يمضي الناقد اللبناني إبراهيم العريس في كتابه «السينما
التاريخ والعالم» الصادر عن (سلسلة الفن السابع- وزارة الثقافة السورية)
خلف
السينما التاريخية، بوصفها «مجموعة شرائط تعيد إلى الشاشة
أحداثاً وقعت في الماضي
القريب أو البعيد» كتمهيد أولي يضعنا مباشرة أمام الأساليب التي قاربت بها
السينما
أحداثاً بعينها، معتبراً أن التاريخ كما حملته الشاشة الكبيرة كان إما
جمالياً أو
براغماتياً أو نقدياً وفي إضاءات متعددة للاختلافات بين نمط
وآخر.
بعد ما
يؤسس العريس لنقاط الاشتباك بين التاريخ والسينما، مؤكدا أن علاقتهما
«معركة غير
متكافئة بين الحاضر والماضي»، يمضي نحو «السينما بين الحرب والإرهاب» لتكون
بدايته
مع بواعث «سينما الكوارث» التي جاءت دائما في النهاية بصيغة مطمئنة، حيث
المرأة
الشريرة تكون أول الضحايا، بينما الضحايا دون أسماء أو وجوه، على اعتبارها
سينما
دينية في المقام الأول، وصولاً إلى فيلم «كينغ كونغ»، حيث لدينا الطائرات
والبرج
والسينما، في إحالة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، على
اعتبار هذا الحدث خارجاً
من رحم السينما الهوليوودية، فكينغ كونغ استخدم الطائرات التي جاءت لتدمره
ليدمر
بها، متخذاً من «امباير ستيت» رمزاً لكل ما تمثله نيويورك في حينها، كبرجي
التجارة
العالميين، فكل ما حدث في 11 سبتمبر محسوب بدقة لا ليقلد
السينما، بل ليفيد مما
لديها، «فالسينما قالت منذ زمن بعيد (منذ كينغ كونغ مثلاً) إن النقطة
الأضعف هي
النقطة الأعلى في المدينة، النقطة الأعلى هي الرمز، رمز القوة والحضارة
ورمز
الغطرسة المدينية التي طالما كرهها أهل السهوب».
وعلى شيء من توالدية الكتاب
تأتي سينما الحرب، حيث يمضي العريس خلف أهم الأفلام الحربية في
تاريخ السينما،
وليتناولها أيضاً على الصعيد العربي تحت فصل معنون «من نكبة فلسطين إلى
حروب
الخليج» والذي حمل عدا استعراضه لأفلام تناولت الحروب العربية
(فلسطين، العدوان
الثلاثي، اليمن.....)، بحثاً في إمكانية ما يكون عليه فيلم عن الغزو
الأميركي
للعراق، مقترحاً موضوعاً يعتبره الأوفر حظاً يمزج بين عملين شهيرين هما
فيلم «دكتور
سترانجلاف» لستانلي كوبريك والثاني أدبي هو «خريف البطريرك»
رواية ماركيز «طالما أن
الأول يتحدث بسخرية مرعبة عن مجنون حرب في واشنطن لن يهدأ له بال حتى يدمر
العالم،
والثاني يتحدث عن ديكتاتور عجوز دموي يجلس قابعاً في قصره كالجرذ
المطارد».
يخلص العريس إلى أن الأفلام العربية في الغالب حولت الحرب إلى
موضوع الفيلم الرئيس، دون إتاحة المجال لأي نقد ذاتي أو حتى لتصوير العدو
بملامح
إنسانية، عدا استثناءات قليلة مع التونسي رضا الباهي والأخضر
حامينا، وبالتأكيد
مارون بغدادي، كون العريس يعتبر أن تناول الحرب اللبنانية سينمائياً نجا
مما وقعت
فيه السينما العربية الأخرى، لأن «اليقين لم يكن وارداً فيها، إنها حرب
عبثية بدت
في معظم لحظاتها من دون مبرر ومن دون نهاية».
يشرّح كتاب «السينما التاريخ
والعالم» ظاهرة مايكل مور بكل ما تعنيه هذا الكلمة وحجم الدجل
الذي تحتكم إليه،
ويستفيض في تحليل سينما أوليفر ستون، ويضيء «هامشيون غيروا مفاهيم الفن
السابع»
محولاً الهوامش التي خلقها البرازيلي
غلاوبر روشا والتركي يلماز غوناي وغيرهما إلى
متن يحتكم إلى حقيقة السينما ونوازعها الثورية. كما يحمل
الفيلم قراءات في 10 أفلام
هزت العالم وأربعة تيارات سينمائية، وكل ذلك في سرد له من المتعة الكثير
أولاً
والتي تترافق بدورها مع امتزاج التاريخ والواقع مع السينما، مكثفاً حسب
تقديم
الشاعر والناقد السوري بندر عبدالحميد للكتاب «أكثر من ثلاثة
كتب في كتاب مفصلي
يحمل المعلومة المقارنة والتحليل والمتعة والرأي المنفتح على كل وجوه
الثقافات
الإنسانية».
الإمارات اليوم في
16/02/2009 |