شهدت مدينة الرباط، ما بين الأول والسادس من مايو "مايس" الحالي، انعقاد
الدورة الثانية للمهرجان الدولي للأفلام، التي تدور أحداثها حول حقوق
الإنسان، الذي صادف الذكرى الستين للإعلان عن حقوق الإنسان، وكذلك اليوم
العالمي للصحافة، وعُرض في المسابقة الرسمية للمهرجان مجموعة من الأفلام
الروائية، والوثائقية حول قضايا حقوق الإنسان، وقد تألفت لجنة التحكيم
للمهرجان التي رأسها السيد" إدريس خروز" مدير المكتبة الوطنية بالرباط من
خمسة أعضاء وهم "جوهان فان سير لكلاو" ممثل اللجنة الدولية لشؤون اللاجئين
بالرباط، والمخرج السينمائي "يونيو إيلمر"، و "فيلكس إلوة" عن مؤسسة
الديمقراطية، في الولايات المتحدة الأميركية، و"حسن إذ بلقاسم" العضو
الدائم بالندوة الدولية لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة. علماً أن
الرئيس المؤسس للمهرجان "عمر اللوز" الحقوقي والناشط في حقوق الإنسان، وتم
عرض 60 فيلماً في هذه الدورة، وقد تميزت 10 أفلام بينها، ونالت جائزة
"المرحوم الحقوقي المغربي إدريس بنزكري"، والتي منحتها لجنة التحكيم
الدولية، وتألقت مجموعة الأفلام المشاركة من السينما العربية، والأجنبية،
وتم تخصيص يوم من أيام المهرجان، للفيلم الحقوقي الفلسطيني وتم اعتبار
فلسطين هي ضيفة الشرف، في المهرجان، وقد كان من بين ألأفلام المتميزة في
المهرجان، فيلمان جزائريان، وفيلم تونسي، وأربعة أفلام فلسطينية، وفيلمان
مغربيان، وفيلم أفغاني، وأفلام من إفريقيا "جنوب الصحراء" وأفلام من أمريكا
اللاتينية، وكندا وأوروبا، وقرئت في حفل الافتتاح المادة الأولى من الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان، بـ60 لغة احتفالا بالذكرى الستين لصدوره، وكرمت
المناضلة الشهيرة،"أونغ سان سوكي" قائدة المعارضة "ببرمانيا"، والحائزة على
جائزة نوبل للسلام، والتي تعيش تحت الإقامة الجبرية منذ 20 سنة.
فيلم " 8 مايو 1945 الآخر"
ومن أبرز الأفلام التي عُرضت في هذا المهرجان، فيلم "8 مايو 1945 الآخر"
للمخرجة الفرنسية من أصل جزائري، ياسمينة عدي، والفيلم يحكي فصول المجزرة،
التي نفذها المحتل الفرنسي في لمدن الجزائرية: "ستيف" و" قسطنطينة" و
"كلما" عام 1945، بعد انتصار الحلفاء على القوات النازية، وقد راح ضحية هذه
المذابح، الآلاف من الجزائريين شيوخا ونساء وأطفالاً، وكانوا قد انتفضوا،
معبرين عن رفضهم للاحتلال الفرنسي، لبلدهم في ذلك الوقت، وقد تحدثت المخرجة
عن الدافع الأساس لإخراجها هذا الفيلم "الذي تم تمويله المالي من القناة
الثانية الفرنسية"، قائلة، إن سنة 2005 تم سن قانون جديد في فرنسا تحت رقم
23 فبراير، والقانون يتحدث عن الدور الايجابي للاستعمار الفرنسي لبعض الدول
التي استعمرتها وضرورة إدخال هذه الدور الايجابي، ضمن المقررات الدراسية
الفرنسية، مما دفع المخرجة عدي، لسؤال والدها المسن، من مواليد 1916، والذي
حدثها عن تلك الفترة، وقد كان وقتها جنديا في الجيش الفرنسي، وقد شارك في
الحرب العالمية الثانية، وعند رجوعه إلى قريته في الجزائر، وجد أن الجيش
الفرنسي المحتل، لبلاده الجزائر، قد اقترف مجزرة كبيرة، وراح ضحية مجزرته،
العديد من أفراد قبيلته، تقول المخرجة، هذه العناصر من المأساة دفعتني لكي
أفكر في تقديم، فكرة فيلم حول، تلك الإحداث، خصوصا ، حول ما حدث في
قسطنطينية ، لأنه لا يوجد في الأرشيف الفرنسي ، شيء كثير عما حدث فيها،
وحولها في ذلك الزمن، بينما كانت المعلومات الأرشيفية متوفرة، لما حدث في
مدينة جزائرية أخرى، كان لها نصيب من المجزرة، وتعني بها مدينة "سطيف"
الجزائرية.
صعوبات التصوير
أبرزت الفيلم ميكانيزمات القمع الأساسية من قبل الجيش الفرنسي، والمستوطنين
الفرنسيين، الذين أسسوا ميليشيات مدعومة من قبل فرنسا، في شريط بلغ طوله 52
دقيقة وقد بدأت بتصويره عام 2008 بعد أن كتبت سيناريو له ، عام 2005،
ووافقت على تقديم الدعم المادي له القناة الثانية الفرنسية عام 2006، مما
حدا بالكثيرين من النقاد الجزائريين الكتابة عن الفيلم قائلين، بأن الفيلم
يحاول أن يشكك بعدد الـ45 ألف جزائري الذين راحوا ضحية هذه المجزرة، وأنه
يعبر عن وجهة نظر فرنسا، التي تريد بأي ثمن، طمس آثار جرائمها في الجزائر،
للتهرب الأخلاقي، والمادي، مما خلفته من آثار في الجزائر، ومحاولة تحسين
صورتها المستقبلية، لأجل منافع اقتصادية، وأغلب تلك المصالح تسويقية!
ومن المعروف أن المدينتين "سطيف" و "كلما" بعيدتان عن بعضهما البعض، مسافة
طويلة، مما عقد عمل المخرجة، وعقد عملية التصوير التوثيقية، لشهادات من
تبقى على قيد الحياة، ممن رأوا فصول تلك المجزرة، وكان الوقت الذي يستغرقه
التصوير في هذه المدينة، وشد الرحال للمدينة الأخرى، لأخذ شهادة أخرى، زمنا
طويلاً، فتفاجأ بسب البعد بين المدينتين، أن الشاهد في المدينة الأخرى،
الذي كانت تقصد تسجيل شهادته، قد توفى لأن أغلب الشهود كانوا من كبار السن!
وتعذر عليها نفلهم من مدينة إلى أخرى ولم تكن هناك من وسيلة أمامها غير أن
تنتقل بينهم، أي بين المدينتين البعيدتين!
وقد تم تصوير الفيلم خلال ثلاثة شهور، وقد كانت شهوراً طويلة جداً وغنية
بلحظات القلق للمخرجة، كما عبرت عن ذلك، لأنها كانت تسابق الزمن لتسجيل
شهادات الناس قبل أن يتوفاهم الله إلى رحمته!
توظيف التأريخ
منذ المشاهد الأولى للفيلم، والمراقب يشعر، بنمو مطرد عبر اللقطات، لمأساة
عميقة، ونجحت المخرجة في خلق التعاطف، الضروري مع الضحايا، فهي كانت تنتقل
مع المجاهدين، الذين عايشوا الأحداث، وتستمع إلى شهاداتهم إضافة إلى
شهادات، الذين قامت بتصويرهم، كما أن، من الملاحظ لسير الدقائق الأولى،
للفيلم أن المخرجة، قامت بعملية انتقاء للمعلومات المتوفرة لديها حول
المأساة، وربما هذا الحذر هو الذي حدا ببعض النقاد إلى اتهامها بمحاباة
الفرنسيين، وتجميل صورة المستعمر القديم، وذلك بالتهوين من فعلته بتقليل،
إعداد الضحايا، إلى اقل عدد ممكن، ودحض حقيقة الرقم المتداول بين
الجزائريين بأنه كان يربو على 45 ألف ضحية، من الشعب الجزائري، كما أن
التحدي الثاني الذي، واجهها فيما يبدو هو إقناع الشهود، بالمثول أمام
الكاميرا، والحديث عن تلك الفترة أما ما واجهنه فهو في مسألة الأرشفة،
فالتلفزيون الجزائري الذي خلد الذكرى بتذكير الشعب الجزائري بها سنويا في 8
مايو "مايس" بينما كانت في اليوم ذاته فرنسا تخلد انتصارها على الفاشية
الألمانية، ومما قالته المخرجة أيضا، عن فيلمها للتلفزيون المغربي أنها،
قرأت كل ما كتب حول تلك الإحداث، سواء من قبل جزائريين أو فرنسيين، وتتبعت
الأرشيف الوطني الفرنسي، والأرشيف الانجليزي بلندن، والأمريكي بواشنطن،
وأيضاً ما كان يمتلكه الجيش الأمريكي حول الموضوع، وقد تطلب من المخرجة
التدرب طويلا لمعرفة كيف التعامل، مع الأرشيف الانجليزي، والأمريكي،
واختيار التقارير من الفترة ذاتها التي حدثت فيها المجزرة وتوظيفها في
الفيلم!
لقاء مهم
ومن أهم اللقاءات، التي أفادت المخرجة في صنع الفيلم، اللقاء بالصحافي
الأمريكي السابق الذي عايش الوقائع "لوندروم بولينغ"، والذي قدم شهادته في
الفيلم أيضاً، وقد كان من الصعب على المخرجة العثور على شهود فرنسيين، وكان
من الصعب إقناعهم بالإدلاء بشهاداتهم، لأنهم أن فعلوا ذلك فكأنهم، كانوا
يوشون بأهاليهم، ولذلك لم تتمكن من العثور على شاهد فرنسي، واحد، بالنسبة
لمدينة "كلما"، بينما إستطاعت أن تجد شاهدا واحدا في مدينة "سطيف"!
عروض الفيلم
في 7 مايو الحالي بعد مهرجان الرباط ، مباشرة عرض بالجزائر، وسيعرض في 10
مايو الحالي على القناة الفرنسية، وفي القناة الثانية، وقد عرض الفيلم من
قبل في قناة الجزيرة 6 مرات، وعرض أيضا على القناة البرلمانية الفرنسية
وسيعرض على القناة الفرنسية 3 وقد عرض خلال الأيام الماضية، بين 4-5 مايو
الحالي 6 مرات، وعلى القناة الفرنسية تي .في . 5، وقد عرض على القناة
المغربية، الرئيسية، يوم الاثنين الماضي 4 ماي على الساعة الواحدة ظهراً،
وعندما سألوا المخرجة "ياسمينة عدي" عن عدد الضحايا الحقيقية، فأنها أجابت
أن الجزائريين يتحدثون عن 45 ألف ضحية، بينما سفارة فرنسا في الجزائر تتحدث
عن 7 آلاف، وفي الفيلم 1500 ضحية، ويبدو حسب، رأي المتعاطفين مع المخرجة،
من النقاد الذين شاهدوا الفيلم في المهرجان، أن القضية لا تكمن في أرقام
الضحايا وحدها، بقدر ما تكمن في مأساوية الحدث نفسه! الذي حدث أيضاً في
مستعمرات فرنسية أخرى، كمدغشقر سنة 1947، وتونس والمغرب، في الستينات من
القرن الماضي!
faissalhassan@hotmail.com
إيلاف في
08/05/2009 |