عادة ما تبحث عن المفتاح الملائم لفك الشفرة.. وفي فيلم عادل إمام
الجديد "بوبوس" يصبح الطفل الذي يحمل الفيلم اسمه هو المفتاح.. ليس لأنه
طفل نبيه أو خارق أو سوبر.. دائما لأنه مبروك.. فهو طفل الحكومة.. والده هو
نظام بك عبدالدايم.. الرجل الذي يعرف كل شيء عن رجال الأعمال ويعرف كيف
يرعاهم ويحميهم حتي من أنفسهم عند اللزوم. وليس هناك أسهل من هذا اللغز في
رحلة الفيلم داخل عالم رجال الأعمال. وهي رحلة كتبها المؤلف يوسف معاطي
بكثير من الحرفنة. ومن الفهم للنظرية "نظرية بوبوس طبعا" وتوابعها وقدمها
المخرج وائل احسان باحساس فني عال يصل إلي أقصي درجاته في مشاهده ويتراجع
بلا مبرر في مشاهد أخري ربما طلبا للضحك من الجمهور أو ارضاء عادل امام
ككوميديان ومعه أشرف عبدالباقي "مشهد نوم يسرا" وبين ارضاء الدراما
المتصاعدة وارضاء دافع الاضحاك استغلالا لوجود نجوم الكوميديا حاول المخرج
أن يضع فيلما يعطينا كل شيء. وأفلح ولكن بدرجات.. وأعلاها هو ما يخص الفكرة
والتناول الدرامي لعلاقة رجال الأعمال بالحكومة وبأنفسهم وحيث لم يترك يوسف
معاطي شيئا لم يتناوله في هذه القصة التي تبدأ بالسبب والنتيجة معا في
علاقة صلاح بك الهنداوي "عادل امام" بنظام بك وابنه الطفل بوبوس. وتطورها
علي نحو باطل. وهو ما ندركه من صورة الهنداوي وسلوكه وينتقل بنا الفيلم
خطوة خطوة ما بين الطرفين. مرورا بكتيبة رجال الأعمال الفارين خارج مصر.
ومجتمعهم في لندن وناديهم الضخم في مشهد من المشاهد الرائعة أما هنداوي بطل
الفيلم فإن المدخل إليه هو تلك السهرة التي رأي فيها مغنية مغمورة تعرض
مفاتنها فقرر إنتاج شريط لها. وفي الصباح التالي يستسلم لبوليس الأموال
الحاقه الذي جاء للحجز عليه بسبب ديونه. وفي مشاهد شديدة البلاغة يقدم لنا
الفيلم كم النصب والتدليس الذي يمارسه هنداوي. وكل هنداوي. علي العالم.
وحيث تذهب اللجنة للحجز علي شركاته وممتلكاته فإذا بها هياكل مفرغة ومبان
حقيرة. أي أنها عملية نصب كبري ولتجعلنا نتساءل: هل يمتلك رجل الأعمال
بالفعل شركات خسرت فباعها وهرب أمواله؟ أم أنه يتاجر في ممنوعات ويعطيها
لبعض المنشآت علي الأرض. غير أن مكافأة لجنة الجرد كانت علقة موت من عصابة
مسلحة تهجم عليها وتكاد تقتل رئيس اللجنة وليصبح عبرة لمن يريد البحث وراء
رجل أعمال ومع ذلك كله. فإن هنداوي يذهب من جديد إلي نظام بك "عزت أبو عوف"
ويحصل من جديد علي تسهيلات واقراضات.. ومجاملات.
ومن هنداوي يأخذنا الفيلم إلي نماذج أخري من رجال الأعمال ذهب إليهم
البطل ليحصل علي نقود يدينهم بها بعد أن حجزوا علي مقره وسيارته. ليكتشف ما
حدث لهم في مشاهد سريعة تتناول نهايات محزنة لمن هرب ومن قتل نفسه ومن فقد
عقله وارتدي فستانا أحمر وظن نفسه راقصة "أحمد دياب" بعد أن ضاعت أمواله في
البورصة أما الرابع فقد وجد هنداوي العزاء منصوبا في بيته. ليكتشف وهو يعزي
امرأته "يسرا" أنه رحل منذ عام. ولأنه يمتلك نصف قصر الراحل فإنه يدخل في
صراع مع أرملته. لتبدأ قصة جديدة بدخول زوجة المرحوم طرفا رئيسيا في
الدراما ومعها خدم القصر. رأفت "أشرف عبدالباقي" وتهاني "مي كساب" ولتتخذ
الدراما أبعادا أخري تتسع فيها الرؤية لتضم الشعب إلي جانب النخبة.. وليكشف
الفيلم عن ذلك الارتياب المتبادل بين الطرفين رجال الأعمال. والناس
العاديين. من خلال علاقة هنداوي برأفت. ورأفت بتهاني خطيبته التي لم يستطع
أن يتزوجها بعد سنوات خطبة تسع وبرغم عمله في ثلاثة أشغال. وفي مشهد مؤثر
يكشف رأفت الشغال "فيه عن سيد الشغال دور عادل امام الشهير" للمليونير
هنداوي عن تطور مشاعره تجاهه. فقد كان قدوته وكان معجبا به ولكنه لم يعد
يحبه بعد أن رآه وعرفه عن قرب! وتكتمل الدائرة في علاقة الناس برجال
الأعمال بمحاولة قتل هنداوي في فرح رأفت علي يد رئيس عمال أحد مصانعه التي
أغلقها فتشرد الرجل وفشل في اعالة أولاده "ضياء الميرغني".. ولم يهاجم
الفيلم رجال الأعمال فقط وإنما سيدات الأعمال من خلال مهجة النشار "يسرا"
التي بدت هنا النسخة النسائية من هنداوي في النصب والاحتيال من أجل التمتع
بالثروة والحياة.. وفي سيناريو طريف ضمن سيناريو الفيلم تتحول علاقة هنداوي
ومهجة من الرفض إلي الصراع إلي الانسجام ثم الحب في اطار من خفة الظل
والفانتازيا أحيانا ومن خلال أجواء معبرة عن درجات الصراع وهويات البشر
استطاع المصور الفنان ايهاب محمد علي اضافتها كأن تنتقل الكاميرات داخل
القصر إلي خارجه. ومن الأمان والجمال إلي الوحشة والوحشية حين ينقض البوليس
علي رأفت وهو يركب التوك توك ويوسعونه ضربا بعد لحظات من خروجه تاركا عمله
بالقصر.. التمثيل ضمن عناصر الفيلم المهمة. فقير عادل إمام.
التراجيكوميديان. ويسرا جاء أداء أشرف عبدالباقي ومي كساب وحسن حسني ولطفي
لبيب ورجاء الجداوي منضبطا. وأدي أصحاب الأدوار الأصغر أدوارهم بانضباط
محسوب بداية من شلة لندن خاصة أيمن عزب. وعزت أبو عوف وسامح الصريطي وممثل
دور لطفي بك. غير أن أهم ما في الفيلم هو أنه يتعاطي السياسة ويوهمنا بأنه
لا يفعلها.. مع أنه أكثر الأفلام المصرية هجوما علي سياسات الحكومة تجاه
رجال الأعمال. وأكثرها نقدا لهم. منذ اللحظة الأولي. وحتي نهايته حين "تحن"
الحكومة عليهم فتحميهم من التعثر وتخرجهم من السجن. وتحتويهم وترعاهم وبذلك
يخرج "صلاح هنداوي" و"مهجة النشار" من الحبس سريعا إلي أحضان الحكومة
ولكنهما بدلا من أن يجدا نظام بك وبوبوس تتغير السياسة فإذا بالرجل غير
الرجل.. ولكن المنهج هو هو.. والابن أيضا.
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
09/07/2009 |