ما قبل فيلم «مريمي» للمخرج علي العلي مرحلة، وما بعده مرحلة أخرى تختلف
كلياً.
ثمة أمور كثيرة تغيرت، واستراتيجيات جديدة تم تدشينها، وعقول تفتحت، وأخرى
تراجعت
للوراء. هناك من استفاد من الانطلاقة، وهناك من أضره الزخم الكبير الذي
ناله هذا
الفيلم الذي لا تتجاوز دقائقه 35 دقيقة. هي نصف ساعة وحسب
لكنها مرحلة فاصلة بين
رغبتين (رغبة البقاء ورغبة الجري)، ولأنه في كل مكان هناك مثبطون وهناك
متضررون من
التقدم، فإن الحواجز نصبت منذ أول خطوة، وأعتقد أن هناك الكثير من الحواجز
حتى بلوغ
خط النهاية.
قبل فيلم «مريمي» الذي يقول عنه الناقد والباحث السينمائي
المصري الحاصل على ماجستير في النقد ياقوت الذيب «إنها تجربة رائدة لصناعة
سينما
خليجية جديدة تقف على قدم المساواة في تناولها للواقع المعاش إلي جانب
اقترابها من
التراث والموروثات الخليجية).
قبل هذا الفيلم لم يكن هناك حراك سينمائي، ولا
أساسات لهذا الحراك وهي (المحاولات)، أما الآن فيمكن سؤال القائمين على
مهرجان
الريف للأفلام السينمائية عن عدد الأفلام المشاركة مقارنة مع العام الماضي،
لا شك
أنها تتجاوز الضعف.
«مريمي»
هو تجربة للتقدم خطوتين، وحث الآخرين على المشي
إذ إن ما يظنه الشباب هاوية، ما هي إلا أرض. بالفعل استوعب
كثير منهم الفكرة،
واستلهموا الزخم وساروا قدما في الإنتاج.
في (شركة عمران ميديا)، تم تقديم
مساعدات لأربع تجارب سينمائية، وهناك الكثير من التجارب الشابة التي اعتمدت
على
نفسها، البحرين هذا العام كانت حاضرة بقوة، والتنافس كان على أوجه في
مهرجان الخليج
السينمائي. كل هذا بسبب الحراك الذي خلقه فيلم (مريمي)، الذي جعل من
البحرين محطة
مهمة للتحليل السينمائي، ومنذ متى كان للتجارب البحرينية هذه
الحظوة في المحافل
والأقلام الصحفية والفنية!
يقول الكاتب الصحفي والمحلل في الشئون الفنية
بصحيفة «الرأي» الكويتية عبدالستار ناجي: «مريمي نموذج للفيلم الدرامي
القصير كتابة
رشيقة وجهدا إخراجيا رصينا واجتهادا على صعيد التمثيل وسخاء في الإنتاج
قامت به
شركة عمران للإنتاج الفني (...) ويبقى أن نقول «مريمي» فيلم
بحريني يحرك
الساكن.
ناجي يقف لوهلة متأملاً في التجربة فيقول «المخرج الشاب علي العلي
ينفذ المشاهد بلغة سينمائية تخلو من التكلف، وباعتماد حرفي على
جميع مفردات الفعل
السينمائي من تمثيل وإضاءة وموسيقى ومونتاج».
كلام كثير دار عن «مريمي»،
و»مريمي» الذي انطلق منه في مقالي ليست الـ(35) دقيقة، بل تلك المحاولة
الجميلة
للتلفظ بمقولة «إننا هنا». في الواقع هناك غرابة بين استقبال الخارج
لـ»مريمي»
واستقبال الداخل.
حين شارك الفيلم في مهرجان الخليج تم اختيار جائزة (أفضل
سيناريو) كوسام على صدر كاتبه المبدع الإماراتي محمد حسن أحمد،
وحين عرض في البحرين
على شرف الفنان الكبير أحمد العريان بمجمع الدانة قاطع العمل من قاطع، ولما
عرض في
مهرجان الخليج نال نسبة عالية من الحضور في عرضيه. هناك
استخفاف بالتجربة داخلياً،
وهناك احترام وتمجيد في الخارج.
عندما حصد «مريمي» جائزتي أفضل سيناريو
وأفضل تمثيل في مهرجان الخليج، كان هناك توقع أن يتم استضافة مخرج وكاتب
ومنتج
الفيلم، إلا أن ذلك لم يحدث. على العكس تماماً كانت جنوب أفريقيا والهند
وميامي
واسبانيا وروتردام أسرع منهم باستضافة هؤلاء المبدعين، إنه
واقع سيئ جداً يعيشه
المبدع البحريني، وأحيانا يبدو وكأنه لا خيار إلا بالطيران خارج الحدود.
القنوات العالمية مثل الحرة والـ(ام بي سي) والوطن والرأي تسابقت لنشر
مقاطع من الفيلم على نشر مقاطع من الفيلم وإعلان فوزه وإجراء
لقاءات مع القائمين
عليه.
أين المشكلة
لا يوجد حراك ثقافي إلا وأحد جناحيه
سينمائي، والعمل الفني عندما ينطلق من تراث وثقافة الوطن الذي ينبت فيه
فإنه أبلغ
وأعظم من آلاف الأبيات الشعرية والحفلات الغنائية والمعارض التشكيلية.
إن
الجميع يعلم أن وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي آل خليفة
مهتمة بالثقافة اهتماما
جعلها تحصل على احترام العالم بأسره، ولكن الجميع يعلم أيضاً أن البحرين لا
تمتلك
حراكا أو إرثا سينمائياً تصدر من خلاله ثقافتها.
المسئولون في هيئة الإذاعة
والتلفزيون لم يمنحوا القائمين على فيلم (مريمي) أي فرصة لتقديم شيء مغاير
في
الدراما التلفزيونية على غرار تقديمهم لتجربة سينمائية مختلفة أذهلت
الخليجيين، بل
فضلوا إعطاءها لمن تعطى له الفرصة منذ أكثر من 15 عاماً إذ
تقتصر الفرص على مجموعة
من المخرجين والمنتجين.
إن مناخاً لا يكون فيه توزيع الفرص متساوياً هو
مناخ سيئ وحار ورطب، وأن اليونسكو التي تمتلك الوزيرة علاقات وطيدة معها لا
تأتي
على ذكر البحرين عند التطرق للإنتاج الدرامي والسينمائي، والوزيرة بكل
تأكيد لا
يرضيها ذلك.
إن وضع الإنتاج الدرامي يسوء عاما بعد آخر، أما الإنتاج
السينمائي فلا يوجد أصلا كما تشير لوائح العرض في دور السينما الكثيرة في
بلدنا،
هذا العام هيئة الإذاعة والتلفزيون لم تنتج أي عمل درامي لرمضان، وهي سابقة
لم تحدث
منذ عقدين، وانحدار للأسفل، على الرغم من التفاؤل الكبير الذي
أبدته النخبة للتغيير
الذي طرأ على وزارة الإعلام وهيئتها.
أتوجه بخطابي هذا للشيخة مي، لأنها
الوحيدة التي بيدها التغيير، إن المسئولين عن الدراما والإنتاج السينمائي
بهيئة
الإذاعة والتلفزيون ليسوا بحجم (العولمة)، ولذا يجب تحريضهم على الولوج
فيها وإلا
خرج الجميع من الباب الشرقي حيث البحر ولاشيء سواه. يجب أن يعطى الشباب
المبدع
الأولوية في الفرص بدلا من الاعتماد على الجيل القديم الذي لم
يستطع أخذ البلد
للمقدمة، كما يجب دعم الشباب وتجاربهم ماديا ومعنوياً.
إن القائمين على
فيلم «مريمي» وغيرهم من الشباب المبدع هم نواة طيبة ينبغي الاعتناء بها،
وإلى سينما
بحرينية راقية أتمنى أن يكون هذا الخطاب منطلقا لفهم واقع
الحراك الفني السينمائي
والدرامي، سواء في البحرين أو في الخليج.
واختتم مقالي بعبارة كتبها المحلل
الفني بصحيفة السفير اللبنانية نضال بشارة مقيما حال الدراما الخليجية (حتى
اللحظة،
لا تزال المسلسلات الخليجية بعيدة عن المنافسة في مجال الدراما
العربية. نادراً ما
تحقق المسلسلات هذه خرقاً في مزاج المشاهد غير الخليجي برغم الإمكانيات
المادية
التي ترصد لها).
@
كاتب بحريني ومدير الإنتاج بشركة عمران للإنتاج الفني
الوسط البحرينية في
18/06/2009 |