يزخر الفيلم الروائي الطويل المعنون ''عين شمس'' لمخرجه المصري ابراهيم
البطوط، الذي سيعرض الساعة السابعة مساء الليلة في مقر الهيئة الملكية
الاردنية للافلام بجبل عمان،بالعديد من الرؤى والاساليب السمعية والبصرية
المتكرة على خلاف كثير من الافلام العربية الجديدة .
تأتي فرادة العمل في التزامه الحياد عن اساليب السرد التقليدية المتعارف
عليها في اغلبية نتاجات السينما المصرية، خاصة وان الفيلم الذي يحكي موضوعه
البسيط على خلفية من الاحداث الجسيمة التي تعصف في منطقة الشرق الاوسط،
اثار الكثير من الاعجاب والجدل في العديد من المهرجانات العربية والدولية
طوال العام الفائت، الامر الذي اتاح له فرصة الاشتراك في ايام قرطاج
السينمائي الاخير حيث قطف عنه احدى جوائز المهرجان الرفيعة .
وواجه البطوط صاحب العديد من الاعمال التسجيلية والفيلم الطويل''ايثاكي ''
الكثير من المتاعب الانتاجية، قبل ان يتوصل الى ايجاد حل لمعضلته الانتاجية،
عبر تحقيق فيلمه ''عين شمس'' ضمن منهجية السينما الفقيرة، في قدرة وبراعة
فنية تستفيد من امكانيات كاميرا الفيديو الرقمية ''الديجتال''، من اجل
انجاز نسخة سينمائية عبر تعاونه مع المركز السينمائي في المغرب.
اعتبر كثير من النقاد الفيلم، بانه من ابرز اعمال السينما المستقلة التي
تنجز باساليب بسيطة، تعاين مواضيعها اللصيقة بهموم وطموحات الانسان العادي،
بعيدا عن اجواء الابهار التكنولوجي والمؤثرات السمعية البصرية الخادعة،
وفوق ذلك كله في ميزانية محدودة التكاليف، وهو ما اشتغل عليه البطوط في ''
عين شمس '' حيث اسند ادوارا تمثيلية الى طاقات تمثيلية من خارج صفوف
الظاهرة النجومية في السينما المصرية، بحيث وظف حراك الواقع اليومي
وتفاصيله، ضمن مجرى الاحداث متحررا من طوق الاستوديوهات و الاكسسوارات
والديكورات، وسوى ذلك من ادوات الابهار الشكلي.
يتأسس فيلم ''عين شمس'' على بناء درامي مختلف مستمد من تيارات السينما
الفقيرة، التي ظهرت في اكثر من حقبة زمنية في ايطاليا وفرنسا والمانيا
وبلدان اميركا اللاتينية، والتي اصطلح على تسميتها''سينما المؤلف'' وهي تلك
الافلام الاتية من أفكار وخيال ورؤى صانعيها على نحو مغاير للسينما
السائدة، والمهيمنة على صالات السوق بالوان من العنف المجاني
والميلودراميات الزاعقة والكوميديا الهابطة او الخيال والتشويق الجامح.
على حدي الروائي والتسجيلي الخصبة في الاحاسيس والمشاعر الانسانية الدافئة،
تتنوع الاحداث والشخصيات في حراكها اليومي ضمن معالجة سينمائية سلسة تحفر
في الذات امام جلبة الاحداث الكبرى، وتسبر غورها تلك التداعيات المؤثرة على
مصائر افراد وجماعات، تزيح بشكل جلي عن أشواق وأفكار و تأملات في فضاءات
الحياة الرتيبة والقاتمة، وما يلتصق بها من صنوف المعاناة الانسانية جراء
الحرب والمرض والموت .
تتوزع حكايا وقصص الفيلم في اكثر من اتجاه وبيئة اجتماعية وسياسية
واقتصادية، بحيث ياتي بعضها من خلال صوت الراوي الاتي من خارج الكادر في
تسليطه الضوء على نماذج من الشخصيات والاحداث، التي يكتنز فيها الفيلم،
ويقدم صورا في ايقاعات تتناغم مع واقع حياة ابطاله، فهناك سائق التاكسي
الذي يعمل لدى رجل اعمال يعيش لحظة انهيار استثماراته بشكل مدوي، لكنه لا
يبخل على ابنة السائق المصابة بالسرطان بتقديم العلاج والمساعدة، كما ويظهر
الفيلم دكتورة متخصصة في امراض السرطان سبق لها ان زارت العراق خلال فترة
الحصار بغية الكشف عن تزايد حالات مرض السرطان.
جميع هذه الشخصيات المكونة من افراد عاديين ورجال تعليم وسياسة واقتصاد،
تدور في بيئة فقيرة صعبة وقاسية مليئة بعذابات التحولات الجديدة، تكشف عنها
سلوكيات وممارسات في بوتقة عمليات الانتخابات، وفوضى البناء العشوائي
والبيوت الايلة للسقوط الواقعة بين اكوام مخلفات النفايات، وتبدو ايضا في
سباق لاهث ومدمر من اجل اقتناص لحظة نجاة من مصير مظلم وسط تبدلات وتحولات
المدينة الكبيرة.
الرأي الأردنية في
28/03/2009 |