كلينت ايستوود ليس مجرد ممثل متميز فحسب، وإنما يعد مرجعاً فنياً في عالم
السينما، لهذا لم يكتف بالتمثيل وتحول إلى الابداع في مجال الاخراج، ورغم
أنه على مشارف الثمانين من العمر، أقدم بنجاح لافت على إخراج فيلمه
الثلاثين بعنوان “جران تورينو” الذي حقق إيرادات كبيرة مؤخراً، وبهذه
المناسبة، التقته مجلة “لوفيغارو” الفرنسية، في الحوار التالي:
·
هل ترددت قبل خوض مغامرة جديدة
أمام الكاميرا في “جران تورنيو” الذي أخرجته أيضاً؟
لا، والسبب أن “والت كووالسكي” شخصية مجنونة، أقصد غريبة وخارجة عن
المألوف، كما أنها في سني، هذه العناصر مجتمعة يسرت لي نظرياً لعب هذا
الدور المرح.
·
هل كنت تقصد استفزاز الجمهور
بهذه الشخصية البطلة التي تبدو ثقيلة الظل من دون اختزالها في ضرب من
العنصرية؟
انطلقت من المبدأ القائم على ضرورة تجنب إنجاز فيلم سياسي تقليدي، مهما
كلفني الأمر، وبمثل هذا الموضوع، لم يكن ثمة ما يبرر عدم الاندفاع إلى
النهاية، ولكن بشرط عدم الوقوع في الفخ المقابل الذي كان يمكن أن يتمثل في
تصوير “كووالسكي” على أنه متعصب للعدالة، يسعى إلى تصفية حساباته مع جميع
من حوله. ما يهمني هو العمل مع أبطال قادرين على التطور والتغير، مهما كان
المسلك الذي يسيرون فيه. وكانت وجهة “كووالسكي” التسامح، فهو ينتمي إلى
قدماء المحاربين الذين قاتلوا في كوريا، وفقد زوجته فجأة، وعليه أن يواجه
وحيداً هذا المصير المأساوي، وأضناه الندم على أنه لم يعرف ولم يقدر ولم
يشأ أبداً، أن يكون مقرباً من أبنائه، كما أنه لم يتمكن من التعرف إلى
محيطه الذي اجتاحه المهاجرون، وذلك بعد أن عمل في مستودعات “فورد” خمسين
عاماً، لذلك وجد نفسه عنصرياً، يتذمر من كل من حوله. وها هو يرتبط بأحد
الجيران الشبان من “الهمونج” الذي كان يحاول أن يسرق سيارته ال”جران تورينو
1972”. وكنت أجهل هذه المجموعة العرقية إلى أن قرأت السيناريو، وحتى يبدو
العمل أصيلاً، حرصت على أن يكون أغلب الممثلين الصامتين من ال”همونج”.
·
هل توجد علاقة بين شخصيتك
و”المفتش هاري”؟
لا، ف”هاري” كان ينتمي إلى عصر آخر. والحرمان الذي كان يعيشه، ناتج عن
البيروقراطية والفساد السياسي الذي كان سائداً في مدينته، لذا كان هدفه
استئصال المسؤولين عن الجرائم العنيفة، و”كووالسكي” كان مختلفاً، إذ أراه
قريباً من الرقيب هاي واي في فيلم “سيد الحرب”.. إنه من أولئك الرجال
المنسيين، لكنه أيضاً من المثاليين الذين يجدون ولو بشيء من التأخير سبيل
الفداء، وفي ذلك إنقاذ لحياتهم ومصدر لإضفاء المعنى عليها.
·
باختصار، هل يمكن القول إن والت
كووالسكي هو أنت؟
كل شخصية نتقمصها، تحتوي بالضرورة على بعض من ملامحنا، وصادفت في حياتي
نماذج كثيرة مثل كووالسكي.
·
هل من السهل أن نوجه أنفسنا؟
بدأت منذ 39 سنة بفيلم “رعشة في الليل” وفي ذلك الوقت كنت أكثر توتراً
وحذراً، ومع مرور الوقت، تعلمت التركيز أكثر على المشاعر، أصبحت أعرف وأشعر
بأن الأداء كان جيداً أم رديئاً، كنا نبلور فكرة ما على الورق، لكن الأمور
عادة ما كانت تتغير على منصة التصوير وبشكل غير منتظر في كثير من الأحيان.
·
صورت 9 أفلام في 10 سنوات، وهذا
إنجاز باهر، كيف تحقق؟
إنها المصادفة لا شيء من ذلك كان مخططاً له، فقط عثرت على مواضيع أصيلة
ومتنوعة، أعجبتني للوهلة الأولى، بعضها حقق نجاحاً والآخر فشل، لا أشغل
نفسي بما يروج في “هوليوود” فلم تتملكني أبداً الرغبة في أفلام ذات أحداث
خاصة تتوافق مع ميول وأذواق المراهقين، إن أفلامي موجهة لجمهور راشد.
·
هل سيكون فيلم “جران تورينو” آخر
أعمالك كممثل؟
إنكم تشكون في أن الأدوار الجيدة لممثلين من سني نادرة، ورغم انني لا
أنزعج من الاكتفاء بالبقاء خلف الكاميرا مستقبلاً، يجب ألا نعتقد أبداً في
المستحيل.
·
هل ندمت على إنجاز بعض الأفلام
خلال مسيرتك؟
لست من الذين يندمون على عمل قدموه، فهذا الأمر لا يتوافق مع طريقتي في
التفكير، ربما توجد أفلام أتعامل معها اليوم بطريقة مختلفة، وبالتحديد التي
أخرجتها في الثمانينات من القرن الماضي، والسبب ببساطة أنني لم أجعل
موضوعاتها عميقة بما فيه الكفاية.
·
أين أنت من مشروع فيلمك في
أمريكا اللاتينية؟
إنني مشغول حالياً بالبحث عن ممثلين لفيلم “العامل الإنساني” وسر النجاح
يتمثل في عدم القيام بخطأ في هذه المرحلة الحاسمة من الاعداد، حتى لا نتأخر
كثيراً. القصة تدور حول دراما سياسية تحدث بعد سنة من انتخاب نيلسون
مانديلا رئيساً لجنوب إفريقيا ونهاية الفصل العنصري، وتتمثل نقطة الحسم في
الفيلم، في المباراة الشهيرة بين فريقي “سبرينجبوكس” و”أول بلاكس” في نهائي
كأس العالم للرجبي سنة 1995.
أريد أن أبين كيف نجح مانديلا في توظيف هذا الحدث لتوحيد بلده وشعبه. ربما
يكون من السابق لأوانه الحكم على مدى نجاح تجسيد هذه الفكرة سينمائياً،
لكنني سأبذل كل جهدي لتحقيق هذا النجاح.
·
هل تقابلت مع نيلسون مانديلا؟
لا، ليس بعد. سأستمتع بمقابلته في حينه.
·
ما رأيك في وصول باراك أوباما
إلى البيت الأبيض؟
إنه يمثل بلا أدنى شك أملاً كبيراً، أرجو أن يتمكن من تحقيق التحولات
والتطورات التي ننتظرها منه بطريقة شرعية، فمع الأسف لاحظنا في السابق أن
أفضل السياسيين وأكثرهم تشبثاً بالنوايا الطيبة وجدوا أنفسهم أحياناً في فخ
تشعبات الإدارة الأمريكية في واشنطن.
·
هل صحيح انك من عشاق المؤلفات
الطبية وأن كتابك المفضل هو “دائرة المراجع العلاجية”؟
نعم، هذا صحيح، كما أنني مشترك منذ فترة طويلة في مجلتين أسبوعيتين
متخصصتين، هما “نشرة الجمعية الأمريكية الطبية” و”نشرة إنجلترا الجديدة
للأدوية” إنني أحب الاطلاع باستمرار على ما يحدث من جديد في هذا المجال
ومقارنة تحاليل الاكتشافات الجديدة.
·
ماذا تنتظر من المستقبل؟
طول العمر والتوفيق الدائم، وأن أكون قادراً على شراء الموز الأخضر من دون
قلق من عدم رؤيته ينضج، وأن أكون قادراً على إنجاز ما بدأته من أعمال لأنني
لا أشعر بعد بالاستعداد للتقاعد. فإذا ما أحسست بالعجز عن التعلم أو توسيع
آفاقي بطريقة ما، فستكون تلك النهاية. إن الخطر الكبير في مرحلة ما من
العمر، فقدان الطموح، والثبات واللجوء إلى الماضي ورفض الحاضر، إنني محظوظ
بوجود زوجة رائعة إلى جانبي، فأنا محاط بعائلتي أتمتع بصحة جيدة، إنني حقاً
لا أشكو من أي شيء.
الخليج الإماراتية في
02/03/2009 |