* بالأمس كانوا ينقلون مطالب غيرهم من فئات الشعب المصري. واليوم
أصبحوا معهم في سلة واحدة.. أتحدث عن العاملين بالتليفزيون المصري. علي
القناتين الأولي والثانية. والذين أصبحوا هم أنفسهم خبراً بالصوت والصورة
في قنوات أخري يوم الأحد الماضي. الموافق أول مارس. اليوم الذي بدأت فيه
رسمياً عملية تطوير التليفزيون المصري فيما يخص البرامج والبرمجة.
ومن البداية. فإننا جميعاً نطالب بالتطوير. وبأن يعود تليفزيون مصر
إلي تألقه القديم ويصبح في مقدمة الشاشات العربية والدولية كيفاً قبل الكم.
لكن هذا يجب ألا يحدث علي جثث بعض من أبنائه. هؤلاء العشرات من الرجال
والنساء الذين اعتصموا أمام مبني ماسبيرو العملاق لأكثر من أربع ساعات صباح
الأحد. ورفعوا لافتات استغاثة للرئيس مبارك يطالبون فيها برفع الظلم عنهم
بعد إلغاء برامجهم وإسناد البرامج الجديدة في خطة التطوير لآخرين من خارج
مبني التليفزيون. بالإضافة لمطالبتهم بإقالة من وصفوهم بالقيادات الفاسدة
والمنتفعين من التطوير وشعارات أخري لا لزوم لسردها. صحيح أن الوزير حل
أزمة البعض. ولكن هذا لا يمنع من الاعتراف بأن الإعلام التليفزيوني الآن في
لحظة فارقة من عمره بعد نصف قرن من بدايته عام 1960. يقوده الوزير أنس
الفقي المليء بالطموح إلي التغيير والبحث عن شاشة أفضل. كما أن رئيسة
التليفزيون الآن سوزان حسن هي واحدة من أكثر القيادات مقدرة علي التواصل مع
العاملين به. لكن. لأسباب لا أعرفها. تبدو الصورة هنا وكأن ضرورات سرعة
التغيير والحاجة إليه تعارضت مع أساسيات مهمة في التعامل مع أبناء الجهاز
المعتصمين وأولها أنهم لم يوضعوا في إطار خطة لإعادة التدريب والتطوير
وتفادي الشكاوي من أدائهم. يتم بعدها الفرز والاختيار من خلال لجان متخصصة
من خبراء إعلاميين من خارج المبني. وما أكثرهم في مصر. ليست لهم روابط
وحسابات مع أحد بداخل التليفزيون. أما الأمر الثاني فهو إعادة تكييف وتوفيق
أوضاعهم بشكل لائق محترم بجهاز في حجم تليفزيون الدولة المحسوب عليها.. وفي
الحقيقة فإن طعم التطوير لابد وأن يفسد مع الإحساس بالظلم لدي هؤلاء في
مجتمع أصبح مفتوحاً علي بعضه البعض. كل شيء يطفو علي السطح فيه مهما كان
الجهد في إخفائه أو تأجيله.. ولأنني مشاهدة قديمة للتليفزيون المصري. فإن
لدي ملاحظات أساسية في هذا الذي يحدث..
û أولاً: إن هذا الاعتصام ليس عيباً أو
عاراً في جبين التليفزيون المصري فقد سبقته اعتصامات وإضرابات عديدة في
تليفزيون لبنان. وفي التليفزيون الفرنسي في العام الماضي. والتليفزيون
الإيطالي. وهو ما يعني أن الاعتصام والإضراب السلميين هما سبيلان مهمان
لإيصال صوت المظلومين إلي غيرهم..
û ثانياً: إن أبناء التليفزيون الذين
اعتصموا ليس لديهم بديل لأنهم منعوا من تأسيس نقابة لهم تدافع عن حقوقهم
ومصالحهم كالإعلاميين منذ سنوات طويلة. وهناك مسودة قانون قديمة للإذاعيين.
وأخري للإعلاميين رفضها وزير الإعلام منذ عشرين عاماً. وبالتالي كان
الاختيار الوحيد المطروح أمامهم هو الانضمام لنقابة السينمائيين التي أصبحت
تتحمل ثقلاً مضاعفاً وغير منطقي في الدفاع عن حقوق العاملين في السينما
والتليفزيون والإذاعة.. وهو وضع شاذ يحتاج لتعديله لأن لكل فئة مشاغلها
الخاصة بها.
û ثالثاً: إن الوزير أنس الفقي أعلن في
نهاية عام 2007 عن مشروع لإعادة هيكلة الإعلام الإذاعي والتليفزيوني. لكن
المشروع توقف والحديث عنه انتهي وكأنه لم يكن. ولو كان قد تم وتغير الهيكل
التنظيمي لاتحاد الإذاعة والتليفزيون واللائحة التي تنتمي للسبعينيات من
القرن الماضي لكانت الأمور قد أصبحت أكثر وضوحاً فيما يخص العاملين
بالتليفزيون سواء فيما لهم من حقوق أو ما عليهم من واجبات.
û رابعاً: إن مسألة إلغاء برامج وتشريد
أصحابها وإضافة برامج جديدة يعمل بها آخرون من خارج التليفزيون تعني مزيداً
من صب البنزين علي النار طالما لم تحسم أوضاع أصحاب البرامج القديمة بأسلوب
يتميز بالعدالة والشفافية. وأبسط دليل علي هذا القائمة التي نشرتها مجلة "روز
اليوسف" منذ أسبوعين وفيها خلط الحابل بالنابل فيما يخص مقدمات البرامج
تحديداً. حيث تم استبعاد بعض من أفضل مقدمات البرامج مثل هبة رشوان وأمنية
مكرم وإيقاف برامجهن. والحديث عن إدخالهن في فريق تقديم جماعي بعد هذه
الخبرة والتألق.. فكيف تم التقييم إذن؟.. وكيف لمقدمة برامج أن تقدم قضايا
مهمة في إطار مناقشة قوية ضمن "برنامج المرأة" وتقدم برنامجاً للموسيقي
العربية أن يتم إيقافها أو إلحاقها ببرنامج مع مجموعة غيرها.. أليس هذا
إهداراً للخبرات والوقت والنقود التي أنفقها الجهاز نفسه من خلالها.. وكذلك
ما أنفقته هي علي تطوير نفسها كإعلامية محترفة؟.. وهل من الممكن الاطمئنان
لبقية الاختيارات لمن تم إيقافهم من المعدين والمخرجين والمصورين من خلال
هذا النموذج؟!..
û خامساً: كذلك البرامج التي تم إيقافها.
والتي تكون خليطاً عجيباً من كافة النوعيات والمستويات. لكن أبرز ما فيها
هو إيقاف برامج الثقافة في تليفزيون لا يزال تابعاً للدولة. وهو شيء مؤسف
وعجيب. فكيف يلغي السادة المسئولون برامج "نادي السينما" و"فن الباليه"
و"كنوز مسرحية" وقبلها "الموسيقي العربية" و"عروض الأوبرا" وقبل هذا
"الأمسية الثقافية".. لقد كانت هذه البرامج محاصرة بميزانيات تافهة وظروف
صعبة لا تسمح لها بتطوير نفسها وأوقات غير ثابتة تجعل متابعتها نوعاً من
العذاب للجمهور. ومع ذلك صمد أصحابها وقاوموا لإدراكهم أن لها قيمة ورسالة.
ولأن هناك جمهوراً لابد من احترامه واحترام حقوقه الثقافية في تليفزيون لا
يملكه القطاع الخاص. ومع ذلك أوقف "التطوير" هذه البرامج كلها لتصبح
السينما بدون "نادي" أو مناقشة. وليختفي صوت الموسيقي العربية ومنشدوها
وبرامجها. وليذهب الأدباء والشعراء ومحبو الفنون الرفيعة إلي الجحيم. أما
عشاق المسرح فتكفيهم مسرحية الجمعة الكوميدية.. فلماذا يختفي التنوع
الثقافي المصري بسبب التطوير؟!..
û سادساً: أنه من الإنصاف أن ننتظر قليلاً
حتي نري النتائج. لكن كيف لا نندهش ونغضب من المؤشرات العديدة علي اتجاه
ذلك التطوير. وكيف يسعد الذين أوقفت برامجهم واستبعدوا.. ولماذا لا يعلن
السادة المسئولون عن رؤيتهم لهذا التطوير فكرياً وليس فيما يخص الشكل
فقط؟!..
magdamaurice1@yahoo.com
الجمهورية المصرية في
05/03/2009 |