نقول: "حواديت وحيد حامد غير المقنعة".. لأن فيلم "احكى يا شهرزاد"
ينتمى إلى عالم هذا المؤلف المخضرم، أكثر مما ينتمى إلى عالم مخرجه يسرى
نصر الله، المعروف بتميز أسلوبه ونزوعه إلى الحداثة وبحثه الدائم الدؤوب عن
التجديد الشكلى وتتلمذه على الاتجاهات الحديثة فى السينما الألمانية وفى
سينما شاهين. والحق أن لدراما وحيد حامد ـ بدورها ـ قيمتها، وأعمالها على
مر عقود فى دراما السينما والتليفزيون والراديو تميز من بينها الكثير،
واتسم بتماسك الدراما وتدفقها وإيقاعها الحى، ومواضيعها التى تمس قضايا
وزوايا جوهرية إلى جانب المعالجات الأخاذة الجذابة.
لكن مواقف عدة فى دراما فيلم "احكى يا شهرزاد" جاءت غير مقنعة على
الوجه الكافى أو إلى الحد الضروري.
يقوم الفيلم على حكاية المذيعة "هبة" (منى زكي) وحكيها، أى قصص النساء
التى تقدمها للجمهور من خلال برنامجها التليفزيونى "نهاية المساء.. بداية
الصباح"، ويختار الفيلم ثلاث حكايات ليقدمها بتفاصيلها، فنرى فى كل منها
"فلاش باك" رجوعاً إلى الماضى من وجهة نظر صاحبة المشكلة ضيفة البرنامج،
وهو رجوع طويل، سيستغرق فى كل مرة من المرات الثلاث ربع الفيلم تقريباً،
أما الربع المتبقى فهو للمذيعة نفسها فى بيتها ومع زوجها، والتى يبدأ
الفيلم بالتركيز عليها وينتهى بنفس التركيز، ولعلها ـ فى تقديرنا ـ أقوى
قصص ومناطق الفيلم، دراميا وفنيا.
والتناقض طول الوقت يحتدم وباطراد بين هبة المذيعة المبدئية الجادة،
الحريصة على أن تقدم مشكلات حقيقية فى المجتمع، بينما زوجها الصحفى (حسن
الرداد) لا تبرحه النزعة الوصولية وأرق الصعود إلى منصب رئيس التحرير، وهو
لا يكف عن اتهامها بدور فى عرقلة تطلعه ووصوله، وذلك بقدر سخونة الحلقات
التى تقدمها، واغضاب هذه الحلقات لمسئولين كبار يتشدقون بسمعة مصر وهم
يقصدون سمعتهم. وفى النهاية يتفجر التناقض على نحو حاد وإلى حد الشجار
القاسى بينهما، وتذهب هبة بعينها المتورمة ووجها المصاب إلى برنامجها،
ليفاجأ الجمهور بأن ضيفة الحلقة هذه المرة هى ذاتها مقدمته، وان مشكلتها أو
مأساتها مع الزوج هى حكاية الليلة، وهو الزوج الثانى فى حياتها وكانا
لايزالان فى عامهما الأول، ما كان يدفعها إلى الصبر والتأنى فى معالجة
الأمر، إلى أن يتفجر التناقض فى النهاية عن مداه، ولا يصلح أبداً ما كان
يتصوره الزوج كوسيلة لحماية العلاقة وهو الرابط الجنسى، ويتبين له زيف
توهمه وأنه غير كاف وحده.
أما الضيفات الثلاث فأولهن (سوسن بدر) التى تعمل فى مصحة وقد فاتها
الزواج فى سن مناسب ويختار الفيلم من حياتها قصتها يوماً مع من تقدم
لخطبتها (حسين الإمام)، مبدياً بعض مطالب وشروطا ويقدم الفيلم الشخصية
والمشهد الذى يجمعهما فى مطعم ـ لتوضيح الشروط ـ على نحو أقرب إلى
الكوميديا أو الفكاهة وهذا فى ظننا ما أضعف الموقف كله، خاصة أيضاً أن بعض
ما يشترطه معقول مثل أن عليهما معاً القيام بمتطلبات المنزل وأنه سوف
يساعدها لأنه لا يفضل وجود شغالة فى المنزل (الأمر الذى أزعجها!) كما أنه
يحب أن يكون الطعام فى البيت من طهى زوجته، لكن ربما أكثر ما أثار حفيظتها
قوله أن لديه شقة (160 متراً) بينما عليها أن تؤثثها!.. وكان بإمكانها أن
تناقشه فى المشاركة فى التأثيث كما يحدث فى واقعنا، على أن المشهد فى
المجمل بدا كمشاهد مماثلة تسخر من العرسان أو الشباب وهم يتقدمون للزواج فى
تراث السينما المصرية الفكاهي.
أما المشكلة الثانية فلثلاث شقيقات يرثن محل دهانات ومسامير..الخ من
والدهن، ويواجهن عمهم (محمد فريد) الذى أراد استغلالهن ونهب المحل، ثم
يعتمدن على شاب أمين يعمل فى المحل (محمد رمضان)، ويذكرنا هذا الشاب الذى
أدى دور أحمد زكى فى مسلسل "السندريلا" ـ مع منى زكى أيضاً ـ وتذكرنا
مشاهده مع الفتيات الثلاث بقصة الفيلم الذى أداه زكى "الراعى والنساء"، حيث
نلحظ فى "احكى يا شهرزاد" نظرة "ذكورية" واضحة وتطلع الفتيات إلى الشاب
واستغراقهن جميعاً فى علاقات حسية معه وحين ينكشف ذلك لهن معاً تكون
الصاعقة وتقوم أكبرهن بقتله، وكان وحيد حامد أيضاً قد كتب فيلماً مماثلاً
فى نفس توقيت فيلم "الراعى والنساء" بعنوان "الرغبة المتوحشة"، وكلا
الفيلمين عن المسرحية الإيطالية المعروفة "حدث فى جزيرة الماعز".
وعلى الرغم من موهبة "رمضان" الواضحة إلا أنه لم يستطع أن يتخلص من
تاثيرات أداء أحمد زكى، لكن نقطة الضعف الأساسية فى هذا القسم هى أن
الفتيات اتفقن على الترحيب بزواج أية واحدة منهن يتم التوافق بينها والشاب،
لكن ما حدث، ودون مبرر إذن، هو إخفاء كل منهن عن الأخرى ليس فحسب محاولة
جذب الشاب وليس فقط الترتيب مع الشاب للزواج بل واستمرار واستمراء كل منهن
طويلاً فى علاقة جنسية كاملة، من دون أى تبرير للإخفاء لأنهن اتفقن ابتداء
على اقتراح الزواج من أيهن، وكان مضحكاً جلوس أكبرهن فوق السرير المتواضع
بمخزن المحل وقولها له "زوجتك نفسي" بينما هو يردد نفس القول، ولم يختاروا
حتى الزواج السرى أو العرفي!.. وكل المقدمات حول شخصيات الفتيات ونشأتهن
المحافظة لم تكن تؤدى إلى ما وقعن فيه، ولا المقدمات المتعلقة أيضاً بالشاب
المخلص الأمين المتواضع كانت تنبئ بما سقط فيه.
وفى قصة الضيفة الثالثة، طبيبة الأسنان من عائلة ميسورة، نجد رجل
أعمال (محمود حميدة) يتقدم للزواج بها وبالفعل يعقد قرانه عليها لكن دون
زفاف لحين أن يتم تجهيز مسكن الزوجية الفاخر الذى يعده لها، وحينما تحمل
منه يقول لها إنه عاقر (يقصد عقيم!) ويتضح لها ولعائلتها أنه ينصب عليها
وأنه "صائد عوانس" رغم ثرائه الكبير الملحوظ!.. لكن من غرائب دراما الفيلم
أن الطبيبة بدلاً من أن تطلب "التحليل" الذى يثبت بنوة الطفل للرجل وشرف
مسلكها تلجأ فوراً إلى الإجهاض قائلة بحجة: "أنا لا يشرفنى أن يكون طفلى من
هذا الرجل!".
لكن "احكى يا شهرزاد" يظل فى النهاية فيلماً جيداً، ولعل من أجمل ما
فيه إضافة إلى رقى وأناقة أسلوب نصر الله، مستوى التمثيل الذى قدمته وبرعت
فيه منى زكى، وجسدت فيه الشخصية بمنتهى الرهافة والوعى، وكذلك الوجوه
الشابة والجديدة التى أجادت فى أدوار الشقيقات الثلاث وطبيبة الأسنان وحسن
الرداد فضلاً عن سوسن بدر ومحمود حميدة.
"احكى يا شهرزاد" فيلم يستحق الترحيب والنقاش والاختلاف.
العربي المصرية في
07/07/2009 |