رغم اختلافنا معه في كثير من وجهات النظر التحليلية والآراء السياسية في الأفلام‏,‏خاصة المصرية منها‏,‏ فإننا نحترم نظرته ورأيه ولا يمكن أن يكونا سببا في الاعتراض عليه وعلي كتابه الضخم والمهم دليل الأفلام‏,‏ الذي بذل في إعداده وصياغته جهدا خارقا لابد أن نقدره ونحييه في زمن يتسم بالسرعة ومجرد الإلمام ويتسم كتابه بالتسرع وكثير من الاستسهال‏,‏ فقد تناول الدارس والمترجم والناقد السينمائي مدحت محفوظ بالرصد والعرض خمسة آلاف فيلم عربي وعالمي زودها بتفريغ مفصل لبيانات الشاشة وملخص للموضوع أو المضمون‏,‏ ولكنا نعترض علي الفزلكة في إعادة صياغة المصطلحات المستقرة البسيطة‏,‏ والتي أصبحت عنده ثقيلة وسقيمة وغريبة وغامضة وغير مجدية مثل القطاع العمومي والطاقم الداعم و كلاسيه و التعميل و البصم الضوئي و تعميم قمة النضد و التوضيبة و الحوسبة ـ محوسبة ـ الحاسوب ـ حواسيب و المؤسسية و الضروبية و شفافات وما إلي ذلك‏,‏ ونعترض علي عدم وحدة الأسلوب‏,‏ فهو لا يلتزم بأسلوب موحد‏,‏ لأنه يعلق بالنقد علي بعض الأفلام ويكتفي بسرد ملخص القصة في بقية الأفلام‏,‏ أحيانا يستطرد في نقده ويختصره في أحيان أخري‏,‏ هذا النقد غالبا ما يكون نقدا سياسيا فقط وليس فنيا أيضا‏,‏ كما نعترض علي هجومه علي الذين يختلفون معه حول تقييم أشخاص في إطار العمل الفني كتابا كانوا أو منتجين أو غير ذلك‏,‏ والذين يختلفون معه حول تقدير شخصيات خارج إطار العمل الفني كالزعماء علي وجه التحديد والأصل في الخلاف والاختلاف هو أن يتيح كل منا الحرية للآخرين دون مزاحمة أو مناهضة حتي تتاح له الحرية هو الآخر‏,‏ فيتحقق مبدأ الرأي والرأي الآخر بغير تجريح ولا عراك ولا غضب‏,‏ فإذا ما طرح الرأي وطرح بعيدا عنه الرأي الآخر‏,‏ ظهر الخلاف والاختلاف بهدوء وكياسة وتحضر أيضا وهل ننسي مقولة المفكر والأديب الفرنسي فولتير الشهيرة أنا علي استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لحرية الآخرين وهو يقصد بالطبع حرية الرأي‏,‏ وأخيرا نعترض علي الخاتمة المنفصلة تماما عن سياق الكتاب وهو حصر وعرض الأفلام العربية والعالمية‏,‏ فقد خصصها لنظرية الفيلم الهوليودي‏,‏ وهل هذا الفيلم صناعة أم فن فلماذا بالتحديد وعلي وجه الخصوص الفيلم الهوليودي دون سواه‏.‏

وتبقي ملاحظة شكلية لها أهميتها‏,‏ فالبنط الصغير جدا والأعمدة المكدسة المتلاصقة والحروف والكلمات والأرقام العربية واللاتينية فضلا عن العلامات والاشارات والاختصارات تجعل القراءة والمتابعة أكثر اجهادا وارهاقا للعين‏,‏ بحيث تصل نتيجة ذلك إلي حد الصداع و الزغللة كما أن قلة الصور المأخوذة عن لقطات الأفلام تجعل المادة ـ وهي علي هذا النحو المزعج ـ جافة وأكثر ازعاجا أما المقدمة‏,‏ فتشتمل علي بيان بالجهد المبذول من جانب الراصد الناقد مدحت محفوظ وفريق العاملين معه والمشجعين له‏,‏ وهذا حقه ومن حقه علينا أيضا أن نحمد له ولهم جميعا هذا الجهد ونتائجه الطيبة بغض النظر عن الملاحظات السلبية التي ذكرناها من قبل‏,‏ كما تشتمل المقدمة علي بيان بالأمل المنشود في الطبعة التالية‏,‏ وهو تناول عشرين ألف فيلم بزيادة خمسة عشر فيلما علي هذه الطبعة الأولي‏..‏

إننا نحييه ونقف إلي جانبه حتي لو أدي الأمر إلي الدفاع عنه أمام ساحة العدل الفنية‏.‏

و‏..‏ كلمة

صمويل بيكيت ونجيب محفوظ ضربا مثلا رائعا في عدم الرد علي النقد وعدم التعرض له والاعتراض عليه مهما كان لاذعا أو حتي مادحا‏,‏ إيمانا منهما بأنهما يقولان ما عندهما‏,‏ وللنقد حريته في قول ما عنده أيضا‏.‏

الأهرام اليومي في

10/03/2009