قدم أسبوع الفيلم العربي في مدينة ميونيخ الألمانية (18-24 يونيو الجاري)
صورة للمرأة العربية اعتبرها البعض تضر أكثر مما تنفع؛ إذ عُرضت أفلام
مصرية وجزائرية أثارت جدلا كبيرا لدى عرضها في بلدانها, إلا أن ذلك لا يمنع
أن الأسبوع الذي تنوعت فيه الأفلام قدم في المحصلة سينما عربية جاذبة
للألمان، بحسب العديد من النقاد والخبراء.
وتضمن الأسبوع العربي عرض الفيلم الجزائري "داليس بالوما" بحضور مخرجه
"ندير موكنشيه" البالغ من العمر 44 عاما الذي ولد في باريس وتربى في
الجزائر ودرس ما بين نيويورك ولندن وإيطاليا، وهو يرى نفسه حالة بين
ثقافتين إسلامية وغربية ويحاول التعبير عن ذلك في أفلامه.
والفيلم من إنتاج جزائري فرنسي مشترك عام 2007 واستقطب لدى عرضه في ميونيخ
عددا كبيرا من المتفرجين الألمان، بحسب الجهة المنظمة.
دعارة وشذوذ
هذا الإقبال تم إيعازه لموضوع الفيلم الذي يعالج قضايا حساسة مثل الدعارة
والمثلية الجنسية والتي تعد خطا أحمر في المجتمعات العربية والإسلامية,
وكان الفيلم قد سبب صدمة في الجزائر لجرأته، ومنعته السلطات الجزائرية من
العرض بحجة عدم توفر نسخة عربية، باعتبار أن النسخة الأصلية للفيلم ناطقة
باللغة الفرنسية.
غير أن أوساطا متابعة للقضية آنذاك رأت أن أسباب المنع تعود لأن الفيلم قدم
صورة سيئة عن الجزائر؛ حيث يحكي عن عاهرة تدعى "ألجيريا" تدير شبكة كبيرة
للدعارة، وتظهر في الفيلم بلباس يعكس ألوان العلم الجزائري: الأبيض والأحمر
والأخضر.
وعرض خلال المهرجان فيلم جزائري آخر لنفس المخرج وهو فيلم "تحيا الجزائر"
-إنتاج جزائري فرنسي عام 2004- الذي يرصد حياة ثلاث نساء من أعمار متفاوتة،
وبتطلعات وأحلام مختلفة, تجمعهم ممارسة الدعارة على خلفية أحداث التطرف
الديني التي شهدتها الجزائر.
ولاقى الفيلم استحسانا من الجمهور الألماني، بينما أغضب العرب والمسلمين
الحاضرين فحاولوا الدفاع عن صورتهم؛ كون الأفلام مجرد تقليد للسينما
الغربية وتعميم لحالات قليلة في الجزائر, منتقدين في حضور مخرج الفيلم
محاولة البعض تقديم أفلام تغازل الغرب وتتفق مع أهوائهم وأفكارهم عن القهر،
وتصوراتهم الوهمية عن وضع المرأة في الإسلام.
ودفع ذلك المخرج إلى التأكيد على وجود هذه الحالات في الجزائر والعالم
العربي بصفة عامة، ومستشهدا بنساء رأوا أنفسهم في هذه الأفلام، ومضيفا:
"دائما ما نريد طمس الحقائق بالسكوت عنها، ومهمة الفن التحدث عنها بصراحة
وجرأة".
قضايا مهمة
كما شمل برنامج العروض الفيلم المصري "عمارة يعقوبيان" والذي يعالج نفس
قضايا الفيلم الجزائري عبر حكايات مختلفة لسكان العمارة والتي تعكس بطريقة
رمزية حال الشعب المصري, وجدير بالذكر أن الفيلم لاقى هجوما لدى عرضه في
دور السينما في صيف 2006، وهو مأخوذ عن رواية بذات الاسم للروائي علاء
الأسواني وقدمها للسينما المخرج مروان حامد.
وأكد إيدجار بلومه من جمعية "أورينت" الألمانية منظمة المهرجان أن اختيار
مجموعة الأفلام جاء ليعطي نظرة مختلفة ومحايدة إلى حد كبير، ولا يصدم في
نفس الوقت المشاهد الألماني بأكاذيب غير واقعية، أو صور بعيدة عن حياة
المسلمين والعرب.
"فاختيار الأفلام -على حد قوله- جاء بناء على تناولها قضايا سياسية من
منظور واقعي وقضايا اجتماعية مسكوت عنها في المجتمعات العربية على غرار
الفيلمين الجزائريين اللذين يتطرّقان إلى وضع المرأة في الجزائر في ظلّ
تزايد تأثير الإسلام السياسي على المجتمع وعلى منظوره للمرأة ولقضايا عدّة
كالتحرر والمثلية الجنسية"، بحسب تقديره.
ونظم أسبوع الفيلم العربي في ميونيخ بمبادرة من جمعية أورينت الألمانية
التي تسعى منذ سنوات إلى مد جسور التفاهم بين أوروبا والعالم العربي، وذلك
بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية ومعاهد جوته للغة الألمانية،
وبالاشتراك مع المركز الدولي الألماني للتدريب والتطوير المهني (إينفينت).
وتسعى جمعية أورينت، التي تتخذ من مدينة لايبتسيج الألمانية مقرا لها، إلى
تعريف الجمهور الألماني على الأدب والفن العربيين لإبحار الألمان في
الثقافة العربية بعيدا عن الصور النمطية التي تظهر في عالم السياسة.
ضم برنامج أسبوع الفيلم العربي في ميونيخ 8 أفلام روائية طويلة من دول
عربية مختلفة من الأردن مرورا بمصر ووصولا إلى المغرب، بالإضافة لأفلام
قصيرة لمخرجين شباب من مصر, تسلط الضوء على مشاكل وتطلعات الشباب العربي،
وتضع الأصابع على قضايا اجتماعية وسياسية حساسة.
أفلام عربية
وعلى الرغم من أن الأفلام المصرية والجزائرية حظيت بنصيب الأسد من عدد
الأفلام المشاركة في الأسبوع، إلا أن عددا من الأفلام العربية الأخرى من
فلسطين والمغرب سجلت هي الأخرى حضورا متميزا، واستقطبت عددا كبيرا من هواة
الفن السابع ومن الراغبين في التعرف على الثقافة العربية، وخاصة أن كل
الأفلام كانت مترجمة باللغة الألمانية.
من أهمها الفيلم الفلسطيني "ملح هذا البحر" الذي يعالج قضية سياسية كبيرة
تتجاوز الحدود الإقليمية في تطرقه إلى قضية الشرق الأوسط والصراع
الإسرائيلي الفلسطيني، فالفيلم من إنتاج عام 2008 وإخراج المخرجة
الفلسطينية الأصل الأمريكية الجنسية آن ماري جاسر، ويحكي قصة الوطن
والحرية، الفيلم من بطولة سهير حماد وصالح بكري، ويعرض رؤية يختلط فيها
الشخصي بالعام، والذاكرة بالراهن، والحلم بالواقع لشابة فلسطينية الأصل
أمريكية الجنسية "ثريا" تعود إلى وطنها فلسطين، محاولة استعادة حقها في
الأرض والمال والعيش والحلم في بلدها.
وقد أثنت الجماهير الحاضرة في ميونيخ والتي كان أغلبهم ألمان بحسب صحيفة
سوددويتشه الألمانية على الفيلم؛ لأنهم رأوا صورة لم يروها من قبل عن
الفلسطينيين والصراع العربي الإسرائيلي, صورة بعيدة عن نشرات الأخبار
والبرامج السياسية المعقدة.
ومن الأفلام الجزائرية الأخرى التي عرضت أيضا "بركات" من إخراج جميلة
صحراوي، من مواليد 1950، وقد تقاسمت بطولته كل من رشيدة براكني وفطومة
بوعماري، فيما توزع السيناريو بين المخرجة جميلة صحراوي والسيناريست
الفرنسي سيسيل فير غافتي، وتبدأ الأحداث سنة 1990، باختطاف زوج البطلة آمال
(رشيدة براكني) من طرف جماعة مسلحة، بسبب انتقاداته اللاذعة للعمليات
الإرهابية التي شهدتها الجزائر في الفترة بين 1990ـ1999، وتبدأ البطلة رحلة
البحث عنه، والفيلم إنتاج 2006.
كما عرض الفيلم المغربي "ملائكة الشيطان" إخراج أحمد بولان -إنتاج 2007 -
الذي يصور مواجهة بين فرقة موسيقية والمد الأصولي.
قصيرة مصرية
نالت الأفلام المصرية القصيرة التي قدمها معهد جوته فرع مصر استحسان
الجمهور لتناولها موضوعات مختلفة ومنها فيلم "همس الجنون" وطوله 15 دقيقة
للمخرج مصطفى يوسف عن قصة للكاتب الكبير نجيب محفوظ.
وفيلم "الآتي" للمخرج الشاب محمد ممدوح ومدته 10 دقائق ويناقش الفيلم فكرة
الحلم الأبدي لكل أسرة عربية في انتظار المولود الولد الذي يعني حياة ممتدة
في المجتمعات العربية.
وعرض فيلم "يوم الإثنين" للمخرج تامر السعيد والذي يحكي عن زوجين يقرران
عيش حياتهم بحرية فتبدأ حنان البطلة وزوجها في تجربة أشياء طبقا لرغباتهما
أي أن يترك كل شريك شريكه حرا طليقا على سجيته وينعمان بلحظات جميلة في يوم
واحد من الأسبوع وهو يوم الإثنين.
كما عرض أيضا "المصعد" للمخرجة هديل نظمي والذي يعالج فكرة الانعزال القسري
لفتاة محجبة داخل مصعد ينحصر تواصلها مع العالم الخارجي عبر الهاتف المحمول
حتى تنتهي عزلتها بإعادة تشغيل المصعد.
صحفية مصرية
إسلام أنلاين في
28/06/2009 |