«انترناشونال»
يعرض الآن في سينما الدانة. الفيلم يتحدث عن «العالمية» وسلبياتها
حين تتدخل في الشئون الداخلية وتبدأ باستخدام كل الوسائل لتحقيق غايات
بعيدة المدى
تستهدف في النهاية تعزيز السيطرة وبسط الهيمنة ورفع درجة تأثيرها على
القرارات
والسياسات الدولية.
سيناريو «انترناشونال» لا يتحدث عن القضاء ومحكمة
الجنايات أو لاهاي أو المحاكم الدولية التي أخذت تنشط «عالمياً» وبدأ
نفوذها يمتد
ويتوسع على أكثر من صعيد سياسي. «انترناشونال» يتناول قضايا «عالمية» أخرى
وهي تلك
المتصلة بشبكات المخابرات الدولية والمصارف والشركات المتعددة
الجنسية ومصانع
الأسلحة وغيرها من مؤسسات «عالمية تخترق الدول وتعبر الحدود وتعقد الصفقات
وتثير
الإضرابات من دون علم الهيئات الوطنية والحكومات المحلية وأجهزتها المولجة
بضبط
الأمن ومراقبة الحدود.
الشريط السينمائي يعتمد في بنيته الدرامية سياسة
نقدية لتلك المصارف الدولية التي تستخدم نفوذها المالي لعقد صفقات مشبوهة
وتمويل
عصابات مسلحة والتدخل في صوغ استراتيجيات تقوض الاستقرار وتدفع أحياناً
الدول نحو
التصادم أو الشعوب نحو الاقتتال. وحتى تنجح المصارف الدولية في
مشروعاتها فإنها لا
تتورع في خرق القوانين والتحالف مع العصابات والمافيات لترتيب صفقات تسلح
أو تمويل
مشروعات خاسرة يمكن توظيفها في سياق التنافس المفتوح على أطماع غير
متناهية.
فكرة الفيلم تقوم على نظرية الصراع الدائم بين العدالة والجشع وتلك
الصعوبة التي يواجهها أصحاب الضمير في القضاء على ذاك الأخبوط
الذي لا يشبع مهما
حصل على ثروات وغنائم حرب. وبسبب الصراع بين النقيضين يتطور سيناريو الفيلم
من خلية
تنشط في إطار شبكة جواسيس دولية تراقب تمويل صفقة أسلحة إلى معركة داخلية
بين مراكز
القوى التي تدير أو تشرف على خطط التمويل. وخلال محطات الصراع تنكشف الكثير
من
الزوايا الخفية. فهناك مؤسسات دولية تقيم علاقات مع الخصوم
وتتصل بكل الأطراف وتبيع
صواريخ لسورية وإيران وفي الآن تسوق صواريخ مضادة لها لـ «إسرائيل». وهناك
مصاريف
تمول وتسلح حركات تحرير وطنية ويسارية في إفريقيا مثلاً من دون مقابل على
أمل أن
تعوض خسائرها بعد أن تنجح في قلب نظام الحكم والسيطرة على
مقدرات الدولة وثرواتها.
وهناك هيئات لا تبحث عن الربح وتشتري الديون المتهالكة لا بقصد تجميع
الثروات على
الأمد البعيد وإنما بهدف الهيمنة من خلال توسيع دائرة النفوذ.
كل الحلقات
متداخلة «عالمياً» وهي مترابطة إلى حد يتشابك فيها الخير بالشر والحق
بالباطل.
فهناك ما فيات (عائلات تحترف اللصوصية والتهريب) متحالفة مع مؤسسات دولية
تنفذ لها
حاجاتها من مطاردات واغتيالات.
وبسبب الترابط المذكور تصبح إمكانات التصفية
صعبة، كذلك تتعقد احتمالات مكافحة الفساد. وحين يتطور الفساد إلى أعلى
المراتب
يتعطل القانون وتتراجع الملاحظة لأن الحلقات الصغيرة تصبح في موقع خفي وغير
مرئي
وفوق الشبهات.
«انترناشونال»
ليس جديداً في أفكاره التي انتشرت في السنوات
الماضية وحيكت حولها الكثير من السيناريوهات التي تخصصت في نقد
سياسات «عالمية» كان
لها تأثيرها السلبي في تغطية شبكات فساد وتهريب وتبييض أموال متدرعة بغطاء
يدعي
حماية الأمن والاستقرار بينما الواقع هو العكس.
والاختلاف الوحيد الذي حاول «انترناشونال»
التميز عن غيره من دراما هو تركيزه على «بنك دولي» يشكل غطاءً لتمويل
وقنوات لتهريب كل ما تحتاجه مؤسسات تريد اختراق الحدود والتحرك
فوق القانون.
فالنشاط الذي يتحرك البنك في دائرته متنوع الحقول ويمتد إلى عواصم ومدن
أوروبية
تبدأ في برلين وميلانو وتنتهي بين نيويورك واسطنبول ويضم فعاليات وعائلات
وجنسيات
وإيديولوجيات وشركات خارقة في تأثيرها ولا تهتم بالعدالة وتبحث
عن الكسب غير
المشروع. وكل هذه الهيئات تشكل محميات محصنة وغير معروفة وتدير المشروعات
ضمن تراتب
هرمي لا تعرف هوية قمته حتى لو تعرض للاختراق أو اغتيال أحد
رموزه.
«انترناشونال»
فوق القانون وفوق العدالة ولهذا فهو يمتلك قرارات
تعطيه صلاحيات استثنائية للتدخل ما يجعل تلك القوى الخفية
أدوات تسلط تثير الفتن
وتخطط للاغتيالات والحروب والثروات بهدف تحسين نفوذها ومواقعها وبالتالي
تأثيرها
السياسي على صنع القرارات.
ليس المهم تلك التفصيلات التي يتناول جزئياتها
فيلم «انترناشونال». فالتفصيلات كثيرة ولا تعطي للسيناريو قيمته الخاصة لأن
الفكرة
العامة هي الأهم وهي تريد القول: إن العدالة باقية ولكنها لن تستطيع تسجيل
هزيمة
مطلقة ضد الفساد والأشرار وأعداء الإنسان فهي مهما نجحت وتقدمت
في الملاحقة فهناك
بدائل جاهزة لتعبئة الفراغ.
الوسط البحرينية في
19/03/2009 |