بعد انتهاء
Dox Box، صار بالإمكان تقويم التظاهرة السوريّة الفتيّة التي تسعى للتحوّل
إلى تقليد سنوي، يشجّع على المبادرات الفردية
أسدل الستار أخيراً على الدورة الثانية من « أيام سينما الواقع للفيلم
التسجيلي»
DOX BOX09 التي أقيمت في دمشق ثم طرطوس وحمص. تسعى التظاهرة للتحول إلى تقليد
سنوي، يضيء على أعمال تقدّم عادةً على هامش المهرجانات السينمائية. كما
تحرّض على المبادرات الفردية لإنتاج أعمال غير مكلفة ملتصقة بالواقع.
المهرجان الذي تنظّمه شركة «برو أكشن فيلم» برعاية «المؤسسة العامة
للسينما» في سوريا، انتهت دورته الثانية كما هو معروف، بمنح جائزته الوحيدة
(جائزة الجمهور ــــ 3 آلاف دولار) لفيلم «هيب هوب المقلاع» للفلسطينية
الأميركية جاكي سلوم. رصدت المخرجة ظاهرة فرق الراب الفلسطينية في أراضي
الـ 48 وقطاع غزة، التي تستخدم لغة احتجاجية عصرية لتوصل رسالة نضالية إلى
العالم. إضافةً إلى برنامج المسابقة الرسمية، ضمّ المهرجان أربع تظاهرات هي
«روائع المهرجانات»، و«لقاء مع مخرج» (خُصِّص للفرنسي نيكولا فيليبير)،
و«صوت امرأة»، و«ملاحظات على الحرب».
ارتبط عدد من أبرز أفلام المهرجان، بأكثر صور الواقع خشونةً. وإذا كان من
حق أي مخرج أن يعمل على مادة قادرة على جذب الانتباه، فالحق تحول أحياناً
إلى إمعان في الاستفادة الشكلية من نفور المادة وغرابتها، حتى قارب الأمر
حدّ الكوميديا.
فيلم الافتتاح «ولو في الصين» للجزائري مالك بن إسماعيل يذهب إلى منطقة
جبلية أمازيغية، ليروي من خلال مدرسة، حكاية بلد. الفيلم يبدو مسكوناً بنوع
من الحنين إلى الاستعمار. رغم أنّ كل ما سنراه من خلال المادة الواقعية
للفيلم يشير إلى فشل السياسة التعليمية لدولة الاستقلال، إلا أنّنا نجد أنّ
الشعارات الوطنية والسيادية قد تحولت إلى ثرثرة لجيل جديد يتلقى تعليماً
أشبه بالتجهيل يحجب ولا يكشف.
في «ستّ قصص عادية» للسوري ميار الرومي، يختار المخرج الشاب ستّة سائقي
أجرة، لنستمع إلى قصصهم داخل السيارة. ميزة الفيلم أنّه يمثّل خطوة متقدمة
تلمس الواقع المعيشي للمواطن السوري. يصوّر الشريط هؤلاء ولغتهم البسيطة
والصادقة وحياتهم الشقية في بحثهم المحموم عن تحصيل رزقهم.
«لا رمان في طهران» للإيراني مسعود بخشي، كناية عن رواية ديناميكية محكمة
البناء عن تاريخ العاصمة الإيرانية. تنتقل هذه الرواية بين صعوبات تحقيق
الفيلم نفسه، وعرض مادة متنوعة، فيلمية وثائقية قديمة عن المدينة، أو صور
مرسومة أو فوتوغرافية، وبين مقابلات مع عدد من سكان العاصمة... أبرزهم
المتشرد جعفر الذي نسمع باستمرار صوت امرأة يناديه باسمه. وهو صوت مأخوذ من
فيلم روائي إيراني بالأبيض والأسود نرى في أحد مشاهده العاشقين يتحدثان عن
طهران المدينة التي تشتهر برمّانها الذي لا مثيل له. النفس الساخر لراوي
الفيلم يعكس التناقض بين خطاب سياحي عن المدينة وواقعها الذي تظهره لنا
الصورة كأحد أكثر مدن العالم تلوثاً وطبقيةً.
فيلم «سوبرمانات ماليغاون» للهندية فايزة أحمد خان، يذكّرنا بالفيلم
التونسي «كحلوشة
VHC». هنا، نشاهد اقتحاماً لعالم صناعة سينمائية بدائية في بلدة ماليغاون
الهندية ذات الأكثرية المسلمة التي تضطلع بصناعة أفلام ساذجة بوسائل
متواضعة للعرض المحلي، تستنسخ قصصاً هوليوودية وتعطيها طابعاً محلياً
يستحقّ تسمية خاصة. إنها ليست بوليوود الهندية، بل «موليوود». هكذا، نتابع
مع صنّاع الفيلم مراحل إطلاق نسخة هندية من «سوبرمان»، حيث يتحول عامل
النسيج النحيل إلى رجل خارق مضحك. المهم هو الضحك بالنسبة إلى البائسين كما
يقول مخرج الفيلم، وعبر صعوبات تحقيق فيلم «سوبرمان ماليغاون»، نلقي نظرة
على المشهد الهندي بتناقضاته وولعه المجنون بالسينما.
تجارب كثيرة أخرى وُضعت في متناول جمهور نهم ومُصغٍ، ما جعل تجربة
Dox Box
على قدر من الاحترافيّة والمهنيّة والريادة. من هنا سنطالب بهذا المهرجان
المستقلّ من اليوم، وننتظر دورته المقبلة بكثير من الشوق والفضول.
الأخبار اللبنانية في
18/03/2009 |