يصلح عنوان فيلم رون هاورد «فورست ــ نيكسون» الذي يعرض حالياً في
دور العرض المحلية لإجراء عملية تعديل طفيفة تجعله «فورست ــ نيكسون»،
وليكون ليس
ناتج عملية الضرب هذه ما هو المهم، بقدر ما يحيلنا الأمر على تحويل لقاء
تلفزيوني
إلى ما يشبه منازلة ملاكمة حيث الضرب على أشده، واللكمات التي ستكون كلامية
لن تقود
إلا إلى تسديد ضربة قاضية تؤدي لخروج خاسر ورابح من المقابلة
التلفزيونية/المنازلة
في محاكاة لعنوان الفيلم. لكن ليس في ذلك ما يختزل الفيلم أبداً، ولا من
أجل ذلك
كنا أمام حوار حفرت كلماته حفراً، وأداء مدهش حقاً قدمه فرانك لانغيلا (رشح
لأوسكار
أفضل ممثل في دور رئيس عن هذا الأداء)، وهو يجسد شخصية الرئيس الأميركي
الراحل
ريتشارد نيكسون.. في الأمر دعوة لإسقاطات تاريخية، ربما! الأمر متروك
للمشاهد،
خصوصاً أننا أمام قضية أميركية تكرر تصويرها سينمائياً عشرات المرات، كي لا
نقول
مئات المرات في تتبع لمرورها العابر في الأفلام، ألا وهي قضية «ووتر غيت»
أو ما صار
يعرف بلاحقة «غيت» في ما بعد، إذ إن أية فضيحة أو صفقة يخرج بها الإعلام
الأميركي
إلى الملأ تصبح «غيت» وهكذا.
إن إيراد اسم الرئيس نيكسون سينمائياً سيحيلنا
مباشرة على فيلم أوليفر ستون «نيكسون»،
والتساؤل ما الذي بقي لرون هاورد (صاحب
«شيفرة دافنشي» و«عقل جميل») أن يقدمه من حياة هذا الرجل،
ولتأتي الإجابة بالحال
بأن هناك الكثير، كما سنرى في هذا الفيلم
الذي يقارب حياته بعد استقالته الشهيرة،
وصراعه مع شعور المتقاعد، وحصار الوحدة والفراغ والحزن المضروب حول حياته،
من دون
التوقف عن حبه الشديد للمال، ورغبته في الحصول على أكبر قدر منه بما يضمن
له مواصلة
الرفاهية والفخامة التي يحيط نفسه بهما.
لكن وصولنا إلى حياة نيكسون
المتقاعد، ستكون من خلال ديفيد فورست (مايكل شين) مقدم البرامج الانجليزي
الشهير
والذي تتمحور اهتماماته حول عالم الفن والأزياء وغيرها، لكن مشاهدته خطاب
نيكسون
يحوله بين ليلة وضحاها إلى الهوس بهذا الرجل مع سعيه العجيب لإجراء لقاء
معه، يحقق
من خلاله خبطة إعلامية يتردد صداها في جميع أنحاء العالم، ويكتشف من خلالها
حقيقة
ما حصل في «ووتر غيت» أو ينتزع منه اعترافاً بذنب ما اقترفه من خرق للدستور
وخيانة
لمواطنيه الذين انتخبوه.
كل ما في فيلم «فورست/نيكسون» محكم وخاص، ويتبع في
جزء منه محاكاة الفيلم الوثائقي، من خلال
شهادات طاقم العمل الذي كان مع فورست،
إضافة لأحد مستشاري نيكسون، وهم الممثلون
أنفسهم الذين نراهم طوال الفيلم، وإضافة
لذلك فإن كل الأحداث وتواترها يأتي في سياق سيناريو محكم كتبه بيتر مورغان
بكل
حرفيته العالية، فعلى سبيل المثال لا تأتي موافقة نيكسون على اللقاء
التلفزيوني إلا
بعد اتباع مستشاره أسلوباً يتمثل بالاتصال عند الفجر بفورست، تأييداً
لاعتقاده
الراسخ بأنه إن أجاب وأبدى حماسه رغم ايقاظه المزعج من النوم سيتضح لديه
مدى جديته
وحرصه على هذا اللقاء، ولكم أن تقيسوا على ذلك، بمعنى أن كل جملة أو
انعطافة ترد في
الفيلم تمضي في سياق خاص وموظف، وعندما يبدأ الحوار التلفزيوني، نكون بداية
أمام
منازلة لا تعرف الرحمة، لا يتوقف نيكسون فيها عن تسديد لكماته المحنكة
والمفوهة
التي يبدد فيها كل ما يطمح فورست إلى تحقيقه أو انتزاعه منه، ولتنقلب
الأمور في
الحلقة الأخيرة، ويحصل فورست على اعترافات تصدر عنه للمرة الأولى، تكون في
البداية
من خلال محاصرته بمعلومات موثقة، ومن ثم تصبح نابعة من رغبة نيكسون نفسه
لخوض غمار
اعترافه بأخطائه ومواصلة ذلك حتى النهاية.
الفيلم صالح للاستعادة جملة
بجملة، هناك براعة خارقة في صياغتها، في تسليطها الضوء على
جوانب نفسية غامضة، ولعل
الحديث الهاتفي الذي يجري بين نيكسون
وفورست يكون ذروة درامية في الحوار، وجرداً
نفسياً واجتماعياً لنوازع الرئيس الأميركي العميقة.
عودة إلى الاسقاطات، كون
الفيلم في النهاية يتحول من منازلة إلى محاكمة علنية لأفعال الرئيس،
المحاكمة التي
لم يتعرض لها قضائيا وقد كانت غالبية الشعب الأميركي تدعو لها كما يصور ذلك
الفيلم،
محاكمة تشمل آلاف القتلى الذين سقطوا في فيتنام وكمبوديا، وجنوح نيكسون
للحرب
والقوة المفرطة، وليكون الإسقاط المشروع آتياً مباشرة من فترة ولاية جورج
بوش
الابن، شاهدوا الفيلم وسترون أن التاريخ يعيد نفسه، وأن ما قام به فورست
على شاشة
التلفزيون، يتوق لتحقيقه مئات الإعلاميين حول العالم لكن مع بوش كونه لم
يحاكم
أيضاً.
الإمارات اليوم في
02/03/2009 |