ستة أيام من التفاني والعمل المتواصل، ستة مشاهد من الاحترافية
والحرص على راحة ضيوف الواحة الحمراء، ستة فصول من الإبداع والتألق
السنيمائي داخل خيمة تاغيت الساحرة، هي لحظات عاشتها « المسار العربي »
رفقة كوكبة من عشاق الصوت والصورة تحت مظلة الفن السابع، أجواء تخللها نشوة
الفرح بهذا العرس السنيمائي الضخم بالرغم من برودة الطقس بتاغيت التي
أدفأتها صدق المشاعر والوفاء خدمة لهذا الفن النبيل، ويأتي الفراق على أمل
اللقاء في أرض لؤلؤة الصحراء الجزائرية مع بداية الشوق لكل من خدم الحدث
وساهم في صناعة الصورة السنيمائية الحضارية للجزائر المشرقة الفخورة دوما
بأبنائها والمتطلعة بهم وإليهم نحو المشروع الثقافي الكبير.
« شويخ » تؤكد استمرارية التاغيت الذهبي للفيلم القصير
أكدت المديرة الفنية لمهرجان التاغيت الذهبي للفيلم القصير « ياسمين
شويخ »على استمرارية هذه التظاهرة السنيمائية لتفعيل المشهد السنيمائي
الجزائري مع إعطاء الفرصة للمخرجين الشباب لإظهار مواهبهم وما يكتنزون من
أفكار، وكشفت ياسمين في مؤتمر صحفي بالمركز الثقافي لبلدية تاغيت عن ابقاء
موقع التاغيت الذهبي مفتوحا أمام المخرجين الشباب للتعرف على أعمال بعضهم
البعض وكل المستجدات السنيمائية، كما عبرت المخرجة الشابة عن فرحتها
للنتائج المسجلة في الطبعة الثانية لهذه التظاهرة الثانية التي جاءت بحلة
دولية، حيث لمت شمل عشاق الفن السابع الجزائريين والعرب والأجانب لتبادل
الخبرات في جو احترافي لقي تجاوبا كبيرا من لدن ضيوف الواحة الحمراء التي
تغنت على مدار ستة أيام من النشاطات السنيمائية بفرحتها بهذا العرس السنوي
الذي شهد ميلاده رئيس مؤسسة الفنك الذهبي السيد حمراوي حبيب شوقي.
« يحياوي » و« داوود » بين الاطار والصورة
عرفت الطبعة الثانية لمهرجان التاغيت الذهبي للفيلم القصير في صبغته
الدولية تنظيم عدة ورشات أدارها نخبة من الفاعلين في الحقل السنيمائي، من
بينها ورشة « الصورة » التي أدراها « علال يحياوي» المختصّ في الصورة
السينمائية، والذي قال إن العديد من مخرجي اليوم لا يملكون نظرة سينمائية
في كتابة السيناريو التي تأتي في الكثير من الأحيان أدبية أكثر منها
سينمائية، مضيفا أنّه خلال تعامله مع العديد من المخرجين أدرك عدم
امتلاكهم لأيّ تصوّر سينماتوغرافي ولا يكوّنون أيّة فكرة مسبقة للشكل الذي
يريدون أن يكون عليه عملهم، عكس الجيل الأوّل من المخرجين الذين كانوا
يفكّرون في كلّ زوايا العمل بما فيها الصورة والموسيقى والممثلين، ذلك أن
الكاميرا وحدها لا تصنع فيلما جيدا لأنّ الفيلم عمل متكامل، ولا يمكن لمدير
تصوير أن يقدّم عملا جيّدا إذا كان المخرج نفسه لا يعرف ما يريده.
كما أكد علال يحياوي الذي احترف في تقنية التصوير لسنوات طويلة اثر
اشتغاله مع كبار السنيما الجزائرية الذين صنعوا مجدها، من طراز فاروق بن
لوفة ،مرزاق علواش، محمد شويخ وإبراهيم تساكي، أنّ المخرجين الجزائريين
اليوم يستسهلون العمل السينمائي ويسعون إلى انجاز أعمال دون أن يكون لديهم
تصوّر شامل لما يريدونه فعلا، أن مخرجي اليوم يحملون مدير التصوير مسؤوليات
ليست من اختصاصه، وفي ذات السياق، أشار مدير التصوير إلى مدة التحضيرات
لانجاز فيلم سنيمائي التي كانت تستغرق فيما مضىى أكثر من ثلاثة أشهر، في
حين يكتفي مخرج اليوم بعشرة أيام فقط لاتمام مشروعه، وفي المقابل اكد أنه
ليس ضد هؤلاء المخرجين الشباب الحالمين بمستقبل سنيمائي واعد، إلا أنه
يدعوهم إلى الاحترافية والتعامل بكل حب وصدق حتى يعود بريق السنيما
الجزائرية إلى عهده.
ومن جهته، تحدث المخرج المغربي داود ولد السيد في الورشة التي نشطها
تحت عنوان « الاطار في السنيما » عن أهمية الاطار في العمل السنيمائي ومدى
تأثيره في الصورة السنيمائية، كما عرج داوود إلى تجربته الشخصية كمخرج
سينمائي فيما يخص الايطار ودوره الفني والنفسي والتقني من خلال مختلف
الأفلام القصيرة والطويلة التي أنجزها، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة
التي طرحت عليه من طرف المشاركين والمهتمين بالفن السابع، وتطرق داود اولاد
السيد إلى العديد من المعطيات حول رؤيته لعمل المخرج وكيف يكون التحضير
لتصوير الأفلام ومن الذي يتحكم في طرح مواضيعها، مستعرضا خلال كل هذا أهم
المحطات والتجارب التي أثرت في تجربته السينمائية كمخرج.
« أحمد فايق » يستحضر روح « جو » قيصر السنيما العربية
كانت روح عملاق السنيما العربية الراحل »يوسف شاهين« تحوم حول خيمة
مهرجان تاغيت الذهبي للفيلم القصير، حينما استحضر الناقد السنيمائي المصري
الشاب »أحمد فايق« أهم المحطات الفنية لهذا العملاق الفذ عقب عرض الفيلم
القصير »القاهرة منورة بأهلها« الذي أثار جدلا كبيرا عند عرضه بمصر سنة
1991، بسبب إبرازه لمختلف التناقضات الموجودة داخل المجتمع المصري وتناوله
بداية ظهور التيار الأصولي.
وفي سياق متصل، أكد « أحمد فايق » أنّ تعامل شاهين مع الأفلام القصيرة
الأربعة التي أنتجها على امتداد مسيرته الفنية كان تحت الطلب.
ليستعرض مختلف المراحل التي عرفتها المسيرة الفنية لصاحب »المصير«
بداية بالواقعية، فالتمرّد على الواقع وصولا إلى الذاتية، ليشير إلى أنّ
أعمال شاهين الأخيرة لم تكن في مستوى اسمه وتاريخه الفني، لاسيما بعد فيلمه
« المهاجر» الذي قوبل بعنف، مرجعا ذلك الفتور إلى كبر سنه وتدهور حاله
الصحية، كما تحدث »فايق« عن صمود »جو« واصراره على الظفر بجائزة في مهرجان
كان الدولي ليكون له ذلك بعد أكثر من 40 سنة عن مجمل أعماله الفنية، وقد
لقيت الندوة التي نشطها الناقد السنيمائي الشاب « أحمد فايق » اهتماما
كبيرا من لدن الحضور من المختصين والمهتمين بالفن السابع وحتى من شباب
المنطقة، نظرا لتنوعها وثرائها من خلال التنقل عبر محطات شاهين الفنية.
كما عرف هذا العرس السنيمائي عرض 26 فيلما في إطار المسابقة الرسمية
للتاغيت الذهبي من مختلف الدول العربية والأوروبية، إضافة إلى عروض وطنية
متنوعة من خلال برنامج بانوراما من بينها: »أسرة مباركة« لزعموم عمر، »خمس
خطوات للحب« جنيدي أمال، »في حدود الواقع« لعماري آيت عباس و»كلمات« لخالد
شهاب.
جنود الخفاء في خدمة الثقافة والابداع
ضيوف المهرجان وجدوا في الاستقبال شباب يحسن أداء أدواره، بل أن
طبيعته الطيبة الخدومة لم تكن لتبرز في مقام الابتسامة التي طبعت الوجوه
يوميا، شباب وشابات من لؤلؤة صحرائنا الشاسعة، لهم من التحايا كل العبق ومن
المحبة على صنيع الخاطر الطيب وصورة البشاري الشهم والرجل المتحضر في تلبية
النداء والأداء المحفوف بضغط العمل لصناعة فصول الحدث.
طاقم التاغيت الذهبي حرص طوال أيام هذه التظاهرة السنيمائية على توفير
كل شروط الراحة لاسعاد ضيوف تاغيت، التي تزينت بعشاق الفن السابع، « منى »
، « رابحة »، « نبيلة »، « محمد »، « غانو »، « مهدي »، وغيرهم، هم جنود
الخفاء الذين لم يغمض لهم جفن إلا حينما يطمئنون نهائيا من نوم العائلة
الكبيرة، يتفقدون يوميا دون ملل ولا كلل ولا شكوى جدول أعمال العائلة
متحدين في ذلك موجات النوم والضغط، دون أن ننسى المديرة الفنية للمهرجان «
ياسيمن شويخ » التي كانت كالنحلة تتنقل بين الفندق والخيمة فلم تبرح مكانها
إلا عندما تتأكد بنفسها من السير الحسن لنشاطات المهرجان، فكانت كالأم
الحنون وهي تتفقد سلامة أبنائها.
هكذا أسدل التاغيت الذهبي الدولي للفيلم القصير ستاره في لقاء جديد
وفي طبعة ثالثة تعد بالكثير من المفاجآت بين أحضان كثبان تاغيت الذهبية.
المسار الجزائرية في
16/02/2009
فتح الجرح على العشرية الدموية
الإرهاب، العنوسة والعنف يلتقون في «مال وطني»
بقلم: سهام بورسوتي
عرض مؤخرا بقاعة الموقار في إطار
العدد الجديد من نادي السنيما المنظم من طرف الديوان الوطني للثقافة
والإعلام الفيلم الروائي الطويل »مال وطني« للمخرجة « فاطمة بلحاج » الذي
أثار قضية جد حرجة عاشتها الجزائر في خضم المأساة الوطنية التي هدرت دماء
الأبرياء وفجرت أرض المليون ونصف المليون شهيد طوال عشرية بقيت راسخة في
أذهان الجزائريين، الذين يرون تلك الأحداث المأسوية التي عايشوها بحسرة
وألم.
على امتداد 90 دقيقة من الزمن
أماطت »بلحاج« اللثام عن الواقع المر الذي تخبطت فيه العائلات الجزائرية
سنوات التسعينات، من خلال أسرة جزائرية متواضعة تعيش بإحدى الشوارع الشعبية
بالجزائر العاصمة، متكونة من الأم « باتول» الأرملة المجاهدة تصارع مشقة
الحياة من أجل إعالة عائلتها، بناتها الخمس وأختها « تماني» و« حسيسن»
المختل عقليا، هي حياة روتينية تعيشها هاته النسوة بين أسوار المنزل، يحضرن
خبز البيت، (المطلوع، الاسفنج والبغرير) من طلوع الفجر إلى غروب الشمس،
والأم « الباتول» تهوم يوميا في الأسواق تتنطط من محل إلى آخر حتى تبيع ما
تحمله في قفتها التي أثقلت كهلها، وما زاد من معاناتها بناتها اللائي دخلن
مرحلة المراهقة وبدأن يشعرن بالممل والفراغ العاطفي ونقص الدفء العائلي
نتيجة غياب الأب، وهي الفجوة التي لم تتمكن الباتول من ردمها بالرغم من
شجاعتها وحنكتها في التعامل مع عائلتها والاستجابة لحاجيات بناتها بالرغم
من كل الأوضاع المزرية التي كن يعشنها ، ومواجهة البؤس بفضل تجارتها
المتواضعة ، وغير المصرح بها ، ومرت الأحداث على أحسن ما يرام ، إلى أن
تقرر ابنتها الصغيرة المتحررة الخروج من البيت الذي كانت تعتبره بالسجن وان
تعيش حياتها بعيدا عن أسرتها التي تكتم أنفاسها وتقيد حريتها، تنهار الأم
المسكينة من حسرتها على تربيتها التي ذهبت هباءا ينثر، وتقول لابنتها انها
لو خرجت من عتبة البيت لن تعود إليه أبدا، فإما ان تختار البقاء في البيت
وتتقاسم مع أخواتها الحلو والمر أو أن تذهب إلى الشارع ولن تعود منه أبدا،
وبجرأة وتعنت شديدين تقرر الفتاة مغادرة البيت والتوجه إلى عتمة الشارع
للعيش رفقة صديقها المجهول الشخصية، تنهار الباتول في صمت شديد خشية أن
تظهر لبناتها ما يدور في خاطرها وما يحمله قلبها من ألم ومضض، إلى أن جاء
يوم اغتيال شرطي أمام مرأى عينيها ، حيث صدمت الباتول بما رأت وعادت من
جديد لتنغلق على أسرتها من جديد وتغرق في البؤس والشقاء معهم.
تناول المخرجة لموضوع الفيلم كان
محكم، غير أن الكاميرا لم تكاد تخرج من بيت الباتول إلا نادرا ولعه ما يبعث
الملل والكلل في نفسية المتفرج، كما برع الممثل الموهوب « صالح أقروت » في
تقمص شخصية « حسيسن»المختل عقليا بحركاته وطريقة تلفظه للكلام وتعابير
وجهه، فبخفة دمه كان يبعث الحياة مجددا إلى ذلك البيت الذي تملكه الحزن
والأسى، إلا أنه كان شديد الحيلة، ينتهز الفرص فكان يطلب من بنات الباتول
أن يحضروا له « البغرير» وهي الأكلة المفضلة لديه، وينبئهم باقتراب موعد
زواجهم خاصة وأن شبح العنوسة يخيم على منزلهم، وكانت هي النقطة الحساسة بين
الأخوات، غير أن حركات « حسيسن» كانت تظهر في بعض الأحيان على أنها مصطنعة
عندما يبدأ في الغناء رفقة البنات حيث يغني بطريقة جيدة ولا تظهر الإعاقة
على ملامح وجهه.
للاشارة، فإن أدوار الفيلم أدتها
كوكبة من الممثلين تتقدمهم الممثلة القديرة شافية بوذراع ،في دور الباتول ،
وصالح أوقروت في دور حسيسن وآمال حيمر في دور علجية، فيما أسندت مهمة إنتاج
الفيلم إلى مؤسسة لونا فيزيون.
المسار الجزائرية في
15/02/2009
تنطلق فعالياته شهر ماي المقبل
«إيروان» و«البيت الأصفر» في مهرجان «إسني ن ورغ» بأغادير
بقلم: سهام بورسوتي
لا تزال السينما الجزائرية
تستقطب اهتمام النقاد السينمائيين الجزائريين والعرب وحتى الأجانب من خلال
الأعمال السنوية التي ينتجها مجموعة من محترفي الفن السابع بالرغم من قلتها
مقارنة والدول الأخرى، إلا أن ذلك لم يمنع محافظ مهرجان «إسني ن ورغ» أو
«التاج الذهبي» للفيلم الأمازيغي بمدينة أغادير بالمملكة المغربية، السيد
«رشيد بوقسيم» من اقحام السينما الجزائرية للمشاركة في المسابقة الرسمية
لهذا العرس الفني السنوي، وكشف «بوكسيم» في تصريح خصّ به المسار العربي أن
لجنة المهرجان وقع اختيارها على فيلم «البيت الأصفر» للمخرج الجزائري
المغترب «عمر حكار»، و«إيروان» لابراهيم تساقي، شهر ماي المقبل.
تدور أحداث فيلم «ايروان» بمعنى
«كان يا ما كان» الناطق باللهجة التارقية «تماهق» في أعماق الصحراء
الجزائرية وبالضبط منطقة جانت ليرفع الغطاء لأول مرة على قضايا متعدّدة،
هامة وخطيرة في آن واحد، وذلك في قالب شعري يكاد يكون همسا تسيطر عليه مسحة
الصمت التي تترك السيادة للصورة، من خلال البطل «الترقي» «أمياس» الذي
يشتغل في الإرشاد السياحي جمعته علاقة حب جارفة ومحرمة مع شقيقته في
الرضاعة مينة )ياسمين المصري(، وهروبا من هذا الحب المحرم يلتحق أمياس
بـكلوديا «الممثلة الفرنسية مود ماير» الفتاة الأوربية التي أغرمت به بعد
أن جمعتهما الصحراء حيث يشتغل والدها كمنقب عن الماء، ويسافر معها إلى
أوربا بحثا عن مستقبل باهت في عالم الفن الموسيقى·
وخلف هذه القصة التي تبدو
روتينية يوجه المخرج كاميراته باحتشام ليتناول قضايا أخطر عندما يكشف لنا
عن الصفقات المشبوهة التي يعقدها والد كلوديا والتي تسمح لرجال الشمال
بتحويل الجنوب إلى مفرغة لرمي المواد السامة· القضية يكشفها يوسف الأصم
والأبكم شقيق >مينة< عندما يذهب إلى الجبل الملعون بحثا عن زهرة الصحراء
أمام رفض أخته الخائفة من لعنة الجبل، وهناك يجد صهاريج المواد السامة
ملقاة لتلوّث محيط الصحراء الجميلة، عند عودته يخبر يوسف شقيقته وصاحب
الحانة بما رآه، لكن هيهات، لأنّ الموت تدقّ بابه في اليوم الموالي في ظروف
غامضة، ويكتشف المشاهد بعد ذلك خطورة ما رآه يوسف عندما يموت >أمياس< بعد
شربه من ماء الجبل الملعون·
الفيلم يتناول إشكالية تخلي رجل
الجنوب عن أصوله من أجل مستقبل مجهول وكذا صراع الحضارات بين الشمال
والجنوب ولعلّ لهذا الغرض تعمّد المخرج عدم تحديد البلد ليكون الجنوب
الصحراء الكبرى أو الدول الإفريقية بشكل عام والشمال الدول الغربية·
وقد حصل فيلم >إيروان< على جائزة
أفضل صورة في المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران· أما >البيت الأصفر<
لعمر حكار الناطق باللهجة الشاوية، فتدور وقائعه في مرتفعات منطقة الأوراس
وفي مناخ قروي معتم، نتعرف على أسرة المزارع مولود، الذي تاب بعد فجيعة
فقدان نجله البكر، خلال أدائه الخدمة العسكرية وهو على متن دراجته
الناريةّ، وفي خضم هذه اللحظة المأساوية التي تدمي براءة الطفلة آية >21
سنة < وتصيب الأم فاطمة في مقتل، ما يسقط العائلة في مطب مزمن، يزيده هما
معاناة مولود وعائلته من مشكلات معيشية فادحة، في الكهرباء التي يحرمون
منها، ويقودنا المخرج عبر خط الفعل المتصل، ليتخذ من استحضار العائلة
المكلومة تسجيل كشف تضحيات نجلها الراحل لأجل وطنه، منعرجا يغير مسار
الأحداث، إذ بداعي الفخر وتثمين رسالية فقيدهم، ينبري مولود وفاطمة بمعية
بنتهما آية لحرث قطعة أرض قاحلة، فيستعيدوا السكان المحليين بسماتهم، ما
يشيع جوا من الحبور والديناميكية في بلدتهم على نحو ينهي محنة مزمنة تحيل
على ما كابدته الجزائر في تاريخها الحديث، ويحرص صاحب العمل على الدعوة
لأفق مشرق يستلهم شعاعه من العذابات·
المسار الجزائرية في
14/02/2009
»المخدوعون«... عجين مر فوق مزبلة التاريخ
الجزائر: سهام بورسوتي
وضع نادي السنيما بقاعة الموقار اليد على الجرح بعرض فيلم »المخدوعون«
للمخرج المصري القدير »توفيق صالح« المعروف بتطرقه للمواضيع الحساسة
والجوهرية والقومية وابتعاده عن كل ما هو استهلاكي وترفيهي بحت من خلال
مناقشته هموم الإنسان العربي الإجتماعية والقومية والوطنية وتشريح المشكلات
الحياتية المعاصرة بكافة جوانبها.
عبر 120 دقيقة أحيا »توفيق صالح« في عمله المأخوذ عن رواية »رجال تحت
الشمس« للكاتب الفلسطيني »غسان كنفاني« مواجع وألام الشعب الفلسطيني الأعزل
تحت تأثيرات نكبة فلسطين سنة 1948، عن حكاية ثلاثة فلسطينيين يحاولون
الهروب من أوضاعهم البائسة للبحث عن فرصة عمل في الكويت، الثلاثة ينتمون
إلى أجيال
متباينة الأول، »بوفيس« من جبل نكبة الطرد فى الأربعين من
عمره، والثانى »أسعد« من
الجيل التالى، طرد من الرملة، وهو يمارس الهرب للمرة الثانية، بعد أن هرب
من
الأردن، أما »مروان« فهو فتى هربت به أسرته من فلسطين وهو طفل، يرفض
الثلاثة التعامل مع المهرب المحترف الذي يصر على أخذ خمسة عشر دينارا مقدما
من كل فرد؛ لأنهم يعرفون أن الدليل يمكن أن يتركهم في منتصف الطريق ويهرب،
مثلما فعل مع الذين سبقوهم، ويلتقون بالشخصية الرئيسية الرابعة »أبو
الخيزران«، وهو مهرب يعمل مع تاجر كويتي كبير اسمه »الحاج رضا«، وبعد تفاوض
كبير يقبل »أبو الخيزران« أن يهرب أسعد وبوفيس ومروان مقابل عشرة دنانير من
كل منهم بعد الوصول إلى الكويت (ويعقد اتفاقا سريا مع مروان على أن يأخذ
منه خمسة دنانير) في سيارة الحاج رضا التي لا تفتش لأن جميع رجال الحدود
يعرفونها ويعرفون الحاج رضا، وهم أصدقاء للسائق نفسه، لتنطلق رحلتهم على
أمل أن يصلوا إلى الكويت للنجاة بحثا عن حياة هنية، وكانت السيارة التي
انتقلوا على مثنها عبارة عن سيارة نقل مياه قديمة متهالكة وبها خزان ضخم
فارغ هو ما سيختفي فيه الثلاثة ليعبروا نقطتي الحدود العراقية والكويتية،
يتفق »أبو الخيزران« مع الهاربين الثلاثة أن يبقى اثنان فوق الخزان ويجلس
معه الثالث، وهكذا بالتبادل طوال الطريق في صحراء ترسل شمسها شواظًا من
لهيب قاتل، وقبل أن يصلوا إلى نقطة الحدود بخمسين مترًا يدخلون الخزان،
وعليه أن ينهى الإجراءات فيما لا يزيد على سبع دقائق ثم يسرع بالسيارة
ليخرجهم من الخزان بعد 50 مترًا من نقطة الحدود.
وتنجح الخطة في نقطة الحدود العراقية، يختبئون في الخزان، يكادون يختنقون،
لكن الأمر رغم الجهد يمر بسلام، وعند الاقتراب من نقطة الحدود الكويتية
يستعدون لأخذ ما يسميه »أبو الخيزران« بالحمام التركي، ويطلقون عليه جهنم،
لكن موظفا عابثا يعطل »أبو الخيزران« ويصر أن يحكي له السائق حكايته مع
الراقصة العراقية التي تحبه لدرجة العبادة، لتكون هذه الممازحة سببا في موت
الثلاثة اختناقا في خزان المياه لقلة الأوكسجين بسبب تأخر السائق عليهم،
فيما يلقى»أبو الخيزران«
بجثثهم على كوم الزبالة.
وقد جسد شخوص الفيلم كل من محمد خير حلواني وعبد الرحمن آل راشي وبسام لطفي
أسعد وثناء دبسي، وكلهم حاملين للجنسية السورية، ذلك أن »توفيق صالح« لم
يستعن بأي ممثل مصري لأنه لا يحب المماطلة والدلع الذي يعمل به الممثلون
المصريون، كما أن الفيلم قوبل بالرفض من طرف هيئة الرقابة المصرية التي
رفضت انتاجه أو تمريره، ولكن بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وبعد
أحداث سبتمبر الأسود غضب كثيرا وقام بتعديل السيناريو وعرضه على المؤسسة
السورية والتي وافقت على إنتاجه.
ما يجدر بالذكر، أن في رصيد المخرج المصري الكبير »توفيق صالح« ستة أفلام
روائية طويلة، حيث كانت الانطلاقة مع » درب المهابيل« في العام 1955 أظهر
توفيق صالح بأسلوب واقعي ومتألق الحارة المصرية الفقيرة التي يتنازع أهلها
على ورقة يانصيب، وبعدها »صراع الأبطال« في العام 1962 طرح توفيق صالح
موضوع مواجهة العلم للفقر والجهل، ليخرج سنة 1966 فيلمه الجريء »المتمردون«
الذي تطرق من خلاله إلى الثورة وإخفاقها، ليعالج بسخرية علاقة القانون
بالواقع عبر »يوميات نائب في الأرياف« في العام 1968، وفي سنة 1967 يطرح
توفيق صالح موضوع الصراع بين القديم والجديد من خلال عدسة »السيد البلطي«،
لتكون خاتمة أفلامه الروائية مع »المخدوعون» عام 1971 والذي اختير من بين
أهم مائة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية وحصل
على جائزة التانيت الذهبية في مهرجان «قرطاج» للأفلام العربية
والإفريقية.
المسار الجزائرية في
10/02/2009 |