(بناء
الرؤية) كتاب للمخرج الايطالي العالمي مايكل انجلو انطونيوني احتوى هذا
الكتاب مقالات فنية نقدية عن الفن السابع كتبها انطونيوني لمجلات فنية في
ايطاليا موطنه وفي اوربا ومقابلات اجريت معه حول تجربته الشخصية الغنية في
الاخراج السينمائي، وما هو الدافع الذي كان وراء اختياره لهذه المهنة
الكتاب (بناء الرؤية) احتوى ايضا على محاضرات له القاها في تج-معات فنية
تحدث فيها عن الافلام التي صورها وتلك التي اخرجها طوال حياته .
الكتاب كشف عن فلسفة انطونيوني الخاصة في فن السينما والتي هي خبرة
عظيمة اكتسبها من عمله كمخرج هذه المهنة التي اختارها انطونيوني يردها الى
انحداره من الطبقة الوسطة (ان اهم عامل جعل مني المخرج الذي انا عليه ـــ
سيئا كنت ام جيدا وهذا امر لا استطيع تحديده بنفسي ـــ هو على ما اعتقد
بيئة الطبقة الوسطى التي ترعرت فيها).
اما عن ولادة فكرة الفيلم في رأسه فان انطونيوني يرجعها الى ما يشبه
الهام الشاعر: (بالنسبة لي يولد الفيلم كما تولد القصيدة عند الشاعر، لا
اريد ان اتظاهر بانني شاعر ولكني ارغب باجراء قياس على الشعر. يتأثر الذهن
بكلمات وصور ومفاهيم تختلط وتنصهر معا لتشكل شعرا واعتقد ان الشيء نفسه
يحدث فيمتا يتعلق بالسينما. كل ما نقرأه ونسمعه ونفكر به ونراه ينطبع في
ذاكرتنا بشكل صور محسوسة وتولد القصص من هذه الصور.
وعن الاماكن التي يختارها لاجراء التصوير فيها واستثنائه مسقط رأسه
فيرارا عند تصويره لفلمه (الصرخة) والذي صوره في منطقة غينيتو اكثر من في
فيرارا فان السبب كما يقول انطونيوني هو (اننا نشعغر بالارتياح في اماكن
معينة اكثر من غيرها وانا اومن بضرورة النظر الى الشخصيات والاشياء
والاماكن باهتمام عميق..) وعن التشابه الموجود بين احداق ووقائغ يوميات
الكاتب الايطالي سيزار بافيس والتي عنوانها (غموض الحياة) والتي نشرت في
ايطاليا عام 1952 وافلامه فانم انطونيوني لا يقرب (لا يعترف) بوجود تشابه
متعمد فيقول (لقد سبق وقرأت يوميات “يافيس” ومن الممكن ان شيئا منها قد
اختزن داخلي او ان بعض تجاربه تتطابق مع تجاربي. من البديهي ان المخرج يضع
دوما في افلامه شيئا من سيرته الذاتية)
ويحذر انطونيوني في مقالته (تجربتي) المخرجين من البدء (بالافكار
الجاهزة او بفرضيات مسلم بها) لان ذلك سيؤدي الى حشر الفيلم في اطار
ميكانيكي فعلى المخرج (ان يتبع الاحداث التي تقوده اليها القصة نفسها،
والشخصيات فيها) ودائما ما كان انطونيوني يسأل عن الاعمال الادبية المفضلة
عنده فيجيب بانها اعمال فلوبير، همنغواي، سكوت فيتزجير الدر هي المفضلة ولم
ينسى انطونيوني ولعه الشديد والقديم باعمال اندرية جيد، حتى جاء اليوم الذي
فقد حماسه واهتمامه بادبه: (وما اعنيه هو ان الانسان ينضج، يرقي، يذعن
للواقع ويلحق بالزمن، انت تتمثل بعض التجارب الادبية وهذا كل شيء. ثم تتوجه
الى تجاري اخرى).
وعن الافلام التي اعتبرها انطونيوني مهمة واحبها وفضلها جاءت افلام كل
من المخرج ايزنشتاين (تحيا المكسيك) وفيلم المخرج رينوار (الوهم الكبير)
وفلم المخرج دراير (جان دارك) وفلم المخرج غريفث (الازهار المنكسرة) واما
عن الافلام التي اخرجها وهل يفضل واحد من هذه الافلام، انطونيوني يجيب
بالنفي (اي فيلم من افلامي افضل؟ ولا اي واحد منها ــ على الاقل ليس لدي
تفضيل لاحدها على الاخر ويعود. السبب الى انني لم النجح ابدا في صنع فيلم
في ظروف طبيعية، وبالتالي لم انجح ابدا في قول كل شيء اردت قوله). ويتسال
انطونيوني عما اذا كان مخرجا من تيار الواقعية الجديدة؟ وهل انتهى هذا
التيار ام لا (هل انا مخرج من تيار الواقعية الجديدة؟ في الحقيقية لا
استطيع ان اقول ذلك. وهل انتهت الواقعية الجديدة؟ ليس تماما ومن الاصح
القول بان الواقعية الجديدة تتطور فحين تصل حركة ما او تيار ما الى نهايته
يعطي الحياة لما سيأتي بعده وهذا امر مستمر الحدوث، فالواقعية الجديدة
لمرحلة ما بعد الحرب حين كان الواقع ما كان عليه، حاضرا بقوة ركزت على
العلاقة بين الشخصيات والواقع وما كان مهما هو هذه العلاقة التي خلقت سينما
قائمة على (المواقف).
وعن علاقته كمخرج بالممثلين فهو لا يميل الى توضيح كل شيء للممثل كما
يفعل المخرج فريد زينمان (اريد من الممثل ان ينطلق من ذاته ما ان تتضح له
الشخصية التي سيمثلها ما هو مطلوب منها والدور الذي ستلعبه عندها يصبح على
الممثل ان يبتدع كل شيء بنفسه واذا حصل ان سألني عما ينبغي عليه ان يفعله
اجد نفسي في ورطة) فانطونيوني ليس من انصار فكرة توضيح كل شيء للممثل،
والتجربة التي عاشها مع الممثلة (بيتسي بلير) اعتبرها (احدى اسوء اللحظات
واكثرها خيبة في مهنتي السينمائية معها، حين ارادت ان تقرأ سيناريو فيلم
(الصرخة) معي ،وطالبتني بان اكشف المعنى الذي يكمن وراء كل جملة في النص،
ولكن هذا غير ممكن. ان الجمل التي يتفوه بها الممثل تنبع من احساسه الفطري
يقترحها خياله وليس عقله، وبالتالي يحدث ان نعجز عن تفسيرها الا ان هذا هو
ما يريده المخرج. اذ كثيرا ما ترد عوامل غير واعية او احداث عادية لا تحتمل
الشرح). كثيرة هي الاراء الفنية التي اوضحها انطونيوني والتي تعكس خبرته
الغنية في مجال الفن السينمائي اذا يعتبر هذا المخرج احد اعمدة الفن السابع
بعد الحرب العالمية الثانية فهو واحد من رواد الواقعية الايطالية، فأسمه
يصطف بفخر الى جنب اسماء فيتوريو دي سيكا وروسليني وفلليني ولد انطونيوني
عام 1912 في مدينة فيرارا في ايطاليا اول اهتمام له بالسينما كان في مقالات
فنية كتبها لمجلة (سينما والتي كانت تصدر في روما. ساهم في كتابة السيناريو
وتعاون مع “روبرتو روسليني” في فيلم عودة القبطان)، ثم عمل بوظيفة كاتب
سيناريو لشركة انتاج سينمائي اسمها سكاليرا ثم مساعدا للمخرج انريكو
فولكينيوني في فلمه (الفوسكاري الاثنين)، ومساعدا للمخرج الفرنسي مارسيل
كارنيه الذيب كان يستعد لاخراج فلمه (زوار المساء) عام 1942 واثناء
الاحتلال النازي لفرنسا. في ايطاليا صور فيلمه التسجيلي (سكان سهلا البو)
الفيلم يركز على اشخاص يعرفهم انطونيوني ويتعاطف مع مشاكلهم وفي عام 1950
قام باخراج اول فيلم روائي له وهو (حكاية قصة حب) تعرض في هذا الفيلم الى (ازمة
العواطف والقيم الاخلاقية)في المجتمع البرجوازي الايطالي في عام 1960 اخرج
فيلم المغامرة وفي عام 1961 اخرج فيلم (الليلة) وعام 1962 اخرج فيلم الكسوف
عام 1966 اخرج فيلم الانفجار في لندجن وفي عام 1970 حصل انطونيوني على عقد
تصوير لفيلم نقطة زابريسكي في امريكا، وفي عام 1972 اكمل الفيلم التسجيلي
تشونغ كيو عن المجتمع الصيني والذي انتجه التلفزيوني الايطالي الرسمي وفي
عام 1974 صور فيلمه المسافر في اسبانيا وافريقيا، انطونيوني جرب كاميرا
الفيديو عندما صور فيلم سر اوبرفالد عام 1980 قصة الفيلم اخذت من مسرحية
لجان كوكتو ثم عاد انطونيوني الى المواضيع الايطالية في فيلمه (هوية امراة)
عام 1982 اشترك مع المخرج فيم فيندر بتصوير فيلم (ما وراء السحب) وقد منح
انطونيوني جائزة الاوسكار تقديرا لخدماته للسينما.
المصدر:
بناء الرؤية: انطونيوني
ترجمة: ابية حمزاوي
الإتحاد العراقية في
26/07/2009
السرد المذهل للسينما في تناولاتها
الادبية
صباح
محسن
تأثرت
اغلب سينمات العالم بالطروحات التي قدمتها وتقدمها السينما الامريكية على
الدوام، ولأن ماتم تقديمه من افلام اعتمد في اغلبه على افكار كتاب قدموا
اعمالهم الروائية والقصصية وحتى المسرحية لشركات الانتاج الكبرى في هوليوود
منذ بداية تأسيسها واخذت ماكنات السينما على عاتقها انتاج تلك الروايات
وتحت اشراف كبار كتاب السيناريو .
كما تم رصد مبالغ ضخمة لانتاج تلك الافلام بدءاً من ذهب مع الريح
الرائع حتى مرتفعات وذرينغ الى آنا كارينا الخالد، الى الافلام التاريخية
من مثل الملاحم الرومانية واليونانية، وغيرها.أقول جاء هذا التأثر كنتيجة
طبيعية لسطوة هذه السينما العملاقة ورسوخها وعلو قدمها مهما أختلفت الآراء
بشأن بعض أنعطافاتها.
ان ذيوع ظاهرة التناولات الادبية في السينما العالمية ظل هاجسا اثيرا
لدى المشتغلين في حقل الفن السابع، وذلك لتأثيره الجماهيري الكبير،
وللاهتمام المتزايد من الشركات الانتاجية الكبرى لتقديم كل جديد في عالم
الادب سينمائيا، لان امر تقديم الشخصيات المنقولة من بطون الكتب بوقائعها
ومناخاتها والتباساتها قد تسهل على منتجي تلك الافلام خاصة، ابتكار افكار
من خيال كتاب السيناريو انفسهم..
ولان سحر الرواية واعتمادها على مخيال قوي وذكي لكتاب كبار تخصصوا في
فن الرواية يكون ايسر لهم في جذب الجماهير اعتمادا على المصادر الاصلية
لمادة الفيلم.
ومنذ ان بدأت ماكنة السينما تدور على سكة العمل لنقل وقائع واحداث
ومناخات الاعمال الروائية بصنعة وحرفة سينمائية. بحتة، ولاننسى هنا مدى
الاختلاف بين طروحات الادب المكتوب وطروحات السينما المعتمدة على الصورة
بشكل اوسع لشرح ظروف العمل الادبي مما حدا ببعض الكتاب ان عبر عن اندهاشه
لما آلت اليه روايته او قصته لحالة لم تكن تدور في خلده وهو يكتب روايته.
قلة من المخرجين من اعتمد سياقات متداخلة بين عمل السينما وعمل الادب
الروائي في اختلاف المقدمات ورسم المشاهد المطروحة بالصورة او مكتوبة
بأسلوب ادبي، وكان اغلب المخرجين الكبار قد اوصلوا فكرة الكاتب سينمائيا
وادهشوا المتلقي في ما قدموه من مثل زوربا لكازنتزاكي والدكتور زيفاغو
لباسترناك والحرب والسلام لتولستوي وسيدتي الجميلة لبرنادشو وبيت الارواح
لليندي فضلا عن اعمال كثيرة اخرى من عيون الادب العالمي، وتمكنت تلك
الافلام من خلال صانعيها المهرة من ادخالها الى ذاكرة الناس والمهرجانات
وحصولها على اعلى الجوائز وافضلها..
ومما لاشك فيه فان انتاج عمل ادبي للسينما ليس بالامر السهل، اذ يحتاج
عادة الى كادر متخصص في مثل هذه الاعمال وفنيين متخصصين في مسائل الديكور
والانارة وما الى ذلك، الى الموسيقى، الى وضع اليد على ميزانية ضخمة لتبرير
اختيار ممثلين مجيدين يجسدون تلك الادوار الخاصة .
لقد قدم المخرج الروسي الكبير بندر جوك فيلم الحرب والسلام المأخوذ من
رواية تولستوي العظيم، وكان من الافلام التاريخية الضخمة، حيث اعتمد من
خلاله في تصوير ادق التفاصيل المذكورة في اصل الرواية من اكسسوارات وحلي
وستائر وملابس الممثلين، ومشاهد اخراج معركة واترلو المذهلة، وكذلك طول
فترة العمل المرهقة التي استغرقت اكثر من اربع سنوات!.
هكذا ينسحب الامر الى الاهتمام بتقديم الادب الى السينما بحرص بالغ من
قبل شركات الانتاج وصناع السينما و المؤسسات في بعض الدول لانتاج تلك
الاعمال لاهميتها ولاحترام تلك الدول لكتابها الذين تفخر بهم لتسجيلهم
ذاكرة مجتمعاتهم بأدق تفاصيلها التاريخية والوطنية.
الإتحاد العراقية في
26/07/2009 |