تشكّل الذاكرة الثقافية رصيداً بالغ الأهمية لأي شعب من الشعوب، فكيف
اذا كان الأمر يتعلق ببلد عريق ذي حضارات متعددة وموغلة في القدم مثل
العراق. ولأن الذاكرة الثقافية مفردة واسعة وعميقة الدلالة، وتضم في طياتها
الذاكرة المرئية والمسموعة والمكتوبة، إلا أن استفتاء "إيلاف" مكرّس
للذاكرة المرئية فقط، والتي تقتصر على السينما والتلفزيون على وجه التحديد.
ونتيجة للتدمير الشامل الذي تعرضت له دار الإذاعة والتلفزيون، ومؤسسة
السينما والمسرح، بحيث لم يبقَ للعراق، إلا ما ندر، أية وثيقة مرئية. فلقد
تلاشى الأرشيف السينمائي العراقي بشقيه الروائي والوثائقي. وعلى الرغم من
أن السينما العراقية لم تأخذ حقها الطبيعي على مر الأنظمة التي تعاقبت على
حكم العراق، كما لم يحضَ السينمائيون العراقيون بأدنى اهتمام من مختلف
الحكومات العراقية التي كانت منشغلة بموازناتها السياسية، وبأرشفة أنشطتها
المحدودة التي لا تخرج عن إطار الذات المرَضية المتضخمة. وقبل سقوط النظام
الدكتاتوري في بغداد كان السينمائيون العراقيون يعلِّقون الآمال على حكومة
العراق الجديد التي تمترست خلف أطاريح الديمقراطية، والتعددية السياسية،
والتناوب السلمي على السلطة من دون انقلابات أو ثورات يفجرها مغامرون
عسكريون مصابون بعقدتي السجادة الحمراء والموكب الرئاسي، غير أن واقع الحال
يكشف، خلافاً للتمنيات المعقودة، بأن نصيب الذاكرة المرئية من الرعاية
والاهتمام يكاد يكون معدوماً، بل أن بعض السينمائيين العراقيين قد بات يخشى
من تحريم هذا الفن الرفيع أو اقامة الحد عليه. لقد عنَّ لـ "لإيلاف" أن
تثير خمسة محاور أساسية في محاولة منها لاستجلاء واقع السينما العراقية عبر
تفكيك منجزها الروائي والوثائقي على قلته، ورصد حاضرها المأزوم، واستشراف
مستقبلها الذي نتمنى له أن يكون مشرقاً وواعداً بحجم تمنيات العراقيين
وتطلعاتهم نحو حياة حرة، آمنة، مستقرة، كريمة.
أسئلة الملف السينمائي
1- على الرغم من غنى العراق وثرائه الشديدين، مادياً وبشرياً، إلا أنه
يفتقر إلى الذاكرة المرئية. ما السبب في ذلك من وجهة نظرك كمخرج "أو ناقد"
سينمائي؟
2- أيستطيع المخرجون العراقيون المقيمون في الداخل أو المُوزَعون في
المنافي العالمية أن يصنعوا ذاكرة مرئية؟ وهل وضعنا بعض الأسس الصحيحة لهذه
الذاكرة المرئية التي بلغت بالكاد " 105 " أفلام روائية فقط، ونحو 500 فيلم
من الأفلام الوثائقية الناجحة فنياً؟
3- فيما يتعلق بـ " الذاكرة البصرية " كان غودار يقول " إذا كانت
السينما هي الذاكرة فالتلفزيون هو النسيان " كيف تتعاطى مع التلفزيون، ألا
يوجد عمل تلفزيوني ممكن أن يصمد مدة عشر سنوات أو أكثر؟ وهل كل ما يُصْنَع
للتلفاز يُهمل ويُلقى به في سلة المهملات؟
4- كيف نُشيع ظاهرة الفيلم الوثائقي إذاً، أليس التلفاز من وجهة نظرك
مجاله الحيوي. هناك المئات من الأفلام الوثائقية التي لا تحتملها صالات
السينما، ألا يمكن إستيعابها من خلال الشاشة الفضية؟
5- في السابق كانت الدكتاتورية هي الشمّاعة التي نعلّق عليها أخطاءنا.
ما هو عذرنا كسينمائيين في ظل العراق الجديد؟ وهل هناك بصيص أمل في التأسيس
الجدي لذاكرة بصرية عراقية ترضي الجميع؟
فيما يلي الحلقة السابعة التي يجيب فيها الفنان والمخرج جمال أمين على
أسئلة ملف السينما العراقية.
جمال أمين: اقترح على الحكومة العراقية تأميم المخرجين العراقيين لأنهم
عملة صعبة
لا نملك وثيقة حيادية
1- السبب الرئيسي لهذه الإشكاليه هو عدم إيمان الحكومات المتعاقبه على
العراق بأهمية السينما كأداة رئيسيه في صنع الذاكرة المرئيه على مختلف
الاصعدة، سواء الاجتماعيه أو الانسانيه أو التاريخيه وغيرها. وهناك إهتمام
فقط بالجانب السياسي، وهو جانب أعتقد أنه يقترب من الذاتيه. وهذه الذاكرة
لا تكون حياديه كما رأينا في عهد النظام السابق حيث أن الذاكرة كانت تحاكي
انجازات السلطه وحروبها المُحطِمه وأفكار الحزب الواحد وهو ما جعلنا الآن
لا نملك وثيقة حيادية تعطي لنا حركة المجتمع العراقي وخاصة بعد إحراق أغلب
هذه الوثائق كذالك. أما الوضع الحالي للعراق فلا يختلف من حيث المبدأ، لكنه
قد يختلف من ناحية الآليات، وأهمها الحريه، ولكن رأس مال السلطه الآن أو ما
يقال عنه ميزانية الدوله محصور في اتجاه إذكاء الالة العسكريه لمحاربة
الإرهاب. ولا توجد هناك ميزانيه حقيقه لإنتاج أفلام ممكن أن تكون أحد أهم
الوسائل في محاربة الإرهاب تتوازى مع الخطاب الديني والسياسي. وقد ذكرت ذلك
في مقابلة لي في قناة "الفيحاء" وأضرب لك مثلاً على ذلك نرى بأن أغلب
الأفلام التي عُرضت في مهرجان الفيلم العراقي في هولندا هي إنتاج أجنبي
وذلك لمعرفة الجهات المنتجه في أهمية السينما كأداة تغيير، ووجهتُ سؤالاً
الى الحكومه العراقيه لماذا تقوم المؤسسات الأجنبيه بانتاج أفلام الى
المخرجين العراقيين ولا تنتج لنا أفلام على الرغم من أننا نعيش خارج
العراق، أي تستطيع مؤسسة السينما أن تنتج لنا أفلاماً تساعد في محاربة
الإرهاب وإنتاج أشرطه مرئيه تساعد وتشكل أشرطه مرئيه للذاكرة العراقيه كي
يُستفاد منها الان وفي المستقبل.
المخرجون عملة صعبة
2- أكيد وهذا ماذكرته سابقاً فالمخرجون العراقيون الآن هم الاحتياطي
المهم للعراق كي يصنعوا ذاكرة مرئيه يُستفاد منها الان كوسيلة من وسائل
مساعدة الجمهور العراقي في مواجهة الظروف الحالية وفي صنع ذاكرة للمستقبل.
السينما في الهند تنتج حوالي 700 فيلم سينمائي ونفس هذا العدد في أمريكا
تقريباً، وعندما نقول 105 فيلم فهذا يعني انتاج السينما الهندية خلال 40
يوم. تصور السينما في العراق بدأت منذ حوالي 80 عام وكل انتاجها هو ما
يوازي انتاج 40 يوم من إنتاج السينما في الهند وقس على ذلك. العراق يصرف
مليارات الدولارات على التسليح سابقاً والان ويصرف على الاحتفالات
والمناسبات الوطنيه والدينيه الكثير من الأموال، ولكن السينما خط أحمر،
إضافة الى عدم وجود الإختصاص في إدارة مؤسسة السينما وأمية أغلب مدرائها
وراء هذا التخلف السينمائي خاصة اذا عرفنا بأن في العراق هناك معاهد
واكاديميات متخصصة في تخريج الفنانين، وكذلك الفنانين الذين درسوا في
الخارج، وجميع هؤلاء الناس إما عاطلون عن العمل أو غيّروا مهنهم الى مهن
أخرى. وأعتقد بان المخرجين في العراق الآن المهمين منهم وغير المهمين هم
حوالي 100 مخرج، وهذه النسبه من المخرجين هم لتعداد شعب بعدد 27 مليون
نسمة، وفي المقابل لدينا دائما مليون جندي و50 الف طبيب و250 الف مدرس،
وهكذا أقترح على الحكومه العراقيه الآن ان تجعل للسينما العراقيه ميزانيه
كبيرة وتقوم بتأميم المخرجين العراقيين لأنهم عملة صعبه، وتكمن أهميتهم في
إنتاج خطاب إعلامي ثقافي فني يساعد الحكومه الحالية والحكومات المستقبليه
في التغيير وكذالك أرجو من الحكومة العراقية أن تبادر باعطاء قروض لبناء
دور سينما جديدة في كل العراق وبحماية دور العرض وإيجاد ودعم الثقافة
السينمائية في العراق وهناك مثل كبير وقوي وحي لأهمية السينما كاداة تغيير
وهو مثال أعتقد يتوافق مع الحكومة والشارع الإسلامي العراقي وهذا المثال هو
السينما الايرانيه والكل يعرف من هي السينما الايرانيه، وماذا تعني؟
أدراج الرياح
3- عندما تقول بأن غودار هذا العبقري يقول بأن التلفزيون هو النسيان
فقد قيلت هذه المقولة في زمن غير هذا الزمن الان بعد ثورة الديجيتال
وثورة البرامج الكومبيوتريه، فالوضع أصبح جيداً لأن شريط الفيديو توفر له
إمكانيه كبيرة للخزن والحماية، أما السينما فهي أم الكل وأم الفنون وهي
الأغلى في الانتاج والأحسن في النتائج، ولكن في وضعنا نحن كمخرجين عراقيين
مهمشين وغير معترف بنا من قبل كل الحكومات العراقية ونتيجة لذلك نقوم نحن
بانتاج وثائق مرئية من خلال كاميرات الفيديو وذلك لأننا نقوم أغلب الأحيان
بانتاج أفلامنا بانفسنا، وبالطبع موضوعة أغلب هذه الافلام هو العراق.
السينما هي صناعه ثقيلة والتلفزيون هو صناعه خفيفة، أو السينما هي الإنتاج
الأصلي والتلفزيون هو التقليد كما يقال في التعبير الشعبي، لكن يبقى الأهم
من كل هذا وذاك هو الموضوع والمعالجة المنجزة وقد ذهبت مقولة غودار أدراج
الرياج حول التلفزيون الآن لتطور صناعة الفن التلفزيوني وتقنياته.
ثقافة الفيلم الوثائقي
4-إن الفيلم الوثائقي هو الآن الفيلم الأهم في واقع السينما لأن
الفيلم الوثائقي هو الحقيقة والفيلم الروائي هو الخيال. وهناك في أوروبا
الكثير من دور العرض السينمائه تعرض الأفلام الوثائقيه، وهناك الكثير من
المهرجانات للفيلم الوثائقي وهناك الكثير من القنوات التلفزيونية متخصصة
بالفيلم الوثائقي، وعملية عرض الافلام الوثائقيه تتعلق بالثقافة العامة
للجمهور وأعتقد بأن الجمهور العربي عامة والعراقي خاصة وأكثر من ذالك يحتاج
الى هذه الثقافة. أما شاشات التلفزيون فهي الوسيله الأسهل لتسريب الفيلم
الوثائقي لأن التلفزيون هو الأكثر شعبية لدى المشاهدين، لكن التلفزيونات
تحتاج الى معلنين، والمعلن لا يدفع على الفيلم الوثائقي والمحطات
التلفزيونيه الحكومية تُعنى بأخبار الملوك والرؤساء والمسلسلات لجذب المعلن
وكذالك أغاني الفرفشة لتسطيح الناس أكثر وأكثر. وأعتقد بأن الحل لكل ما
يتعلق بمشاكل الشرق الأوسط هو العمل على ثقافة الفيلم الوثائقي لأنه الأقرب
الى الحقيقه. ولدي اقتراح الى أصحاب دور العرض السينمائي بتجربة عرض أفلام
وثائقيه أو تقوم الدوله بإنشاء دور عرض سينمائيه لعرض الأفلام الوثائقيه
وخاصة في القرى الأرياف.
خطاب ديني ليبرالي
5- العراق الآن بيد القوى الدينيه وهذا ليس عيباً. الجمهور العراقي
الآن منصرف لممارسة المهرجانات الدينيه والطرق الصوفية، ولتكن لنا
السينما الايرانيه مثالاً لصناعة أفلام عراقية جديدة. هناك تقاطع بين
الخطاب الديني والخطاب الاعلامي والفني كالسينما والمسرح والرسم والموسيقى
وما الى ذلك. هناك رأي سائد بأن الدين والعادات تتقاطع مع الفن ومع مفردات
وسائل الابداع الحديثه. نحن بحاجه الى خطاب ديني ليبرالي يهيئ لنا الجمهور
لإستقبال إبداعاتنا كي نقوم بالمقابل بتهيئة الجمهور الى ممارسات ليبراليه
تتماشى مع حركة المجتمع وإنقاذ جمهور المشاهدين بنبذ الخرافة وجعل الدين
حركة ديناميكية تتماشى مع هذا العصر كي نجعل من رجل الدين المعمم ومن مؤدي
الطقوس الدينية أناساً يعملون ولا يعتاشون على المساعدات والخمس والزكاة.
أنا أقول ذلك لأننا أمام واقع لا يمكن أن نتجاوزه بالعنف أو الإسقاط أو
الاكراه أو الدكتاتوريه. يجب أن تكون هناك محاكاة بين الخطاب الديني
والاعلامي. كذلك من الاشياء المهمه لصنع ذاكرة عراقيه ترضي الجميع. يجب أن
يكون هناك خطاب مرئي محايد وإنساني وشفاف على عكس ما نراه الان في بعض
الأفلام التي ترمي اللوم على الجمهور العراقي وإدانته بشكل قاسٍ لممارسته
لطقوسه ومهرجاناته العامه. وكذالك الإبتعاد عن الجانب الذي يزيد في خلق
الفجوة بين الجمهور والخطاب الإعلامي المتوجس والخطاب الفضائحي لسلوكيات
الإنسان البسيط واظهاره بأنه متخلف. عندما نقف بتأمل عند هذه النقاط نستطيع
أن نقدم ذاكرة بصريه عظيمه تتوافق مع حركة المجتمع.
*السيرة الذاتية والإبداعية لجمال أمين
*من مواليد بغداد 3-3-1958.
*دبلوم إخراج سينمائي من معهد الفنون الجميلة، بغداد عام 1981.
*دورة في فن المونتاج بواسطة الكومبيوتر في مدرسة الفيلم الدنماركي
عام 2000.
*عمٍلَ في دولة الكويت في العديد من المؤسسات الفنية أهمها مؤسسة
النورس ومؤسسة البيت الإعلامي للإنتاج الفني بين الأعوام 1981-1990.
*عمِلَ بين الأعوام 1991 و 2001 في مؤسسات عديدة منها تلفزيون بغداد،
شركة بابل للإنتاج الفني شركة الحضر، شركة جيكور، وعمل لحساب مؤسسة ألوان
للإنتاج الفني، عَمان، التدريس في كلية الخوارزمي، إخراج مونتاج، تصوير ثم
إنتقل الى الدانمارك عام 98 وعمل مع شركة
Front
TV ومؤسسة
Monetar للانتاج الفني. ومحطة دي آر 2 فون لمدة سنتين.
* الأعمال والخبرة:
1-أفلام وثائقية ودعائية ودراما في الكويت لحساب
الشركات المذكورة أعلاه.
2-أنجزَ من برنامج "ساعه في الأسبوع " نحو 120
حلقة لصالح تلفزيون بغداد.
3-أفلام وثائقية ودعائية وأغانٍ ودراما لحساب
الشركات المذكورة أعلاه.
4-أنجز فيلماً وثائقياً عن حياة الملك الراحل
الحسين بن طلال مدته خمسين دقيقة.
5-أنجز نحو 300 إعلان تلفزيوني لمنتجات عالمية
منها فوجيكا,إيفون, أونوا, باتا, دايو.
6-أنجز 6 حلقات من برنامج مسابقات عربية، على غرار
برنامج تلى ماتش.
*إشترك في تمثيل الأفلام والمسلسلات التالية:
1-فيلم بيوت في ذلك الزقاق، للمخرج قاسم حول،
1976.
2-فيلمي اللوحة والبندول، للمخرج كارلو هارتيون،1977.
3-فيلم تحت سماء واحدة، للمخرج منذر جميل، 1978.
4-مسلسل الذئب وعيون المدينة للمخرج ابراهيم عبد
الجليل، 1979.
5-مسلسل دنانير من ذهب، للمخرج فيصل الياسري،
1986.
6-مسلسل خيوط من الماضي، للمخرجة رجاء كاظم، 1992.
7-مسلسل المسافر، للمخرج فلاح زكي، 1993.
8-صائد الاضواء، للمخرج محمد توفيق، 2003
9- فيلم هاملت 030358 للمخرج محمد توفيق قيد
الإنجاز.
* الأفلام التي أنجزها في الدنمارك:
1-RAKE
فيلم يتحدث عن نحّات سويدي عام 1999.
2-Ok Kunst
فيلم يتحدث عن مجموعة من الفنانين الدنما ركين والأجانب عام 2000.
3-
JABAR
فيلم يتحدث عن فنان عراقي مقيم في النرويج عام 2001.
4- فيلم "حياة في الظل" عن تاثير مأساة صبرا
وشاتيلا على الفلسطينيين 2002.
5-"قطع غيار" يتحدث عن عراقيين يعيشون في المنفى
ويعانون من الماضي2006.
6-"فايروس" يتحدث عن الطائفيه في العراق2008.
إيلاف في
13/05/2009 |