قدّمت الفضائية السورية ضمن برنامج «الإبداع الروائي» جولة مصورة في عوالم
الروائي السوري حيدر حيدر، من اعداد فرحان المطر وإخراج هيام
ابراهيم.
بدت مشكلة الحلقة واضحة منذ الكادرات الأولى، إذ جاءت فقيرة بمكوناتها
لأسباب
انتاجية على ما يبدو، وهي أسباب لم يعد ممكناً التغاضي عنها،
مع الغنى الذي تشهده
برامج ترفيهية أقل شأناً من الإبداع وأهله، بخاصة أن الروائي حيدر الذي
يعيش في
بقعة منعزلة قرب مدينة طرطوس الساحلية السورية (حصين البحر) يستحق أن تكون
الحلقة
المعدة عنه ثرية كعوالمه الروائية التي لا تبدأ من «حكايا
النورس المهاجر» ولا
تنتهي بـ «شموس الغجر»، مروراً بالطبع بـ «وليمة لأعشاب البحر»، الرواية
التي أثارت
جدلاً كبيراً حين جرى تكفير حيدر وإهدار دمه قبل بضعة أعوام.
لا نعرف القنوات الإنتاجية التي تمر بها مثل هذه البرامج الجادة، والأكيد
أنها
ليست من شأن هذه السطور، ولكن المشاهد العربي أصبح متطلباً بعض الشيء مع
هذه الفورة
الفضائية، خصوصاً أن الحوار المطول الذي اعتمده البرنامج مستل
في الأساس من حوار «جرّبه»
معه الإعلامي السوري نضال زغبور في برنامجه الأسبوعي «مدارات»، وهو مازال
يقيم في الذاكرة القريبة لكل من تابع البرنامج المشار إليه، بالتالي ليس
ثمة جديد
هنا يضفيه هذا الفقر الإنتاجي على عوالم حيدر التي يذهب إليها
«الإبداع الروائي»،
فلا يطرق أبوابه كما يفترض.
وقد بدا هذا واضحاً، خصوصاً أن غالبية الشهادات في أدب حيدر كانت محصورة في
مبنى
اتحاد الكتاب العرب الذي تناوب بعض أعضائه على قول هذه
الشهادات التي تراوحت بين
مجاملات نقدية لم تقارب مثلاً في شيء الحالة الإشكالية التي ولدتها «وليمة
لأعشاب
البحر»، باستثناء شهادة الناقد أحمد جاسم الحسين الذي رأى في اقتراب حذر من
هذه
الإشكالية أن أدب حيدر حيدر ظلم كثيراً بسببها، فيما أهمل
القسم الأكبر منه.
لا شك في أن «الإبداع الروائي» الذي احتفى هنا بأدب حيدر أضاع على نفسه
فرصة
طيبة للدخول في عوالم هذا الروائي، مثل عزلته الطوعية ، فما
شاهدناه لا يتعدى بعض
الكادرات المصورة في قرية حصين البحر من أرشيف التلفزيون السوري. لم تقترب
الكاميرا
من مكان اقامته البحري المفضل (وطى حصين البحر). وظلت القرية السورية
الجبلية تظهر
لنا في كادرات عامة بعيدة محايدة لا علاقة للروائي بها، لأن من
يعرف حيدر من قرب
يدرك أن اقتحام عوالمه في حاجة إلى جرعة زائدة من الجرأة، تشبه جرأته في
التصدي
للكثير من القضايا الإشكالية التي تغاضى البرنامج عنها لحساب الحديث المطول
والمكرر
عن الإبداع من دون أن يقترب من العوالم التي يقيم فيها حيدر وحيداً وأعزل
وعلى مرمى
حجر من ضريح سعدالله ونوس صديقه ورفيق دربه وابن قريته الذي لم نسمع عنه
كلمة واحدة
في السياق.
وربما تطلب هذا الامر مقاربة أكبر، فثمة الكثير مما يمكن أن يحكى عن عوالم
اشكالية كانت تستحق غوصاً أكبر في العمق بدل هذه الملامسة
الوظيفية، وربما فعلها
المعد والمخرجة لو توافرت لهما امكانات أكبر لا تقف عند حدود استخدام ما
جرى تصويره
وإعداده وبثه من قبل!
الحياة اللندنية في
21/05/2009 |