لا تخلو دولة عربية - باستثناء السعودية - من دور العرض السينمائية، والتي
تعرض بشكل مستمر عدد كبير من الافلام الامريكية والمصرية والقليل غيرها...،
الا ان هذا الحضور لدور العرض لا يرافقه في عالمنا العربي بالمثل حضور
المطبوعات السينمائية المتخصصة التي تُعنى بالشأن السينمائي على مختلف
اوجهه، انما هي في غياب شبه تام.
السينما (كوسيلة اتصال جماهيري) تشكل احدى اركان عملية الاتصال الذي عماده
ايضا: المرسل (صنّاع الفيلم)، والرسالة (مضمون الفيلم)، المستقبل
(الجمهور)، والتغذية الراجعة ( اراء الجمهور سواء المشاهد العادي، او
النقاد من خلال الاراء النقدية الموضوعية التي يكتبونها)، وأما هذه الاراء
النقدية، فتحتاج الى منبر يتواصل من خلاله معها صنّاع الفيلم، والمشاهدين
على حد سواء، وهنا تكمن اهمية توفر المجلات السينمائية المتخصصة، فغيابها
يبقي احد اركان الاتصال معطلا نسبيا، والذي يمد بدوره صنّاع الفيلم بتغذية
راجعة حين تقيم اعمالهم، وتحدد نقاط القوة والضعف فيها، من اجل الاستفادة
للمرات القادمة، فلا يعد حجم اقبال الجمهور على الفيلم (شباك التذاكر)،
وحجم ايرادات الفيلم معيارا وحيدا على نجاح او سقوط الفيلم.
كما انها - الاراء النقدية- تلعب دورا في التنظير لاتجاهات سينمائية جديدة،
كما كان الحال مع مجلة "الكاييه دو السينما" الفرنسية في منتصف القرن
الماضي.
من ناحية اخرى توفير منبر تنشر من خلاله الاراء النقدية والدراسات
السينمائية وكل ما يخص الحركة السينمائية، يلعب دورا مهما في خلق وتشكيل
الثقافة السينمائية للمشاهدين، والارتقاء بذائقتهم السينمائية، ومن هنا لا
تقتصر اهمية اصدار مجلات سينمائية فقط على الدول التي تمتلك صناعة
سينمائية.
مغامرة اصدار مجلة
لا شك ان اهمية وجود مثل هذه المجلات السينمائية، لا تغيب عن ذهن عدد لا
بأس به من النقاد، او الفنانين او المثقفين او الاعلامين او المؤسسات
الثقافية... فكان من بعضهم ان غامروا باصدار مجلات سينمائية متخصصة في
مناطق مختلفة من الوطن العربي، واذ اقول غامروا فلأن هذه الجهات تعي تماما
- من وحي التجارب السابقة - ان اغلب المجلات السينمائية التي تم اصدارها
توقفت بعد فترة زمنية طالت او قصرت قبل او بعد ان مُنيت بالخسائر المادية،
فالعقبة الحقيقية التي تقف في وجه اصدار المجلات السينمائية هي العامل
المادي ( التمويل)، ولم يقتصر توقف اغلب المطبوعات ذات التمويل الخاص، انما
ايضا التوقف شمل عدد من تلك ذات التمويل الحكومي، وتعتبر مجلة "الحياة
السينمائية" التي تصدر عن المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة
السورية من المجلات القليلة ان لم تكن الوحيدة الناجية نسبة لعمرها الذي
يتجاوز الثلاثين عاما، وقد احتفلت قبل مدة قصيرة بعددها الستين، وما يتبقى
تعد مجلات حديثة العمر نسبيا مثل: "عالم السينما" التي تصدر عن جمعية
النقاد في مصر منذ 2006، و"سينماغ" التي تصدر عن جمعية النقاد في المغرب
منذ عام 2006، ومجلة "ملفات السينما" التي تصدر عن المدرسة العربية للسينما
في الناصرة منذ 2007...
كما ان هناك تحديات اخرى قد تواجه اي جهة تحاول اصدار اي مطبوعة سينمائية
جديدة، كالسؤال عن النوعية التي على المطبوعة ان تكون عليها، ومن هي الفئة
المستهدفة، هل هم المهتمون والباحثون والدارسون والفنانون والنقاد انفسهم،
ام فئة الشباب من هواة وعشاق السينما، بالتالي هل المواد ستكون عميقة،
تعتمد الدراسة والتحليل، ام سهلة تعتمد اخبار الفن واهله يسهل معها تسويق
المجلة ( كما كان خيار بعض المجلات) ام تجمع الاثنين معا.
كما ان التجارب السابقة ابرزت التحديات التي تقف في وجه اصدار او بقاء اي
مطبوعة سينمائية، كذلك توحي ببعض الحلول؛ كاصدار مطبوعات ممولة من القطاع
العام، او ان يشارك القطاع الحكومي بجزء من تمويل المجلات التي يصدرها
القطاع الخاص، او من خلال دعم بعض مؤسسات المجتمع المدني او الشركات الخاصة
الكبرى لهذه المطبوعات سواء كان ماديا مباشرا او غير مباشرا من خلال
الاشتراك والاعلان فيها. بالاضافة الى دعم الفنانين والمنتجين من خلال
التسويق والاعلان لانتاجاتهم فيها ايضا، كذلك ايجاد سوق عربية لتسويق تلك
المطبوعة، علاوة على مراعاة ان تناسب مستويات مختلفة من القراء، لتوسع
دائرة جمهورها دون ان تقدم تنازلات على مستوى قيمة المطبوعة المعرفية،
لربما ان هذه المعادلة صعبة قليلا لكن ممكنة ايضا.
مزيد من التحديات
الا ان هناك تحديات اخرى (غير العامل المادي ونوعية المطبوعة) امام اي
مطبوعة سينمائية تصدر او ستصدر، فهل ستتمكن من الصمود في ظل وجود مواد يمكن
الحصول عليها مجانا على الشبكة العالمية للمعلومات (النت)، بالمقارنة مع
اسعار المطبوعة المرتفع نسبيا ما لم تدعمها الدولة، وهل ستتمكن المطبوعات
التي تصدر دوريا من مواكبة السرعة التي تتناول فيها المواقع والمدونات
السينمائية على النت؛ الاخبار او المراجعات النقدية للافلام الحديثة؟
رغم كل تلك التحديات يبقى اصدار مطبوعات سينمائية جديدة بشكل منتظم وطويل
الامد ضرورة نتطلع الى تحقيقها، كما نصبو الى توسيع دائرة توزيع المجلات
السينمائية القليلة التي تصدر حاليا في بعض البلدان العربية فتخرج عن
محليتها وبالوقت ذاته تفتح المجال لاكبر عدد من الجمهور العربي المتعطش
لمثل تلك المجلات.
أدب وفن في
05/05/2009 |