قد يختلف الكثيرون حول ما يقدمه خالد يوسف من أفلام، سواء من حيث أنها
سينما أم لا، أو من حيث أنها جميلة أم قبيحة.. ساذجة أم مصنوعة بإتقان، لكن
الجميع بلا استثناء يتفقون على ذكاء التلميذ الذي استطاع أن يرث من شاهين
مهنيته العالية وتاريخه، ثم يختلف عنه في إيجاد السبل للتواصل مع الجمهور
بلغة تصلح للتفاهم حول ما يريده كل طرف من الآخر، ومع الإعلام ومع الإنتاج,
وبهذه المعادلة أصبح خالد أهم مخرج عربي حتى الآن.
وحكاية فيلم (دكان شحاتة) الذي يُعرض حاليا من إخراجه تتلخص في أنه –أي
شحاتة- هو الابن الوحيد لأم ماتت وهي تلده، وتصور الظلم الواقع عليه من
إخوته، ونزوح والده من الصعيد، واتخاذهم للقاهرة وطنا، ثم الصراع بينهم على
الميراث، وهي حكاية بسيطة تصلح لفيلم سينمائي جيد، ربما لا يثير الكثير من
الجدل الذي أثاره فيلم (دكان شحاتة)، فخرج من كونه فيلما سينمائيا إلى
السياق الذي احترف الإعلام من خلاله التعاطي مع أعمال خالد يوسف، إذ تتم
إثارة الغبار حولها ليبتعد المشاهد والناقد والقارئ عن حقيقة الفيلم، ويصبح
الجدل حول عدة مشاهد بعضها يحيل المشاهد إلى التابوه السياسي، والآخر إلى
التابوه الجنسي، فضلا عن الديني، وهي التابوهات التي احترف خالد يوسف كسرها
في أفلامه؛ ليصبح الإعلام موظفا تماما لخدمة شباك التذاكر، والإيرادات هي
الرد الحاسم على قلم أي ناقد.
ثلاثية ختامها هيفاء
ويتجلى ذكاء خالد يوسف في تعامله مع واقع يعرف جيدا أنه مغرم بالشكل، ومدمن
للفرقعات الفارغة في اختيار البطلة / المفاجأة هيفاء وهبي.
ومن المعروف أنه يتم اختيار النجم في أي عمل فني طبقا للصورة الذهنية التي
شكلها عبر ما قدمه في أعماله السابقة، ولأن هيفاء وهبي سيدة الأنوثة
المعلنة والمستباحة عبر شاشات الفضائيات، فإن اختيارها في فيلم "دكان
شحاتة" للمخرج خالد يوسف لم يكن عشوائيا، وإذا كان دورها في الفيلم يجسد
على مستوى الرمز "مصر" التي خطفها الأغنياء من الفقراء، فإنه من الصعب جدا
تصور أن صانعي العمل فاتهم أن مصر ليست "هيفاء" بكل ما ترمز إليه، خاصة أن
جزءا من تعاقد المشاهد على دخول السينما للاستمتاع بالفيلم عبر التذكرة
يكون مرتبطا بتوقعاته تجاه بطل العمل، وبالتالي فالأمر هنا يرتبط بتحصيل
إيرادات أكبر بحضور الرمز الأنثوي المستباح للعيون.
و"دكان شحاتة" هو الفيلم التاسع لمخرجه خالد يوسف، والثالث له مع
السيناريست ناصر عبد الرحمن بعد: "هي فوضى"، و"حين ميسرة"، وتُشكل هذه
الأعمال ملامح ثلاثية يفضل إعادة ترتيبها لتبدأ بالدكان مرورا بـ"حين
ميسرة"؛ لينتهي الأمر بالفوضى والحقيقة الواضحة في الأفلام الثلاثة هي تلك
النهايات التي تكاد تكون واحدة؛ حيث يخرج الجوعى والرعاع والمظاليم ويأتون
على الأخضر واليابس، بينما يحيط بهم من بعد رجال الأمن.
وتمثل الأماكن التي اختارها الثنائي للأحداث في الأفلام الثلاثة مصر بطريقة
ما؛ إذ تدور الأحداث في فيلم "هي فوضى" في حي شعبي بالقاهرة، بينما أحداث
"حين ميسرة" تتحرك في حي عشوائي، بينما تتخذ أحداث "دكان شحاته"، وهو حي
شبه راق، محلا لها لتغلق بذلك كل الأبواب على الجميع في إشارة إلى أن
الفوضى آتية من كل الجهات، ولن تبقي ولن تذر.. هي إذن ثلاثية الضوء الأحمر
في التحذير من الفساد والظلم الاجتماعي والإهمال.
وطبقا لاختياراته السياسية المعلنة في أكثر من مجال فإن خالد يوسف يواجه
نظاما سياسيا مرفوضا نظريا وعمليا, وطبقا لأفلامه فإن الرجل يعمل من جلباب
النظام محذرا إياه من مغبة استمرار الفاسدين في فسادهم والسياسات الظالمة
في ظلمها، وإلا حدثت الفوضى، والرجل يخشى على الوطن منها، ويمعن في التحذير
بثلاثة أفلام، يبدأ أقدمها تاريخيا عام 1980، وهو العام الذي ولد فيه شحاته
(بطل الفيلم الثالث إنتاجا) ويصحبه والده إلى القاهرة، التي يعمل لدى ابن
لإقطاعي سابق فيها بستانيا، ويضم الأب ابنه الرابع إلى ثلاثة من زوجة
هاربة، ويعيشون في حديقة فيلا ابن الباشا الذي يهبهم فيما بعد (دكانا) لبيع
الفاكهة، ويتحول هذا الدكان فيما بعد إلى موضوع للصراع بين أبناء الزوجة
الهاربة والابن الأقرب إلى (رام) في المهاجر، أو سيدنا يوسف عليه السلام
الذي اضطهد من قبل إخوته، وتكتمل دوافع الصراع؛ إذ يخطف أحد الأخوة خطيبة
شحاتة (هيفاء وهبي) ويتزوجها بعد أن يتآمر الإخوة على تلفيق تهمة لأخيهم
ويتم إيداعه السجن.
بطل سلبي
ورغم إهدارعمره بسبب إخوته واختطاف خطيبته من قبل أحدهم، ورغم الإساءات
التي يتلقاها شحاته طوال الفيلم، يبحث المسكين عنهم بهدف واحد فقط، وهو صلة
الدم التي لا يريد لها أن تنقطع.. لا تدفعه رغبة في الانتقام مثلا، أو بحث
عن ميراثه المنهوب، فقط أحضان إخوته، ويبدو البطل بهذا الشكل أقرب إلى
تركيبة مريضة تعاني من مازوخية نفسية يصعب علاجها، وحتى حين يقتل ويثور من
أجله الرعاع يصرخ فيهم (دول إخواتي يا أولاد الكلب) ثم يموت!.
ورغم ما يحيط بالفيلم من جدل شكلي إلا أن جرأة كاتبه ومخرجه، ورصيد كل
منهما، جعل من إقدامهما على خطوة صناعة فيلم سينمائي تدور أحداثه في مجتمع
صعيدي بالقاهرة، بل ويبدأ من الصعيد نفسه، تحسب لهما بعد أن دأب صناع
السينما في مصر على اختيار مواقع التصوير السياحية قبل كتابة السيناريو،
وهو ما شكل حالة زائفة وخادعة أُضيفت إلى رصيد الزيف الذي خلفته موجة
الكوميديا التي سبقتها قبل وقوع النجوم في غرام الأكشن والدموية المفرطة،
واختيار دور الشجيع ثم بناء سيناريوهات مهلهلة عليه، وفضلا عن ذلك فإن
تحليلا اجتماعيا ووعيا دقيقا بحياة الصعيدي يتجلى واضحا وإن بدا الوعي
السياسي والاجتماعي غالبا ومباشرا بشكل جعل الفيلم يسكن العقل ولا يتسرب
للوجدان، وإن تسربت الدموع من العيون في بعض المشاهد الميلودرامية القاسية،
وهو ما يؤكد اكتشاف خالد وناصر لتابوه مصري رابع، أو عنصر جذب جديد ألا وهو
الحزن الذي يعرفان جيدا أنه جزء أصيل من طبيعة الشعب المصري.
يبقى أن بساطة القصة كان يمكن أن تصنع فيلما إنسانيا عظيما، لكن الصوت
السياسي المباشر والعالي جدا جعل من السينما ضيفا خفيفا في العمل بينما
السياسي هو البطل، خاصة أن صورة جمال عبد الناصر واستعراض فترة رئاسة مبارك
وثائقيا من خلال الصحف ولافتات الانتخابات الرئاسية والرشاوى الانتخابية
وبلطجية الانتخابات وغيرها تبدو مقحمة على العمل مقصودة لقول جملة سياسية،
وهو ما لا يمكن رفضه، لكن يمكن الاختلاف حول طريقة صنعه، بحيث يتسرب العمل
الفني إلى الوجدان وليس العقل فقط.
إسلام أ،لاين في
31/05/2009
"القس والإمام"..عندما تطفئ السينما نار الطائفية
هدى فايق
"نعم يمكن للمسلمين والمسيحيين أن يعيشوا في سلام مع بعضهم وأن يدخلوا
الجنة التي يحلمون بها.. هذه حقيقة"..
هذه هي رسالة الفيلم الوثائقي "القس والإمام" (39 دقيقة) الذي يرصد حالة
صراع طائفي تحولت في وقت لاحق إلى سلام، ودارت تفاصيلها في نيجيريا التي
لازلت تكتوي بنار الطائفية.
ويعرض الفيلم الإثنين 1-6-2009 في إطار ندوة يقيمها برنامج حوار الحضارات
بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة الساعة السادسة مساء.
تعايش
يعرض الفيلم لحالة تعايش إنسانية بين إمام مسلم يدعى محمد أشافة وقس مسيحي
يدعى جيمس ويي، تمكنا انطلاقا من مبدأ التسامح والسلام من إنشاء مركز
للوساطة بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا ساهم في إنهاء العديد من
النزاعات الطائفية.
ولم يكن يتصور أحدهما أن يشارك الآخر حياته بهذه الطريقة بل أن يشعر نحوه
بالحب والمودة, إذ إنهما كانا خلال الحرب الطائفية التي دارت رحاها في
داكوتا بنيجيريا عام 1992 عضوين في ميليشيات مسلحة تشكلت على أساس طائفي.
وخلال تلك الحرب، فقد القس جيمس ذراعه، فيما فقد فيها الشيخ محمد معلمه
واثنين من أبناء عمومته، وظل الأخير يدبر لقتل القس جيمس ثلاث سنوات إلى أن
يسر الله له التوبة التي جعلته يتسامح ويسعى للمصالحة مع القس، من منطلق
تطبيق تعاليم الإسلام الذي يدعوه إلى "قبول الآخر والتعايش معه في سلام".
التبشير والكراهية
ولم تكن الحالة مختلفة كثيرا بالنسبة للقس الذي توجس بداية من اقتراب
الإمام محمد أشافة منه، إذ تشكك في نواياه، لكن سرعان ما زالت الشكوك عندما
سمع خطبة أحد الأساقفة والتي تضمن مقولة شكلت نقطة التحول في حياته (لا
يمكن أن تبشر بالمسيحية وأنت تحمل الكراهية")، ومن لحظتها صفت نفسه لعدوه
المسلم وتحولا إلى أصدقاء.
وشارك الصديقان المسلم والمسيحي من خلال جولاتهما في خلق جو من الأمان في
نيجيريا حيث تضمنت هذه الجولات محاضرات ودروسا تخاطب العقل والقلب مستشهدين
بقصتهما معا. ونجح الاثنان معا في التمهيد لعقد اتفاق داكوتا الذي أنهى
القتال في المنطقة سنة 2001.
الفيلم من إنتاج وإخراج آلان تشانر وعماد كرم بدعم من مؤسسة
for the love of tomorrow (FLT) البريطانية.
صحفية مصرية
شاهد:
فيلم
"القس والإمام"
إسلام أ،لاين في
31/05/2009 |