يعود الممثل والمخرج كلنت ايستوود إلى الأضواء من خلال فيلم يركز على
أوضاع
اللاجئين المعروفين باسم "همونج" الذين يعيشون في الولايات المتحدة
الأمريكية. يحمل
الفيلم اسم Gran Torino
وقد أخرجه كلنت ايستوود مثلما أنه يلعب فيه دور البطولة.
يتقمص كلنت ايستوود دور رجل مسن عنصري وطبيعة العلاقات التي تربطه بمجموعة
غريبة من
المهاجرين تعرف في الولايات المتحدة الأمريكية باسم "همونج" والذين انتقلوا
إلى
السكن بجواره.
ففي أحد الأيام يحاول ابن تلك العائلة المهاجرة الذي أصبح عضوا في
عصابة
الحي أن يسرق السيارة الرياضية التي يملكها جاره العجوز وهي من نوع فورد
جراند
توربينو، عندما تنشأ علاقة معقدة غير أن بقية عناصر العصابة ظلت تلاحق
الشاب وهو ما
جعل كلنت ايستوود يعود ليلعب ثانية دور رجل القانون الذي يأخذ القانون
بيديه ويحمل
بندقيته مدفوعا بحسه الأخلاقي.
إنه فيلم آخر ناجح يضيفه كلنت ايستوود إلى سجله
السينمائي الحافل وهو يدور حول إشكالية العدالة والانتقام..
الأمر الذي يذكرنا
بالدور الشهير الذي لعبه كلنت ايستوود من قبل في فيلم "هاري القذر" علما
بأن
استوديوهات وورنر براذرز ظلت مدة طويلة تلح على كلنت ايستوود كي يعود إلى
تقمص
شخصية هاري القذر.
يظهر كلنت ايستوود في فيلم
Gran Torino
بنفس الحواجب المقطعية
والنظرة العامة التي تخيف أعداءه وتبعث الرعب في قلوبهم.. يظهر ذلك في أول
مواجهة
له مع جيرانه "الهمونج" الذين ينحدرون من شمال الفيتنام، وقد اجتاحوا
الضاحية التي
يسكن فيها هذا الرجل العجوز.. في مدينة ديترويت عاصمة صناعة السيارات في
الولايات
المتحدة الأمريكية.
يتقمص كلنت ايستوود شخصية "والت كوالسكي" وهو رجل طاعن في
السن وعنصري، وكان سابقا يعمل في مصانع شركة فورد لصناعة السيارات وفوق ذلك
فهو
يعيش في عزلة قاتلة.. هذا الرجل الأرمل العجوز يخلق حالة من
الفراغ حوله وهو يتصور
العالم من شرفته فتراه يمسك بالبندقية في يده في وضعية تأهب لمواجهة من
يعتبرهم
أعداء يهددون عالمه الخاص. لقد سبق له أن خاض الحرب في كوريا.
يحمل الفضول شابا
يسكن في الجوار من جماعة "الهمونج" فيحاول سرقة سيارة العجوز وهي من نوع Gran Torino
مصنوعة سنة 1972 وهي نفس السيارة التي مثل بها ستاريسكي وهاتش مسلسلهما
البوليسي الشهير.
يذكر أن كلنت ايستوود صنع شهرة واسعة عندما بدأ سنة 1971 يلعب
دور المفتش هاري قبل أن يتخلى عنه سنة 1981 إثر إنتاج الجزء الخامس والأخير
منه.
فالمعروف أن كلنت ايستوود متمسك كثيرا باستقلاليته ولا يحب أن يتحول إلى
بضاعة أو
عبد تمتلكه الاستوديوهات السينمائية في هوليوود.
لقد عاد تقمص نفس هذا الدور لكن
من أجل تقويضه يسخر من صورته التي التصقت به كمفتش لا يعرف سوى
لغة القوة والعنف
والرصاص سعيا للوصول به إلى قيم أكثر نبلا وسموا.. مثل التضحية في سبيل
الغير
وتقديم يد المساعدة لمن يريدها.
لقد كان لكلنت ايستوود دائما علاقة غامضة وحميمة
بمسدس ماغنوم 44 غير أنه يقول: أنا أحب شخصية هاري لكنه لا يمثل شخصيتي.
لقد
تقمص كلنت ايستوود تلك الشخصية القوية القاسية التي لا ترحم الأعداء وذلك
كي يعيد
النخوة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت متورطة في مستنقع الحرب
في فيتنام
قبل أن تهتز بعد ذلك على وقع فضيحة واترغيت التي عصفت بالرئيس السابق
ريتشارد
نيكسون وعجلت برحيله من البيت الأبيض.
كلنت ايستوود جمهوري كما أنه كان دائما
عدوا للدولة، يميل للتصرف بكل استقلالية ولا يريد أن يعكر أحد
صفو حياته، تماما مثل
الشخصيات التي تقمصها.
لم يكن كلنت ايستوود يرغب في أن يظل طيلة حياته وفي مختلف
أدواره السينمائية يجوب الشوارع وهو يتأبط مسدسه "الماغنوم 44" المرعب.
في فيلم Gran Torino
يعطي كلنت ايستوود الانطباع بأن شخصية "والت كوالسكي" إنما هو "هاري
القذر" الذي كبر وأصبح طاعنا في السن لكن ظل محتفظا مع ذلك بنفس السمات مثل
الانفرادية والتشاؤم الأخلاقي والبرود في العلاقات مع الآخرين.
هناك شيء ما يحدث
وتحولات ما تجري على مستوى ذهنية هوليوود فيعد برادبت في فيلم
The Strange Case of Benjamin Buttou
وبعد عودة ميكي روركي في فيلمه الجديد
المصارع، ها إن شيئا ما يشبه
الاستنزاف والتشاؤم يخيم على الصناعة السينمائية الأمريكية في ظل الأزمة
الاقتصادية
الطاحنة التي طالت كل شيء تقريبا في الولايات المتحدة الأمريكية.
خلف قناع الشدة
الذي يلبسه والتي كوالسكي في فيلم
Gran Torino
تطفو طبيعته اللينة فلا يتردد مثلا
في إنقاذ ابن الجيران من عصابة كانت تريد أن تفتك به.
نرى كيف أن كلنت ايستوود
يريد أن يذهب إلى النهاية فهو كعادته لا يرضى بأنصاف الحلول،
فهو شخصية تجسد لوحدها
صورة الولايات المتحدة الأمريكية القديمة التي آمنت بالقوة والعمل والقيم
الأسرية.
الولايات المتحدة الأمريكية هي أيضا العصابات الإجرامية التي تزحف على
كل مدينة وكل حي وضاحية في خضم الأحداث السياسية القاتمة قد لا ننتبه إلى
بعض
الأحداث التي تعكس تحولات في الثقافة.
إن الفيلم الجديد لكلنت ايستوود قد يكون
أحد هذه المؤشرات، فهو رمز لأمريكا القديمة، فكلنت ايستوود صنع
شهرته أساسا من خلال
سلسلة الأفلام التي ظل خلالها يطلق النار على كل مشتبه فيه ويرديه قتيلا.
أما
وقد تجاوز الثمانين من عمره، فقد أحدث منعرجا هاما في مسيرته السينمائية
الحافلة
وأخرج سلسلة من الأفلام الجميلة ولعب في بعضها دور البطولة وكأنه يريد أن
يعتذر عن
قذارة أفلام الكاوبوي التي ظل يقدمها على مدى عقود من الزمن،
أي منذ بداية مسيرته
السينمائية الطويلة. إنه يروج الآن صورة أخرى مغايرة للولايات المتحدة
الأمريكية.
نعم ان "هاري القذر" تحول إلى شخص محب
للسلام.
لقد رسخ كلنت ايستوود في ذهن
الأمريكيين وبقية عشاق الفن السينما في العالم منذ الخمسينيات
وذلك منذ ظهوره أول
مرة في المسلسل التلفزيوني Rawhide
قبل أن يلفت النظر إليه من خلال سلسلة من أفلام
الكاوبوي وهو ينتمي إلى جيل من العمالقة من أمثال جون واين وتشارل برونسون.
بلغ
كلنت ايستوود أوج شهرته عندما لعب دور "كاوبوي المدن" من خلال تقمص شخصية
هاري
القذر.
أخبار الخليج
البحرينية في
06/03/2009 |