سيكون الحديث إنسانياً وعلى شيء من الاستجابة لكل ما له أن
يكون في النهاية تشابهاً كونياً إن تعلق الأمر بالتعاسة، وخلافات ثقافية
وحضارية
سرعان ما تتوارى لدى حضور المشترك بين البشر، وليبدو ما يوصف بـ«الخصوصية»
مجرد
كذبة يتشدق بها البشر متى تصادمت مصالحهم الضيقة مع الآخر، أو
في حال إحساسهم
بالتهديد من جراء تخلفهم في مقابل متغيرات وتطورات تتخطى قدراتهم.
يعدنا
فيلم The Visitor (الزائر)
الذي أخرجه الممـثل توم مكـارثي، بما له أن يكون غوصاً
في
الإنسـاني المشترك، وفي قصة تتوالى فصولها برقة وبساطة، متأتية من حرصها
على
بناء أحداثها ومتغيراتها الدرامية على ما يشبه واقعا يفرض نفسه بقوة، مع
ترك الباب
مفتوحاً أمام استخلاص المقولات أو العبر إن صحت الكلمة.
نحن في البداية أمام
استاذ جامعي اسمه والتر (ريتشارد جينكنز) تتوالى أيامه متشابهة، وعلى ما
يشبه قصيدة
الشاعر اليوناني كفافي «اليوم الرتيب يمضي في أعقاب يوم رتيب
آخر كأن ليس به من
الغد بشيء»، يلقي محاضرته على طلبته، يتناول طعامه وحيدا، يعود إلى بيته
ليستمع إلى
الموسيقى الكلاسيكية الشيء الوحيد الذي يمارسه بمتعة وشرود أيضاً.
شيء صغير
سيقلب حياته تماما، طلب من الجامعة التي يدرس فيها أن يحل محل زميلة له في
تقديم
بحث اقتصادي في نيويورك، سيضعه في قصة تعرفه إلى مصائر بشر
كانوا مجهولين تماما
بالنسبة له، سيمضي من البلدة الوادعة التي يقيم ويعمل فيها إلى نيويورك،
وبمجرد
دخوله بيته سيكتشف أن هناك من يشغله، شاب سوري اسمه طارق ( هاز سليمان)
وزينب التي
ستكون فتاة سنغالية (دانيا غوريا)، ولنكتشف أن أحدا قد أجر
لهما البيت.
من
هنا، ستنشأ علاقة خاصة جدا بين طارق ووالتر، وسنظن في البداية
أن شيئا لا يجمعهما،
بعد أن يصر والتر على أن يبقى طارق وزينب في بيته إلى أن يجدا شقة أخرى،
وهنا يبدأ
طارق بتعليم والتر العزف على الطبلة، ويجد أن عالماً كاملاً جديدا ينفتح
أمامه،
سواء من خلال عزفه والموسيقى الإفريقية وايقاعاتها التي يعرفه
إليها طارق، أو مجتمع
المهاجرين «الجدد» في أميركا، أو المهاجرين غير الشرعيين، إذ إن حادثا
بسيطا سيقع
في محطة مترو سيدفع الشرطة إلى اعتقال طارق واكتشافهم بعد ذلك أنه مهاجر
غير شرعي.
وهنا يدخل والتر إلى عوالم يجهلها تماما،
ويتعرف إلى قسوة القوانين الأميركية اتجاه
هؤلاء وتحديدا العرب منهم بعد أحداث 11 سبتمبر، وتدخل قصة
الفيلم في مستوى درامي
ثالث يتمثل بالعلاقة التي تنشأ بين والتر وأم طارق (هيام عباس)، وذاك
المشترك
الإنساني الذي تقدمه الأم برقة مفرطة، وأنوثة وحنان لهما وقع مدو في حياة
والتر،
مثل أن يستيقظ صباحاً، فيجدها قد أعدت القهوة واشترت جريدة
عربية لها وجريدة
انجليزية له وغير ذلك من التفاصيل الصغيرة التي تضفي نكهة خاصة على
حياته.
سيكون حضور طارق في حياة والتر عاصفاً، وكذلك أمه، سيتعرف إلى
عاداتهما ومشاعرهما الفياضة، ورقتهما وكل ما له أن يجد فيه
والتر مساحة لتغيير
حياته الرتيبة بالكامل، وسيكتشف أن كل ما هربا منه في سورية سيعثران عليه
في
أميركا، ولن تنجح كل مساعيه في تخليص طارق من الترحيل، ولتقوم أمه باللحاق
به، كما
لو أن صداقته معهما أمر ممنوع، طالما أنهما ليسا شرعيين وفق القوانين التي
لم ترأف
بهما حتى بعد سنواتهما الطويلة على أرض الولايات المتحدة.
في ما تقدم
استعراض سريع لأحداث الفيلم، وما تبقى متروك للمشاهدة، وتلك التفاصيل
الصغيرة
المتناثرة في الفيلم لتضيء جماليات العلاقات الإنسانية، الخلاص
الذي يجسده أشخاص
يبحثون عنه ولا يجدونه، والمصائر التي تصوغها القوانين بلا رحمة.
والتر
الوحيد، الذي يتخلى عن البيانو الذي لا ينجح في تعلم العزف عليه، وتكون
زوجته
المتوفاة عازفــة شهيرة عليه، سرعان ما يجد في الطبـلة خلاصه،
وعلاقته الشرعية مع
من يعتبرهم القانون غير شرعيين، سنـجده في النهايـة بإحدى محطات المـترو
يعـزف على
الطـبلة إنـه في المكان الذي كـان طـارق يريـد العزف فيه.
الإمارات اليوم في
03/05/2009 |