أثار فوز الممثل العراقي بهجت الجبوري بجائزة أفضل ممثل ثانوي في المهرجان
القومى للسينما المصرية فى دورته الخامسة عشر، التي أُختتمت مؤخرا لدوره
في فيلم "الريس عمر حرب" للمخرج خالد يوسف، ردوداً طيبة عن أهل الفن
العراقي في بغداد، لكنهم لم يستغربوا ذلك، لكون الفنان الجبوري كبيرا في
أدائه وعطائه، وبين فرح أعلنته العيون كان هناك جرح عراقي لامسه الخبر تمثل
في الصورة التي عليها الفن العراقي الان والعلاقة بينه وبين الدولة التي
عاتبها البعض بمرارة على عدم الانتباه الى أهمية الفن وضرورته لبلد مثل
العراق يمثل لديه الفن أحد عناوين التحضر والرقي، فمن لا يقول ذلك بلسانه
كان يقوله بالحسرات التي بثها من صميم قلبه، بل أن البعض طالب أن تنظر
الدولة العراقية الى رموزها الفنية والثقافية بعين الاكبار لا أن تظل
تتجاهلهم، وكانت مناسبة فوز الجبوري العملاق بجائزة أفضل ممثل ثانوي تستدعي
عند البعض استحضار المعاناة التي يستشعرها الفنان العراقي قياساً لزملائه
الفنين العرب.
وبهجت الجبوري الذي يعد أحد أبرز نجوم الفن في العراق أدى في الفيلم شخصية
"محيي الرحال"، وهي شخصية عراقية، تأتي إلى مصر، بالتحديد إلى القاهرة، ولا
همّ لها سوى إضاعة الوقت في شرب الخمر، ولعب القمار والتسكع في القاهرة،
وكان ترشيحه للفيلم قد أتى عن طريق المصادفة، حيث كان مخرج الفيلم خالد
يوسف يبحث عن شخص عراقي للعب شخصية عراقية بالفيلم، و حينما سأل بعض من
المُقربين له رشحوه له، وقد وصفه خالد يوسف بأنه "محمود المليجي العراقي"،
والفيلم يلعب بطولته هاني سلامة، خالد صالح، سمية الخشاب، وغادة عبدالرازق،
ومن تأليف هاني فوزي.
وقد إستطلعنا آراء عدد من الفنانين العراقيين حول قيمة الجائزة التي نالها
بهجت الجبوري، وأدراك مشاعرهم تجاهه.
فقال الفنان سامي عبد الحميد: أسعدني الخبر بلا شك ونحن نفرح لكل انجاز
يحققه الفنان العراقي خارج نطاق البلد، وهذا تأكيد على أن الممثل العراقي
سواء بالمسرح أو السينما أو التلفزيون هو متقدم، لأنه بصراحة يمتلك أدواته
ويفهم مهمته ويتعمق في تحليله للدور، وهذا نتيجة لما تلقاه من خبرات عن
طريق الأساتذة الذين تعلم على ايديهم وعلى رأسهم الراحل حقي الشبلي مرورا
بابراهيم جلال وجعفر السعدي وجاسم العبودي وبدري حسون فريد وانتهاء بفاضل
خليل وصلاح القصب، وأضاف: الممثل العراقي أكثر جدية وحرصا في أدائه على أن
يعطي للشخصية حقها ولأكون صريحا عندما شاهدنا بهجت الجبوري في الفيلم أسفنا
لأن الدور أظهره بأقل قيمة مما يستحق لأنه ممثل متمكن ومرن ويعطي لكل
شخصية حقها، ولكن لا أؤاخذه لأن الأبواب مسدودة أمام الفنانين العراقيين،
واذا ما استطاع أن يفتح باباً فهذا دليل على شطارته، بهجت لديه أدوار مهمة
في التلفزيون تمثيلا متكاملا.
واختتم سامي حديثه بالقول: ربما هذا النجاح يفتح أبوابا أمام الممثلين
العراقيين، وكان من الممكن للفنان قائد النعماني أن يقتحم السينما
الأمريكية لولا وفاته في وقت مبكر.
أما الفنانة الدكتورة عواطف نعيم فقالت: أريد أن أسأل أولا: ما هو دور
الجهات الحكومية حين يفوز فنانون عراقيون في هذا الظرف العصيب بجوئز عربية
أو دولية؟، وما هو دورها في تكريم الطاقات الابداعية العالية وهي تحقق نصرا
وحضورا وتميزا حضاريا يصب في رافد الابداع العراقي، وتمثل العراق بوجهه
الثقافي والجمالي والانساني خير تمثيل؟، سبق أن فاز الفنان عزيز خيون
بجائزة أفضل فنان عربي مميز في مهرجان الشارقة المسرحي 2009، وسبق أن فاز
الفنان عبد الستار البصري على مستوى دولي في مهرجان القاهرة للمسرح
التجريبي 2008، والان يفوز القامة الكبيرة بهجت الجبوري في مهرجان سينمائي
على مستوى مصر، هؤلاء رموز وأسماء جليلة في الحركة الثقافية العراقية،
وبقدر ما نفخر بهذا الانجاز بوصفه انجازا لنا جميعا نحن العاملين على هذه
الظواهر الجمالية العالية بقدر ما يدور في الخاطر سؤال لا بد من قوله: ألا
هل من التفاتة ومبادرة لرعاية هذه القامات؟، ألا هل من انتباهة لحضارة وطن
تمثلها هذه الرموز؟.
وأضافت: بهجت الجبوري فنان كبير ويتمتع بخلق راقٍ ولم نسمع منه إلا كل ما
هو نبيل، فهو يترك ريحا طيبا وحضورا مشرفا في اي مكان يحل فيه، وما فوزه
إلا دلالة على مساحة ابداعه الواسعة وعطائه الكبير.
وقال المخرج السينمائي عبد الهادي مبارك: إن بهجت الجبوري يستحق الكثير،
يستحق أن يمنح جائزة الممثل الأول لكونه يلعب كل الشخصيات بقدرة عجيبة
وتلقائية ليس لها مثيل، وفوزه هذا يبين أننا موجودون ولنا حضور في العالم
على الرغم من الظروف، ولكن حكومتنا تتجاهلنا، وهذا التجاهل الغريب دليل على
عدم حبها للعملية الفنية، الدولة الآن للاسف تتجاهل كل شيء اسمه فن، ولا
أدري متى تنتبه الى هذه القيم الحضارية، ألا يشكل هذا الفوز شيئا لديها
لاسيما إنه يحمل اسم العراق.
وقالت الفنانة بتول عزيز: في التركيز على لقطات الفيلم الذي شارك فيه
الفنان الكبير بهجت الجبوري نجد أن له حضورا مميزا بين الفنانين المصريين،
وهذا دليل على قدرة الفنان العراقي على الابداع والمنافسة ولكن الفرصة غير
متاحة له، وأضافت: انا لم اتفاجأ بالفوز، فلدينا طاقات كبيرة ولكنها محجمة
ومحددة ولم تأخذ حيزها المناسب، ولمجرد انطلاقة بسيطة في العالم اثبت
الفنان العراقي وجوده الفاعل، للأسف لدينا فنانون ولكنهم محجمون.
وأكدت: بهجت الجبوري ممثل مبدع وأثبت حضوره منذ سنوات طويلة وليس الان،
ولكنني أشبِّه هذه الجائزة بالشرارة للفنان العراقي في هذا العالم الذي منح
الفرصة لغير العراقيين، بهجت، بالاضافة الى ابداعه وشطارته أثبت حضورا يشكر
عليه وأعتقد أن هذه نقلة عراقية مميزة للفنان العراقي وسط فناني العالم.
أما الفنان فلاح ابراهيم فقال: أعتقد أن بهجت الجبوري أكبر من هذه الجائزة
لأنه فنان كبير وقدم عدة ادوار في الدراما العراقية ونال عنها جوائز مهمة،
فأنا لا أستغرب حصول المبدع الكبير على هذه الجائزة العربية وانها جاءت
متأخرة، ولكنني اعتبرها لكل الممثلين العراقيين وهذا دليل واضح على قدرة
الممثل العراقي على تقديم نفسه وتقديمه للفن العراقي بشكل مشرف. وأضاف:
الفنان العراقي معروف في الوطن العربي وبالذات على صعيد المسرح، ولكن هذه
الجائزة قد تغري بعض المخرجين العرب بتقديم شخصيات مهمة للمثل العراقي الذي
يعاني من غبن شديد في الحركة السينمائية العربية.
وقال الفنان حقي الشوك: هذا فوز للفن العراقي وللمثل العراقي، وبهجت
الجبوري فنان أكبر من الجائزة وصاحب قيمة في الدراما العراقية، وقد اجاد في
دوره في الفيلم المصري على الرغم من قصر الدور وكان من المفروض أن ينال
الجائزة قبل سنة ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
وأضاف: هذه الجائزة تدعو الى التفاؤل بالفن العراقي وإن كنا لم نتفاجأ
لاننا نعرف من هو بهجت الجبوري بينما الاخرون لا يعرفونه كانسان وفنان، وأن
أول لقاء له معهم أعطوه جائزة، تحية الى الأستاذ "ابو هدى" ونتمنى له
الصحة.
يُذكر أن الفنان بهجت الجبوري غادر العراق قبل نحو ثلاث سنين بعد تعرضه
لانتكاسة صحية تطلبت وجوده في الخارج للعلاج وكانت احدى محطاته فيه
القاهرة.
إيلاف في
21/05/2009 |