه، يبدو الأخيران أكثر شعبية بين الجمهور بسبب من الاهتمام التلفزيوني منذ مطلع القرن الجديد بعرض هذه الأفلام وجهات أخرى خاصة وجدت فيه، أي الوثائقي، تواصلاً طازجاً ومباشراً مع الأحداث المحيطة. لا يعني ذلك أن دور التلفزيون إيجابي حتى آخر الخط، إذ أن "الأجندة" المخبأة لهذا الاهتمام بالفيلم الوثائقي تقوم على شروط ضيقة ليس أهمها النظرة الى الوثائقي من منظور سياسي حدثي ومعلوماتي في معظم الأحيان. ولعل تلك بعض الأسباب الذي حدا بالمهرجان الى تخصيص ندوة حول الوثائقي ودور التلفزيون تنعقد خلال الأيام المقبلة.

في المحصّلة، يتفوّق عدد من الأفلام الوثائقية في مقدمها "سُريدة: إمرأة من فلسطين" لتهاني راشد، "خلقنا وعلقنا" لعلا طبري، "حرب بدون صور" للجزائري محمد سوداني و"إجتياح" لنزار حسن مع العلم أن عدداً كبيراً من الأفلام لم يُعرض بعد.

في "سُريدة"، تقوم المخرجة بتقديم شخصيات نسائية من "رام الله" يتحدّثن عن يومياتهن في ظل الاحتلال وأحاسيسهن تجاه القضايا الكبرى والأخرى الصغرى. ربما ينفع هذا ملخصاً لعدد لا يُحصى من الأفلام ولكنه تماماً ما يجعل الفيلم ساحراً. فهنا، الشخصيات تأتي أولاً وحكاياتها من نسجها الداخلي. أفلا يُقال أنه يستحيل العثور على حكاية تُروى مرتين بالأسلوب نفسه؟ هكذا هي شخصيات "سُريدة"، لا سيما الأخيرة التي يتخذ الفيلم من اسمها عنوانه. يراكم الفيلم بهدوء وبنفس طويل حياة كاملة ويصل بالمتفرّج الى حالة من الاكتفاء والتشبع غير المسبوقين.

الكاميرا تعايش الشخصيات من دون أن تفرض نفسها. وهم ألفوها من دون ادعاء عدم وجودها. ولكنها لا تختلف كثيراً عن إحساسهم بأنهم مراقبون. في لحظة ما، تقول "سُريدة" عن جيش الاحتلال: "أشعر أنهم معي في العمل والبيت وأدخل لأنام وأشعر أنهم ما زالوا جالسين...".

تلك الحياة المراقَبة والخارجة عن سيطرة أهلها، كما تقول "سُريدة" هي ما يرصده الفيلم بلحظات الفرح الغامرة والحزن الخانقة. في طريقه، يظهر الفيلم صورة عميقة عن ثورة شعب هائلة على الاحتمال والاستمرار والسخرية ولكنها صورة من الداخل لا تشبه الشعارات المنادية بالصمود.

في "الناصرة"، مسقط رأسها، ترصد علا طبري المقيمة في باريس إحساس فلسطينيي 1948 أو "عرب إسرائيل" كما يُطلق عليهم، بهويتهم وتناقش معهم التسمية الأخيرة. تنطلق المخرجة من طفولتها عندما كانت تغني النشيد الوطني الإسرائيلي في المدرسة وتحتفل مع معلماتها ورفاقها من الفلسطينيين بعيد الاستقلال، يوم النكبة. تجول وتسأل لتتكشف لها ثنائية الواقع وتعددية الهوية ولكنها تصعقنا بشهادات أطفال حول الاحتلال والنظرة الى الآخر تبدو أحياناً أنضج من رؤية الكبار. ربما كانت المخرجة تتمنى الوصول الى إجابات قاطعة ولكن ما تصل إليه يتلخّص بجملة صديقتها "مشكلة أن لا يعرف الواحد أنه ضائع في داخله".

بهذا المعنى، ثمة وجهان أساسيان لفلسطينيي الناصرة: أولئك الذين يعرفون أنهم يتخبطون في التناقض وأولئك الذين لا يتعاملون مع تناقض واقعهم. كلاهما يحدّد هويته، أو لا يحددها، من تلك المعرفة.

المستقبل اللبنانية في

مهرجان السينما العربية السابع في باريس ما زال يخبئ عروضاً منتظرة

غياب المناقشات النقدية الجدّية والأعمال الوثائقية تحتاج الى غربلة

ريما المسمار

كان مهرجان السينما العربية قد جاوز منتصفه لحظة كتابة هذه السطور. ستة أيام مرّت وثلاثة ما زالت تفصله عن اختتام دورته السابعة بحفل توزيع الجوائز على الأفلام الفائزة ليلة السبت الثالث من تموز/يوليو وعرض الأفلام الفائزة للمرة الأخيرة في اليوم التالي. ليس سهلاً التنبؤ في ما يخص قرارات لجنة التحكيم أو الأحرى لجنتي التحكيم، الروائية والوثائقية. إذ يشكل مهرجان معهد العالم العربي للسينما المنعقد كل عامين حالة متفرّدة من حيث إقامته في العاصمة الفرنسية بحضور شخصيات سينمائية أوروبية كجمهور وتحكيميين.

وغني عن القول ان مروحة الذائقة الأوروبية للأفلام الأوروبية (مهرجان كان مثلاً) تختلف عنها للأفلام العربية.

والأمر عينه لا ينطبق على الذائقة العربية للأفلام الأوروبية حيث الفارق شاسع بين حضور "السينماتين"، الأوروبية والعربية، في المشهد السينمائي العالمي ليس بالضرورة ان تكون النظرة الأوروبية الى السينما العربية خاضعة دائماً للأحكام المسبقة كما يودّ بعضهم الاعتقاد لتبرير ما يمكن تبريره، إلا ان تصور السينمات العربية عموماً عن إيجاد مساحة لها في الأسواق الأوروبية يجعل أفلامها تجارب، تجارب وحسب نابتة من جهود فردية وليس من إرث سينمائي وأرض صلبة، الأفلام العربية هي في العين الأوروبية والعالمية مقطوعة عن تاريخها، إما لعدم وجود تراكم بالمعنى الحقيقي للكلمة وإما لأن ذاك التراكم، في حال توفّره، لم يخرج من دائرة المحلية. من يتذكر اليوم ان فيلماً مثل "أرض مجهولة" لغسان سلهب (عُرض في فئة نظرة ما لمهرجان كان 2002) أو "طيارة من ورق" (حاز الأسد الفضة لمهرجان البندقية 2003) هو من نفس المكان الذي أخرج "الى أين؟" لجورج نصر (أول فيلم لبناني شارك في مهرجان كان عام 1957)؟ بهذا المعنى، تفتقد السينمات العربية التراكم الحريّ بجعلها حاضرة في المشهد السينمائي العالمي وفي الاذهان. ربما من هنا علا بعض الأصوات قبيل بدء المهرجان المحتجة على ترؤس لجنة التحكيم ممثلة فرنسية (بول اوجييه) غير متابعة للسينما العربية أو متعاطفة معها. على ان لذلك "الاحتجاج" وجهين، أحدهما محق والآخر باطل. من الضروري ان تُشاهد الأفلام العربية في سياقها التاريخي لرصد تطوّراتها وتحول لغتها السينمائية وأدواتها الجمالية. ولكن ذلك لا يعني ان يكون المعيار هو النسبية، أي التهليل لعمل متواضع لمجرد تقدّمه على سابقيه بما لا يحوله عملاً سينمائياً فنياً. فتذوق عمل سينمائي ليتواني مثلاً ليس قائماً على معرفة الإرث السينمائي الطالع منه، هل تميل ذائقة لجنة التحكيم بأعضائها الثلاثة الأوروبيين (اوجييه ومدير التصوير اليوناني يورغوس ارفانيتيس والناقد الاسباني البرتو ايلينا) الى الأفلام ذات الصبغة الأوروبية كأفلام المغرب العربي؟ والأمثلة هنا كثيرة، "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق"، "اغتيال الشمس" لعبد الكريم بهلول "الكتبية" لنوفل صاحب ـ الطابع، "فاطمة، جزائرية من دكار" لميد هوندو، "خيط الروح" لحكيم بلعباس أو "دار الناس" لمحمد دمق؟ أم انه سيكون لحضور أربعة أعضاء عرب (المخرج العراقي قاسم حول، الممثلة الجزائرية ناديا قاسي، المخرج المصري يسري نصرالله والكاتب اللبناني الياس خوري) الفضل في تحويل الأنظار الى أفلام ذات نفس خاص وأهمية من حيث موضوعاتها ومعالجاتها؟ في هذا السياق، لا يمكن أن نستثني "عطش" لتوفيق أبو وائل في فلسطين 1948 و"حكاية العائلة" التي نفت نفسها في وادٍ سحيق وانغلقت على ذاتها قبل ان يحدث ما يوقظها و"معارك حب" لدانييل عربيد المستعيد فصلاً من الحرب اللبنانية و"ما يطلبه المستمعون" للسوري عبد اللطيف عبد الحميد بمناخه الساخر وحسّه الانساني. الى تلك الأفلام، يبقى المصريان "سهر الليالي" و"خريف آدم" لمحمد القليوبي وكلاهما يستند الى سرد تقليدي وان احتاج الأول الى معرفة ظروف طلوعه من موجة كوميدية هابطة للتمكن من فهم الضجيج من حوله.

اللافت ان مجموعة غير قليلة من أفلام المسابقة الروائية تشكل الأعمال الأولى لمخرجيها: "سهر الليالي"، "عطش"، "فوق الدار البيضاء، الملائكة لا تحلّق"، "معارك حب" و"الكتبية".

التخمين إذاً أصعب مما يبدو للأسباب المذكورة ولغياب النقاشات على هامش المهرجان. عدد كبير من الأفلام المعروضة، لاسيّما الروائية الطويلة عُرض في مهرجانات أخرى حيث تسنّى لعدد كبير من الصحافيين والنقّاد مشاهدته، ففقد بالتالي تأثيره الأولي عليهم الدافع الى تبادل الآراء. وإذا كان ذلك يقود الى سؤال حول أهمية المهرجان ومكانته بين المهرجانات الأخرى، لا بد من القول ان هذا مهرجان يطمح الى ان يشكل جعبة لأحدث الإنتاجات العربية ونافذة تطل من خلالها الأخيرة على أوروبا. ربما ليس المهرجان في المرتبة الأولى لدى كثر. ففيلم مثل "بحب السيما"، فضل صاحبه أسامة فوزي عرضه في البندقية أولاً وإن ما زالت مشاركته غير اكيدة بعد.

الأمر نفسه لا ينطبق على الأفلام الوثائقية. فالمهرجانات المتخصصة بالنوع ما زالت شبه غائبة في البلدان العربية باستثناء مهرجان الاسماعيلية في مصر و"مهرجان الأفلام الوثائقية Docu-days" على نطاق أضيق في بيروت.

أما المهرجانات الوثائقية العالمية فليست كنظيرتها الروائية، قبلة الصحافيين والنقّاد. من هنا، يبقى هامش الاكتشاف في هذا المجال أوسع ولكنه يطرح في الوقت عينه مشكلة الاختيار. ففي ظل تكاثر الأفلام الوثائقية في السنوات الأخيرة ودخول التلفزيونات شريكة في إنتاجها، أصبح المجال متاحاً أمام عدد أكبر من الشباب لخوض المجال مع كل ما يعنيه ذلك من سرعة واستسهال وتسطيح في أحيانٍ كثيرة.

في هذه الأجواء، تحتاج غربلة هذا النتاج الوثائقي الى جهد حقيقي وأحياناً الى قرارات حاسمة. فالتيارات المكوّنة منذ بدء حقبة الطفرة الوثائقية، تميل الى التقليد بشدة وتبتعد عن ابتداع رؤى أصلية ما دام الفيلم الوثائقي مرافقاً في أحيانٍ كثيرة للتدوين والتسجيل المرافق للحدث.

وبقدر ما يبدو أحياناً من السهل غربلة تلك الأفلام بين "أصلي" (Original) و"مقلّد" أو "منقول"، بقدر ما يصعب إطلاق أحكام مطلقة، ما زالت هناك أمور كثيرة عالقة. الأسئلة المطروحة في الوثائقي هي في الوقت عينه أساسية وضرورية وبديهية ومع ذلك يصعب الإجابة عنها. من الغبن ألا نرى ذلك التخبّط الذي يسم الإنتاج الوثائقي الفلسطيني مثلاً أو بحثه عن وسائل تعبيرية بديلة في كل لحظة للخروج من آنية الحدث. ومن السطحية ألا نلحظ دخول تلك الأفلام في المنطقة الذاتية لأصحابها كمرآة لمواجهة أسئلتهم وتناقضاتهم الداخلية وتخبطاتهم. ليس ذلك من قبيل القول إن كل الأفلام جديرة بلفتة ولكن ثمة تغييراً تختلف مصادره.

أهي الانتفاضة الثالثة التي شهدت سقوط شهداء لفلسطينيي الداخل (1948) وبدّلت المنطقة الداخلية والخارجية) أم هي الانكسارات الداخلية الشخصية لأصحابها؟ أم هو صراع البقاء ومحاربة المحو والنسيان الذي يجعل من الكاميرا أداة يتهافت الجميع عليها؟ الأمر نفسه ينسحب بوطأة أقل على العراق الذي يفرض هو الآخر علاقة مختلفة بالكاميرا وبالتوثيق وربما ما ظهر من أفلام ليس سوى البداية.

الوثائقية

بعد دورات عدة من المهرجان خصّصت الأفلام الوثائقية الفلسطينية ببرامج خاصة، انتقل في الدورة الحالية حضور هذه الأفلام الى المسابقة الرسمية ربّما في إشارة الى تبلور ما بدأت تشهده هذه الأفلام بعد ان كانت تجارب متفرّقة، وفلسطين حاضرة في الموضوع أو في الموضوع والإنتاج معاً.

تناولنا في المقالة السابقة فيلمي علا طبري "خلقنا وعلقنا" وتهاني راشد "سريدا امرأة من فلسطين"، وما زال البرنامج يتضمن أفلاماً أخرى. "اجتياح" لنزار حسن و"جنين..جنين" لمحمد بكري تناولا حدثاً ساخناً في وقتها: مجزرة جنين. كلا الفيلمين جال في مهرجانات عدة والثاني عُرض على شاشات التلفزة ولكن بحسب مديرة المهرجان ماجدة واصف، اختير "جنين..جنين" في إطار إتاحة مشاهدته بأخذ مسافة من الحدث. ومن جهة ثانية، يقابله في البرنامج "إجتياح" الذي يقوم على مساءلة المخرج لجندي إسرائيلي كان مشاركاً في المجزرة. إذاً، الفيلمان مختلفان شكلاً ومعالجة؛ الأول يوثق الحدث وردود الفعل المباشرة، أي أنه يقف على مسافة صف منه بكل ما يمليه ذلك من سواد العواطف الجياشة. أما الثاني، فيأخذ مسافة منه زمنية ومكانية تتمثل بجلوس المخرج والجندي أمام شاشة تبث مشاهد المجزرة. "صديقي، عدوي" هو فيلم مازن سعادة حول فتيات فلسطينيات وإسرائيليات مشاركات في "معسكر السلام" في أميركا والعلاقة التي تنشأ بينهن. يذكر شريط سعادة بفيلم Promise الوثائقي حائز جائزة الأوسكار قبل عامين الذي يدخل في منطقة مشابهة في محاولة لاكتشاف تفاعل الإنسانية بين طرفين عدوين، في العروض الخاصة للمهرجان، عُرض الوثائقي "عرس في رام الله" لشيرين سلامة في تجربة تطرح تساؤلات كثيرة حول علاقة الوثائقي بالواقع. فالمخرجة تتابع من خلال الكاميرا عودة شاب فلسطيني يُدعى "بسام" من أميركا الى رام الله بحثاً عن عروس يتزوّجها ويطير بها الى منفاه، وذلك بعد فشل قصة حبه. الزواج مدبّر كما يقول الشاب لأنه حبّاب أن يحب ففشل. تدخل الكاميرا معه بيت العروس للتعرف بها وترافقه في تحضيرات العرس وفي العرس وانتقال عروسه "ميريام" الى بيت أهله المتواضع.

هناك تبقى العروس والكاميرا، بينما يسافر "بسام" بانتظار حصول زوجته على التأشيرة. تمر الأيام بطيئة ولا خبر عن التأشيرة. "ميريام" البسيطة تقضي نهاراتها في التنظيف أو مشاهدة التلفاز ومجالسة "سنيورة"، زوجة شقيق "بسام"، المقيمة في بيت حميها منذ ثماني سنوات بينما زوجها في أميركا يعمل. تذهب كاميرا شيرين الى حد تعرية الشخصيات بدخولها في أدق التفاصيل اليومية والحياتية الى حد يغذي شعوراً مريضاً لدى المتفرج بـ"التلصص". تطرح هذه النوعية من الأفلام سؤال: الى أين؟ ماذا تريد الكاميرا والمخرجة؟ لا تبدو الأخيرة متفاعلة مع الحدث أمامها أو مع الشخصيات. صحيح أنها تتحول فرداً من العائلة بعد وقت ولكنها تلتزم مكانها ومسافتها من الشخصيات. كأنها تدرك سلفاً الى أين تريد الوصول بما ينفي صفة المُتغيّر في فيلمها. فهي أمام أناس تتبدل مشاعرهم وظروفهم، تبدو كأنها لا تهتزّ. من جهة أخرى، يحضر السؤال بقوة عن علاقتها بالشخصيات. صحيح أنها تبدو متعاطفة معهم ولكنها تبقى مع الكاميرا والمشاهد عند حدود صورتهم الساذجة. "ميريام" البسيطة حتماً تخبئ ما هو أعمق من مظهرها الخشن وردود فعلها الخام. و"سنيورة" بسلوكها الظاهري المرح تخفي أهوالاً. بهذا المعنى، يبقى الفيلم خارج الشخصيات ويبقي الأخيرة مسطحة ويضيع على نفسه شخصيتين تبدوان أكثر جاذبية هما "سنيورة" وزوجها.

ولكن المخرجة تستسلم للعناصر الظاهرية الجاذبة: رجل يتزوج في خلال شهر ويسافر وزوجته تسعى الى تأشيرة سفر أميركية وتسافر لتُصدم بواقع لا يختلف كثيراً عن سجنها في رام الله.

أربعة أفلام وثائقية أخرى جذبت الانتباه: "كلاكيت" أو Clap لعمار البيك (سوريا)، برلين ـ بيروت لميرنا معكرون (لبنان)، "دردشة نسائية" لهالة جلال (مصر) وControl Room لجيهان نجيم (مصر ـ أميركا).

في الأول، يسعى المخرج الى النفاذ الى العلاقة المركبة بين كاهن دير والأخوة فيه في تناقض جلي بين روحانيتها المفترضة وماديتها المستقاة من النظام الاجتماعي السائد.

فالأب "بولس" يبدو أقرب الى رب عمل وعلاقته بالآخرين هي علاقة بمستخدمين في الوقت الذي تقوم فيه العقيدة على المساواة التامة في خدمة الرب أولاً وأخيراً.

تفاصيل صغرى يلتقطها المخرج في أحاديث الآخرين، مناقضاً بين بساطة الأخوة و"فذلكة" الأب إذا جاز التعبير. يحدّد البيك مسار فيلمه منذ البداية كأنه يخاف من أن يفوت المشاهد الموضوع. يقول في المقدمة بكلمات تُكتب على الشاشة: "لم يخلق الفيلم من أجل نزهة بالعيون ولا من أجل التوفيق... بل من أجل النفاذ فيه وتعرية تلك العلاقات التي تجمع بين شخوصه". لا بأس بذلك ولكن من قال ان هناك قراءة واحدة للعمل الفني؟ ولماذا لا يكون نزهة بالعيون في تلك الساحة الهادئة التي يقوم الدين عليها؟

مشكلة الفيلم انه "يزايد" على نفسه، باستخدامه مؤثرات بصرية وأسلوباً تصويرياً يبدو منفصلاً عن الموضوع. كما يحدد المخرج "هدف" فيلمه، كذلك يبدو مستعجلاً في "تعرية" العلاقات بين شخوصه، كما وضعها. لماذا يُدخل نفسه جزءاً من الفيلم في الوقت الذي يقرر منذ البداية ان يلعب دور "الفاضح"؟ لا يبتعد فيلم "كلاكيت" كثيراً من "الطوفان" لعمر اميرالاي الساعي بدوره الى الكشف عن التركيبة السياسية والاجتماعية والعشائرية لقرية سورية مع فارق ان الأخير ينفذ ببطء الى داخل تركيبتها ويبطء وتأن يكشف النقاب شيئاً فشيئاً من دون ان يجعل حركته مرئية. ليس ذلك من قبيل القول ان ثمة طريقة واحدة للمعالجة البصرية ولكن ازدحام اللغة البصرية، المتقنة من دون شك، في "كلاكيت" أفقد المشاهد تأثير تلك "النزهة" الى داخل النفوس. "برلين ـ بيروت" هو شريط ميرنا معكرون الذي تقارن فيه مدينتي بيروت حيث ولدت وعاشت حتى مرحلة متأخرة وبرلين الى حيث انتقلت للعيش مؤخراً".

تتحسس معكرون نبض كل مدينة وتبرز تفاصيلها الصغرى بحب ورقة. تقوم المخرجة برحلة شخصية في بيروت وبرلين في آن واحد. تتنقل بين مدينة وأخرى، سيراً على الأقدام أو على عجلة أو في تاكسي. تمتزج العلاقات والشوارع والأبنية والوجوه والأصوات. تستحضر الذكريات وتحكي مغامرات حياتها في العاصمتين. وتبقى للمدينتين غموضهما وجروحهما وحبهما مدينتان احتلتا وقسمتا ثم أعيد بناؤهما. تذكر معكرون بصوتها الرقيق وملامحها البريئة المأخوذة بما يجري حولها بشخصية "اميلي بولان" في الفيلم الفرنسي الذي حمل العنوان عينه. كلتاهما تبحث عن الحب والسعادة في وسط الغرب والوحدة والحياة.

"دردشة نسائية" لهالة جلال، يستكمل سلسلة "نساء رائدات" التي أطلقتها شركة مصر العالمية بإشراف المنتجة ماريان خوري وتحقق منها الى الآن مجموعة غيرقليلة من بينها: "نساء عاشقات" لماريان خوري، "ارض النساء" لجان شمعون، "سيدة القصر" لسمير حبشي وغيرهما. ترصد جلال في فيلمها هذا، تطور الحركة النسائية في مصر من خلال مقابلات مع نساء شابات يمارسن ادوارهن كناشطات وباحثات في المجال. إلا ان الجزء الأهم من شريط جلال والذي كان ليحتل فيلماً كاملاً لولا ضرورة الرد التاريخي والتعريف، هو أربعة أجيال في عائلة واحدة، الجدة الكبرى، الابنة وبناتها وحفيدتها.

المرأتان في الجيلين الأول والثاني غير محجبات، عاشتا حياة حرة ومستقلة الى حد بعيد.

أما الابنة والحفيدة (أي الابنة وابنتها) فتشكلان نموذج المرأة في المجتمع المصري الحالي وسلطة الحجاب عليه. دردشة بين النساء تكشف بعمق عن قيم مثل الحرية والاستقلالية والمساواة واختلاف تأثيرها عبر الزمن. فيلم يدق ناقوس الخطر حول تراجع وضع المرأة "وحشرها في مساحة ضيقة هي بيتها كما تقول احدى شخصيات الفيلم.

أما "كونترول روم" في فيلم يستثمر حدث الحرب على العراق والجدل حول قناة "الجزيرة" من دون ان يمتلك وجهة نظر خاصة. جيهان نجيم تتابع مع فريق تصوير الحركة داخل المحطة القطرية وفي المركز الصحافي. تنجح أحياناً في التقاط التفاصيل وتنجرف في معظم الأحيان الى تكريس الصورة ـ النموذج لكل جهة لا سيما "العربي" و"الأميركي". الفيلم المنجز بانتاج اميركي ـ مصري، حاز مؤخراً توزيعاً من إحدى الشركات الكبرى في هوليوود ولكنه يقف على الحافة، اذ يتوجه الى جمهور أميركي يعتبره موالياً للجزيرة بينما لا يرى الجمهور العربي فيه أي جديد. انه إعادة تكرير للعودة التلفزيونية في إطار يدعي أبعد مما يحققه.

الروائي القصير

على الرغم من تصنيفه في فئة الافلام الوثائقية، يندرج شريط اللبناني لويس سرمد "عالليلكي" La Paraplui Mauve في إطار الأفلام الروائية أكثر. صحيح أن الشاب يركز كاميراه في زاوية واحدة تطل على مرمى نفايات، إلا ان التوثيق ليس ما يبتغيه. على تلك "المزبلة"، يمر سائق دراجة ويتفحص على مدى خمس دقائق أو أكثر شريراً من حيزران ومظلة ليلكية. يفرض المخرج على متفرجه ان ينظر طوال مدة الفيلم (11 دقيقة) من زاوية غير مرئية في العادة ولكنها موجودة. للدقائق، ننسى ان تلك الزاوية جزء في عالم أكبر وانها في نهاية المطاف احدى زوايا الرؤية الموازية له. لكننا غالباً ما نختار زاويا أعلى لنرى فوق الواقع في ما ينسحب على علاقتنا بالمدينة ككل. من لبنان ايضاً، عرض المخرجان جوانا حاجي توما وخليل جريج فيلمهما "رماد" الذي يرصد بحساسية عالية النطاق الاجتماعي من خلال قصة "نبيل" (ربيع ودة) الذي يعود من السفر مع إناء يحتوي على رماد جثة والده المحروقة بناءً على رغبته. بينما يحاول الشاب تحقيق وصية والده برمي الرماد في البحر، تجبره العائلة على إقامة جنازة مزيفة مراعاة للتقاليد في تلك المناسبة الاجتماعية، يسهل رصد التناقضات والتزلف. اللافت في شريط المخرجين لغته السينمائية العالية المعبرة عن مأزق "نبيل" حيث يظهر الأخير دائماً محشوراً في مساحة صغرى تزيد ارتباكه وإحساسه بالزيف.

"الرقصة الأبدية" للفلسطينية هيام عباس محاولة رصد عزلة رجل جاوز الخمسين في علاقته بزوجته الراقدة في غيبوبه وابنته وحفيدته. جميل راتب في دور الرجل المفجوع يقدم اداءاً عالياً بينما يصعب عدم تلمس تأثير بيدرو المودوفار بفيلمه قبل الأخير "تحدث اليها" على مناخ الفيلم. هناك في الغرفة، يتعامل الرجل مع المرأة الغائبة كجسد وروح، يلقي عليها قصائد حب يتحدث اليها وينتظر. الغيبوبة حالة أصعب من الموت لأنه يمنح الآخرين الأسباب كافة للتعلق بما بقي من حياة في الجسد الغائب.

أما "نظرة الى السماء" للمصرية كاملة أبو ذكري فمحاولة ذكية لكسر "تابو" الدين والعلاقات المختلطة. فمن خلال قصة فتاة وشاب متحابين، تغير المخرجة مصيرهما المحتوم الذي يفرضه المجتمع للقول ان "المحرمات" ليست ثابتة او مطلقة. فعندما يراها عمها تتمشى برفقة حبيبها، يشي بها الى أهلها بينما تنكر هي الموضوع. كلاهما يقسم على كلامه، الفتاة كذباً والعم صدقاً. ان "العقاب" ينزل بالأخير...

ما زال برنامج الأيام الثلاثة الأخيرة يخبء عروضاً منتظرة. في الوثائقي، هناك "الطوفان" لعمر اميرالاي، "إنس بغداد" لسمير في برنامج "لقطة مكبرة على السينما العراقية"، "اليوم" لأكرم الزعتري في المسابقة الرسمية الى عدد كبير من الأفلام الروائية القصيرة المركزة في برنامج طويل اليوم الجمعة والروائي الطويل "عطش" وفيلم الختام "باب الشمس" ليسري نصر الله في عرضه الأول بعد مهرجان كان.

السينما العربية في باريس توزّع جوائزها:

الكبرى لعربيد والتمثيل لـ"سهر الليالي"

باريس/ إبراهيم العريس

وكأن الحضور العربي في الدورة الاخيرة لمهرجان "كان" السينمائي انتقل كله الى قلب العاصمة الفرنسية ليحقق لأفلامه الثلاثة فوزاً جماعياً في مهرجان السينما العربية في باريس. وكأن السينما العربية, في الوقت نفسه, تنفض عن جسدها جلد الاجيال الماضية, لتكرّم مرة واحدة اصحاب افلام اولى لا يزالون في سن الشباب, فمن اللبنانية دانيال عربيد, الى الفلسطيني توفيق ابو وائل الى المغربي محمد عسلي في "الملائكة لا تحلق في سماء الدار البيضاء" سلكت جوائز الدورة السابعة, لما يعتبر اهم مهرجان سينمائي عربي على الاطلاق, درباً مباشراً لتقول ما يوحي ان السينما العربية في خير: دانيال عربيد, بفيلمها "معارك حب" نالت جائزة المهرجان الكبرى, توفيق ابو وائل برائعته "عطش" نال جائزة مارون بغدادي, فيما راحت جائزة العمل الاول لملائكة الدار البيضاء.

ما المشترك بين هذه الافلام عدا كونها اول الانتاجات الكبيرة لاصحابها؟ كونها تقول الجريء والمغاير, وتتنطح لابداع لغات سينمائية جديدة من ناحية, وكونها تعد المغامرين الراغبين بعد في خوض تجربة فن, اعلن موته الف مرة من قبل وبعث الف مرة, بحسن المصير ان هم غامروا. والملفت هذه المرة ان هذه الافلام لاقت حين عرضت اجماعاً من المتفرجين, كان سبقه اجماع في "كان" قبل ان تصل الى امتحان المحكمين, ولمرة نادرة, تطابق رأي هؤلاء مع رأي اولئك.

إذاً, حققت دانيال عربيد بحكاية حبيبتها المراهقة المتفتحة على الحب وسط بيروت الحرب, ما لم تكن تتوقعه: توج فيلمها كأفضل انتاج عربي خلال العامين الأخيرين, معيداً الى السينما اللبنانية اعتباراً طيباً, يذكر حكاية نجاح "لما حكيت مريم" قبل عامين. وتمكن خروج توفيق ابو وائل عن السرد الفلسطيني المكرر, في "عطش" من اعطاء وجه جديد ومفاجئ لسينما فلسطينية تواصل ادهاشنا. أما عداء محمد عسلي للمدينة فيبدو أنه هو الآخر كان له محبون.

في مجال التمثيل كان الجديد هذا العام منح جائزتي التمثيل الرجالي والنسائي بالجملة لممثلي "سهر الليالي" فيلم هاني خليفة المتميز الذي سار في الانتاج المصري عكس التيار.

أما في مجال السينما القصيرة فكان الاختيار لفيلم "اغتراب" الجزائري.

لكن المخضرمين لم يخرجوا من المولد من دون حمص, اذ فاز عمر اميرالاي السوري التسجيلي المواظب على سينماه الغاضبة منذ ثلاثة عقود بجائزة الفيلم التسجيلي عن فيلمه المشاكس "الطوفان" الذي يدنو من قضية شائكة في الواقع السوري, بينما فاز "اجتياح" لنزار حسن الفلسطيني بجائزة التحكيم, وهو فيلم متميز المضمون جريء الشكل عن احتلال جنين يصور من خلال اسرائيلي شارك في الاجتياح وها هو في الفيلم يعلق على صور يراها تروي له ما فعلت يداه. أما الفيلم التونسي "ريّس البحار" فكانت من نصيبه جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

هذه هي, في اختصار النتائج كما اعلنت مساء أمس في باريس, ليختتم اعلانها دورة من "مهرجان السينما العربية" بدت أصلاً على شيء من الكآبة, لكن النتائج, وعرض بعض الأفلام التي كانت أثارت ضجة من حولها منذ ما قبل المهرجان, أحيا بعض سباته... ومن هذه الأفلام, بالطبع "اسكندرية/ نيويورك" ليوسف شاهين الذي عرض في الافتتاح, و"باب الشمس" ليسري نصرالله الذي به, وبساعاته المقتربة من خمس ساعات, كانت العروض اختتمت قبل يوم من اعلان النتائج.

جريدة الحياة في

بيانالي السينما العربية في باريس يوزع جوائزه

وزع مهرجان بيانالي السينما العربية السابع في باريس مساء السبت جوائزه خلال حفل حضره عدد كبير من المخرجين العرب من جميع الاقطار فاعطى جائزة افضل فيلم روائي لفيلم لبناني وجائزة افضل فيلم تسجيلي لفيلم جزائري.

واعلنت لجنة تحكيم الافلام الروائية التي ترأستها الممثلة الفرنسية بول اوجييه وبعد مشاهدتها لاثني عشر فيلما روائيا طويلا وتسعة عشر قصيرا شاركت في المسابقة عن رضى اللجنة على "المستوى الجيد لمعظم الافلام وقدرة بعض السينمائيين على استنباط لغة سينمائية حرة وحديثة".

وبعد ثمانية ايام من العروض التي حفلت بالافلام المنتجة في العالم العربي على مدى السنتين الماضيتين ومع افلام روائية ظل عددها قليلا مقارنة بما ورد للمهرجان من افلام تسجيلية جاوزت المئتين وتراوحت بين طويل وقصير سلمت لجنة تحكيم الافلام الروائية جائزة معهد العالم العربي الكبرى لفيلم "معارك حب" للبنانية دانييل عربيد. وبلغت قيمة الجائزة 7500 يورو كما حصلت ايضا على "مساعدة معهد العالم العربي للتوزيع" ومقدارها 5000 يورو.

وفاز فيلم "عطش" للفلسطيني توفيق أبو وائل بجائزة لجنة التحكيم الخاصة التي تحمل اسم مارون بغدادي ومقدار هذه الجائزة 4500 يورو. وكان هذا الفيلم الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الاخير ضمن تظاهرة "اسبوع النقاد" فاز بجائزة النقد الدولي.

اما جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي الأول (اي العمل الاول للمخرجين) فمنحت للفيلم المغربي "فوق الدار البيضاءالملائكة لا تحلق" للمخرج محمد عسلي ومقدارها 3000 يورو.

ومنحت جائزة المعهد للفيلم الروائي القصير ومقدارها 2000 يورو للمخرجة الفلسطينية الشابة آن ماري جاسر عن فيلمها "كأننا عشرون مستحيلا".

وفي هذه الدورة من المهرجان وعلى نحو استثنائي منحت جائزة أفضل ممثلة وأفضل ممثل للممثلات والممثلين الرئيسيين في فيلم المصري هاني خليفة "سهر الليالي": منى زكي وحنان ترك وجيهان فاضل وعلا غانم وخالد ابو النجا واحمد حلمي وشريف منير وفتحي عبد الوهاب. ورأت لجنة التحكيم ان العمل الجماعي في هذا الفيلم "اظهر الفرادة المبهرة لموهبة كل منهم".

وشارك في لجنة تحكيم الفيلم الروائي اضافة الى رئيستها كل من: مدير التصوير اليوناني يورغوس ارفانيتيس والجامعي والناقد السينمائي الاسباني البرتو ايلينا والمخرج العراقي قاسم حول والممثلة الجزائرية ناديا كاسي والكاتب اللبناني الياس خوري والمخرج المصري يسري نصرالله الذي قدم فيلمه "باب الشمس" في سهرة ختام المهرجان.

وكان للفيلم التسجيلي حضوره القوي في هذا المهرجان حيث تناولته إحدى الندوات وناقشت سبل انتاجه في العالم العربي وتعاطي التلفزيونات العربية معه.

وتراس لجنة تحكيم الافلام التسجيلية المخرج البلجيكي تييري ميشال الذي حرص على ايراد بيان خلال اعلان النتائج ورد فيه ان لجنة التحكيم قطعت "رحلة طويلة مع الصورة والمشاهدة لواقع العالم العربي التي تعبر عن حالة الاختناق والخيبة". وتابعت اللجنة في بيانها "وكأن هذه السينما هي سينما الدفاع عن النفس او ربما تكون سينما توثيق الهزائم او السينما التي لا يستقر بها مكان او زمان".

ومنحت جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي الطويل لفيلم "اغترابات" للمخرج الجزائري مالك بن اسماعيل. ويصور الفيلم مستشفى للامراض النفسية والصدمات والآلام التي اصيب بها المرضى والتي تنسحب على المجتمع الجزائري باكمله وحيث الاستعارة قوية جدا ومقلقة بين العالمين.

ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم "اجتياح" للمخرج الفلسطيني نزار حسن الذي يصور فيه جنديا اسرائيليا جالسا امام صور جنين المدمرة وهو يحاور المخرج الفلسطيني ويعترف في النهاية انه قام بعملية قتل خلال اقتحامه المخيم مع آخرين.

ومنحت شهادة تقدير خاصة للمخرج الجزائري جان بيار ليدو عن فيلمه "الجزائر واشباحي" والذي يتناول الهوية الجزائرية من خلال بحث خاص وشخصي.

اما جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي القصير فمنحت لفيلم الطوفان للمخرج السوري عمر اميرالاي فيما منحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم القصير للتونسي هشام بن عمار عن فيلمه "ريس البحار".

وتأكيدا على جودة الافلام المعروضة منحت شهادات تقدير خاصة لفيلمين تسجيليين "برلين بيروت" للبنانية ميرنا معكرون و"يعيشون بيننا" للمصري محمود سليمان.

موقع الـ"MSN" في

جوائز المهرجان السابع للسينما العربية في باريس

في عالمنا,فقط الموتي لايشكون من ظلم الحاضر

"معارك" و"اغترابات" و"عطش" الي الحرية و"ملائكة" لم تعد تقوي علي التحليق

صلاح هاشم ـ باريس/ خاص بـ"سينماتك"

في حفل ختام مهرجان السينما العربية السابع, الذي عقد دورته السابعة في الفترة من 26 يونيو إلي 4 يوليو في معهد العالم العربي في باريس, أعلنت لجنة تحكيم المهرجان, برئاسة الممثلة الفرنسية بل أوجييه, عن جوائزها لمسابقة الافلام الروائية الطويلة, فحصل فيلم " معارك حب " للبنانية دانيال عربيد علي الجائزة الكبري ومقدارها 7500 يورو, ونال فيلم" عطش" للفلسطيني توفيق ابو وائل جائزة جائزة لجنة التحكيم الخاصة ومقدارها 4500يورو, وحصد فيلم " فوق الدار البيضاء الملائكة لاتحلق" للمغربي محمد عسلي جائزة الفيلم الروائي الاول ومقدارها3000يورو, ونال فيلم " كأننا عشرون مستحيل" للفلسطينية آن ماري جاسر علي جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي  القصير , كما حصل فيلم " معارك حب" علي مساعدة معهد العالم العربي للتوزيع ومقدارها 5000يورو, ومنحت لجنة التحكيم لافضل ممثل وممثلة للممثلات والممثلين الرئيسيين في فيلم " سهر الليالي" للمصري هاني خليفة..

وكانت لجنة التحكيم بمشاركة المخرج العراقي قاسم حول ومدير التصوير اليوناني يورغوس أرفانيتيس والناقد الاسباني البرتو ايلينا والممثلة الجزائرية ناديا قاسي والروائي اللبناني الياس خوري والمخرج المصري يسري نصر الله, كانت نوهت قبل الاعلان عن جوائزها بالمستوي الجيد لاكثرية الافلام المشاركة في المسابقة (12فيلما روائيا طويلا و19فيلما روائيا قصيرا ) التي عكست حسب قولها اتجاهات مختلفة في السينما العربية, وبينت قدرة بعض السينمائيين علي التخلص من الصور النمطية, واستنباط لغة سينمائية حرة وحديثة..

جوائز المهرجان للأفلام التسجيلية

كما اعلنت لجنة تحكيم مسابقة المهرجان للأفلام التسجيلية برئاسة المخرج البلجيكي تيري ميشيل عن جوائزها في الافلام التسجيلية الطويلة, ففاز فيلم " اغترابات" للجزائري مالك بن اسماعيل بالجائزة الكبري ومقدارها3500 يورو, وحصل فيلم " اجتياح" للفلسطيني نزار حسن علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة ومقدارها 2500يورو, ومنحت اللجنة شهادة تقدير خاصة لفيلم " الجزائر وأشباحي" , وفي الافلام التسجيلية القصيرة منحت اللجنة الجائزة الكبري ومقدارها 2000يورو لفيلم " الطوفان" للسوري عمر اميرالاي, وجائزة لجنة التحكيم الخاصة 1500يورو لفيلم " ريس البحار" للتونسي هشام بن عمار , ومنحت فيلم " يعيشون بيننا" للمصري محمود سليمان, وفيلم " برلين بيروت " للبنانية ميرنا معكرون, علي شهادة تقدير خاصة..

وكانت لجنة تحكيم الافلام التسجيلية بمشاركة المخرجة صفاء فتحي من مصر والمخرج مسعود امرالله من الامارات  والمونتيرة كاهنة عطية من تونس والمخرج فرانسوا مارجولان من فرنسا نوهت بقيمة الافلام المشاركة وماعكسته من خيبات واغترابات وانتكاسات, في اعقاب احداث 11 سبتمبر2001, وبحث قلق عن الهوية, يكاد لاينفتح علي أي منظور أو رؤية للتاريخ أو المستقبل.

فيلم " اغترابات": وطار فوق عش قسطنطينة

كان فيلم " اغترابات " من اجمل واقوي الافلام التي شاهدتها في مهرجان" سينما الواقع"في باريس للافلام الوثائقية, وهو مهرجان بمسابقة, ويعقد كل عام في شهر مارس في مركز جورج بومبيدو ,قبل ان ينضم الفيلم الي مسابقة الفيلم التسجيلي في مهرجان السينما العربية السابع,ويفوز بالجائزة الكبري,وكان" اغترابات" 115 دقيقة, حصل علي جائزة المكتبات والتراث( وقيمتها 6 الآف يورو) في مسابقة سينما الواقع , وهنا ماكتبته في مفكرتي السينمائية بعدالانتهاء فورا من مشاهدة الفيلم..

" .. يحكي" اغترابات " عن حياة المجانين في مستشفي للامراض العقلية في مدينة قسطنطينة الجزائرية, وقدهزنا بشدة, وحرك فينا اشجاننا, بقدرته علي التوثيق للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر, من خلال حياة و شهادات المجانين, وبيّن الفيلم ,وبما لايدع مجالا للشك, ويالها من مفارقة, انه ليس هناك أعقل من هؤلاء المجانين علي مايبدو في مجتمعاتنا العربية,التي تقهر المواطن, وتطارده بظلمها وظلامها حتي علي رصيف الشارع , فاذا به لايجد مأوي في نهاية المطاف, الا في تلك المتشفيات للمجانين الممسوسين, التي تبدو فيها الحياة ارحم من حياة البني آدمين العاقلين في الخارج علي الرصيف..

اذ يستطيع المريض هنا في مستشفي قسطنطينة , كما يكشف الفيلم, ان يأكل ويدخن ويتناول الاقراص المهدئة, ويترك رأسه طواعية لمزين مخصوص يأتي لحلاقة شعر المجانين كل شهر,كما يستطيع ان يحكي بصراحة عن مشكلته, حين يجد هناك من يستمع اليه, ويستطيع ان ينطق ويعبربالصراخ احيانا عن هلوساته, فيجد من يواسيه,.. قبل أن يروح يتأمل تلك السماء التي ترعد بالغضب, من خلف نوافذ الحبس في المستشفي, وكأنها تشارك المجانين ثورتهم علي الاوضاع المعيشية, وظروف البطالة والفقر والبؤس التي يعيشونها, وتصرخ معهم من القهر ان اغيثونا. يقدم " اغترابات " بايقاع حميمي هادئ, يجعلنا نتعاطف مع هؤلاء المجانين ونحبهم , يقدم شهادات جد صادقة ومرعبة علي لسانهم, ونحن نتابع تفاصيل حياتهم اليومية في عنابر النساء و الرجال, ونأسي لحكاياتهم واحاديثهم , وان كانوا قديما قالوا: "خذوا الحكمة من أفواه المجانين " , فان فيلم " اغترابات " نجح الي حد كبير, في ان يقدم لنا شهادات مليئةبالحكمة, علي لسان هؤلاء المعذبين الهامشيين المنسيين , شهادات تفلسف لنا "واقع" الجزائر الراهن, في ظل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة, ونجح الفيلم في ان يطرح من خلال صورة المستشفي المصغرة MICROCOSME صورة للمجتمع الجزائري الكبير في الخارج, بعذاباته وانهياراته وبؤسه ..

ألموتي فقط لا يشكون من ظلم الحاضر

كما أثرفينا " اغترابات" بقوة, أكثرمن فيلم " وطار فوق عش الواق واق " الروائي الامريكي لميلوش فورمان وبطولة جاك نيكلسون, الذي حصل علي حفنة" اوسكارات" دفعة واحدة ويحكي ايضا عن المجانين , لأن " اغترابات" ببساطة, يحكي عن" اهلنا" في الوطن, بحساسية سينمائي شاعر فنان, ويكشف عن طبيعة الحياة داخل سجنها الكبير, في ظل القهر والظلم والفساد, والغربة في وطن الاسياد, الذين يحكمون بسوط الجلاد,.  ولأن " اغترابات" الذي تحمسنا له كثيرا , لرقته ووداعته وبساطته , يقدم من جهة اخري ادانة مرعبة, و من دون زعيق, لتلك الانظمة السياسية وحكوماتها, التي تتشبث بعوالم الغيبيات والخرافات, وتنغرس اكثر في ظلمات العصور الوسطي , وتدير ظهرها للتقدم والتطور. ومن مشاهد الفيلم المؤثرة التي لاتنسي, مشهد تلك السيدة الجزائرية التي لم تعد تجد أمنها وسلامها في توتر وعبثية وتجهم الحاضر, في وجوه الجزائريين المعذبين الصارخين, من فرك تكاثر المشاكل عليهم وعذابات كل يوم, وهاهي لذلك تحضر الي المستشفي , لكي تحدث الطبيب النفساني المعالج عن مشكلتها, حيث انها لابد وان تكون كما تعتقد مريضة, اذ لم تعد تطيق الحياة بين الاحياء في قسطنطينة, والعذاب الذي تستشعره وسطهم, وصراخهم يطاردها في كل مكان, وصارت تجد راحتها فقط في غسيل جثث ضحايا الارهابيين المتطرفين في المشرحة, صارت تجد راحتها في الحياة مع جثث الموتي وتطمأن لهم , فليس هناك بينهم, من يصرخ او يشكو ظلم الحاضر..

ومن اجمل مشاهد الفيلم ايضا ذلك المشهد الذي ينحني فيه المريض ويقبل يد الطبيب الجزائري النفساني المعالج, ليعبرله عن تقديره وامتنانه, بان هناك اناس مثله في هذا العالم الجزائري المتوحش يستطيعون ان ينصتوا الي شكواه وألمه في عالم المستشفي الصغير, في مواجهة عالم الصمت والوحدة والشقاء في العالم الكبير في الخارج, وتبدو فرادة هذا الفيلم السياسي المتميز, في استعراضه لمنطق المجانين في مقابل منطق العاقلين , وكشفه عن تناقضات المجتمع الجزائري الراهن وأزمته, من خلال التقابل والتضاد بين العالمين , لكي يشير ربما, الي ان المجانين الحقيقيين بالفعل, ليسوا هؤلاء المرضي الذين نلتقيهم في المستشفي, بل اغلبية المواطنين المسحوقين الذين مازالوا يتذرعون بالصبر- واحد لايعلم الي متي , في مواجهة كل تلك الجرائم والمظالم التي ترتكب بحقهم في الخارج, وبانتظار الخلاص. وكان مالك بن اسماعيل ( من مواليد قسطنطينة. الجزائر عام 1966) الذي انجز مجموعة كبيرة من الافلام الوثائقية المتميزة, مثل فيلمه عن جريمة قتل الرئيس الجزائري بوضياف , كان اخرج هذا الفيلم القيم , لكي يكون تحية الي والده الطبيب النفساني الراحل - ويبدأ الفيلم بزيارته لقبر الوالد-  الذي كرس كل حياته, وجاهد لبناء ذلك المستشفي في قسطنطينة, ودرّس للاطباء العاملين فيه حاليا, الذين اهتدوا بنبراسه , وساروا علي ذات الدرب, فاذا به الفيلم يصبح اكثر من مجرد " تحية" يصبح نموذجا ودرسا في السينما الوثائقية التي نحتاجها الآن في بلادنا, وتكشف عن تناقضات مجتمعاتنا العربية تحت الشمس.. " ..

ولنا وقفة مع اعمال وافلام المهرجان في رسالة جديدة من باريس لموقع "سينماتيك"..

سينماتك/ خاص في

"الاهرام الدولي" في "مهرجان السينما العربية السابع" في باريس:

عاطفي رقيق, يمسك بروح القاهرة2004, ويتوهج بواقعيته

فيلم "كليفتي" لمحمد خان

حياة عاطل محتال علي الرصيف شاهد علي تحولات مجتمع ومدينة

باريس/ صلاح هاشم

في دورته السابعة, يواصل مهرجان السينما العربية الذي ينظمه معهد العالم العربي في باريس نجاحه وتألقه, من دورة الي اخري, ورغم ان افتتاح الدورة الحالية جاء في توقيت مباراة فرنسا واليونان, في الدور ربع المهائي لكأس الامم الاوروبية لكرة القدم, فان جمهورا كبيرا حرص علي حضور حفل الافتتاح, بعرض فيلم " اسكندريةنيويورك" للمخرج يوسف شاهين, كما صفق الحضور كثيرا,حينما وجه مدير معهد العالم العربي في باريس تحية خاصة للفنانة مديحة يسري, التي أصرت علي حضور الحفل.

"الاهرام الدولي" حرصت علي حضور فعاليات المهرجان, ومشاهدة أفلامه, في محاولة لقراءة أهم الاعمال التي يقدمها, ويعرض في دورته الحالية بانوراما للسينما العراقية.

حكاية " كليفتي"

من أجمل وأهم الأفلام التي عرضها مهرجان السينما العربية فيلم " كليفتي " للفنان المخرج السينمائي المصري المبدع محمد خان, صاحب "الحريف" و" زوجة رجل مهم" و" طائر علي الطريق" و"أحلام هند وكاميليا" , وغيرها من أفلام الواقعية الجديدة في السينما المصرية في فترة الثمانينيات, وهي فرع من فروع مدرسة السينما المصرية الواقعية, التي خرجت من معطف المخرج المصري كمال سليم في فيلمه " العزيمة " 1936 , ويعتبر كمال سليم الأب الروحي المؤسس لها, ثم تطورت وترسخت في ما بعد من خلال أعمال "الأستاذ" الرائد صلاح ابوسيف في أفلامه الرائعة مثل " السقا مات" و"بداية ونهاية" و" الفتوة" و"الوحش" و"ريا وسكينة" وغيرها من الروائع, التي مازالت تزهو علي الشاشة بالا بيض والأسود كلما عرضت في التلفزيونات العربية في بلادنا..

وكانت الواقعية الجديدة ,كاتجاه سينمائي, نمت وترعرعت كما هو معروف في ايطاليا, علي يد المخرج الكبير روبرتو روسوليني في أفلام مثل " روما مدينة مفتوحة", في أعقاب الحرب العالمية الثانية, وسقوط ايطاليا الفاشية , أما سينما الواقعية المصرية الجديدة, فتضم سلسلة الأفلام, التي شرعت تصنعها مجموعة من المخرجين المصريين المتميزين في الثمانينيات تشمل علي بدرخان" أهل القمة" و" الجوع" و المرحوم عاطف الطيب " سواق الاتوبيس" و" الحب تحت هضبة الهرم" وخيري بشارة  " العوامة 70 " و" الطوق والاسورة"  وداود عبد السيد " الصعاليك " و" الكيت كات" وكاتب السيناريو المتميز بشير الديك" سواق الاتوبيس" ومخرجنا المصري الكبير محمد خان, الذي حضر الي باريس والتقاه " الاهرام الدولي " في المهرجان بمناسبة عرض فيلمه " كليفتي". وعلي الرغم من تحفظاتنا علي تصنيف الأفلام بشكل عام في اتجاهات ومذاهب, ووضع المخرجين في أدراج وخانات, حيث أن المهم في الأفلام أولا, في اعتقادنا, خارج دوائر التصنيف الأكاديمية, أن تتحقق فيها شروط هذا الفن, عبر المخاطبة بالصورة , وان تكون " كتابة " حقيقية وأصيلة بالضوء, لاختراع " النظرة" , ومن دون اللجوء إلي المخاطبة بالرغي والثرثرة والكلام المعاد المكرر وخبط الحلل, كما في جل مسلسلاتنا وافلامنا السخيفة التافهة , والمهم ثانية في الافلام كما يقول جوريس ايفانز المخرج الهولندي العظيم, ان تكون لها رقة المطر, لكي تمسك بتوهج الحياة ذاتها, وتقربنا أكثر من انسانيتنا.علي الرغم من تلك التحفظات, يحسب لفيلم " كليفتي" كونه ينتمي إلي ذلك التيار السينمائي الواقعي الذي ساهم المخرج الكبير محمد خان بافلامه(20 فيلما) في دعمه وإثرائه وتطويره من داخله ببصمة سينمائية متميزة, وعشق جارف للسينما( ويكاد يكون صاحبه موسوعة سينمائية متحركة) وانحياز الي عالم البسطاء الفقراء والهامشيين المنسيين, وهمومهم وأحلامهم , حلم الحياة البسيطة الكريمة في الوطن, ضد كافة أشكال القهر والظلم, التي تكاد تسحقهم وتجعلهم اثرا منسيا..

فيلم "ديجيتال" يتألق" سينمائيا"!

فيلم " كليفتي " لمحمد خان, الذي عرضه المهرجان أمس الثلاثاء 29 يونيو في عرض خاص ضمن عروضه علي هامش المسابقة الرسمية, وقال عنه البعض في ترفع وعنهجية انه فيلم ديجيتال, أي انه لا يساوي شيئا, بمقارنته بأفلام السينما الحقيقية, وهم حتى لم يشاهدونه قبل ان يحكموا عليه,هو فيلم " ديجيتال" صحيح, لكنه فيلم مائة في المائة, قبل أي شيء, بل لعله من أبرز وأجمل الافلام التي صنعها محمد خان, اذ انه فيلم تتحقق فيه كل الشروط التي ذكرناها وأكثر, فهو يتوهج سينمائيا ب" شموليته" الفنية اولا علي مستوي نسيج الصورة ذاتها, ولم نحس علي الإطلاق ونحن نشاهده بأنه فيلم " ديجيتال", أي انه صور بكاميرا رقمية, ولم يصور بشريط خام داخل كاميرا سينمائية, ومن فرط استغراقنا في احداثه, جعلنا ننسي تماما تلك الفذلكات من نوع كيف صنع وكيف صور الخ, ولم نشعر بأي ملل..

كما انه يتوهج سينمائيا ثانية بموضوعه ورقته, وعذوبته وإنسانيته, من خلال قصة هذا أل " كليفتي " الحرامي اللص المحتال الذي يطرحه علي الشاشة( وكلمة كليفتي هي تحريف مصري بلدي لكلمة كليبتي اليونانية, ومنها كليبتومانيا, بالانجليزية, أي جنون السرقة او الولع بالسرقة).. يطرحه بواقعية ومصداقية, لم تتحقق بهذا الشكل من قبل في أي فيلم روائي مصري, كما في فيلم " سارق الفرح"  لداود عبد السيد مثلا, وتجعله لهذا السبب اقرب مايكون إلي أفلام السينما التسجيلية الوثائقية, وتجسيدا سينمائيا باهرا لنموذج انساني, لايمكن الا ان يكون افرازا مصريا خالصا لكل التناقضات التي يعيشها المجتمع المصري الآن , وتلك الهوة الواسعة التي تفصل بين الفقراء المعدمين المنسيين الهامشيين, المكدسين في علب الصفيح والمقابر ومدن العشوائيات علي اطراف القاهرة, والداخل اليها مفقود والخارج مولود, ودأب علي تصويرها في قصصه الروائي المصري خيري شلبي, وبين الاثرياء المنعمين المرفهين من اصحاب الملايين في مصر العامرة بالخلق والبشر, الذين يعيشون في فيلاتهم المسورة تحت الحراسة المشددة, ويخشون علي حياتهم من ذلك الانفجار السكاني في كل لحظة, بعدما اصبحت الحياة في مصر, المثقلة بكل هذه الهموم الاقتصادية والاجتماعية, أصبحت جحيما لايطاق, ومعجزة أحد لايعلم,ياألهي, كيف تتحقق كل يوم..

حياة عاطل علي الرصيف و تشريح لمدينة

وهذا هو مايقوله لنا فيلم " كليفتي " ,  ويحكي عنه: يحكي عن " أولاد الشوارع " في مصر من خلال حياة شاب عاطل مطحون بالاسي والهموم, ويعيش مثل كلب ضال, بعد أن هرب من بيته الي الشارع, وكان الاب قبلها تحت ضغوطات الحياة قد سبقه الي الهرب, وترك سقف البيت يسقط علي رؤؤس اصحابه, ثم تزوجت الام, وصار لديها اطفال, وهاهو" كليفتي" الصايع الضايع, يتحايل علي العيش بأية وسيلة, ولايعرف أين ينام, في مدينة مادية متوحشة عملاقة مثل كائن خرافي  مشوه اسمها القاهرة, ولا كنج كونج او جودزيلا في قسوتها وتوحشها , وهي تدوس علي البشر,وتطحنهم طحنا, والكل يتحايل لكي يهرب بجلده, غير ان " كليفتي" الشاب العاطل, لابد ان يعيش, ولكي يعيش, فانه يدوس علي ضميره واخلاقه او لا اخلاقه , ويحتال علي كل الناس, يذهب  مثلا الي محل لبيع الادوات الغسالات والثلاجات, ويفرض نفسه علي صاحبه, ويتجه لتحصيل الكبيالات المتأخرة له من" فتوات" أشداء , فرضوا حضورهم علي الشوارع في المدينة,  وصاروا يقسمونها بينهم كاقطاعيات مثل عصابات المافيا, ويدخل كليفتي في سلسلة من عمليات النصب والاحتيال, ويعيش حياة تعتمد علي الكذب والخداع والاحتيال والغش في كل شييء, فهو يغش في الشارع العام حيث يخطف جاكيتة ويهرب بها, ويوظف التليفون المحمول داخلها لتأجير المكالمات في عرض الطريق, ويغش في الحب ايضا حين يوهم صديقته بأنه سيذهب لطلب يدها من أبيها ويضحك عليها, ولايطالب الاب الا بدفع الكمبيالات المتأخرة عليه لدي صاحب محل الغسالات, ويغش في لعب الطاولة, ويعيش صعلوكا يحتال علي السائحات, ويصطحبهن الي حفلات الحشيش والمخدرات والضياع في بر مصر,وهذا هو قدره , فقد تربي" كليفتي" علي رصيف الشارع, وصار كلبا من كلابه الضالة, وكبر في احضان عصابة تلتقط هؤلاء الكلاب الصغيرة, اولاد الشوارع وتربيهم, لكي يصبحوا مجرمين في مابعد , وتتكسب من ورائهم, وتتعاقب مشاهد الفيلم لتصور بدقة هذه الحياة العبثية المدمرة التي يعيشها كليفتي في " غابة" القاهرة, التي صارت مثل حديقة حيوان بشرية, والكل يردد أنا ومن بعدي الطوفان, ويشتبك كليفتي في تلك المسيرة العبثية- مجبورا هو لاشك-  حتي ينتهي به الامر في النهاية الي ان تهجره حبيبته, ويتورط هو مع مجرم من اصحابه في جريمة سطو علي شقة أحد الاثرياء, فيحاول المجرم قتل الطفل الذي تركه أهله في الشقة, وعندئذ فقط يستيقظ ضمير " كليفتي" فينقذ الطفل من موت محقق, ويضرب صديقه المجرم ضربا مبرحا, ثم يسارع الي الهرب, لكن يقبض عليه وعندما يخرج من السجن يكتشف ان حبيبته التي كان يحلم معها بالاستقرار خانته, وخطبت لاحدهم, وينتهي به الامر الي العمل كعامل علي شاطيء احدي المنتجعات السياحية الفاخرة المطلة علي البحر, ويسير علي الماء في نهاية الفيلم, كما سيدنا عيسي المسيح بن مريم, في مقابل مائة دولار, تمنحها له سائحة, تعجب بقدرته علي الاحتيال, وتروح تضحك في نهاية الفيلم علي سذاجتها,  اذ حين تنحسر مياه الشاطيء في فترة الجذر, تكتشف انه صعد علي طابور من الطاولات الخشبية التي وضعها داخل البحر قبل ان تغطيها المياه في فترة المد, وذلك في مشهد, يقينا من اجمل المشاهد التي ختم بها محمد خان افلامه. ومن خلال "كليفتي" الذي اعجنا كثيرا وتحمسنا له في المهرجان, يحكي محمد خان في فيلمه عن وعي او من دون وعي, يحكي عن اشياء عاشها ومواقف خبرها, ومدينة أحبها, فهو من خلال ذلك النموذج الذي يقدمه في فيلمه, يضع تلك المدينة العملاقة أمنا القاهرة تحت المنظار الدقيق, ويروح يشرحها كما الجراح بمبضعه, او بالاحري بكاميرته, ويكشف عن تشوهات وانهيارات ومآسي الواقع اليومي المعاش ومعاناته, والتحولات التي تطرأ كل يوم عليه, وتجعله يقف علي حافة الكارثة..

ويكشف محمد خان من خلال هذا النموذج عن موقف و"رؤية " , ويبلور" نظرة " سينمائية ثاقبة , نظرة غير فوقية, وغيرمتعالية , تعبرعن حبه وتعاطفه مع هؤلاء الناس, الذين يشكلون الغالبية العظمي من أهل مصر في القاهرة , بل انه يكاد بفيلمه " كليفتي" الآسر الجميل, الذي لايخلو من مواقف كوميدية مضحكة , كما في مشهد دفن الميت الذي صحا وانتفض فجأة ومزق الكفن, وتكشف عن حس سخرية عال ومتميز ( انظر مثلا كيف يبدأ الفيلم برجل مجنون هائم علي وجهه بين زحام السيارات المرعب, وهو يشير بأصبعه هكذا ان لا لا كعلامة علي رفضه لهذا الجنون الذي صارت اليه حياة المدينة واهلها, ويكاد يكون العاقل الوحيد وسطهم.أليس هذا الرجل هو " المعادل الموضوعي " لمحمد خان, ونكاد نراه ونتعرف عليه في  العديد من مشاهد مجموعة كبيرة من الافلام العشرين التي حققها؟ ) يكاد يجعلنا نحبهم, ونريد ان نطبطبط او نربت علي ظهورهم ونمسح دموعهم, حتي لو انقلبوا علينا, و "شلحونا" ونشلوا مافي جيوبنا..

فيلم محمد خان عن " اولاد الشوارع " والعاطلين عن العمل من شباب مصر علي الرصيف, وحياة الفقراء الهامشيين المنسيين الكادحين من أجل لقمة العيش, هو فيلم عاطفي رقيق ايضا, لانه يحكي عن فشل "علاقة حب" في غابة من البشر باحلامهم المجهضة( ومن اجمل مشاهد الفيلم الرومانسية الرقيقة مشهد " حنان" بطلة الفيلم, التي تتألق في دورها الممثلة رولا محمود, حين تسقط عليها فجأة مياه الحمام المقطوعة, فتروح لفرحها بمجيئ حبيبها, وظنها بأنه قد حضر كي يخطبها, تروح تستحم وتشدو تحت المياه الساقطة ان الدنيا حلوة يابنات , وكذلك مشاهد اللقاء والتجوال داخل سيارة مسروقة, والذهاب لزيارة الام( وتتألق هنا الفنانة الكبيرة سناء يونس في تمثيل دورها ) ومن اجمل مشاهد الفيلم التفاف كليفتي وحنان حبيبته والام وزوج الام واطفالهما حول طبلية داخل حجرة متواضعة في حي شعبي, ويبرز هنا بلاجدال براعة محمد خان في كتابة الحوار في الفيلم وحميميته المطلقة, التي تجعلك  تجزم بانه لابد وان يكون قد خالط هؤلاء البشر, وسجل لهم حواراتهم ثم كتبها في مابعد, والاهم من ذلك انه يكشف عن حبه العميق لهم, والتصاق محمد خان الكامل بهمومهم وضحكاتهم واحلامهم المجهضة, وانغماسهم هؤلاء الكادحين, وعلي الرغم من كل شييء في النهاية, انغماسهم في الاستمتاع بالحياة ذاتها,وعن قناعة مصرية متأصلة في كيان مصر العظيم, بأن البقاء لله, وكل من عليها فان, ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام, كما تبرز في " كليفتي" مشاهد الحب فوق السطوح في عش الفراخ , وكل هذه المشاهد وغيرها, هي التي تمنح هذا الفيلم ملمحمه الانساني الرقيق, الذي يخفف يقينا من حدة المأساة التي يعيشها " كليفتي" في الفيلم , وتجعله كما في مشهد النهاية ينتصر اساسا للحياة, ضد  الظلم وظروف القهر التي تعيشها القاهرة الآن, وهو يعيد إلينا محمد خان الذي نحبه ونحب أفلامه, وقد استعاد عافيته بعد ان احتجب طويلا, كما يكشف الفيلم الذي تحضر فيه المدينة ككيان وسرطان معماري ساحق, وتنضم إلي " صورة القاهرة كمدينة" في أفلام محمد خان, مثل " الحريف" و" ضربة شمس" و" زوجة رجل مهم" , يكشف عن عدم رضوخه لضغوطات وشروط المافيا التي تتحكم في إنتاج وتوزيع الأفلام في مصر, ومسارعته الي انجاز"فتح" جديد بإنتاج هذا الفيلم الروائي الطويل الأول, وتصويره بطريقة الديجيتال, وفتح سكته لأجيال السينما الجديدة التي توظف السينما, كما محمد خان,  توظفها كأداة تفكير في مشاكل عصرنا ومتناقضات مجتمعاتنا العربية تحت الشمس.تحية لمحمد خان علي فيلمه الجميل " كليفتي" الذي يتألق بتمثيل باسم سمرا, الذي يتجاوز به كل أدواره في " المدينة" و" باب الشمس" وغيرها ويتفوق علي نفسه, ويستحق المشاهدة عن جدارة..

من أجل فن راق سيدوم: محمد خان يلخص تجربة "الديجيتال" والتصوير بالكاميرا الرقمية

في اطار مهرجان السينما العربية السابع التقي " الاهرام الدولي " المخرج المصري الكبيرمحمد خان(20فيلما) , ويحكي هنا عن تجربته الجديدة في التصوير بالكاميرا الرقمية "الديجيتال", في محل الكاميرا السينمائية, والاسباب التي دفعته الي انتهاج هذا الاسلوب الجديد في صنع الافلام, كمايتحدث عن ذلك "التيار" السينمائي الواقعي الذي ينتمي اليه وانجازات جيله. وكان صاحب " عودة مواطن" و" سوبرماركت" فضل كما هو معروف ان يحتجب لفترة, واعتبر نفسه من المخرجين " المبعدين" الذين يرفضون تقديم اية تنازلات, تلبية لرغبات المنتجين, علي حساب فنهم, مثل توفيق صالح وعلي بدرخان وسعيد مرزوق, ومن قبلهم المخرج الكبير الراحل كمال الشيخ, الذي ظل لفترة17عاما معتكفا في بيته ولم يقدم فيها أي فيلم سينمائي, الا ان محمد خان قرر بعد تفكير لفترة, قرر صنع فيلمه " كليفتي" , الذي رفضت انتاجه اكثر من شركة سينمائية, بطريقة الديجيتال, كما فعل مخرجو حركة " الدوغما" في الدانمرك, وحققوا بافلامهم, كما في بعض اعمال رائدها ومؤسسها لارس فون تراير, فتحا جديدا في السينما العالمية..

يقول محمد خان لـ" الاهرام الدولي" : " ..كاميرا الديجيتال باختصار, ستجعل بامكان أي شخص ان يعمل سينما, لانها منخفضة التكاليف, وتختصر كثيرا من أدوات السينما المطلوبة لعمل الفيلم مثل الاضاءة والعمال والمادة الخام, وردا علي مايقال عن عدم وجود " عمق " للصورة الناتجة عن كاميرا الديجيتال, أتصور أنه " عيب " لن يطول كثيرا, وسيكون له حل في المستقبل القريب العاجل, لأن التكنولوجيا في تطور مستمر.. "

·         حسنا , لكن ماهي الاسباب التي دفعتك الي انتهاج هذا الاسلوب الديجيتال في صنع فيلمك " كليفتي" ؟

- ظروف السينما المصرية الحالية, والهيمنة علي التوزيع والانتاج, وحيث لامجال لأي موضوع طموح ان يجد له مكانا علي الساحة, ولاسبيل للخلاص الا عن طريق الديجيتال, الذي يمنح الحرية المطلقة للمبدع في تقديم مايريد, ومن دون الوقوع تحت رحمة المنتج وضغوطاته, حيث   يحلو للبعض منهم احيانا ان يطلبوا اضافة رقصة او اغنية للفيلم, بعد ان يكون العمل انتهي فيه وصار جاهزا للعرض, واذا قبلت ان تتنازل فقل علي" فيلم لمحمد خان" عندئذ السلام, واغلب المنتجين في مصر لاتعجبهم موضوعات افلامنا التي تقترب من حياة الناس وهمومهم, ولايوجد في مصر منتج واحد لايتدخل في عملك ويرغب في وضع اسمه علي فيلمك, ومناخ الستينيات الذي عملنا به في الثمانينيات وصنعنا افلامنا, لنخاطب عقولا, بدلا من اللعب بالغرائز, هو المناخ المفقود اليوم, مناخ  يفرق المواهب, وصار فيه التنافس, من سيعمل ويدخل للتصوير قبل الآخر أو في محل الآخر, واذا كان البعض قد اعتقد ان افلامي وافلام المرحوم عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد هي مثل الموجة التي تعلو وتكاد تلمس السماء قبل ان تتبعثر وتتلاشي فهم يقينا مخطئون, لأن افلام الواقعية المصرية الجديدة التي ذكرتها وصنعناها لم تكن موجة بقدر ماكانت " تيارا" مستمرا, واذا كان غياب بعضنا بدا متعمدا في فترة تأمل ومحاسبة, في ظروف انتاجية غير مقبولة وتهدف الي هدم أي قيمة فنية والاكتفاء بسينما تجارية بحتة ومسطحة شكلا ومضمونا, فمن بقي منا حيا لم يستسلم ابدا..

وينهي محمد خان حديثه الي " الاهرام الدولي " بقوله: " كم أتمني أن يعتنق السينمائيون الجدد مبدأ أن كلا منهم يكمل الآخر, من أجل فن راق سيدوم.." .. 

فيلم "كليفتي": انتاج مصر2004.ملون.بيتا SP . 105 دقيقة.إخراج: محمد خان. سيناريو: محمد خان ومحمد ناصر علي.تصوير: طارق التلمساني.صوت: رفعت سمير. مونتاج : ناديا شكري.موسيقي: فرقة الخانكة. تمثيل باسم سمرا, رولا محمود, سناء يونس, أحمد كمال, محمد عبد العظيم, احمد رشوان. انتاج: افلام خان ( مصر).

الأهرام الدولي في

فلسطين في مهرجان السينما العربية السابع

وثائق من "جنين" وصور من "رام الله"  وشهادات من "طريق 181" علي خط التقسيم

صلاح هاشم

من ابرز وأهم الأفلام التي عرضت في "مهرجان السينما العربية السابع" , خارج المسابقة, وضمن العروض الخاصة المتميزة التي قدمها المهرجان, فيلم " طريق 181 "  ROUTE 181 للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي والإسرائيلي ايال سيفان, ويستغرق عرضه أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة, وهو من النوع التسجيلي الوثائقي, وكان أثار حفيظة اليهود الصهاينة في فرنسا, ورموه بالعداء للسامية, وتظاهروا ضد الفيلم, في اعنف حملة كراهية, شهدتها الساحة السينمائية والإعلامية في فرنسا, وحالوا دون عرضه مرتين, كبقية الأفلام المشاركة في "مهرجان سينما الواقع في باريس" في مارس الماضي, فلم يعرض بسبب الهجوم الشنيع علي الفيلم, من قبل الدوائر اليهودية الصهيونية, إلا مرة واحدة..

الهمجية الصهيونية

يحكي الفيلم المشاكس الذي استفزهم, عن قرار رقم 181 الصادر عن هيئة الأمم عام 1947 بتقسيم فلسطين إلي دولتين, ومن خلال التجوال علي طول خط التقسيم في إسرائيل, يكشف الفيلم عن تفاصيل عملية اغتصاب واحتلال و"صهينة" فلسطين, والاعتداءات التي وقعت علي حقوق الآخرين أصحاب الأرض, وانتهاكات إسرائيل لكل الشرائع والقوانين الدولية, ويعرض لكل تلك القرى الفلسطينية التي اختفت تماما من علي خريطة إسرائيل( أكثر من 140 قرية) وكانت موجودة من قبل علي خريطة التقسيم, ويقدم الفيلم شهادات بالغة الرعب, بخصوص تلك الكراهية المتأصلة في نفوس بعض سكان إسرائيل من اليهود تجاه الفلسطينيين والعرب المسلمين, ومن ضمنها شهادة من صاحبة مطعم يهودية تزين  جدرانه بصور لانتصارات إسرائيل العسكرية علي العرب, وتطلب جهارا في الفيلم أن تحصد إسرائيل أرواحهم ,وتروح تذكر بان الحرب هي أفضل وسيلة لتخليص شعب إسرائيل والعالم من شرورهم.فيلم " طريق181" هو " نموذج" للفيلم الوثائقي السياسي المتميز , يعيد إلي فلسطين ذاكرتها المنهوبة, إذ يحكي عن تفاصيل " استعمار" فلسطين من خلال عمليات اغتصاب الأرض, وانتهاج سياسات التوسع والغزو والنهب, وهو إذ ينبش في جثث المذابح التي وقعت, وتفاصيلها المرعبة, يتحول, ونحن نتابع رحلاته للامساك بتناقضات  المجتمع الإسرائيلي , إلي وثيقة سياسية تاريخية, وتحقيق ميداني فريد من نوعه في ذاكرة " الهمجية الصهيونية "..

وكانت القضية الفلسطينية حضرت بقوة في المهرجان, من خلال الأفلام الروائية والتسجيلية التي شاركت في مسابقتيه, مثل فيلم " باب الشمس " للمصري يسري نصر الله الذي عرض خارج مسابقة الأفلام الروائية, و بمشاركة فيلم " عطش" -روائي طويل- للفلسطيني توفيق أبو وائل في مسابقة المهرجان, ونرشح الأخير للحصول علي جائزة, بسبب توهجه السينمائي شكلا وموضوعا, وبساطته وعمقه, وربما كان أهم ما في "عطش" هو غياب الاحتلال, وجدار العار, وأسلحة الموت والدمار, التي تحاصر بها إسرائيل الشعب الفلسطيني, بالمعني المادي العسكري, وظهور انعكاسات واقع الاحتلال وتأثيراته النفسانية , علي مستويات الكبت والحبس والعنف, وامتداداتها داخل الأسرة الفلسطينية,( العنف لا يولد إلا العنف) وعزلها حتى عن ممارسة الحياة ذاتها..

"عطش" والحصار الفكري

والحصار هنا الذي يحكي عنه الفيلم هو "الحصار الفكري والمعنوي" الذي يرزح ثقيلا علي الفلسطينيين, ويشل وجودهم ذاته, لكن قد تحول مسألة اعتماد فيلم " عطش" علي تمويل إسرائيلي في إنتاجه,دون نيله الجائزة الكبرى للمهرجان, وستكون كارثة حقا, لوان الجائزة حجبت لسبب كهذا, يكشف عن تخلف عقلية لجنة التحكيم , ولا نعلم لماذا يجب أن تترأسها فرنسية, لم تشاهد فيلما عربيا من قبل في حياتها, وتكشف انحيازها إلي حفنة من النقاد والصحفيين تقول عن "عطش" انه فيلم إسرائيلي , وكان توفيق أبو وائل مخرجه رد عليها في المؤتمر الصحفي معه في أعقاب عرض الفيلم, وبحضور " الأهرام الدولي" وقال بأنه فيلم فلسطيني, من صنع مخرج فلسطيني تحت الاحتلال, وسيظل الفيلم ومخرجه فلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي, وبعد الاحتلال أيضا, والي نهاية الزمن, وأتصور انه كان محقا في كلامه, ذلك إن السينما" لغة" عالمية إنسانية, ولا تحمل الأفلام- أبجدية هذه اللغة- إلا بطاقات هوية بهمومها, وهموم الإنسان الذي تحكي عنه, لا البلد أو الحكومة التي مولت الفيلم, فليس المهم أن تحكي عن النهر وطوله وعمقه,  وجنسيته, لكن المهم أن تحكي عن الأسماك فيه, لنعرف إن كانت سعيدة, وليس المهم في " عطش" طوله ومدة عرضه وجنسيته, لكن المهم هو هموم الناس التي يحكي عنها, وهي كما هو واضح في الفيلم هموم فلسطينية, نتيجة لظروف القمع والذل والاحتلال التي كانت تعيشها الأسرة في ظل الاحتلال, ثم اضطرت إلي الرحيل, واختارت, أو بالاحري اختار الأب, تلك العزلة الموحشة في ذلك الوادي, بعد أن غرر احدهم بابنتها الكبرى واغتصبها, وأراد الوالد درءا للفضيحة, أن يعزلها هكذا عن الحياة..

و لاشك إن المهانات وأعمال القتل والقمع والتشريد التي كانت الأسرة تتعرض لها من قبل, مع بقية العائلة الفلسطينية, كان لابد وأن تفرخ هذا الأب المستبد العسكري, الذي يمثل بؤرة الفيلم, وهو استمرارية بوعي أو دون وعي لأعمال القهر التي كانت تمارس ضدها, وظروف الاحتلال التي صنعتها, وكان لابد من تطهير الأسرة من الداخل أولا بقتله, بعدما فشلت محاولات الوقوف ضد ظلمه وجبروته..

يتوهج فيلم "عطش" سينمائيا, لأنه لا يحكي عن أشياء نعرفها, كالمهانات التي يعيشها الفلسطيني كل يوم غريبا في بلده وأرضه, بل يحكي عن أشياء نجهلها, يحكي عن "الذات" الفلسطينية من الداخل , التي أصبحت مثل قنبلة موقوتة,  داخل كل فرد من أفراد الأسرة في "عطش"  وتستطيع أن تنفجر في أية لحظة, يحكي  عن تلك "الذات" التي تغلي في الداخل, بنار الغضب ونار الحطب, ونار الظلم الواقع عليها, ويكون التخلص من الأب هنا, كما في أعمال التراجيديا اليونانية المسرحية, نوعا من التطهير الذي يغسلها من أدرانها وسوءاتها, ويزرعها من جديد في العالم..

"اجتياح" في جنين

كما حضرت القضية الفلسطينية بقوة في المهرجان أيضا من خلال مشاركة عدد كبير من الأفلام التسجيلية الوثائقية التي حملت هموم القضية في مسابقة المهرجان المخصصة للفيلم الوثائقي مثل فيلم " اجتياح " للفلسطيني نزار حسن, عن جندي إسرائيلي يشاهد شريط فيديو يوثق ما صنعته آلة الحرب الإسرائيلية في مخيم جنين ومشاركته في هدم البيوتات الفلسطينية في المخيم علي أصحابها وبطولة المقاومة الفلسطينية التي تصدت للاجتياح, وهو فيلم تأملي من دون صراخ و بكاء وعويل, ويقدم شهادات محزنة لأناس فقدوا أصحابهم وأحبابهم , وفيلم "خلقنا وعلقنا" لعلا طبري, عن أسرتها الفلسطينية وعرب الناصرة, وهو بحث في الهوية الفلسطينية وذاكرتها, التي يعمل الاحتلال علي تدميرها, ونوع من السيرة الذاتية تكشف عن شيء من النرجسية والادعاء, وتقول فيه بطلته  علا طبري ومخرجته: أنا هنا وشاهدوا كيف أنا موهوبة وأتقن التمثيل وأحبوني, وهي بالفعل لطيفة لكنها زودتها حبتين في الفيلم , الذي تحول إلي استعراض وغمز بالعيون.كما شارك في مسابقة السينما الوثائقية في المهرجان فيلم " جنين جنين " للمثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري, ويضم شهادات لسكان مخيم " جنين " أيضا, وهم بعد تحت وطأة صدمة هجوم الجيش الإسرائيلي عليهم, ويحاول أن يكون وثيقة حية عن معاناة ويأس شعب مقموع..

"سريدا" الفلسطينية بعيون مصرية

لكن ربما كان أهم هذه الأفلام الوثائقية المشاركة في المسابقة فيلم " سريدا" للمصرية تهاني راشد المغتربة في كندا صاحبة فيلم " أربع نساء من مصر " الأثير, ويحكي الفيلم خلال 119 دقيقة عن الواقع اليومي الذي تعيشه امرأة في مدينة رام الله تدعي سريدة , كما يحكي عن جاراتها وعائلتها, ويكشف الفيلم من خلال واقع الاحتلال العسكري الإسرائيلي للمدينة, وظروف حظر التجول ,  وإطلاق الرصاص علي السكان الآمنين, وتعرضهم للموت برصاص الجندي الإسرائيلي في كل لحظة, يكشف عن الحصار الفكري المعنوي الذي تمارسه سلطات الاحتلال علي حياة الناس, ويجعلهم غير قادرين علي التفكير, ويشل حركتهم ,وينتزع منهم تدريجيا إنسانيتهم , وتظهر هنا بصمة تهاني راشد السينمائية المميزة في الفيلم من خلال التصاقها الوجداني الحميمي بحياة الناس الذين تحكي عنهم,  وتتقاسم معهم حياتهم وهمومهم وهي تصورهم, وتكاد تتوحد معهم, مما يعطي الفيلم نكهته" التهانية" الخالصة, ويتوهج ببساطته وقفشاته وأحلامه وإنسانيته العميقة, ويظهر هنا حرصها علي التركيز علي بطلة الفيلم سريدا وتصوير التناقضات التي تعيشها في حياتها , ومن دون أن تهمل شهادات الرجال الأزواج في الفيلم, وعلي الرغم من أن " سريدا" يطرح علي لسان بطلته تساؤلات أساسية مثل: كيف يحافظ الإنسان الفلسطيني علي إنسانيته في ظل هذا الاحتلال الاسرائلي المتعجرف المدمر, وكيف يواجه ثقافة الموت, هل بالعمليات الاستشهادية الانتحارية, أم بالحوار مع العدو وانتهاج الطرق السلمية, وكيف يكون الخروج من دوامة الحياة تلك, بكل عذاباتها ومعاناتها, والتحكم في ذلك الوحش الذي يسكن داخلنا, وهي بالطبع تساؤلات ضرورية ومهمة, وتمنح الفيلم قيمته, يعيب الفيلم التكرار, كما في أحلام جارة سريدا , والتطويل الذي بعث الملل في نفوسنا, ويحتاج الفيلم إلي إعادة نظر في مونتاجه وتوليفه, ويبدو هنا الفارق كبيرا بين فيلمها " 4 نساء في مصر " الذي يضم أربعة أفلام في فيلم واحد,وجاء متميزا ومحبوكا, وهذا الفيلم " سريدا " الذي جعلنا بعد فترة نكاد نغالب النوم, ولو أن تهاني راشد عنت فيه بالتكثيف, لحافظ علي جماله وتأثيره, ورونقه وإنسانيته العميقة..

الأهرام الدولي في

في ختام المهرجان السابع للسينما العربية بباريس

أفضل تمثيل لفيلم »سهر الليالي« وجائزة التحكيم الخاصة لفيلم »اجتياح«

هدى ابراهيم - (أف.ب)

وزع مهرجان بيانالي السينما العربية السابع في باريس مساء السبت الماضي جوائزه خلال حفل حضره عدد كبير من المخرجين العرب من جميع الاقطار فاعطى جائزة أفضل فيلم روائي لفيلم لبناني وجائزة أفضل فيلم تسجيلي لفيلم جزائري.

وأعلنت لجنة تحكيم الافلام الروائية التي ترأستها الممثلة الفرنسية بول اوجييه وبعد مشاهدتها لاثني عشر فيلما روائيا طويلا وتسعة عشر قصيرا شاركت في المسابقة عن رضا اللجنة على »المستوى الجيد لمعظم الافلام وقدرة بعض السينمائيين على استنباط لغة سينمائية حرة وحديثة«.

وبعد ثمانية أيام من العروض التي حفلت بالافلام المنتجة في العالم العربي على مدى السنتين الماضيتين ومع افلام روائية ظل عددها قليلا مقارنة بما ورد للمهرجان من افلام تسجيلية جاوزت المئتين وتراوحت بين طويل وقصير، سلمت لجنة تحكيم الافلام الروائية جائزة معهد العالم العربي الكبرى لفيلم »معارك حب« للبنانية دانييل عربيد.

وبلغت قيمة الجائزة 7500 يورو كما حصلت ايضا على »مساعدة معهد العالم العربي للتوزيع« ومقدارها 5000 يورو.

وفاز فيلم »عطش« للفلسطيني توفيق أبو وائل بجائزة لجنة التحكيم الخاصة التي تحمل اسم مارون بغدادي ومقدار هذه الجائزة 4500  يورو.

وكان هذا الفيلم الذي عرض في مهرجان كان السينمائي الأخير ضمن تظاهرة »اسبوع النقاد« فاز بجائزة النقد الدولي.

اما جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي الأول (اي العمل الاول للمخرجين) فمنحت للفيلم المغربي »فوق الدار البيضاء،الملائكة لا تحلق« للمخرج محمد عسلي ومقدارها 3000 يورو.

ومنحت جائزة المعهد للفيلم الروائي القصير ومقدارها 2000 يورو للمخرجة الفلسطينية الشابة آن ماري جاسر عن فيلمها »كأننا عشرون مستحيلا«.

وفي هذه الدورة من المهرجان وعلى نحو استثنائي منحت جائزة أفضل ممثلة وأفضل ممثل للممثلات والممثلين الرئيسيين في فيلم المصري هاني خليفة »سهر الليالي«: منى زكي وحنان ترك وجيهان فاضل وعلا غانم وخالد ابو النجا واحمد حلمي وشريف منير وفتحي عبد الوهاب.

ورأت لجنة التحكيم ان العمل الجماعي في هذا الفيلم »اظهر الفرادة المبهرة لموهبة كل منهم«.

وشارك في لجنة تحكيم الفيلم الروائي اضافة الى رئيستها كل من: مدير التصوير اليوناني يورغوس ارفانيتيس والجامعي والناقد السينمائي الاسباني البرتو ايلينا والمخرج العراقي قاسم حول والممثلة الجزائرية ناديا كاسي والكاتب اللبناني الياس خوري والمخرج المصري يسري نصرالله الذي قدم فيلمه »باب الشمس«في سهرة ختام المهرجان.

وكان للفيلم التسجيلي حضوره القوي في هذا المهرجان حيث تناولته إحدى الندوات وناقشت سبل انتاجه في العالم العربي وتعاطي التلفزيونات العربية معه.

وترأس لجنة تحكيم الافلام التسجيلية المخرج البلجيكي تييري ميشال الذي حرص على ايراد بيان خلال اعلان النتائج ورد فيه ان لجنة التحكيم قطعت »رحلة طويلة مع الصورة والمشاهدة لواقع العالم العربي التي تعبر عن حالة الاختناق والخيبة«.

وتابعت اللجنة في بيانها »وكأن هذه السينما هي سينما الدفاع عن النفس، او ربما تكون سينما توثيق الهزائم او السينما التي لا يستقر بها مكان او زمان«.

ومنحت جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي الطويل لفيلم »اغترابات« للمخرج الجزائري مالك بن اسماعيل. ويصور الفيلم مستشفى للامراض النفسية والصدمات والآلام التي اصيب بها المرضى والتي تنسحب على المجتمع الجزائري باكمله وحيث الاستعارة قوية جدا ومقلقة بين العالمين.

ومنحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم »اجتياح« للمخرج الفلسطيني نزار حسن الذي يصور فيه جنديا اسرائيليا جالسا امام صور جنين المدمرة وهو يحاور المخرج الفلسطيني ويعترف في النهاية انه قام بعملية قتل خلال اقتحامه المخيم مع آخرين.

ومنحت شهادة تقدير خاصة للمخرج الجزائري جان بيار ليدو عن فيلمه »الجزائر واشباحي« والذي يتناول الهوية الجزائرية من خلال بحث خاص وشخصي.

اما جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي القصير فمنحت لفيلم الطوفان للمخرج السوري عمر اميرالاي فيما منحت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم القصير للتونسي هشام بن عمار عن فيلمه »ريس البحار«.

وتأكيدا على جودة الافلام المعروضة منحت شهادات تقدير خاصة لفيلمين تسجيليين »برلين بيروت« للبنانية ميرنا معكرون و»يعيشون بيننا« للمصري محمود سليمان.

تقرير لجنة التحكيم

ملحق سينما-خاص:

جوائز المهرجان السابع للسينما العربية بباريس للأفلام الروائية

٦٢ يونيو -٤ يوليو ٤٠٠٢

شاهدنا إثني عشر فيلماً روائياً طويلاً وتسعة عشر فيلماً روائياً قصيراً، تعكس اتجاهات مختلفة في السينما العربية٫ وقد أثار إعجابنا المستوى الجيد لأكثرية الأفلام، وقدرة بعض السينمائيين على التخلّص من الصور النمطية، واستنباط لغة سينمائية حرة وحديثة٫

] جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي القصير
»كأننا عشرون مستحيل«، إخراج آن ماري جاسر فلسطين/الولايات المتحدة الأمريكية، 2003
مقدارها 2000 يورو٫ وتمنحها مختبرات GTC في صورة خدمات مختبر لمخرج الفيلم
] جائزة معهد العالم العربي للفيلم الروائي الأول
»فوق الدار البيضاء، الملائكة لا تحلّق«، إخراج محمد عسلي المغرب/إيطاليا، 2004
مقدارها 3000 يورو٫ وتمنحها مؤسسة (GAN) للسينما لمخرج الفيلم
] في هذه الدورة من المهرجان، أظهر العمل الجماعي لممثلي أحد الأفلام الفرادة المبهرة لموهبة كل واحد منهم٫
جائزة معهد العالم العربي لأفضل ممثلة وممثل تمنح للممثلات والممثلين الرئيسيين في فيلم فيلم «سهر الليالي»، إخراج هاني خليفة (مصر، 2003
منى زكي، حنان ترك، جيهان فاضل وعلا غانم، خالد أبو النجا، أحمد حلمي،، شريف منير وفتحي عبد الوهاب
]جائزة مارون بغدادي، جائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم »عطش«، إخراج توفيق أبو وائل فلسطين، 2004
مقدارها 4500 يورو٫ وتمنحها إذاعة الشرق في باريس لمخرج الفيلم
] الجائزة الكبرى لمعهد العالم العربي للفيلم الروائي الطويل »معارك حب«، إخراج دانييل عربيد- لبنان، 2004 مقدارها 7500  يورو٫ ويمنح معهد العالم العربي في باريس مبلغ 4000 يورو وTitra Film مبلغ 3500  يورو في صورة خدمات مختبر لمخرج الفيلم٫
] مساعدة معهد العالم العربي للتوزيع لفيلم »معارك حب«، إخراج دانييل عربيد (لبنان، 2004 مقدارها 5000 يورو ، وتمنح إذاعة فرنسا الدولية (RFI) مبلغ 2500 يورو وإذاعة مونت كارلو-الشرق الأوسط مبلغ 2500 يورو لموزّع الفيلم٫

رئيسة اللجنة: بل أوجييه.. وعضوية كل من: يورغوس أرفانيتيس- ألبرتو إيلينا- قاسم حول- ناديا قاسي- إلياس خوري- يسري نصر الله

الأفلام القصيرة

شهادة تقدير خاصة :
»برلين-بيروت«، إخراج ميرنا معكرون -لبنان/ألمانيا، ٣٠٠٢
ينبثق هذا الفيلم من فكرة جديدة تحاول المقاربة المرئية بين مدينتين كانتا منقسمتين إلى غرب وشرق قبل أن ينضم شرقهما على غربهما٫ جاءت لنا ميرنا معكرون بفيلم حيوي متألق كي تفتح لنا، بدءاً من ظلام حكايتها الشخصية المأساوية، نافذة على العالم وجاءت لنا بفيلم وهو نفسه منفتح على العالم٫

شهادة تقدير خاصة :
»يعيشون بيننا«، إخراج محمود سليمان -مصر، 2003
يكشف لنا هذا الفيلم بحساسية فائقة وبأسلوب واقعي جديد عن ما يُخفى من القصص الصغيرة وهي كثيراً ما تكون قصص الفقر والنساء التي يذخر بها عالمنا العربي٫

جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم القصير

»ريس البحار«، إخراج هشام بن عمار -تونس، 2002
مقدارها 1500 يورو٫ ويمنحها معهد العالم العربي لمخرج الفيلم
يقص علينا هشام بن عمار في فيلمه هذا قصة جميلة من قصص الحياة تأتي إلينا وإليه من عالم الصيادين وذلك بلغة شاعرية وبنظرة صادقة صدق شخصيات الفيلم نفسه٫

جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي القصير

فيلم »الطوفان«، إخراج عمر أميرالاي -سورية/فرنسا، 2003 مقدارها 2000 يورو٫ ويمنحها معهد العالم العربي لمخرج الفيلم.
تعتبر لجنة التحكيم أن فيلم الطوفان عملاً مرجعياً يوثق لعمليات التلقين الأيديولوجي الفادحة٫ وهو يلتقط هذا في صورة واقعية جمالية تلتفت بنفس القدر وعلى نفس الدرجة من الحساسية إلى كل من موضوع الفيلم وجمال التعبير الساخر عنه٫ ولذا، فاللجنة تعتبره وكأنه وثيقة مرجعية تنسحب على جميع المجتمعات الشمولية في البلدان التي يسود فيها استبداد الحزب الواحد٫

الأفلام الطويلة

شهادة تقدير خاصة :
»الجزائر وأشباحي«، إخراج جان-بيير ليدو -الجزائر/فرنسا، 2003
يعتبر هذا الفيلم ، فيلماً يجمع بين البحث الشخصي والاستقصاء الصحفي حول قضية الهوية الجزائرية٫ فهو يعلمنا التواضع أمام التاريخ ويضع كل شيء في موضعه لأن ما يقوله لنا هذا الفيلم هو أن التاريخ تحمله تيارات عميقة تصل به دائما إلى مناطقَ جديدة وغير مطروقة٫ فالذاكرة والتذكر يأخذان بهذا الفيلم وبنا إلى مكان ما في الوعي أو التصور يصبح فيه التصالح والتعايش الودي مع الآخر ممكناً٫

جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الطويل

»اجتياح«، إخراج نزار حسن -فلسطين، 2002
مقدارها 2500 يورو٫ ويمنحها معهد العالم العربي لمخرج الفيلم
تود لجنة التحكيم التشديد على الوعي والدقة التي تعامل بهما مخرج الفيلم مع موضوعه ومع الاضطهاد الواقع على الشعب الفلسطيني٫ فهو يساءل الضمير الإسرائيلي بشكل هادئ وموضوعي٫ ويقوم بذلك ويوظف من أجله لغة وكتابة سينمائية جديدة٫ وهو في محاولته هذه لإقامة حوار مع الآخر يتجاوز بالصورة الحوائط ونقاط التفتيش٫

جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي الطويل

فيلم »إغترابات«، إخراج مالك بن اسماعيل -الجزائر/فرنسا، 2003
مقدارها 3500 يورو٫ وتمنحها قناة Soread 2M لمخرج الفيلم
تجري أحداث هذا الفيلم في قلب مستشفي للأمراض العقلية والنفسية حيث توصل المخرج مالك بن إسماعيل لأن يقدم لنا صورة للصدمات والآلام التي أصيب بها المجتمع الجزائري والذي ما زال يصارعها وتصارعه حتى الآن٫ فقد تمازج الفيلم ومخرجه بشكل شديد الحساسية والقرب وفي ذات اللحظة مع التحفظ والاحترام، مع ما يعتمل في لب هذا العالم دون أن يتعدى على خصوصيته٫ ولذا فإن هذا الفيلم يتسم بطابع مجازي عالمي وهو الذي دفعنا لأن نهديه هذه الجائزة٫

رئيس اللجنة: تييري ميشيل.. وعضوية كل من: مسعود أمر الله - كاهنة عطية-ريفيل- صفاء فتحي- فرانسوا مارغولان

الأيام البحرينية في

"الأهرام الدولي" في مهرجان السينما العربية بباريس

حصاد "مهرجان السينما العربية" السابع

باريس/ صلاح هاشم

·         مبادرة لحفظ وترميم التراث السينمائي العراقي

·         وإطلالة علي السينما العربية عكس التيار

قبل أيام,اختتم معهد العالم العربي بباريس الدورة السابعة لبينالي السينما العربية بختام ناجح,عكس نجاح المهرجان, الذي أعتبره النقاد خطوة مهمة للتعريف بالسينما العربية الجديدة, اتجاهاتها وخياراتها, وكذلك تسليط الضوء علي مواهبها الصاعدة." الأهرام الدولي" كانت هناك, حيث رصدت أحداث المهرجان وفعالياته, لتقدم حصاد" البينالي" , وأبرز اتجاهاته وآثاره علي السينما العربية. من بين أحداث المهرجان البارزة كان عرض فيلم للمخرجة السعودية هيفاء منصور لأول مرة, كما طرح المهرجان الذي اختتم دورته الناجحة مؤخرا في باريس, طرح تساؤلات مهمة بخصوص السينما التسجيلية, سينما الواقع,  وعرض ابرز نماذجها كما في فيلم " اجتياح" للفلسطيني نزار حسن و" سريدا" للمصرية تهاني راشد,.. كما أقام للسينما التسجيلية ندوة كشفت عن الطفرة التي يشهدها هذا النوع , وهو شبه غائب في السينما العربية. وقدم لنا " البينالي" علي سكة اكتشافاته بعض الجواهر السينمائية اللامعة مثل " عطش " الفلسطيني لتوفيق ابوائل و" الخرساء" للعراقي سمير زيدان و" الكتبية" التونسي لنوفل صاحب و" معارك حب" للبنانية دانيال عربيد, و" الاهوار " للعراقي قاسم حول و" يعيشون بيننا" للمصري محمود سليمان و"بيروت برلين " للبنانية ميرنا معكرون, و" جوهرة" من الأمارات لهاني الشيباني و" كليفتي" لمخرجنا الكبير محمد خان, ومن دون ان ينسي المهرجان واقع الأحداث والتغيرات التي تشهدها بلادنا وأوطاننا, وحركة الواقع المعاش,و من هنا كان التفافه حول الهمين الفلسطيني والعراقي, فكرس للهم الأول مجموعة كبيرة من الأفلام الفلسطينية التي شاركت في  مسابقتي المهرجان الروائية والتسجيلية مثل " اجتياح " لنزار حسن و" جنين جنين" لمحمد بكري و "عطش" لتوفيق أبو وائل, أو عرضت في قسم العروض الخاصة مثل فيلم " طريق 181 " لميشيل خليفي وايال سيفان, ومعظمها قادم من فلسطين تحت الاحتلال, وغيرها..

ندوة السينما العراقية: تصورات وأفكار للمستقبل

ونظم للثاني – الهم العراقي- تظاهرة بعنوان "لقطة مكبرة علي السينما العراقية", ساعدت أثناء التحضير والتنسيق لها, علي يد العراقي انتشال التميمي, المدير الفني لمهرجان السينما العربية في روتردام, ساعدت علي التنقيب عن التراث السينمائي العراقي في السفارات العراقية في الخارج, وداخل العراق ذاته, لانتشال ما بقي سليما من أفلامه من هاوية الضياع والاندثار والنسيان( أكثر من 90 فيلما روائيا في العلب تمثل حصاد 60 سنة سينما عراقية ولم يعرف بعد ماهي تلك الأفلام, ولم يجر حصرها, كما ذكر التميمي ل" الأهرام الدولي").كما أتاح المهرجان فرصة اللقاء والحوار مع الفنانين والسينمائيين العراقيين المقيمين في الخارج من خلال تواجدهم المكثف في المهرجان الذي انتقلوا إليه من داخل العراق ومن بعض العواصم الأوروبية, ثم حضورهم كفاعلية سينمائية إبداعية, في ندوة السينما العراقية, وتوج المهرجان هذه الدورة بتكريم وحضور الفنانة المصرية الكبيرة مديحة يسري كأيقونة من أيقونات السينما المصرية في عصرها الذهبي في فترة الخمسينيات, وقد اتاح لنا من خلال تكريمها فرصة لمشاهدة مجموعة كبيرة من أفلامها المتألقة بالا بيض والأسود وعلي رأسها فيلم " حياة أو موت " لكمال الشيخ, الذي يقدم صورة لمدينة القاهرة وشوارعها وترماياتها في أوائل الخمسينيات, ولم يكن تعدادها يتجاوز المليوني نسمة آنذاك, وكانت الشرطة تسارع إلي نجدة المواطنين وإنقاذهم من موت محقق, كما يقول المأمور يوسف وهبي في نهاية الفيلم من إنتاج 1954..

وكانت أيام علي ما يبدو, لن يجود الزمان بمثلها , في ظل مناخات الفقر والحروب والظلم, والخيبات والاحباطات المتلاحقة في عالمنا العربي, مع هيمنة المسلسلات التلفزيونية والأفلام الكوميدية, ولم تعد هذه أو تلك, تقدم مالا نعرف أننا بحاجة إليه ونريده, بل تقدم كل ما عرفناه وشاهدناه من قبل ولا نريده, في ظل سيادة مثل هذه أوضاع في المشهد السينمائي البصري العربي, والمشكلة كما يقول مدير السينماتيك الجزائري جمعة بوكاريش الذي التقاه " الأهرام الدولي": " ..انه لاتوجد الآن سينما في بلادنا ولا أموال ولا فلوس ولا صحة ولا تعليم ولا أي شيء"..

حقق المهرجان أكبر تجمع للسينمائيين العراقيين, وخرج من ندوته التي أدارها قيس الزبيدي وانتشال التميمي بالعديد من الأفكار والتصورات المهمة, لصنع سينما عراقية,جديدة بعد أكثر من ثلاثين عاما من حكم صدام الديكتاتوري, سينما تعتمد أساسا علي مبادرات السينمائيين أنفسهم وتجاربهم, و تغيير عقلية المثقفين العراقيين الذين يريدون من الدولة أو سلطة الحكم الجديدة أن تفعل كل شيء, ويطالبونها بكل شيء, إلي عقلية صحية عملية مغايرة توظف خبراتها وتجاربها في المنفي وتستثمرها وتحدد بدقة ما تريده, ولا تنتظر من الحكومة أن تفعل كل شيء, وهي تتفرج, وتقنع فقط بالقعود, وتوجيه الانتقادات, وسنعرض في حينه لتوصيات تلك الندوة المهمة. كما طرح مهرجان السينما العربية في دورته السابعة أفلاما بديلة, عكس التيار التجاري المهيمن بأفلامه التافهة المسطحة, أفلام تقدم مشاكلنا, وتعكس تناقضات مجتمعاتنا, وتشكل رؤية و" نظرة " جديدة للمستقبل, وهي تستلهم موضوعاتها من تجارب المخرجين الشخصية, لتصبح أحيانا نوعا من السيرة الذاتية, وكان لمهرجان الشاشة العربية المستقلة, الذي أسسه الصحافي الليبي محمد مخلوف في لندن, وعقد دورته الثانية في الدوحة قطر, اكبر تجمع لهؤلاء السينمائيين الشبان وأفلامهم الصغيرة, ثم هاهم بعد مرور عامين وقد كبروا, هاهم يحطون في " البينالي " مثل المغربي حكيم بلعباس في صحبة أفلامهم الروائية الكبيرة. وهنا تكمن في رأينا الأهمية القصوي لهذا المهرجان " البينالي" الذي نعتبره أهم مهرجان للسينما العربية, لا في العالم العربي فحسب, بل في العالم, وبخاصة بعد انتشار مهرجانات سابقة للسينما العربية في القاهرة وقرطاج وفرنسا وسان فرانسيسكو وواشنطن وبولونيا, ومهرجانات قادمة في دبي . الأمارات( مسعود أمر الله) وأصيلة المغربية(غسان عبد الخالق) وغيرها من مدن العالم ألصغري والكبرى.صار المهرجان شاشة لكل هذه "المحاولات" السينمائية العربية المستقلة, لتقديم فن صادق وحقيقي, ومرتبط بهموم الناس, بشرط أن تتوافر فيه عناصر هذا الفن, عبر المخاطبة بالصورة, ومن دون حشر الكلام والرغي حشرا, بمناسبة أو بدون مناسبة في كل لقطة, فن السينما (جماع الفنون )الذي يسحرنا بشموليته الفنية, وتلاحم هذه العناصر في كل واحد آسر, يصعب الحديث عنه,وتفكيكه, فكما يقول المفكر والمخرج السينمائي الفرنسي الكبير جان لوك جودار :"عندما نعجب بفيلم ما, ونتحمس له, فانه يصبح في التو أكبر منا.."..

المغرب والمعادلة الصعبة

ونتوقف هنا عند فيلمين من المغرب, الذي يقدم نموذجا ايجابيا للدعم الذي تقدمه المؤسسات السينمائية العربية للسينما في بلادها, حيث أن آليات دعم السينما في المغرب كما نعرف, جعلت منه خلال فترة زمنية قصيرة, احد أهم البلاد العربية المنتجة للسينما, وأكثرها قربا من تحقيق" المعادلة الصعبة" في السينما, ونعني بها كيفية صنع سينما حديثة متطورة , من ناحية الأسلوب, وليس المقصود به " التكنيك" واستخدام أنواع معينة من العدسات وزوايا التصوير, بل المقصود تشكيل نسق خاص وسياق للمشهد , وتكوينات للقطات لها علاقة ببعضها البعض, وتاريخ تطور السينما قائم علي تطور الأسلوب ضد سينما عفي عليها الدهر, ومن ناحية المضمون أيضا, الذي يلتصق بهموم ومشاكل الناس والتغيرات التي تطرأ علي مجتمعاتنا العربية في عصر العولمة, وانتشار الفقر والبؤس الاجتماعي والبطالة, نتيجة الهوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء, وتعزل الريف عن المدينة..

الملائكة لا تحلق في الدار البيضاء: جائزة العمل الأول

ويبرز في هذا الاتجاه فيلم " الملائكة لا تحلق في الدار البيضاء "لمحمد عسلي الذي فاز في المهرجان بجائزة العمل الأول وسحرنا بأسلوبه وتصويره الرائع, إذ يتواصل من جهة مع منجزات السينما الإيرانية والتركية, بحضور المنظر الطبيعي في الريف المغربي الذي تغطيه الثلوج, وهمجية وتوحش شوارع مدينة الدار البيضاء التي تكاد فيها السيارات تسير علي الأرصفة, ويذكرك الفيلم أسلوبا وموضوعا بأفلام المخرج التركي العظيم ايلماظ جوناي, وبخاصة في فيلم التصريح YOL   , وهو يصور المصير الأسود الذي ينتظر المهاجرين المغاربة الجدد من الريف و المدينة, وضياع أغلي ما يملكون في رحلتهم لكسب العيش, حيث يفقدون تدريجيا كل شيء, وتموت تلك الزوجة داخل سيارة أجرة, وأحد لا يتوقف علي ذلك الطريق الريفي بسيارته, بعد أن سارع قائد سيارة الأجرة بالفرار مع زبائنه, لكي يساعد زوجها علي حملها إلي بلدته و يدفنها هناك, والغريب أن السادة الجشعين في الفيلم مثل صاحب المطعم الذي يعمل فيه الزوج في الدار البيضاء لا يكفون عن الشكوى من تقلب أحوال الزمن والسؤال عما جري له وجعله يتغير هكذا إلي الأسوأ, ومن ضمن محاسن هذا الفيلم العناية المركزة الفائقة بشريط الصوت والموسيقي المصاحب للأحداث في الفيلم..

"خيط الروح" شريط صوفي

كما يبرز في هذا الاتجاه أيضا لتقديم سينما حداثية متطورة في المغرب, ومتصلة بإنجازات هذا الفن في العالم, يبرز فيلم " خيط الروح " للمغربي حكيم بلعباس, الذي يحكي عن مهاجر مغربي في أمريكا يعود إلي وطنه مع ابنته الأمريكية التي لا تتكلم بالعربية, ومحاولته أن يتصالح مع أهله ووطنه قبل أن يموت, وهنا ينبسط المغرب عبر المنظر الطبيعي مثل سجادة صلاة صوفية, وتظهر شخصيات علي سكة رحلته, لكي تحكي لنا عن همومها وأشجانها وخيباتها العميقة, مثل ذلك الأب المعلم صانع الفخار الذي يأتيه ابنه بعد سنوات طويلة من العمل معه, لكي يطلب منه النقود ومصاريف الرحلة التي يعتزم القيام بها للهجرة إلي خارج البلاد, فيروح الأب يضربه ضربا مبرحا, ويقف الابن ساكنا بلا حراك, ثم بعد فترة صمت يخرج فيها الأب من كادر اللقطة , يعود الأب بعد قليل ويعانق الابن ويمنحه صرة من النقود لرحلته, ويبكي الاثنان معا, وفي الفيلم شخصية ذلك الطفل الذي تركته أمه مع أخته وذهبت لقضاء حاجة, وإذا بها الأخت تصاب بأزمة في التنفس وتموت, فيدعو الطفل الله أن لا تموت, ويستجاب دعائه, ومن أجمل لقطات الفيلم أللقطة التي يعود فيها الطفل من دكان الأب ويكتشف أن الله نفخ في روح الأخت من جديد واستجاب لدعائه,  فيروح يضع رأسه علي صدرها, لكي يتأكد, وقد راحت الصغيرة في النوم, يتأكد من أنها تتنفس. وكل هذه الشخصيات في الفيلم, ومن ضمنها شخصية تلك الفتاة الريفية التي تحلم بالذهاب إلي البحر وتريد رؤيته , وكانت أرسلت لكي تعمل كخادمة في المدينة, وينتهي بها الأمر إلي الضياع في المحطة المركزية, ولا رغبة لديها في عمل أي شيء إلا الذهاب إلي البحر الذي يسحر الناس, كل هذه الشخصيات في " خيط الروح " هي عبارة عن إسقاطات لحكايات ومشاهدات وتجارب عاشها المخرج حكيم بلعباس, بالإضافة إلي تلك السيدة العجوز التي تقف علي قارعة الطريق في الفيلم, وتخاطبنا كما حكواتي حكيم من الزمان القديم, لكي تودع أناسا وتستقبل أناسا جدد, فهذه سنة الحياة, ودرس العمر كله: الدخول في حلبة الرقص, والنشيد الواحد الذي يضبط حركة الكون, وعناق كل الكائنات والموجودات, ولن يكون ذلك, لن يكون إلا إذا تصالحنا مع أنفسنا, وأهلنا والناس من حولنا, ومجتمعاتنا والعالم. " خيط الروح" هو فيلم جد عميق ومحبوك ومسبوك, عن "الأيمان" في تلك القلوب, قلوبنا التي قدت من حجر, وهو يفلسف وجودنا الحي, ويمنحه بالسينما قيمته, ويبتكر من خلال فيلمه بأسلوبه السينمائي "نظرة" جديدة, وبأسلوب الحكواتي, ويقينا يحتاج إلي مشاهدته أكثر من مرة , والاستمتاع به في كل مرة, فمثل تلك أفلام, لتضفير خيوط الروح وتسليكها وتطهيرها, تغسلنا من سوءاتنا وأدراننا, وتزداد حلاوة وتألقا مع الزمن..

كلام الصور

لقطة من فيلم " خيط الروح " لحكيم بلعباس

لقطة من فيلم " الملائكة في الدار البيضاء لا تحلق " لمحمد عسلي

لقطة تذكارية للسينمائيين العراقيين مع الفنانة المصرية الكبيرة مديحة يسري

المخرج الإماراتي مسعود أمر الله

الأهرام الدولي في

هل المهرجانات السينمائية العربية ضرورة؟

المخرج الإماراتي مسعود أمر الله: انتشار المهرجانات ظاهرة صحية

في إطار مهرجان السينما العربية الذي عقد دورته السابعة في باريس التقي "الأهرام الدولي" مجموعة كبيرة من السينمائيين والمخرجين العرب,من ضمنهم المخرج الإماراتي مسعود أمر الله عضو لجنة التحكيم في المهرجان, والمستشار الخاص والمسئول عن الأفلام العربية في مهرجان دبي السينمائي الدولي(من 6 إلي 13ديسمبر), والناقد اللبناني غسان عبد الخالق مدير "ملتقي أصيلة لأفلام الجنوب" في المغرب(من 24 الي30يوليو),ود.ماجدة واصف مديرة المهرجان وغيرهم , وطرح عليهم السؤال التالي: هل المهرجانات السينمائية العربية ضرورة ؟ .. فأجمعت إجاباتهم علي أن " دع عشرات المهرجانات تتفتح.. " وان ظاهرة تأسيس العديد من المهرجانات الجديدة, كما في المهرجانين المذكورين في دبي وأصيلة, بالإضافة إلي مهرجانات السينما العربية المهمة الاخري , في القاهرة وقرطاج ومراكش والإسكندرية و الإسماعيلية وغيرها, هي ظاهرة سينمائية صحية, لحاجة السينما العربية في ظل هيمنة الأفلام التجارية والأفلام الأمريكية علي أسواق السينما في بلادنا, حاجتها إلي شاشات جديدة تطرح نفسها كبدائل ضرورية لتلك الشاشات التجارية, وأفلام السينما القديمة المتهالكة التي عفي عليها الزمن, وتتواصل مع التطور الفني والتقني الذي تعرفه حاليا السينما من ناحية الأسلوب, والطفرة التي يشهدها الفيلم التسجيلي الطويل في العالم, كما في فيلم الأمريكي مايكل مور الجديد " فهرنهايت11-9", الذي حصد سعفة " كان "57 الذهبية, وخروجه للعرض في الصالات التجارية أسوة بأفلام السينما الروائية, ويؤكد المخرج الإماراتي مسعود أمر الله المدير الحالي لوحدة الإنتاج الفني في المجمع الثقافي بأبو ظبي, وعضو اللجنة التأسيسية للملتقي السينمائي الأول لدول الخليج العربية, يؤكد في حديثه إلي " الأهرام الدولي " علي أهمية المهرجانات في الاحتكاك بتجارب السينما الجديدة في العالم, والتعرف إليها , والنتائج الايجابية التي تتحقق من خلال لقاءات التعارف و الندوات وتبادل الأفكار والآراء والخبرات, والمناقشات الجدية النقدية التي تخرجنا من عزلتنا, وتقوقعنا علي أنفسنا, وعادة ما تكون هذه اللقاءات بداية لتأسيس مشروعات سينمائية مشتركة, وتطوير ودعم مشروعات أخري, علي طريق تطوير سينماتنا, ويشدد مسعود أمر الله علي قيمة "الحوار" في المهرجانات , الحوار مع ألذات والآخر, لكي نتصالح مع أنفسنا والعالم, وتصحيح صورتنا العربية المشوهة, وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 , بل و تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن العرب , عند بعض العرب الآخرين , حيث أن الغالبية العظمي من تلك المفاهيم, مازالت للأسف أسيرة وخاضعة لأحكام وتصورات فردية وجماعية مسبقة , مشوهة ومغلوطة..

الأهرام الدولي في