في
الأسبوع الماضي تحدّثنا هنا عن السيناريوهات المقتبسة من أصول أخرى
(مسرحيات او كتب الخ...) ومرشحة لنيل جوائز “الأوسكار”، هذا الأسبوع موعدنا
مع تلك السيناريوهات المكتوبة خصيصاً للشاشة الكبيرة.
حتى
اللحظات الأخيرة قبل إعلان الترشيحات الجديدة للأوسكار الحادي والثمانين
الذي ستوزع جوائزه الأحد الثاني والعشرين من الشهر الجاري، كان هناك من
يعتقد أن المسابقة الخاصّة بالسيناريوهات المكتوبة خصيصاً لا يمكن الا أن
تحتوي على أفلام ذات خصائص كتابية مشهودة: القلّة التي اعتقدت مثلاً أن
لائحة الترشيحات الرسمية المؤلّفة من خمسة أفلام لن تحتوي على سيناريو فيلم
“أستراليا” الذي كتبه باز لورمان، وقلّة أيضاً هي التي ارتابت في أن فيلم
“تبديل”، لمخرجه كلينت ايستوود -صديق “الأوسكار” في السنوات العشر الأخيرة
او نحوها، ولكاتبه ج. مايكل ستزايجنسكي سيكون خارج القائمة. كذلك الحال
بالنسبة لفيلم “الفارس المظلم”. صحيح أنه “أكشن” خيالي، لكن هذا ليس له
علاقة بجودة السيناريو الذي انكب على كتابته المخرج كريستوفر نولان وشقيقه
جوناثان.
وكيف يمكن
أن تتغاضى الأكاديمية عن سيناريو “المصارع” بما فيه من شحنة دراماتيكية
وإنسانية كبيرة؟ لكن الأكاديمية تغاضت. كل واحد من هذه الأفلام تسلل الى
مسابقات أخرى لكن ليس من بينها مسابقة السيناريو المكتوب خصيصاً.
والسيناريوهات التي رشحت هي “النهر المتجمّد” كتابة كورتني هانت،
و”المحظوظة سعيدة” كتابة البريطاني مايك لي، و”في بورجيز” كتابة البريطاني
مارتن مكدوناف، و”ميلك” كتابة دستين لانس بلاك و”وول إ” كتابة كل من أندرو
ستانتون، وجيم ريردون وبيتر دوكتر.
ودخول
سيناريو لفيلم الأخير مفاجئ تماماً. إنه، كما قدّمناه في عدة مناسبات، فيلم
رسوم متحرّكة حول “الروبوت” الذي تُرك وحيداً في العالم يجمع القمامة
ويكبسها ويجمعها في أرتال كبيرة عند المدينة الكبيرة (نيويورك) وذلك من بعد
أن غادر أهل الأرض الى كوكب صناعي يعيشون داخله اعتقاداً أن التكنولوجيا
حلّت جميع مشكلاتهم السابقة وعوّضتهم عن أرض أصبحت ملوّثة.
وجه
المفاجأة بالنسبة لكثيرين، ووجه الاعتراض بالنسبة للبعض، هو أن الفيلم
لرسوم متحركة والسيناريو المكتوب لهذه النوعية قد لا يتجاوز تلك الحدود
الدرامية المعينة التي يستطيع الفيلم الحي استحواذها، لكن التمعّن قليلاً
في هذا الفيلم، من زاوية كتابته، لابد من أن يضعنا أمام سيناريو مكتوب
جيّداً بصرف النظر عن الوسيط الفني الذي ينتمي اليه الفيلم.
الحكاية
المرتبطة ب “روبوت” تتخلّص من كل ما سبق إنجازه من أفلام مستقبلية وخيال
علمي حيّة او كرتونية، ذلك بأن استخدام “الروبوت” هنا ليس توظيفاً
لتراجيديا حول “الروبوت” المسكين الذي ربما التقى بكلب لقيط وكلب أخلص
للآخر ولا هو رمز “الروبوت” الشرير او الذي يريد أن يصبح إنساناً ولا
يستطيع. إنه روبوت بمهمّة تركها له الإنسان الذي فر من الكوكب الأرضي
فراراً. رحلته الى الكوكب الصناعي الذي سكنه أهل الأرض هي التي تعيدهم الى
الكوكب المهجور بأمل إعادة بنائه وتنظيفه من مخلّفاتهم هم. ونرى في هذا
السيناريو الذكي كيف أن أهل الأرض مذنبون أكثر من مرّة. مرّة بسبب ما
خلّفوه فوق الأرض من تلوّث، ومرّة لأنهم هربوا من مسؤوليّتهم، ومرّة بسبب
الحياة الخالية من العاطفة والخالية من الهدف التي يعيشونها في منتجعهم
الخاوي من القضايا.
يجدر
القول إن مسابقة السيناريوهات المكتوبة خصيصاً، (بالمقارنة مع مسابقة أفضل
سيناريو مقتبس) خاوية من الأعمال البديعة فعلاً. نعم هناك سيناريو جيّد في
فيلم كورتني هانت “النهر المتجمّد”، لكن السيناريوهات المكتوبة لأفلام مايك
لي “المحظوظة سعيدة” ومارتن مكدوناف “في بيرجز” ودستين لانس بلاك “ميلك”
ليست أفضل ما كتب خلال العام. والحقيقة هي أن مسابقة أفضل سيناريو مكتوب
خصّيصاً، ومنذ سنوات قريبة، تعاني من ضعف معظم الأفلام المشتركة.
إنه ضعف
يأتي مواكباً لميل أعضاء الأكاديمية إلى ترشيح سيناريوهات لأفلام من خارج
المؤسسات الكبيرة. إنها نافذة الأفلام المستقلّة والصغيرة في “هوليوود” على
“الأوسكار” مثل “النهر المتجمّد” هذا العام و”مفقود في الترجمة” لصوفيا
كوبولا (كتابة وإخراجاً) في العام 2004 وغيرهما.
ما نلحظه
في هذه المسابقة هذا العام، وليس للمرّة الأولى إذاً، ليس فقط ضعف معظم
الأفلام المذكورة، وكلها نالت جوائز عن أعوامها، بل أيضاً حقيقة أن هذه
السيناريوهات المشتركة تحمل في طبيعتها اختلافات لا تحملها السيناريوهات
المقتبسة. ففي حين أن المسابقة الأخرى التي قدّمنا أفلامها في الأسبوع
الماضي تأتي متجانسة (ثلاثة منها عن روايات معروفة واثنان عن أصلين
مسرحيين) فإن السيناريوهات المكتوبة خصّيصاً تأتي واهنة الروابط ومؤلّفة من
حالات مختلفة.
مثلاً
“النهر المتجمّد” الدرامي هو رمز للسينما المستقلّة في هذه المسابقة، بينما
الكوميدي- الواقعي “المحظوظة سعيدة” يمثّل السينما البريطانية بينما يمثّل
“في بيرجز” البوليسي السينما الأوروبية (ليس لإنتاجه فقط، بل لأحداثه
أيضاً). “ميلك” من ناحية أخرى يمثل سينما تتوجّه للخاص (فحواه قصّة حياة
وموت هارفي ميلك) أول مسؤول حكومي شاذ. أما “وول إ” فكما تقدّم يمثل
السينما الكرتونية هذه السنة.
مما سبق
فإن الاستنتاج المنطقي هو أن “النهر المتجمّد” سيفوز بالجائزة في هذا
المجال التي فاز بمعظمها خلال السنوات الخمس الأخيرة فيلم مستقل الإنتاج
(وصغير الحجم) مثله. إنه قصّة امرأتين تواجهان متاعب الحياة على الحدود بين
كندا والولايات المتحدة (منطقة كوبيك). زوج إحداهما، وهي راي (ميليسيا ليو)
كان اختفى بما سرقه من مالهما القليل لأنه مقامر لا يستطيع التوقّف عن
اللعب وتركها شحيحة. الثانية هي ليلا (ميستي أبهام) من القبيلة الهندية
التي تعيش في تلك المنطقة وهي غير متزوّجة لكن كان لديها طفل خطفته منها
أمها. طريقا المرأتين يتقاطعان من خلال سيارة زوج الأولى التي وجدتها
الثانية واستغلّتها في تهريب البشر الطامحين لدخول الولايات المتحدة.
كلتاهما تجد في هذه العملية الخطرة مجالاً لتحقيق المال الذي يبدو صعب
التحقيق من دون الخروج عن القانون.
فيلم مايك
لي “المحظوظة سعيدة” يختلف. إنه سيناريو اجتماعي جيّد لكنه أخف وطأة من
سيناريو هانت. بطلته امرأة أيضاً هي سالي هوكنز التي تعيش حياتها البسيطة
سعيدة إذ لا تسمح لأي شيء أن يغيّر من منهجها هذا. ذات يوم يسرق مجهول
دراجتها الهوائية فتقرر تعلّم القيادة والشخص الذي يعلّمها يصدف أنه معقّد
نفسياً. رجل تستحوذ عليه أفكار مسبقة. يجهد في تطبيق حياة مؤلّفة من شروط
وتعاليم وقواعد لا يطبّقها فقط على نفسه ولدرجة الألم، بل يريد تطبيقها على
المرأة ذات الروح المستقلّة والمنطلقة والسعيدة. وهي تنتصر.
أفلام
القمّة
الأعمال
الجادّة تسود
هذا
الأسبوع مال الجمهور العالمي صوب فيلم توم كروز “فالكيري” للأسبوع الثاني
على التوالي مسجّلاً في الأسواق العالمية حتى الآن أكثر من 120 مليون
دولار، من بينها أقل من 81 مليوناً في الولايات المتحدة ذاتها.
أفضل منه
في النتائج الدولية فيلم “غسق” الذي يقدّم مصاصي دماء شبّان يجذب بهم
الجمهور المناسب سنّاً له. هذا الفيلم حقق في بلد إنتاجه (الولايات
المتحدة) 187 مليون دولار، علماً بأن كلفته لم تصل لنصف ما تكلّفه فيلم توم
كروز.
أمريكياً،
مال الميزان هذا الأسبوع لحساب فيلم بوليسي عنوانه “مخطوفة”. دراما تشويقية
على الطراز القديم حول جاسوس سابق (ليام نيسون) تختطف ابنته التي كانت في
زيارة صديقة لها في باريس. مقصده من تلك اللحظة وصاعداً اكتشاف الخاطفين
وقتلهم واحداً وراء الآخر ومعه كل الجيل المتوسّط من المشاهدين الذين عادة
ما يؤيدون فعل الرجل إذا ما قرر الدفاع عن شرفه.
فيلم جديد
آخر وجد طريقه للعروض هذا الأسبوع هو “جديدة في البلدة” والجديدة هي رينيه
زلويغر التي تؤدي شخصية امرأة تعيش في المدينة وتعمل في مؤسسة وعينها على
الترقية. حين يُطلب منها التوجّه الى بلدة صغيرة لكي تساعد فرع الشركة
هناك، فإن السبب الوحيد لمواقفتها طمعها في ضمان الترقية- رغم ذلك تصل
مضطرة وتستطيع- بعد ثلث ساعة من بدء الفيلم- مشاهدة النهاية تتراءى أمام
العين المجرّدة. فبطلة الفيلم ستنتقل من الممانعة الى التجاوب وستغيّر
رأيها بالريف، كما فعل قبلها يحيى الفخراني في فيلم “خرج ولم يعد”،
وسيساعدها على ذلك التقاؤها بالرجل المناسب.
الفيلم
الجديد الثالث هو “غير المدعوّة”، عمل آخر من بطولة امرأة (اميلي براوننغ)
لكن في ضوء مختلف. هنا نراها غادرت مصحّة نفسية دخلتها بعد موت والدتها.
حين تعود الى بيت والديها تجد أن المرأة التي كانت تعني بها (اليزابث
بانكس) استولت عليه وتغوي والدها للزواج منها. ما يزيد المسألة تعقيداً أن
روح أمها تعود الى الابنة طالبة منها مواجهة الممرضة لأنها شريرة.
بالنسبة
لمجمل الإيرادات فإن المتربّع على القمّة هو الفيلم الجاد “القضية المثيرة
للفضول لبنجامين باتون” الذي سجّل الى الآن (وفي أمريكا وحدها) 117 مليون
دولار، يليه الفيلم الجاد أيضاً “غران تورينو” الذي وصلت إيراداته الى 111
مليوناً. “بنجامين باتون” ستبدأ عروضه في صالات الإمارات بدءاً من الخميس
المقبل.
أوراق
ناقد
مهرجان
برلين
* انطلق مهرجان برلين السينمائي في دورته التاسعة والخمسين،
وكما هي عادته، سيعرض أفلاماً من كل أنحاء العالم باستثناء الوطن العربي
وإفريقيا السوداء.ويقف المرء محتاراً بعض الشيء حيال هذا الوضع: لماذا
الوطن العربي؟ نعلم أن الدول الإفريقية تمر دائماً بمخاضات من حروب أهلية
ومن فقر وبطالة وأن الواقع العلمي- الاجتماعي لبعض دولها وصل الى قمّته
بإنتاج أفلام خلال الخمسين سنة الماضية.
نعلم أنه
لو كانت هناك سوق مشتركة لأنتجت أفلام أكثر. لكن ماذا عن الوطن العربي؟ لم
هو مُقعد مشلول ومهزوم في هذا المجال؟
الى اليوم
هناك من يعتقد أن الرد على السينما التجارية هو الإتيان بسينما فنية
والجواب على السينما الهزيلة والإنتاجات الكبيرة الخاوية من الفحوى المهم،
هو السينما المستقلّة. كلام جميل، كلام معقول، وحسب الأغنية الشهيرة “ما
قدرش أقول حاجة عنو”، باستثناء أنه كلام خطأ أيضاً.
هناك فراغ
كبير في العملية السينمائية ولا يهم أي سينما عربية هي التي نتحدّث عنها
مصرية او سورية او لبنانية او خليجية. هذا الفراغ ناتج عن عدم وجود سوق
نشطة للإنتاجات السينمائية. التلفزيون بقنواته الفضائية قضى على نسبة كبيرة
من الإقبال. الإنترنت وأدوات اللهو والتواصل الأخرى قضت بدورها على نسبة لا
بأس بها، ثم حل في الأرض منتجون لا هم لهم سوى إطلاق الأفلام الرديئة قصداً
فقضوا على النسبة الباقية.
كل هذا
والسوق العربية مقفلة في وجه أفلام دولها. حتى الأفلام المصرية لا تشهد ذات
الإقبال الذي كانت تشهده قبلاً. لا “أبي فوق الشجرة” ولا “أم العروس” ولا
“الناصر صلاح الدين” او “قصر الشوق”. لا طوابير ولا نجوم لكل الفصول ولا
إنتاجات متعوباً عليها ومخرجين يبذلون الجهد لتنفيذ الفيلم جيّداً بكل ما
أوتوا من قدرة وموهبة.
إنما بيت
القصيد هو: من دون هذه السوق لا توجد حتى سينما تجارية. كيف إذاً يمكن أن
توجد سينما مستقلة او بديلة او متفننة او... سمّها ما شئت؟
بالتالي،
إذا لم تكن المعطيات والأسباب متوفّرة بأي أفلام سنقصد المهرجانات الكبيرة.
“الأوسكار” هو بيت للسينمائيين الأمريكيين في شتى الميادين
باستثناء النقد، كيف سيكون هناك أوسكار عربي من دون هذا البيت؟
الأوسكار
هو جائزة أنشأتها أكاديمية أسست على ركائز فنية وعلمية، أين هي الأكاديمية
العربية المشابهة (او حتى غير المشابهة)؟
ثم
“الأوسكار” لا ينتخبه النقاد، كيف سينتخب النقاد (ونصفهم ليس ناقداً
فعلياً) هذه الجوائز؟ من الذي سيرى كل الأفلام العربية؟ كيف ستتاح له هذه
المهمّة؟
طبعاً
يسعد المرء أن يرى أن التفكير موجود والحوافز جاهزة، لكن الغاية ذات سقف
أعلى بكثير مما هو مُتاح.
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الألمان سعداء ب “الدولي”
يعتبر عدد
من النقاد الألمان أن اختيار الفيلم الألماني “الدولي” كفيلم افتتاح
لمهرجان برلين، كان اختياراً صائباً من حيث إنه ألماني (والمهرجان ألماني)
وناطق بالإنجليزية (وهي لغة جاذبة للجميع) وبطليه الرئيسيين (ناوومي واتس
وكلايف أوون) أمريكية وبريطاني ثم إن الأحداث عالمية وتدور في الزمن الراهن
ومشاكل غسل الأموال حيث المتهم الرئيسي (والشرير الأول) هو المصارف
الدولية.
الافتتاح
كان حاشداً كما هو متوقّع ولو أن النقاد انقسموا حيال الفيلم بين من أعجب
به بلا اكتراث لنوعيته، ومن وجدوه تقليداً أمريكياً غير صالح لمهرجان اعتاد
على عرض الأعمال الفنية.
الخليج الإماراتية
08/02/2009 |