«لن أحمل سلاحاً، لا أملك سلاحاً ولا أريد أن أملك سلاحاً... سلاحي
الذي أدافع به هو ألا أترك أرضي»، تلك هي كلمات أبو صقر ذلك العجوز البسيط
الذي يعيش في قرية الحديدية بمنطقة أغوار الأردن الواقعة تحت الاحتلال
الإسرائيلي. وهي أيضا مفتتح الفيلم الوثائقي القصير «صمود» الذي كتبه
وأخرجه الناشط المصري - الألماني فيليب رزق. يتناول الفيلم قصص الصمود
والمقاومة السلمية للفلسطينيين البسطاء الذين يعيشون في القرى الواقعة تحت
الاحتلال والتي أصبحت - مع التوسع في النشاط الاستيطاني الإسرائيلي- تقع
على الحدود مع تلك المستوطنات وبعيدة تماماً من الكتل السكانية الفلسطينية
سواء في غزة أو الضفة الغربية .
يظهر فيليب في الفيلم محاوراً للشخصيات، وفي الوقت نفسه يتولى مهمة
التعليق على ما يقال، سواء بالشرح أو بإضافة معلومات توثيقية حول تاريخ
المكان أو العائلة التي يتحدث معها، إضافة إلى استعانته بمقاطع مصورة من
قبل للحوادث التي يرد ذكرها على لسان الأفراد، والتي قال إنه قد حصل عليها
من مصور فلسطيني يعمل لدى وكالة رامتان. ويحكي رزق في بداية الفيلم الأسباب
التي دفعته لإنجاز هذا العمل حيث تعود القصة إلى عام 2005 حين قرر الذهاب
إلى الأراضي المحتلة لاستكشاف الوضع، وفهم القضية من قرب حيث تعاون مع إحدى
المنظمات الدولية من طريق تدريس اللغة الإنكليزية والموسيقى للأطفال
الفلسطينيين كما عمل في غزة - التي امتدت إقامته بها لسنتين - كمراسل لإحدى
القنوات الأجنبية. وهو لاحظ طيلة فترة وجوده أن العنف وحده هو الذي يصنع
الأخبار، وأن وسائل الإعلام سواء العربية أو العالمية تهتم فقط بحوادث
الانفجارات والقتل والاشتباكات المسلحة حتى ترسخ في ذهن الجميع أن هذه فقط
ديناميكيات المقاومة الفلسطينية، في حين أن قصص المقاومة والصمود الحقيقي
هي للعائلات والأفراد الذين يعيشون على الأطراف في ظل ظروف حياة بالغة
القسوة ويعانون شتى أشكال العنصرية والقهر من دون أسباب منطقية أو ذنب يذكر
.
بدأ فيليب رزق تصوير الفيلم في حزيران (يونيو) 2005 بعد أن عكف على
جمع قصص مختلفة لعائلات فلسطينية تعيش في قرى تقع تحت سلطة الاحتلال
الإسرائيلي وتحديداً في المنطقة «C»
بعد أن سلمتها لهم السلطة الفلسطينية بناء على ما جاء في اتفاق أوسلو،
ورغبة في تحقيق السلام الذي لم يتحقق بالطبع بل ساءت في ما بعد أحوال هذه
العائلات، حيث دمر الجيش الإسرائيلي منازلهم، وأصبح هؤلاء يعيشون في خيم أو
منازل بسيطة خوفاً من تهديد الاحتلال الذي لا يسمح لهم بالبناء أو التنقل
أو حتى ذهاب الأطفال إلى المدارس وبالتالي يتعرضون وأطفالهم للموت بسبب عدم
وجود مياه كافية للشرب أو الزراعة التي تعتبر مصدر رزقهم الأساسي والتي قضت
سلطات الاحتلال عليها تدريجاً من طريق التجريف وقطع أشجار العنب والزيتون
والليمون. والأمر وصل إلى أكثر من ذلك مثلما حدث مع «عائلة صلاح» التي تعيش
في قرية بيت حانون الواقعة على الحدود مع إسرائيل حيث ألقى جيش الاحتلال
قذائف على بيوتهم وهم داخلها وكذلك حظائر الحيوانات التي تساعدهم في الحياة
ما أدى إلى القضاء عليها، ثم هجمت الدبابات على أراضيهم لتجريفها وانتهت
بهم الحال إلى وفاة الأب نتيجة الصدمة واعتقال الأبناء والأحفاد وأصرّت
الأم/ الجدة على البقاء وحيدة في المنزل في انتظار المجهول.
ومن أقوى قصص المقاومة التي يقدمها أيضاً فيلم «صمود» ملامح الحياة
التي تنقلها لنا الكاميرا من قرية غوين وهي آخر المجتمعات الفلسطينية في
أقصى جنوب الضفة الغربية، والتي يعيش أهلها على مدار أجيال في كهوف بدائية
بعد أن دمرت إسرائيل القرية بكاملها عام 1948 ويقول أهلها أنهم تعرضوا في
الماضي لهجمات قضت على كل سبل الحياة في القرية ما اضطر كثراً من العائلات
إلى الرحيل، بينما أصرت عائلات أخرى على البقاء واحتمال حياة الكهوف تمسكاً
بأراضيهم وتحدياً لقوة الاحتلال الغاشمة، مؤكدين أنهم لن ييأسوا أبداً
وبالطبع لا يوجد لديهم ما يسد متطلبات الحياة الأساسية بخاصة الماء، حيث
يعتمدون على مياه الأمطار لأن الجيش الإسرائيلي يحظر عليهم حفر الآبار بحجة
أنها منطقة أمنية في حين تتمتع المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على بعد
أمتار منهم بكل الامتيازات والخدمات التي تسهل حياتهم .
وضمن اللقطات (الفلاش باك) شديدة الأهمية التي يضمها الفيلم، نرى
هجوماً من مستوطنين يهود على سيدة فلسطينية وزوجها أثناء عملهما في الحقل
إذ انهالوا عليهما بالضرب وأصابوا السيدة بإصابات بالغة بخاصة في وجهها،
وذلك من دون أدنى سبب وتعلق هذه السيدة ضمن ما قصته عن الحادث قائلة: «أين
هو السلام الذي يتحدثون عنه إنهم يفعلون ذلك رغبة في تهديد أمن الفلاحين
الفلسطينيين، وإجبارهم على ترك أراضيهم، لكنني لن أترك أرضي التي ولدت فيها
وسأموت فيها».
الحياة اللندنية في
20/02/2009 |