حول «دفاتر السينما العراقية»
منذ مدة والسينمائي العراقي خالد زهراو يشتغل على مشروع انتاج سلسلة
وثائقية سماها «دفاتر السينما العراقية». لمعرفة الكثير عنها اتصلنا به
وأجرينا معه حوارا بدأناه بسؤال عن طبيعة المشروع والغاية منه.
قال خالد: خلال العشرين سنة الماضية وطوال فترة مكوثي خارج العراق ارتبطت
مشاهدتي أي فيلم عراقي قديم بخليط من نوستالجيا ورومانسية. فمشاهدة فيلم
عراقي يعني أنك ترى العراق عبره. العراق الذي توقف مثل صورة في كادر لا
يتحرك. كان العثور على فيلم عراقي قديم في مراكز بيع الأفلام أو في
مكتباتها الأوروبية والأميركية صعباً للغاية، والبحث الشخصي عنها، عبر
الأصدقاء، لم يكن سهلا، فعدا قلتها ورداءة النسخ المتوفرة منها، يرفض بعض
مالكيها اعارتها خوفا عليها من الضياع. كل محاولاتي تلك كانت في اطار البحث
عن أفلام رغبت في مشاهدتها شخصيا وليس لشيء اخر، لكن مناسبة استثنائية في
مدينة لاهاي الهولندية أوحت لي بفكرة مشروع السلسلة الوثائقية «دفاتر
السينما العراقية». ففي العام 1998 رتب المخرج قاسم حول عرضا خاصا لفيلم
«الحارس» الذي كتب بنفسه قصته ومثل فيه وقام باخراجه الفنان الرائد خليل
شوقي. كانت النسخة المعروضة مطبوعة على شريط فيديو وفيها الكثير من الشوائب
التي اعتقدت بامكانية معالجتها وطبع نسخة صالحة منها للعرض. فكرة معالجة
النسخة السيئة كانت بذرة التفكير في المشروع. وبالفعل، وبعد عشر سنوات كنت
أحمل كاميرا، جلس أمامها الفنان قاسم حول، لأصوره في الحلقة الأولى من
دفاتر السينما العراقية، وموضوعها كان فيلم «الحارس» المنتج في العام 1967،
والذي يعتبر واحدا من أهم الشواهد على امتلاك العراق صُناع سينما قادرين
على انتاج أفلام تنافس بقوة مثيلاتها في سوق عرضها.
·
وماذا صنعت خلال السنوات العشر؟
رحلة السنوات العشر، ما بين مشاهدة فيلم «الحارس» في لاهاي والبدء في انتاج
السلسلة، كرستها لجمع الأفلام العراقية المنتجة بين العامين 1946 و2003
والقيام بدراستها وتحليل عملية صناعتها. فالسلسلة تطمح لأن تكون مرجعا
بصريا للصناعة الفيلمية في العراق، روائية كانت أم وثائقية، من خلال صُناع
الافلام أنفسهم، ومن خلال الافلام ذاتها التي نريد القيام الآن بعملية
ترميم التالف منها.
·
ما المقصود بعملية ترميم
الأفلام؟
في رحلة البحث عن الأفلام العراقية المُنتجة خلال السبعين عاما الماضية،
ومن خلال الاتصال بالعديد من المنتجين والهواة ودور السينما في العراق،
الذين افترضت امتلاكهم أو احتفاظهم بأشرطة أفلام، واجهتني مشكلة التلف الذي
تعرضت له أكثريتها وهي داخل علبها، بسبب سوء التخزين. معظم هذه الأفلام تم
الاحتفاظ بها داخل سراديب دائرة السينما والمسرح في العراق، بشكل غير صحيح.
والأكثر ايلاما هو تعرض الكثير من الاشرطة الوثائقية لتدمير متعمد بالكامل،
كون بعضها يحتوي على شواهد وأخبار عن فترات محددة من تاريخ العراق السياسي،
وهي حقبة ينُظر اليها باعتبارها تاريخا مُحرما مغضوباً عليه ينبغي محوه.
وفيما كل الامم والبلدان تقوم بالتحري الدائب عن كل ما يوثق ذاكرتها
البصرية وتاريخها، يجري العكس في العراق! المهم أننا الآن نقوم بتحويل كل
ما يقع بين ايدينا من أفلام عراقية الى أشرطة رقمية نظيفة، نحفظها بعد أن
نصحح ألوانها ونشذب صوتها، ونستخدم أحيانا نسخاً عديدة منها للحصول على
نسخة واحدة صالحة فعلا للعرض والمشاهدة. ولأن الأفلام وأصولها موزعة على
العديد من البلدان فإننا نسعى الآن لاقناع بعض المؤسسات السينمائية بنسخ
الأفلام العراقية المتوفرة لديها واعطائنا نسخا منها.
·
هل تريدونها لأغراض التوثيق أم
هناك ما هو أبعد؟
لم يكن لدينا في العراق أي اهتمام، وفق المؤشرات الموجودة والواضحة، بدعم
السينما كصناعة. وبحسب المقابلات التي سجلتها مع صُناع الافلام، فإن الدولة
العراقية، بمختلف مراحلها واتجاهاتها، لم تفكر يوما في توظيف أموالها في
مشاريع سينمائية. وطيلة تاريخها لم يقم أحد بتوثيق عملية صناعة الأفلام ولا
حياة صناعها بصريا. ولولا حلقات معدودة من برنامج «السينما والناس» الذي
قدمته المبدعة اعتقال الطائي في السبعينيات لما استطعنا الحصول على مقابلات
مصورة مع سينمائيين عراقيين غيبهم الموت. «دفاتر السينما العراقية»،
السلسلة التي انتجها وأقوم باخراجها تقدم هذا الجهد لتسجل ذاكرة الفيلم
العراقي وامتاع المشاهد/ المتلقي، الذي لم يحض بفرصة مشاهدة أفلام سينمائية
عراقية ولم يتعرف عليها من قبل. وهي مادة لمن يهتم بتاريخ الفيلم ويسعى
للحفاظ عليه وتقديمه كدرس في الصناعة الفيلمية أثناء تدريسها أكاديميا.
·
ألا تعتقد ان الأمر سينحصر فقط
بنخبة مهتمة؟
أحيانا أصاب باحباط شديد حين يطلب بعض المهتمين بالسلسلة- دفاتر السينما
العراقية- مني نسخا من السلسلة لغرض عرضها على مشاهدين من المعنيين
بالسينما وتاريخها. ومصدر هذا الاحباط هو ايماني بأن ما أقوم به موجه الى
كل الناس، وانصافا للذين اشتغلوا في السينما العراقية، وليس لنخب محدودة
تشاهد هذه السلسلة وأفلامها.
·
ماذا عن التمويل؟
الأمر مكلف، كما تعلم. فانتاج فيلم وثائقي واحد مكلف جدا فما بالك بسلسلة
أفلام. أنا بنفسي أقوم حاليا بتمويل الانتاج عبر شركتي في انتظار الحصول
على تمويل ينصف تاريخ صناعة الفيلم العراقي ويوفر شروطا انتاجية أفضل.
واخبرك بشيء مثير للحزن، فواحدة من الجهات التي أبدت رغبتها في تمويل بعض
تكاليف الانتاج اشترطت حذف كل مشاهد الحانات والغناء والرقص (الخليع حسب
تعبيرها) من الأفلام أثناء عرضها ضمن السلسلة. تصور ان أربعة وخمسين فيلما
عراقيا تحتوي على مشاهد من هذا النوع عليك حذفها جميعا. هذا الشرط معادل
لفعل من سبقوا وأحرقوا أفلام الستينيات والسبعينيات بشكل منظم. نعم الانتاج
مكلف لكني مستمر بدون توقف ولن أتوقف، رغم أني لم أتلق أي دعم من أي جهة
حكومية أو شبه حكومية في العراق.
·
والمصاعب التي واجهتك في مهمتك،
خصوصاً وأنك كنت منذ فترة في بغداد ومحافظات أخرى؟
الحصول على الأفلام المفقودة أصعبها، وأشدها مدعاة للأسى موت معظم صانعيها،
وعدم وصولي الى الأحياء منهم لانقطاع أخبارهم وعدم معرفة الناس بهم. كل ما
حصلت عليه جاء ثمرة تعاون الأصدقاء، وخلال جولاتي داخل العراق، وخصوصا في
كردستان والبصرة، وجدت نسخة نظيفة بقياس 8 ملم من فيلم «انعيمه» المنتج عام
1962 ومثل فيه خوله عبد الرحمن وسلمان جوهر و مشاركة داخل حسن واخراج عبد
الجبار ولي. النسخة وجدتها عند أحد هواة السينما في البصرة ولم يطلب، هذا
الرائع، مقابلا لها، كل ما أراده نسخة من الحلقة التي انتجها لدفاتر
السينما العراقية.
·
وماذا بعد؟
وأنا أعمل على انتاج السلسلة الوثائقيه - دفاتر السينما العراقية - أقوم
أيضا بترجمة الأفلام الى اللغة الانكليزية ليتسنى لغير العرب مشاهدة هذه
الأفلام والتعرف على فترة مهمة من تاريخ العراق. أعمل بجد للانتهاء من
السلسلة مهما كلفني ذلك، مدفوعا بمؤازرة أصدقاء كثر الى جانبي. أصدقاء
قدموا لي وما زالوا الكثير من أجل الحصول على الأفلام المفقودة والاتصال
بالأحياء من صُناع السينما العراقيين.
الأسبوعية العراقية في
02/08/2009 |