الدوبلاج فن معقد يتجاوز استبدال اصوات الممثلين بقراءة لغة
مغايرة، ويثير الامال والمخاوف معا.
يعتقد عدد كبير من
الناس أن عملية الدوبلاج التي تقوم بها بعض شركات الإنتاج للأفلام
والمسلسلات
الأجنبية وبرامج الأطفال تخلو من أي فن، في إشارة إلى أنها لا تعدو كونها
عملية
ترجمة للنص الأصلي إلى لغة أخرى.
غير أن المتتبع لهذا الفن عن كثب يدرك أهمية عملية الدبلجة التي لا
تقف عند
ترجمة النص أو قراءته بلغة مغايرة، بل تتعاداهما إلى إعادة إنتاج العمل
الفني
بالكامل وفق وجهة نظر مختلفة تستدعي وجود كادر فني متكامل مؤلف من مخرج
وممثلين
وفني ميكساج وغيرهم.
ويقول المخرج مأمون الرفاعي: "إن الدوبلاج هو من أصعب فنون التمثيل
لسبب بسيط هو
كونه يعتمد على الصوت كوسيلة وحيدة للتعبير، والصعوبة تكمن في أنك لا تعبر
عن
أحاسيسك كممثل، بل تضطر لنقل الحالة النفسية الكاملة (إحساس-انفعال) للممثل
الذي في
الصورة، وهذا يحتاج لجهد كبير، وأشير هنا إلى قول هام لـ
ستانسلافسكي: إذا أردت أن
تكتشف ممثلا فضعه وراء ستارة."
ويؤكد الرفاعي الذي يعمل في مجال الدوبلاج (ممثلا ومخرجا) منذ حوالي
17 عاما
أهمية امتلاك ممثل الدوبلاج لموهبة متميزة، إضافة إلى طاقة صوتية كبيرة
ممزوجة
بإحساس عالي، مشيرا إلى أنه "لا يكفي أن يكون لدى الممثل خامة صوت متميزة،
فإحساسك
بالكلمة أهم من الصوت، لكن عندما يجتمع الأمران (الصوت والإحساس) فضلا عن
الموهبة
سنحصل حتما على نتائج رائعة."
ويشكو الرفاعي من صعوبة العمل في مجال إخراج الدوبلاج، مشيرا إلى أنه
"في الماضي
كان العمل في الدبلجة أسهل وأجمل لأن العمل كان جماعيا، حيث كان هناك عدة
ممثلين
يعملون مع بعضهم في وقت واحد، أما الآن فالوضع تغيّر وللأسف أصبح عمل
المخرج عشرة
أضعاف عمل الممثل الذي يأتي لتسجيل دوره وحسب، لأن المخرج سيرى
العمل ويفرّغ
شخصياته وينبّه كل ممثل في حال أخطأ."
ويقول الرفاعي إن عملية الدوبلاج تمر بعد مراحل، حيث تتم في البداية
عملية ترجمة
النص إلى اللغة المحلية وإعداده لغويا، ومن ثم إعادة إنتاجه بشكل يناسب
المجتمع
المحلي "فأغلب الأعمال التي تتم دبلجتها لا تناسب مجتمعنا العربي، وخاصة
برامج
الأطفال التي تحاكي الطفل الغربي"، ويشير الرفاعي إلى أن العمل يدخل بعد
ذلك إلى
الاستديو ويخضع لعملية الميكساج التي تشمل "تنزيل الصوت العربي مكان
الأجنبي،
بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية الموجودة أساسا مع النسخة
الأصلية، وهي عملية مرهقة
جدا وتحتاج لصبر كبير."
ويبدي بعض صنّاع الدراما تخوّفهم من التأثير السلبي للأعمال المدبلجة
على
الدراما العربية من حيث الانتشار وانصراف الممثلين للعمل في الدوبلاج، في
حين يؤكد
البعض الآخر أن الدراما العربية قد تستفيد من المستوى الفني
العالي لهذه الأعمال
إضافة إلى الخبرة التي سيكتسبها العاملون في الدوبلاج.
وتؤكد الفنانة لورا أبو أسعد صاحبة شركة "العراب" التي قامت بدبلجة
بعض الأعمال
الأجنبية إلى العربية أن الدراما العربية لم تتأثر حتى الآن بمشروع الدبلجة
"بدليل
المشاهدة الكبيرة التي مازالت تحظى بها"، مشيرة بالمقابل إلى أن أغلب
العاملين في
الدوبلاج هم ممثلون مبتدؤون (طلاب مسرح أو هواة تمثيل) والعمل في الدوبلاج
سيمنحهم
خبرة كبيرة تؤهلهم للعمل في الدراما العربية مستقبلا.
وتقول أبو أسعد إن الدراما العربية هي "أرسخ وأعمق من أن تؤثر عليها
الدرامات
الأخرى (المكسيكية والتركية) التي لا تختلف كثيرا عنها من الناحية الفنية"،
مشيرة
إلى أن الدراما العربية هي أكثر واقعية من الأعمال المدبلجة "ولكن المشكلة
تكمن في
أننا نريد عرض جميع أعمالنا في شهر واحد (رمضان) وهذا لا يعطي الوقت الكافي
للمشاهد
للحكم عليها."
وتضيف: "لا شك أن الانفتاح على ثقافات أخرى سيؤدي بالضرورة إلى حلول
فنية جديدة
على صعيد الإخراج والصورة، وهذا ما يمكن أن تؤمنه الدراما التركية أو
الأجنبية التي
نقوم بدبلجتها."
من جانبه يرى عبد القادر عبدللي الذي ترجم عددا من الأعمال التركية
إلى العربية
أن الدراما التركية تحوي جوانب فنية كثيرة "لو أضيفت للدراما العربية ممكن
أن
تغنيها"، مشيرا إلى أن "الدراما التركية جديدة نسبيا وقد استفادت من التطور
الكبير
للسينما التركية، كما أن العاملين في الدراما السورية لم ينظروا للدراما
التركية
بشكل عدائي بل حاولوا اكتشافها والاستفادة منها عبر دبلجة عدد
من الأعمال."
ويستغرب عبدللي قيام عدد من الصحف العربية بمهاجمة الأعمال التركية
على اعتبار
أنها ستؤثر سلبا على الدراما العربية، مشيرا إلى أن "الأتراك سبقونا كثيرا
في هذه
المسألة حيث قاموا بدبلجة عدد كبير من الأعمال العربية منها مسلسل ′ليالي
الحلمية′
قبل 8 سنوات وفيلم الحدود للفنان دريد
لحام، إضافة إلى عدد من الأعمال السورية
والمصرية."
فيما يؤكد الفنان حسام
الشاه أن الدراما المدبلجة عامة والتركية بشكل خاص لا
تعدو كونها ظاهرة عرضية لن تستمر طويلا، نافيا ما يروّجه البعض
بأن الدراما السورية
تخون نفسها من خلال تسويقها للدراما التركية التي تستنزف طاقات الممثلين
السوريين "أنا
مثلا أشارك في دوبلاج الأعمال التركية في أوقات فراغي فقط."
ويضيف: "قبل أن نخاف على الدراما السورية من الدراما التركية، يجب أن
نخاف من
هروب الفنيين السوريين الجيدين إلى الدراما الخليجية بسبب الأجور المتدنية
في
سوريا، هؤلاء الفنيون (إضاءة –صورة- صوت-مكياج) هم أحد أسرار نجاح الدراما
السورية،
ولكنهم جنود مجهولون، ودعني أقول بالمقابل إن هناك نسبة ليست بالقليلة من
المخرجين
السوريين عليهم أن يتعلموا من الدراما التركية."
ميدل إيست أنلاين في
12/03/2009 |