(لقد صنعت
عملا فنيا.... وهذا هو ما أجيد عمله.... لقد أعلنت الحرب على المتطرفين
باستخدام الفن. لقد أعلنتها على من يحاولون زرع الفرقة بيننا).... تلك
كانت كلمات الفنان عادل امام عن فلمه (حسن ومرقص) والذي عبّر عن امنيته
قائلاً : (أتمنى أن يغادر المسلمون والمسيحيون السينما وهم يحضنون ويقبلون
بعضهم بعضاً). وهي كلمات تعبر(كما حاول الفلم) عن طموح كبير وامل متفانٍ
على محاربة تلك الظاهرة الخطيرة ودعوة صريحة للحب بين عامة الناس بغضّ
النظر عن الدين والطائفة والقومية .... ولكن هل حقق الفلم ضالتة من وجهة
نظر المشاهدين؟؟؟؟
الفلم عن
قصة وسيناريو وحوار الكاتب (يوسف معاطي) ومن إخراج (رامي امام )بعد اعتذار
مخرجين عن اخراجه هما (شريف عرفة) لاسباب غير معروفة و (وائل احسان)
لتعاقده مع شركة السبكي لاخراج فلم من انتاجها...... وقد تسنى لنا مشاهدته
بواسطة قرص
DVD
الفلم نبه
الى مشكلة الطائفية التي لايعترف بها ويتهرب منها الكثيرون و مِن طرحها
لحساسية موضوعتها والخوف من التأثير السلبي على المجتمع في حالة طرحها
والتعامل معها كواقع حال خصوصاً انها مشكلة مستمرة والحلول لها لم ترتق الى
هذه التسمية...... ثم جاء هذا الفلم ليطرحها بجرأة بالتسليم والاعتراف
بوجودها اولاً ثم بمحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها فلا يمكن حل مشكلةٍ ما
دون الاعتراف بوجودها بشجاعة وبهذه الصراحة..... وهي نقطة كبيرة تُحسب
لصالح الفلم الذي طرحها بشكل كوميدي ممتع ولا اعتقد ان هناك فلم سبقه في
طرح الموضوع بهذه الصراحة وكأنها صرخة مدوية لرجال الدين والسياسيين ولكل
الطوائف تقول لهم (اخرجوا رؤوسكم من الرمال وواجهوا الحقيقة ) .....
قصة الفلم
يطرح مؤلف
الفلم المشكلة من خلال شخصيتين رئيسيتين في الفلم وهما بولص (عادل امام )
وهو استاذ علم اللاهوت المسيحي ومحمود العطار(عمر الشريف) وهو رجل مسلم
ملتزم دينياً يواجه الاثنان مشكلة التطرف من قبل جماعات في داخل دينهما
وتحصل مواجهة بينهما وبين تلك المجاميع فيصرِّح بولص في اكثر من محفل عام
عن رفضه لهذه الجماعات المسيحية المتطرفة وافكارها مما يسبب في محاولتهم
لاغتياله بتفخيخ سيارته وينجو بعد ان يكتشف القنبلة بالوقت المناسب ...
اما محمود العطار فبعد مقتل اخيه اسامه (وهو امير مجموعة اسلامية متطرفة )
يتم اختياره من قبل تلك المجموعة لقيادتهم بالقوة والتهديد وبعد ان يرفض
العمل معهم يحاولون الضغط عليه بحرق محل العطارة الخاص به ...... ويطلب
بولص ومحمود كلٌ على حده من الحكومة التدخل لحمايتهما فتلجأ الحكومة الى
حلّ مؤقت بتخفي بولص بشخصية رجل دين مسلم اسمه الشيخ حسن العطار ويذهب
ليعيش في قرية لتحصل مفارقات طريفة لمصادفة ان يكون اسم هذا الشيخ معروفا
في تلك القرية فيستفتونه ويطلبون منه امامتهم في الصلاة ويتبركون به .....
فيغير مكان سكنه في عمارة يصدف ان يسكن بها محمود العطار الذي تخفى هو
الاخر بشخصية رجل مسيحي اسمه مرقص وهنا تنشأ بينهما صداقة دون ان يعلما
بالحقيقة لان كلاً منهما يظن ان الآخر من دينه وكذلك عائلتهما فتنشأ علاقة
حب بين جرجس (محمد امام) ابن مرقص وفاطمة ( شيرين عادل ) ابنة محمود
ويعملان معاً في مشروع مشترك ليعترف جرجيس لفاطمة بانه مسيحي ظناً منه انها
مسيحية وبانه لاتوجد مشكلة لأنهما من دين واحد فتخبره فاطمة بانها مسلمة
وهنا تظهر حقيقة دواخلهما برفض العائلتين لدين العائلة الاخرى ولتطفو مشكلة
الطائفية على السطح..... وتحصل قطيعة بين العائلتين بسبب التعصب الديني
الذي كانوا قد حاربوه في بداية الفلم لكن الحقيقة انه متأصل في دواخلهم
وهنا كان الاختبار الحقيقي لقناعاتهم بعد ان اصبحت على المحك .... ثم تحدث
اعمال شغب في المنطقة بين شباب الطائفتين لتتطور الى مواجهات عنيفة لتتضرر
العائلتان من ذلك العنف على حد سواء ليعتني محمود بعائلة بولص ولينقذ بولص
عائلة محمود من الحريق الذي اجتاج شقتهم في إشارة الى اللُحمة المتأصلة
بين العائلتين وان المحنة جمعتهما ولايمكن للدين ان يفرقهما وليكون الحب
هو السلطة الاولى التي تحكم الجميع والذي يشكل الحل لاي مشكلة تواجه البشر
ولتشكل العائلتان صفاً واحداً في مواجهة التطرف والعنف الذي بقي مستمراً في
مشهد اعتقد انه كان من اجمل مشاهد الفلم واكثرها تعبيراً ..... لكن يبقى
الحل قاصراً فالعنف بقي مستمرا رغم اصطفاف العائلتين في مواجهته مع ملاحظة
ان اعداد محدثي الشغب كبيرة جدا بينما وقفت العائلة المتكونة من 6 اشخاص في
مواجهتم مع العلم ان العائلتين لم تجتمعا الا بعد ان وصلت الامور الى درجة
المواجهة وهي رؤيا متشائمة للواقع المجتمعي ويعبر عن حالة اليأس التي وصل
اليها الشارع المصري واستشراء الروح الطائفية في مفاصل المجتمع ...
هناك عدة
ملاحظات تطرق اليها الفلم خلال مجريات الاحداث منها ازدواجية رجال الدين من
الطائفتين فهم يتحدثون فيما بينهم بطائفية واضحة وعن عدم احقية الطائفة
المقابلة بمطاليبها بينما تتغير لهجتهم ويدعون الى الوحدة الوطنية وضرورة
حصول الطائفة المقابلة على حقوقها عند اعتلائهم المنصة للكلام وقد علقت
لافتة كبيرة كتب عليها المؤتمر الواحد والخمسين للوحدة الوطنية وهي اشارة
الى انهم التقوا وتحدثوا خمسين مرة قبل هذا المؤتمر ولم تطلق غير الشعارات
التي تفتقر الى الحس الصادق لاستئصال المشكلة لانهم لم يحاربوها في دواخلهم
فبقيت الحلول سطحية وغير واقعية بل بقيت بلا حلول اصلاً الى الدرجة التي
تجعل الحكومة تلجأ الى حلول استسلامية فكل ما تستطيع عمله هو استبدال دين
العائلتين صورياً وتغيير سكنهم في الوقت الذي قد يُذعن فيه غيرهم الى
التهديدات ويكون مع المتطرفين إتقاء لشرهم فالحكومة هنا تترك المشكلة بلا
حل حقيقي .... وكما يُلاحظ ان الشخصيتين الرئيسيتين رفضتا العنف الطائفي
ودعمه لكنهما لم يحاربانه بشكل مباشر وانسحبا من المعركة لان القضية لم تكن
قضيتهما وايضا لوجود جذور لهذا التعصب الطائفي ظهر في النهاية بمقاطعتهما
لبعضهم ....هناك مشهد مهم وجميل جدا في الفلم وهو عندما لم يتمكن مرقص من
الوصول الى الكنيسة للصلاة بها خوفاً من انكشاف امره فدخل مجبراً الى
الجامع لكنه بعد فترة من التفكير العميق بدأ يدعو الله تعالى ويتلو صلواته
المعتادة بينما حصل نفس الامر لمحمود ليدعو الله في الكنيسة وهو ربط رائع
لعبادتهما رباً واحداً وان الكنائس والجوامع هي بيوت الله يعبد فيها
والدعوة والصلاة تُقبل سواء كان المكان كنيسة ام جامع والمهم هو الاخلاص في
العبادة وهي التفاتة رائعة من المؤلف .
المونتاج
كان رائعا وبلغ ذروته في دمج لقطة قريبة ليدي جرجيس وفاطمة وقد تماسكتا مع
لقطة لابويهما وقد جمعت يديهما الاصفاد بعد ان القت الشرطة القبض عليهما
بالخطأ وهي إشارة الى ان العائلتين يجمعهما قدر واحد سواء ارغبا بذلك ام
لا ففي اللقطة الاولى جمعهما الحب بينما الاصفاد في اللقطة الثانية ....
ربما يحسب
على الفلم تناوله للموضوع بكوميديا على الرغم من انها كانت ممتعة لكن
حساسية الموضوع وإستخدام رموز دينية فيه جعلت الاسلوب الكوميدي صعب التقبل
وربما هذا ما دعا (البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية) الذي جرت استشارته
قبل المباشرة بالفلم الى الاعتراض على ان تكون شخصية بولص قسيساً وتم
الاتفاق على ان يكون اُستاذاً في علم اللاهوت للتخلص من احتمالية النيل من
قداسة القس وايضا لان القس لايمكن ان يرتدي ملابس غير ملابسه الكهنوتية
وهذا امر يمس عقائد لايمكن التنازل عنها .
مخرج
الفلم رامي امام يتطور بسرعة ويثبت انه لايتعكز على اسم ابيه فهو يخط إسمه
بثقة وهذا فلمه السادس بعد (امير الظلام) و(غبي منه فيه)و (بوحة) و (دستة
اشرار) و(كلاشنكوف)... وهذا الفلم يقدمه الى الاحتراف بقوة....
التصوير
كان جميلا جدا بلقطات وزوايا معبرة ومصعِّدة للحدث وكذلك الموسيقى
التصويرية للموسقار ياسر عبد الرحمن
الفلم مهم
وجريء تبارت فيه قامتان شاهقتان في التمثيل والاداء هما عمر الشريف وعادل
امام وهما غنيان عن التعريف...بالاضافة الى الممثلين الاخرين عزت ابو عوف و
محمد امام ولبلبة وهناء الشوربجي وشيرين عادل وحسن مصطفى ويوسف داود
وغيرهم ......ويقول الكاتب يوسف المعاطي (كل يوم نسمع أن المسلمين
والمسيحيين في خلاف أبدي لكن أعتقد أن المشاهدين عندما يشاهدون هذا الفيلم
فإن شيئا ما داخلهم سيتغير). فهل تغير داخلهم حقاً؟..... على شعوب العالم
كلها ان تحب بعضها بعضاً وليكن التسامح هو قبلتهم التي يأمونها ولتكن كلمات
غاندي الذي حارب الطائفية والعنف الطائفي بصومه (الى درجة وصوله الى حافة
الموت) بمقولته الرائعة (العين بالعين يجعل العالم اعمى) .
أدب وفن
08/02/2009 |