"كيف بنى أحمد زكي أسطورة غير قابلة للنسيان؟".. حكايات من
دفتره الخاص
كتب: مصطفى
عمار
لماذا لم ينسى الجمهور أحمد زكي؟
هناك أحداث ووقائع يرفض العقل أحياناً التوقف أمامها، أو
بمعني أدق تصديقها، ربما كان رحيل أحمد زكي واحد من الأحداث التي تعامل
معها العقل بأنها لم تكن، لا من باب المكابرة أو رفض فكرة الموت والرحيل،
بقدر الحزن على افتقاد شخص عشت معه سنوات طويلة، دون أن تكتشف أنك لا ترتبط
معه بأي صلة قرابة أو صداقة، فهو مجرد شخص يعبر عنك أكثر من تعبيرك أنت عن
نفسك، هل توجد علاقة إنسانية أقوى من ذلك، ربما كانت الإجابة في الحشد
الضخم الذي قرر أن يودعه ويسير خلف جسده المستسلم لإرادة الله، هل يصدق أحد
أن هذا المشهد مر عليه 14 عام ؟.
هذه المدة ربما تكون كفيلة بنسيان أي حدث أو شخص ولكن أحمد
زكي ليس من هذه النوعية، التي تستطيع السنوات والشهور والأيام أن تنتصر
عليه، فكل يوم يمر علي فراقه وغيابه، يزداد هو حضوراً وتألقاً داخل قلوب
محبيه، فالغياب لا يستطيع أن يقهر موهبة مثل التي تمتع بها أحمد زكي، لا
لشيء، سوي لأنها موهبة ممزوجة بالصدق، وهي الصفة التي جعلته يحفر اسمه
وحضوره داخل القلوب، ليطل علينا من حين إلى الآخر وهو يبتسم ابتسامته
الشهيرة، ساخراً من الغياب.
كيف كان نور الشريف سبب في إقدام أحمد زكي على الانتحار؟!
يمتلك كل من عرف أحمد زكي مئات الحكايات عن كرمه وجنونه
وحنيته وضعفه وقوته، هذه الحكايات ربما إذا وضعتها بجوار بعضها البعض،
تستطيع أن تجد إجابة على سؤال، لماذا تحول هذا الفتى الأسمر القادم من
الصعيد إلى نجم غير قابل للاحتراق، نجم كسر كل مواصفات الفتى الأول وسحقها
تحت حذاء موهبته، كيف لفتى صاحب بشرة سمراء وشعر مجعد، وجسد هزيل أن يصبح
من نجوم الشباك ويتفوق على من هم أكثر منه وسامة وحضور وخفة ظل، ولكن في
الحقيقة لم يكن بينهم من هو أكثر منه موهبة، وهو ما كان يراهن عليه الفتى
الأسمر دائما.
ربما أصابه بعض الإحباط، ربما فكر في أن ينهي حياته في لحظة
ضعف، بعد أن تم استبعاده من بطولة فيلم "الكرنك"، وإسناد البطولة لنور
الشريف، منتج الفيلم وقتها فكيف منح البطولة لفتى أسمر ليقف أمام سعاد
حسني!، ولكنه كان على يقين أنه إذا ما جاءته الفرصة، لن يدعها تمر من بين
يده، وأنه قادر على أن يمتطيها كفارس ماهر، قافزاً كل الحواجز ومحطماً كل
القيود حتى يصل لحلمه.
هذا النموذج يكاد يكون نادر بين الممثلين التي عرفتهم مصر،
ولكن لنعرف كيف تحول أحمد زكي لأسطورة، تعالوا نقلب سوياً في دفتر حكايته
الخاص الذي لا يعرفه الكثيرون .
لماذا قام بتمزيق النقود وإلقائها تحت قدمه؟!
في بداية مشواره كان مجرد ممثل صغي ، وقع عليه اختيار
المنتج المسرحي الشهير سمير خفاجي، ليكون واحد من نجوم العرض المسرحي
"مدرسة المشاغبين"، هذا العرض الذي حقق نجاحاً كبيراً، وكان بداية انطلاق
لمعظم النجوم المشاركون فيه، فكان سمير خفاجي لا يحب أحمد زكي كثيراً لأنه
لا يتقرب إليه، أو يتودد مثلما يفعل باقي زملائه، وكان "أحمد" في بداية
الطريق يتعرض مثل أي شاب لأزمات مالية، وفي إحدى المرات، طلب أحمد زكي سلفة
عشرة جنيهات من سمير خفاجي، ولكنه تجاهل طلبه، وهو ما جعل العديد من
المقربين للمنتج يتوسطون للفتى الأسمر لأنهم يعلمون مدى احتياجه لهذا
المبلغ.
رضخ سمير خفاجي ومنح "زكي"، المبلغ على مضد، فإذا بأحمد زكي
يمسك العشرة جنيهات أمام الجميع، ويحدثها قائلاً: "معقول إنت اللي ذلتيني
الذل ده كله، معقول إنت السبب اللي يخلي سمير خفاجي يبيع ويشتري فيا"، وقام
بعدها بتمزيق العشرة جنيهات مئة قطعة أمام أعين أصدقائه وأعضاء الفرقة
والمنتج، الأمر الذي جعل الجميع يتأكد من أن هذا الفتي ليس مجرد ممثل مغمور
يبحث عن فرصة عمل، بل أنه يحمل شخصية ستجعله في يوم من الأيام، أحد النجوم،
ولكن لم يخطر في بال أحد أن يتحول هذا الممثل، لأسطورة غير قابلة للنسيان.
علاقته بالمال
لم يحب أحمد زكي يوماً المال، لم يشغله أن يكون رصيده
بالبنك مصحوب بأصفار عديدة، فكل أبناء جيله كانوا يجتهدون في أن تزيد عدد
الأصفار المجاورة لرقم أرصدتهم بالبنوك، إلا أن أحمد زكي كان يعلم جيداً أن
المال مجرد وسيلة لا يجب أن ترتقي أبداً لتصبح هدف في الحياة ، في إحدى
المرات كان يجلس في "أوتيل"، شهير على النيل، وبالصدفة تواجد النجم عمرو
دياب بنفس المكان، فرحب "زكي" به ودعاه للجلوس معه لتناول العشاء، ودار
بينهما نقاشاً عن النساء والحب والشهرة والنجومية والمال، وفجأة سأل عمرو
دياب أحمد زكي عن رصيده أو حجم ثروته، فابتسم "أحمد" ونظر إلى مدير أعماله
وكاتم أسراره، محمد وطني وسأله: "إحنا معانا كام في البنك؟"، فأجاب أن
المبلغ لا يتجاوز المائة ألف جنيه تقريباً، فأصيب عمرو دياب بصاعقة، وقال
لأحمد زكي بالنص: "معقولة يا أحمد بعد كل سنين الشغل والتعب ده بس رصيدك في
البنك"، فضحك أحمد زكي بسخرية شديدة وقال له: "ماذا سأفعل بأكثر من هذا
المبلغ".
وكعادته في جلساته مع أصدقائه أصر أحمد زكي على دفع فاتورة
العشاء كاملة في نهاية السهرة، وكانت هذه الجلسة عقب عرض فيلم السادات
مباشرة، وهو الفيلم الذي شارك أحمد زكي في إنتاجه، وخسر معظم أمواله فيه
ليقدم شخصية الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
أحمد زكي من نوعية نادرة، نوعية لا تتردد في أن تنفق كل ما
تملك لتقديم عمل فني لا يتحمس له المنتجون، حتى ولو كان على يقين بأن هذا
العمل من الممكن أن يتعرض للخسارة.
لماذا ألقي جهاز التليفزيون من الطابق العاشر بعد مشاهدة
فيلمه الراقصة والطبال؟!
بعد أن تم عرض فيلم "الراقصة والطبال"، أصيب أحمد زكي بحالة
من الاكتئاب الشديد، لأنه شعر بأن أدائه بالفيلم كان لا يتناسب مع باقي
الممثلين، وأنه يظهر طوال أحداث الفيلم وهو يصرخ ويدافع عن الطبل بطريقة
عبثية، وقرر وقتها أن يتجاهل الفيلم بعدم الحديث عنه، وبعد عدة سنوات
وعندما كان يجلس أمام التليفزيون بمنزله، فوجئ بالقناة الأولي تعرضه في
سهرتها، وبعد مرور عشر دقائق من أحداث الفيلم لم يتمالك "زكي" أعصابه، وقرر
أن يحمل التليفزيون ويلقي به من شرفة منزله بالمهندسين، وهو يصرخ: "ده هزار
مش تمثيل"، فهذا الموقف يوضح كيف كان "زكي" غيوراً على موهبته، وكيف كان
يحترم نفسه ومهنته.
وقف يوزع كتاب عادل حمودة في ميدان طلعت حرب
لم ينسى أحمد زكي أيام الفقر التي عاشها في بداية مشواره
الفني، ولم ينسى للحظة واحدة أصدقائه المقربون في هذه الفترة، وبالتحديد
كلاً من الكاتب الصحفي عادل حمودة، والكاتب الكبير وحيد حامد، وهو ما دفعه
عندما نشر حمودة كتابه "قنابل ومصاحف"، أن يتوجه أحمد زكي لمكتبة "مدبولي"
بميدان طلعت حرب، ويقوم بشراء كل النسخ الموجودة في المكتبة، ويقف أمام
المكتبة ليقوم بتوزيعها مجاناً على المارة، قائلاً لهم: "ده كتاب الصحفي
عادل حمودة، إقرأوه، هتلاقوا فيه معلومات مهمة"، وسط اندهاش المارة من
تصرفه، وربما لم يتوقع مؤلف الكتاب الذي كانت تربطه علاقة صداقة كبيرة
بأحمد زكي أن يقوم بمثل هذا التصرف.
المكان الوحيد الذى كان يشعر فيه بالراحة
أخر حكاية عن أحمد زكي من دفتره الخاص، تؤكد أن المقابر
كانت المكان الوحيد الذي كان يشعر فيه "زكي" بالراحة عقب تعرضه لأي أزمة أو
مشكلة كبيرة، فكان يطلب من أي صديق له أن يصحبه فقط إلى أقرب مقابر، حتى
ولو كانت الرابعة فجراً، فكان يهبط من سيارته، ويترجل بمفرده وسط المقابر،
ويقرأ للأموات الفاتحة وينتظر عشر دقائق وهو يجول ببصره في المكان، ثم يعود
ليركب سيارته وكأنه شخص مختلف، لتكسوا علامات الراحة والطمأنينة وجهه،
وينسى المشكلة والأزمة التي تعرض لها، كان يريد أن يتذكر نفسه دائماً أن
النهاية في هذا المكان بمفردك، ربما هذه الحكايات، تحمل الإجابة علي سؤال
"كيف بنى أحمد زكي أسطورة غير قابلة للنسيان والغياب، حتى لو مر علي رحيله
مائة عام؟". |