اشتهرت الممثلة البريطانية ذات الجذور الهندية رونا ميترا عالمياً بفضل
دورها في الفيلم الهوليوودي «حياة دافيد غيل» العائد إلى عام 2003 والذي
تقاسمت بطولته مع النجم كيفين سبيسي ومع بطلة «تايتانيك» كيت وينسلت.
وحققت ميترا أولى خطواتها السينمائية عام 2000 عندما اكتشفها المخرج بول
فيرهوفن فوق خشبات مسارح لندن ومنحها أحد الأدوار الرئيسة في الفيلم الذي
أخرجه تحت عنوان «رجل فارغ» وعرض في مهرجان «كان» حينذاك ونال إعجاب النقاد
والجمهور وحقق إيرادات لا بأس بها، إلا أنه لم يطلق ميترا إلى سماء
النجومية ربما لأنها كانت واحدة ضمن مجموعة كبيرة من الممثلات شاركن في هذا
العمل وبالتالي لم تلمع إحداهن في شكل منفرد على رغم المستوى المتفوق
للشريط. واستمرت ميترا في مشوارها المسرحي مؤدية أجمل الأدوار الكلاسيكية
في لندن، غير ظهورها في أفلام متوسطة المستوى وبعض المسلسلات التلفزيونية
البريطانية الناجحة، إلى أن استعان بها السينمائي ألان باركر لتجسد شخصية
الممرضة التي يقع في غرامها أحد ضحايا حريق كبير، في فيلم «حياة دافيد غيل».
ومن حسن حظ ميترا أن الفيلم بيع في العالم كله ونال نصيبه من النجاح الشعبي
أينما عرض، ما جعلها بين يوم وليلة فنانة مطلوبة في هوليوود وأوروبا على
السواء.
الفيلم الجديد الذي تؤدي بطولته ميترا عنوانه «أندر ورلد 3» (العالم تحت
الأرضي 3) وهو يأتي بمثابة صرعة في ميدان أفلام الخوف، ربما أكثر مما فعله
الشريطان السابقان من الحكاية نفسها، علماً أن الجزء الأول سمح أصلاً
بتحديد قواعد مختلفة عن تلك التي نعرفها في شأن سينما الإثارة المبنية على
المؤثرات المرئية والصوتية. وأول ما يلفت في الجزء الثالث عدم وجود كائنات
بشرية إذا استثنينا رجلاً واحداً فقط، فجميع الشخصيات التي تظهر في الشريط
عبارة عن مصاصي دماء ووحوش من نوع الذئاب التي تتمتع بمظهر البشر في النهار
وتتحول في الليل إلى ما هي عليه في الحقيقة.
ولمناسبة انعقاد سهرة خاصة للإعلاميين في باريس بحضور فريق فيلم «أندر ورلد
3»، من مخرج ومنتج وممثلين، التقت «الحياة» رونا ميترا وحاورتها.
·
تنتقلين من شكسبير فوق المسرح
إلى شخصية مصاصة دماء فوق الشاشة، مروراً بأدوار درامية في السينما
والتلفزيون، فمن أنت بالتحديد وكيف يتسنى تصنيفك فنياً؟
- أنا باختصار شديد ممثلة عادية جداً، وأقصد بذلك أنني دمية بين يدي كل
مخرج يفكر في منحي شخصية خيالية معينة لأتأقلم معها بحسب إمكاناتي
التمثيلية وأصقلها ثم أبلورها حتى تتخذ شكلها النهائي أمام الكاميرا أو فوق
خشبة المسرح بحسب الحالة. وأنت بسؤالك هذا توجه إليّ أكبر مجاملة يمكن لأي
ممثلة أن تتلقاها، فأنا أرفض التصنيف الفني لأنه أسوأ ما يحدث للفنان.
·
ألا يحب الجمهور مشاهدة نجومه
المفضلين في أدوار معينة لمجرد أنهم نجحوا اصلاً بفضل حسن تقمصهم شخصيات
كوميدية أو درامية أو مخيفة أو عنيفة أو شريرة بحسب الحالة؟
- هذا شيء يحدث طبعاً ويسبب حبس الممثل في لون محدد يصعب عليه في ما بعد
الفرار منه، والأمثلة مع الأسف كثيرة في هذا الشأن، لكنني إذا نجحت في
تفادي التصنيف والحفاظ على حريتي الفنية أكون فعلاً امرأة وممثلة محظوظة
جداً، وهذا ما أسعى إليه.
·
كيف تعيشين نجاحك السينمائي
العريض الذي حدث في فترة قصيرة جداً؟
- سعدتُ جداً بحصولي على بطولة فيلم «حياة دافيد غيل» الأميركي لأن هدفي
كفنانة هو الانتشار أولاً خارج الحدود المحلية، وهو أمر صعب طالما أنني
محبوسة في إطار المسرح اللندني طبعاً، وحتى السينما الأوروبية بعامة، لأنها
نادراً ما تتعدى المستوى المحلي. وكوني حققت هذا الشيء، أمر يفرحني إلى
درجة كبيرة.
بالنسبة الى نجاحي في شكل عام، فهو يحسسني بأنني طفلة تحولت أحلامها
الجنونية إلى واقع غريب وترى نفسها فوق الشاشة فجأة وكأن معجزة ما قد
تحققت. كدت أن أبكي من الفرح والدهشة حينما رأيت نفسي للمرة الأولى فوق
الشاشة الفضية بعدما عملت في المسرح والتلفزيون سنوات طويلة.
·
تلتقين جداً مع شخصية سيلينا
مصاصة الدماء في «أندر ورلد 3»، فهل لعب مظهرك دوره في حصولك على الدور
أصلاً، خصوصاً أنك لم تظهري في الجزءين الأول والثاني؟
- لا أعتقد ذلك، لأنني في الحقيقة لا أشبه مصاصات الدماء إذا وجدن، والذي
حدث هو تقمصي شخصيتها في أدق التفاصيل، وقيامي باختراع حركاتها وطريقتها في
الكلام وتعبيرات وجهها، ورحت أدخل في الدور تدريجاً عبر توجيهات المخرج
التي جاءت مكملة لما تخيلته شخصياً في شأن سيلينا. الشيء الوحيد الذي
أستطيع قوله بخصوص مظهري، هو أن الشركة المنتجة كانت تبحث عن ممثلة حلوة
وذات طابع غير أميركي بحت، وبما أنني إنكليزية ويقال إنني حلوة، حصلت على
فرصة الوقوف أمام الكاميرا والخضوع للاختبار الخاص بالدور، وموهبتي هي التي
تكلمت في ما بعد، وأنا سعيدة بسماع حكاية التشابه بيني وبين سيلينا خصوصاً
أنها شخصية وهمية تماماً، والمقارنة هذه تدل على مدى نجاحي في تقمص الدور.
من وحي المسرح
·
بدأتِ فوق المسرح، فهل تشعرين
بأنك مدينة له بشيء من نجاحك؟
- أعتقد بأن هناك مبالغة في هذا الكلام، وأنا على رغم تعلمي الكثير من خلال
تجربتي المسرحية طوال خمس سنوات كاملة لا أعتقد بأن نجاحي يتعلق بأي شكل
بما فعلته فوق الخشبة. ربما أنني استوحيت من عملي المسرحي بعض المقومات
التي تجعلني أمثل الآن أي دور يعرض علي بطريقة معينة فضلاً عن غيرها،
ولكنني في النهاية أعترف بأن التمثيل أمام الكاميرات يتطلب عكس ما يحتاجه
المسرح تماماً، وأنا أدركت مع مرور الوقت ما الذي يجب تفاديه في السينما
بالنسبة الى ما اعتدت فعله في المسرح. وأقصد بكلامي هذا، البطء في الأداء
والتمعن في التفاصيل حتى يفهم المتفرج الحبكة جيداً ويتأقلم مع عقلية
الشخصيات الموجودة أمامه ومزاجها، ثم الأداء بصوت مرتفع وممارسة الحركات
الكبيرة بالأيدي والتمادي في التعبيرات بالوجه، وكل ذلك لا يفيد في السينما
أو التلفزيون، إذ إن المطلوب هو السرعة والتخفيف من حدة المشاعر والحركة.
لا للمكانة الثانية
·
هل تنوين الاستمرار في السينما
أم أنها مرحلة اشتهار دولي قد يسمح لك بمعاودة العمل المسرحي في لندن وربما
نيويورك أيضاً، فارضة شروطاً جديدة لا سيما من الناحية المادية؟
- أنا أنوي بلا أدنى شك الاستمرار في السينما ولكن من دون التنازل عن العمل
المسرحي إذا تلقيت ما يثير اهتمامي من عروض في هذا الميدان، ولست مستعدة
للتضحية بدور سينمائي ولا بأجر سينمائي من أجل العمل في مسرحية متوسطة
المستوى، وذلك مهما دفعوا لي من أجر، لأن المسرح مهما فعل من جهود في هذا
الميدان لا يقدر على منافسة السينما أبداً، وأعلى أجر مسرحي لا يوازي ما
يتقاضاه ممثل غير معروف في السينما. أنت تذكر المسرح في نيويورك، وهو فعلاً
يجذبني إلى أبعد حد، ولكن حين أمارسه مثلما فعلت كاثلين تورنر منذ عشر
سنوات تقريباً عندما تولت بطولة مسرحية «الخريج» في لندن أولاً ومن ثم في
نيويورك، وكانت كل البطاقات قد بيعت قبل شهور من الافتتاح وذلك في
المدينتين. وتقاضت تورنر عن عملها أعلى أجر مسرحي نسائي حتى الآن في كل
سهرة، من دون أن تعني الحكاية أن هناك أي مقارنة ممكنة بين ما تكسبه تورنر
عن الفيلم الواحد، وما ربحته لقاء ظهورها في هذه المسرحية، كما أن السر
وراء طلبها مبلغاً باهظاً وحصولها عليه هو وقوفها مجردة من ثيابها فوق
الخشبة مدة طويلة، ما سمح لوكيل أعمالها بفرض شروط مادية غير عادية بالمرة
طبعاً. وعن نفسي فأرغب في الوصول إلى القمة والتربع فوق عرشها لأن المكانة
الثانية لا تناسبني ولا ترضي طموحي أو مزاجي الصعب.
حياء
·
يبدو أن طموحك المادي يلعب دوره
بطريقة أساسية في تحديدك مستقبلك، أليس كذلك؟
- لست امرأة مادية، لكنني أعير المال أهمية قصوى ترتبط جذرياً بالعمل في حد
ذاته. أنا أشعر بقيمة موهبتي ومجهودي وبقيمتي الفنية في نظر جمهوري من خلال
المبلغ الذي أتقاضاه عن كل دور أمثله، ولذلك تجدني حريصة جداً على رفع
مستوى مكانتي الاجتماعية، على عكس بعض زميلاتي اللاتي يعتبرن المسألة هذه
سطحية إلى أبعد حد.
·
وماذا تفعلين إذا وجدت نفسك في
موقف مثل كاثلين تورنر يتطلب منك الوقوف عارية فوق المسرح؟
- حسدت تورنر على شجاعتها وجرأتها عندما شاهدت المسرحية، لأنني في غالب
الأحوال معرضة لرفض مثل هذا العرض إذا تلقيته، مثلما لا أوافق على أداء
اللقطات الجريئة أمام الكاميرا في السينما. إنها مسألة حياء ينتج من
التربية التي يتلقاها كل منا في صغره، وأنا كبرت في جو هندي شرقي كانت
السترة فيه طبيعية وإجبارية، وبالتالي لا أتمتع بعلاقة مع جسدي مبنية على
الحرية الكاملة، ولا علاقة للموضوع بنسبة جمالي بالمرة.
·
ما هي هواياتك؟
- لقد أصبحت الأناقة من أهم هواياتي منذ أن صرت مشهورة، أما قبل ذلك فلم
أتحمل سماع كلمة «فستان» أو كلمة «تنورة»، وكنت أقضي وقتي كله مرتدية الزي
الرياضي العريض من دون أن أضع أي مكياج فوق بشرتي أو أهتم بتسريحة شعري
مثلاً، وغير ذلك مما تفعله الفتيات عموماً في العالم كله.
·
من الصعب تخيلك هكذا؟
- أنا مثلما قلت لك تغيرت كلياً وأصبحت مولعة بالأناقة، ولا أتحمل نفسي
الآن بثياب مهملة أو بتسريحة لا تليق بي حتى إذا بقيت وحدي في بيتي.
الحياة اللندنية في
20/03/2009 |