كيف حال السينما العراقية؟
ونحن نفكر بمادة سينمائية مناسبة للعدد الخاص بالذكرى السادسة لسقوط
النظام، تسلط الضوء على المستجدات والمتغيرات التي طرأت على واقع السينما
العراقية بعد هذه السنين، لم نجد أنسب من الزميل انتشال التميمي ليقوم بهذه
المهمة. فالرجل ومن خلال عمله كمدير تنفيذي لمهرجان روتردام للفيلم العربي،
وكمنسق ومبرمج للعديد من المهرجانات العربية والعالمية وقربه من المنجز
السينمائي العراقي، ساهم أو أشرف على تنسيق أكثر من تظاهرة للسينما
العراقية في باريس وطوكيو، سنغافورة، براغ وبارما والاسماعيلية وغيرها، وهو
قادر على الإجابة الوافية عن الأسئلة التي حملناها وسعينا من خلالها الى
البحث عن حقيقة وجود متغير ملموس في السينما العراقية.
قال: إذا كان هناك شيء قد تغير بشكل جذري وأساسي فهو واقع الحركة
السينمائية في العراق. ولا أعني، فقط، ما جرى من تحولات في نظم التدريس أو
التطور التقني، إنما اعني جو الحرية الواسع في التحرك الذي توفر في العراق.
مشكلة السينما العراقية، في السابق، انها ظلت أسيرة الدولة البعثية. فمنذ
العام 1968، كما تعلم، حاولت تدريجيا احتكار قطاع السينما بمؤسسة السينما
وفي ظل تعطيل كامل لدور القطاع الخاص. وخلال هذه الفترة المحصورة بين 74
و91 حاولت السلطة تكريس مجموعة من المفاهيم وعملت بشكل منهجي لتوظيف
السينما لأغراض سياسية بحتة.
·
وبعد 2003؟
لا أدعي ان اهتمام الدولة الجديدة بالسينما قد تزايد، بالعكس، هي لم تقدم
الدعم الكافي. حتى المعدات التي تم استيرادها لوزارة الثقافة جاءت ضمن
مشاريع «النفط مقابل الغذاء». لكن ما حدث ان أعدادا لا يستهان بها من
السينمائيين في المنفى عادوا الى وطنهم. والمفارقة ان المعارضة وطيلة سنوات
مناهضتها لسلطة صدام حسين، لم تكن هي أيضا واعية ولا مهتمة بعمل
السينمائيين العراقيين.
·
كيف تقيمون هذه المرحلة، أقصد
مرحلة عودتهم بعد سنوات الى الوطن؟
الأعمال الأولى، وبالتحديد بعد الأشهر الثلاثة من سقوط صدام كانت تسجيلية
كلها تقريباً، نفذها سينمائيون عادوا الى الوطن، وثقوا لحظات دخولهم
ولقاءهم بالأهل والناس وسجلوا انطباعاتهم عنها. وفي معظمها كان المخرج
حاضرا فيها بقوة، وما بقي من هذه الأفلام في الذاكرة، في رأيي قليل جدا.
·
لكنها حظيت رغم هذا، باهتمام
عالمي!
امتازت هذه الفترة بوجود زخم إعلامي كبير واهتمام دولي كان يريد المزيد من
العراق. حتى جيمس هينغلي ذهب الى العراق وأخرج فيلمه المهم «العراق في
شظايا». ومعظم هذه الأفلام تم الاحتفاء بها وذهبت الى مهرجانات عالمية
كثيرة وحازت على جوائز.
·
هذه كانت المرحلة الأولى كما
قلت. ماذا تبعها؟
المرحلة الثانية جاءت كنوع من المراجعة والنقد للمرحلة الأولى. كانت أنضج،
مع أن معظم مخرجيها هم من ساهم في العمل السينمائي في مرحلته الأولى. الفرق
إنهم ازدادوا خبرة نتيجة مشاركتهم في المهرجانات واحتكاكهم بزملاء مهنة من
أماكن مختلفة، وتراكمت لديهم خبرات أكثر.
·
وتجلياتها العملية؟
العديد من الأفلام، منها «حياة ما بعد السقوط» لقاسم عبد، الذي اعتبره أنضج
عمل وثائقي قدم طوال هذه الفترة و«العراق أغاني العاشقين» لليث عبد الأمير،
الى جانب «حب، حرب، رب وجنون» لمحمد الدراجي مع عدم نسيان فيلم باز شمعون
«أين العراق». وفي داخل العراق ظهرت بوادر لعمل سينمائي لم تعتمد على
القادمين من الخارج، فشاهدنا «زيارة الى الجنة» لمقداد عبد الرضا وفيلم
سلام باكس «بلوغر بغداد».
·
وماذا عن الفيلم الروائي؟
لحسن الحظ الذين بادروا بتقديم أول الأفلام الروائية كانوا من داخل العراق،
كعدي رشيد والمصور زياد تركي، اللذين اتفقا في بغداد على إنجاز «غير صالح
للعرض» والذي أخذ طريقه، وفور اجراء اللمسات النهائية عليه، الى مهرجان
روتردام الدولي. وربما بالكاميرا نفسها (الوحيدة في العراق) صور محمد
الدراجي فيلمه «أحلام» الذي جال كما «غير صالح للعرض» العديد من المهرجانات
العربية والدولية.
·
وفي كردستان؟
خلال هذه الفترة كان عمل دؤوب يجري في كردستان، عمل يعكس ادراك المسؤولين
أهمية السينما والثقافة عموما. فقد اهتموا بالسينمائيين الشباب في داخل
وخارج الإقليم. فمثلا هنري سليم المقيم في فرنسا أخرج عدداً من الأفلام
المهمة، وصل أحدها «كيلومتر صفر» الى مهرجان كان. جانو روجبياني وفيلمه
«جيان» حول حلبجة الذي صوره قتيبة الجنابي وجاء كمثال للتعاون العربي
الكردي في هذا المجال. ولحق بهما شوكت أمين كوركي وأنجز أفلاما قصيرة مميزة
تبعها بفيلمه الروائي «عبور الغبار». واهتم كرد العراق بإخوانهم الكرد في
مناطق أخرى واستطاعوا استقطاب عدد كبير منهم كالإيراني بهمن قوبادي صاحب
«السلاحف يمكن ان تطير»، والذين حاولوا تقديمه بشكل جدي لمسابقات الأوسكار
باسم العراق لأول مرة. ومن بعد دعموا فيلمه الآخر «نصف قمر». وتعدى الأمر
إنجاز الأفلام الى تشجيع قيام حركة سينمائية، من خلال توفير مستلزمات
تدريسها وعرضها.
·
ومن لم يذهب الى العراق هل توقف
عن العمل؟
لا. لقد أسهم آخرون في الحركة السينمائية العراقية. لم يذهبوا الى العراق
لأسباب خاصة أو لأنهم لم يجدوا ان طريقة عملهم تتطلب الذهاب الى هناك،
وقدموا أعمالا ذات طابع عراقي كـ«ملون في زمن الحرب» لكاظم صالح عن جبر
علوان وقيس الزبيدي تناول الشخصية نفسها في فيلمه «ألوان» الذي سيشارك في
مهرجان الخليج الثاني، اضافة الى فيلمي قتيبة الجنابي عن خليل شوقي ومحمود
صبري.
·
وماذا عن واقع تدريس السينما. هل
تغير؟
أحد مشاكل السينما في العراق منهجية تدريسها، التي تعتمد في الأساس، بل
تقتصر، على الجانب النظري. ولهذا انضم عدد من خريجيها الى كلية السينما
والتلفزيون المستقلة ليزيدوا من معرفتهم العملية، منجزين أفلاما قصيرة
بسيطة ولكنها جيدة التقنية والموضوع، وفازت بجوائز عديدة. هذا جزء من الوضع
الجديد في العراق. ففي العهد القديم كان من المستحيل انشاء مدارس فنية
مستقلة عن الدولة...
هذا مؤشر صحي، وهو جزء من المطلوب، والمطلوب تغيير شامل، تتخلى فيه
المؤسسات خصوصاً مؤسسة السينما عن انتاج العمل السينمائي وتكتفي بدعمه.
والحقيقة انهم حققوا جزءاً منه، أي عدم الإنتاج لكنهم لم يحققوا الجزء
المهم الآخر وهو دعم الفيلم الجديد. والمطلوب من السلطة الجديدة في العراق
وضع آليات لدعم الإنتاج السينمائي وترويجه. فالترويج يجب ألا ينحصر في
منظمي المهرجانات ومبادرات السينمائيين الشخصية.
·
على ذكر المهرجانات الى أي مدى
ساعدت في نهضة السينما؟
أظن ان المهرجانات استطاعت وبشكل جدي إحداث نقلة في هذا المجال، وساعدت على
تماس سينمائيينا بعالم أوسع. معظم الأفلام أنجزها سينمائيون يقيمون في
الخارج، وهذا لا يعني ان زملاءهم في الداخل أقل موهبة منهم، لكن السبب
الرئيسي يعود الى احتكاكهم بالحركة السينمائية العالمية وافادتهم من
التقنيات المتطورة ومن المشاهدات الكثيرة، الى جانب تعرفهم على منتجين يمكن
ان يمولوا أعمالهم.
·
والآن وبعد زوال الفوارق بين
الخارج والداخل كيف ترى مستقبل السينما العراقية؟
المفرح ان تطورا مقبلاً ينتظر السينما العراقية. في اللحظة التي أتحدث فيها
اليك، هناك ثلاثة أو أربعة أعمال، على الأقل، قيد الإنجاز. محمد الدراجي
عاد من العراق الى بريطانيا وهو منهمك في مونتاج فيلمه الجديد «أم حسين»،
بعده باشر عدي رشيد في تصوير فيلمه الروائي الثاني، ليعقبه هادي ماهود،
الذي يكافح من أجل المباشرة بفيلمه الروائي الأول. كما إنها المرة الأولى
التي بدأ فيها السينمائيون يشعرون بتعاون مؤسسة السينما، التي أخذت في
تقديم مساعدات لهم، ليست مالية بالطبع لكنها تسهيلية. والمخرج قاسم حول بدأ
بتصوير فيلمه «المغني» في البصرة. وفي كردستان هناك حوالي عشرة مخرجين
منكبين على إنجاز أعمال جديدة. هذه حركة مهمة ومبشرة بخير وستثمر حتما!
الأسبوعية العراقية في
05/04/2009 |