مع تداعيات النجاح المدوي جماهيرياً ونقدياً لفيلم «المليونير المتشرد»
الفائز بأوسكار أفضل فيلم روائي، إضافة إلى ثماني جوائز أوسكار عن عدد من
العناصر الفنية في الفيلم، انصرفت الأقلام عن فيلم «وولي» الفائز بأوسكار
أفضل فيلم تحريك إضافة للغولدن غروب والبافتا، فضلاً عن تقديرات عدة كأفضل
فيلم تحريك من قبل جمعيات نقاد السينما في كل من يوستن ولوس أنجليس
وأوهايو. وقد تم تصنيف «وولي» واحداً من أهم عشرة أفلام في العام وأكثرها
مبيعاً.
ويكشف موقع غوغل أن «وولي» الذي أنتجه ستوديو «بيسكر» لأفلام التحريك
بالتعاون مع مؤسسة ديزني العريقة، قد عرض داخل الولايات المتحدة وكندا في
3992 صالة عرض وحصد 534 مليون دولار من عرضه في الأسابيع الأولى حول
العالم.
يقول أندرو ستانتون مخرج الفيلم أنه استشعر رغبة «بيكسر» أن ينتج فيلماً
تدور أحداثه في الفضاء الخارجي عقب تعاونهما في فيلم «البحث عن السمكة نيمو»
والذي دارت أحداثه في أعماق البحر وحقق نجاحاً كبيراً. وليس بمستغرب أن
وراء «وولي» الذي شارك المخرج في كتابته مع الكاتب بت دوكتر جهداً في البحث
والتجريب امتد سنوات عدة استعداداً للتنفيذ ذلك في مجال الدرجات اللونية
ونوعية الإضاءة والصوتيات إضافة إلى تصميم شخصية الإنسان الآلي (الروبوت)
وولي وحبيبته المقبلة من كوكب أكسيوم.
قضايا وأفكار
ويستطرد ستانتون أن هناك نوعين من الروبوت شخصيات آدمية تكتسي ببشرة معدنية
وشخصيات أخرى آلية وقد تخيّر أبطاله من النوع الثاني. وفي إطار منهجه لكسر
الواقع وخلع الهيئة البشرية عن الشخصيات تجنب ابن بيرت مصمم شريط الصوت
الصوت البشري ولجأ – بعد تجارب مستفيضة – إلى الصوتيات الآلية إضافة إلى
لغة الجسد لتحقيق التواصل بين الشخصيات، ولذا فقد اهتم مصمم الشخصيات
بتأكيد عيون الأبطال ووظفها المخرج توظيفاً تعبيرياً وفي المقابل أغفل بعض
ملامح كما الأنف والفم وهو الحال الذي جنب كل من «وولي» وإيف، محاكاة
حيوانات ديزني التي تنطق بلسان الإنسان وتفكر بعقله.
«وولي» فيلم مغامرات من نوعية أفلام الخيال العلمي تم تحريك الشخصيات
وتنفيذ الأحداث ببرامج متقدمة للكومبيوتر، لقد اختار المنتج أن يحلق
بالمشاهدين إلى زمن المستقبل ليطلعهم على أحوالهم في القرن التاسع والعشرين
حيث تتبدد الأحوال البيئية الى درجة كارثية ويغمر كوكب الأرض تلال من
النفايات الملوثة ذلك نتاج التقدم الصناعي والتكنولوجي فيعم وجه الأرض
التصحر وتفرغ من كل مقومات الحياة فلا يكون من المؤسسة العملاقة التي تحكم
الأرض – في ذلك العصر – إلا أن تنفذ مشروعاً لتهجير البشر إلى كوكب بعيد
بينما تخلف على الأرض كتيبة من الروبوت لتطهيرها من المخلفات ومصادر التلوث
وهي مهمة لا يقوى عليها البشر فضلاً عن كتيبة الروبوت ذاتها والتي تتعطل عن
العمل قبل رفع الستار ولا يبقى منها سوى وولي.
في المشهد الافتتاحي يعمل «وولي» في صمت لا يؤنس وحدته سوى صرصار أليف نراه
يتعلق بصدره أينما ذهب ليعمل على المخلفات ويقولبها في قوالب ويرتبها بعضها
فوق بعض فيما يشبه الأبراج. يلفت النظر أن «وولي» ذاته نتاج تلك البيئة فهو
مصنوع من قطع الغيار غير أن له عينين زرقاوين تشعان بالذكاء ويتوقان
للمعرفة ما يحفزه لفحص الأشياء والتقاط بعضها الى مقتنياته المثيرة في
مقطورة يتخذها سكناً له. وهناك يلفت نظر «وولي» على شاشة التلفزيون مشهد
رومانسي من فيلم شهير فيحرك شيئاً كان خامداً في داخله.
يتضح خلال الأحداث الإبداع المرئي في مشاهد عدة منها مشهد هبوط مركبة
الفضاء على سطح الأرض وما زامنه من مؤثرات صوتية وومضات ضوئية تزلزل الأرض
لتهبط منها غادة فضائية.
في مهمة تمسح «إيف» الأرض بحثاً عن حياة نباتية وللوهلة الأولى تنطبع
صورتها على مقلتي «وولي» وفي مشهد بديع آخر تجتاح المنطقة زوبعة ترابية ما
يضطر «وولي» لدعوة الضيفة لتحتمي بمقطورته ويعرض لها مقتنياته فتلتقط
النبتة الخضراء وتحفظها داخل صدرها ثم تأخذ وضع الاستعداد للعودة فتتوتر
أعصاب وولي وتتذبذب مؤشراته على مقلتيه ويتعلق بالمركب ليخوض مغامرات تغيّر
من مصيره.
على كوكب «أكسيوم» يطالعنا عالم آخر، هو عالم في منتهى الرفاهية والوفرة
عالم خال من الملوثات وهناك يقيم نوعان من الشخصيات بعضها آلية والأخرى
بشرية تمتص العصائر عبر أنابيب وتسترخي على مقاعد متحركة وتتخاطب بالتقنيات
الحديثة. ويصل الحال إلى أن تترهل أجسامها وتوهن عظامها وتعجز عن المشي.
ومن الطريف أن تطالعنا لافتات عليها البيع بسعر الجملة كأحد علامات المجتمع
الاستهلاكي ويصل الأمر إلى أن تلجأ الشخصيات لتغيير ألوان الأشياء المحيطة
حتى لا يتسرب الملل إلى نفوسها.
وفي أحد المشاهد الإبداعية تتأكد «إيف» من اتساق شخصية «وولي» وحنوه عليها
واستعداده للتضحية من أجلها فتميل له وتحلق معه في الفضاء والنجوم خارج
الكوكب، تزامنهما أغنية «عرفني الرقص» وهي إضافة لأغنية «عودة إلى كوكب
الأرض» قد استحق عنهما الملحنان توماس نيومان وبيتر جابرييل جائزتين من
جوائز غرامي الدولية.
على كوكب أكسيوم تدور شبكة من الأحداث المركبة ويحتدم الصراع من قبل آليين
يسعون لتدمير النبتة الخضراء ومنع البشر من حق العودة إلى الأرض وفي خضم
الصراع يصاب «وولي» بالعطل. وفي مشهد طريف تعيد إيف تشغيله بقبلة صاعقة وفي
الختام تظهر العناوين بينما يكتسي كوكب الأرض بالنبات الأخضر.
وفي اختتام حديث المخرج يؤكد أنه عني بطرح عدد من الأفكار والقضايا منها أن
الحب يناصر الحياة ويصنع المعجزات وأن الأسلوب المزيف للحياة على كوكب «أكسيوم»
يحول البشر إلى عبيد لرغباتهم والتكنولوجيا ويفقدهم إنسانيتهم وأن الفيلم
يروج لفكرة العمل الجاد ونبذ أسلوب الحياة القائم على التراخي والاستهلاك.
وعلى رغم ما اتسمت به أفكار المخرج من الوضوح وسعي فريق العمل بالكامل
للتميز، إلا أن الفيلم افتقد عنصراً مهماً هو الأكثر تأثيراً على الجمهور،
وهو وجود شخصية درامية تحمل على كتفها قضية وتخوض من أجلها مواقف إنسانية
فياضة بالمشاعر كما يحدث في أفلام كثيرة حققت المعادلة بين الفكر والإبداع
مثل «الفأر الطباخ» و«الملك الأسد» و«الأقدام السعيدة» تلك الأفلام التي
تحتفظ بمذاقها على رغم مرور الأعوام.
الحياة اللندنية في
01/05/2009 |