يتيح
Traitor
لمشاهديه مقاربته بوصفه فيلم «أكشن» قادماً من باب «الإرهاب» وتحديداً
الإسلامي. لكنّ «الأكشن» سرعان ما يمتزج بأبعاد سياسية ومقولات تضعنا أمام
شريط يعرف تماماً ما يود قوله. أولى تلك المقولات ستكون الاعتراف بأنّ
الحقيقة معقّدة ومتعددة، ما سنجده أيضاً في بنية الشخصية الرئيسة أي سمير
(دون تشيدل). إذ إنّ طفولته التي يطالعنا بها الفيلم تجعله شاهداً على مقتل
والده بانفجار سيارته في السودان، وينتقل الشريط إلى تقديمه كبيراً وهو
يعقد صفقة بيع متفجرات مع إحدى الجماعات الإرهابية في اليمن، ثم تتعرض هذه
المجموعة للمداهمة من الأمن اليمني بمشاركة عنصرين من الـ «أف بي آي».
يرفض سمير
التعامل مع العميلين، فيُودع في سجن صحراوي حتى يتمكّن من الهرب بمساعدة
عمر (سعيد تغماوي). كل ذلك سيكون مرسوماً بعناية، وبإيقاع لا يبهت، ثم
نكتشف أن سمير يعمل مع الاستخبارات الأميركية وهو في مهمة سرية تقتضي منه
التغلغل في جماعة عمر لكونها مسؤولةً عن تفجيرات إرهابية حول العالم،
وخصوصاً أنّ سمير لديه خبرة طويلة في المتفجّرات وكان سابقاً في أفغانستان،
وفوق ذلك هو مسلم ملتزم. وهو ما يقدمه الفيلم بوصفه دافعاً رئيساً لديه
للقضاء على هؤلاء الإرهابيين الذي لا يمتّون للإسلام بصلة.
سيضيء
الفيلم الكثير من تناقضات السلفيين وتخبّطهم في العبث، وسيبدو سمير بسلوكه
كشافاً لذلك، ومساحةً للمقارنة أمام النموذجين الأميركيين اللذين يقدمهما
الشريط في الحرب على الإرهاب: الأول المحقق روي (غي بيرس) الذي يتقن
العربية وتعاليم الإسلام مع إدراكه لطبيعة الصراع المتورط به، بينما يكون
المحقق ماكس (نيل ماكدونوف) على النقيض تماماً، يتحرك وفق حماقاته الشخصية
المبنية على الجهل، ونشاهده وهو يضرب سمير لدى التحقيق معه في البداية.
لا ينقص
فيلم «خائن» أيّ من عناصر التشويق، ولعله يمضي بخطوات درامية تبلغ ذروتها
مع مقتل منسِّق عملية سمير، الوحيد الذي يعرف حقيقة سمير، الذي صار مطلوباً
في جميع دول العالم بوصفه من أكثر الإرهابيين خطورةً.
تحضر على
لسان سمير الكثير من الآيات القرآنية، وإن كان تلفّظه بها يستغرق وقتاً
وجهداً مضاعفَين، في مسعى واضح من القصة المأخوذ عنها (كتبها الممثل ستيف
مارتن وحوّلها إلى سيناريو مخرج الفيلم جيفري ناشمنوف) لفصل الإسلام كدين
عن الإرهاب، وتبني العبارة التي صارت تصمّ الآذان «مد جسور التواصل
الثقافي» وإن أدى ذلك إلى التعاون.... مع الـ«سي أي أيه»!
الأخبار اللبنانية
02/02/2009
عزة شعبان تصوّر غزّة من الداخل: متى يأتي
العريس؟
علا الشافعي
بين غزّة
التي شاهدناها أخيراً في نشرات الأخبار، وغزّة التي أخبرتني عنها أمي في ما
مضى، مسافةٌ شاسعة، يُظهرها الشريط التسجيلي «من لحم ودم» الذي عرض أخيراً
في مسرح «روابط» في القاهرة. شريط عزة شعبان، عبارة عن رحلة قصيرة إلى
القطاع يُلقي نظرةً على تعقيدات الحصار وعلاقة مصر به. لكنه أيضاً يُظهر
صمود أهل القطاع في محاولتهم التحايل على واقعهم المأساوي. تبدأ اللقطات
الأولى مع صوت المخرجة «منطقة الحدود بين مصر وغزّة»، ثمّ ندخل للقاء نماذج
وشرائح متباينة من المجتمع الغزاوي. هكذا، رصدت المخرجة مصادر الدمار نتيجة
القصف الإسرائيلي المتكرر وعدم توافر الحاجات الأساسية والبطالة التي وصلت
إلى 80 في المئة. كل تلك المعلومات والصور تُروى على لسان بشر من لحم ودم
يعرفون قيمة الحياة. لذلك لم يغب الحس الساخر والموجع في آن عن روايات وفاء
وغيرها من الفتيات اللواتي صوّرتهن كاميرا عزة شعبان. تقول وهي تُفرغ
البنزين من سيارتها إلى سيارة إحدى صديقاتها: «بدّي البنزين لصاحبتي من غير
فلوس»، وتضحك مضيفةً: «مع أن الخليج مليان بنزين بس ببيعوه لنا». وتواصل
عزّة مونتاجها الذكي على جملة لفتاة أخرى تقول لها: «صار شعبنا قطيعاً من
المتسولين». تحاول شعبان أن تلتزم بحدّ أقصى من الأمانة والموضوعيّة، إذ
تعطي الكلمة لمناصرين لـ«حماس» من دون أن تنسى شهادات الناس العاديّين.
لكنّها تمنح المقاومين فرصة لشرح وجهة نظرهم، وخيار الجهاد لفلسطين، مع
العلم أن ما يرغب به البشر العاديون هو العيش في سلام.
وتلهث
كاميرا المخرجة وراء اللحظة، في محاولة للقاء أكبر عدد من النماذج والشرائح
الإنسانية، وتطرح تساؤلاتها هنا وهناك كأنّ شبحاً يطاردها نشعر بحضوره
الجاثم طوال الوقت. وهناك جملة ترددها من حين إلى آخر في الشريط: «أرغب بأن
أواصل رحلتي، لكنني أخشى أن تغلق الحكومة المصرية الحدود في أي لحظة... فلا
أستطيع العودة». كأننا بها تلمح إلى الموقف الرسمي المصري، وبعض الإعلام
الرسمي الذي يصوّر الغزاويّين «شعباً متسولاً». ويسأل بعضهم: «ليه الكهرباء
مانخدهاش من السد العالي؟ مش مصر هتدي لتركيا؟ أعطونا الكهرباء وندفع
ثمنها».
ولأنّ عزة
شعبان انطلقت من أنّ الغزاويّين شعب من لحم ودم تعرضوا لهجرات ونكسات
مستمرة، وجذورهم ممتدة في المجتمع المصري رغم أنف الجميع، فقد رفضت أن تترك
غزة وأهلها من دون صورة جميلة: ها هي عروس غزاوية تجلس في «الكوشة»
بمفردها، فيما أهلها يرقصون ويضحكون... رغم غياب العريس الذي ترفض سلطات
الاحتلال قدومه!
أي وجع
ذلك الذي صاغته عزة شعبان خلال رحلتها التي استغرقت خمسة أيام بصحبة الأديب
رؤوف مسعد الذي لم يتحدث طوال الفيلم، بل اكتفى بالحضور لتسجيل موقف؟
الأخبار اللبنانية
02/02/2009
ذاكرة الحرب بالمؤنّث والمذكّر
حسين بن حمزة
ضمن مشروع
«وجهاً لوجه ما كان» الذي أطلقته «جمعية أمم للتوثيق والأبحاث»، عرض في الـ«هنغار»
أخيراً فيلمان تسجيليان: «لكي تكون فقط ذكرى... نساء مقاتلات» (20 دقيقة)،
و«من الحرب إلى المصالحة» (14 دقيقة). أجرت المخرجة سحر عساف، في الفيلم
الأوّل، مقابلات مع أربع نساء سبق لهنّ أن قاتلن في الحرب الأهلية، وما
تفرّع عنها من حروب إضافية. أربع مقاتلات سابقات يسردن حكايات حرب واحدة
بوجهات نظر متعددة. لا تتغير الحرب كثيراً، لكن لكل امرأة قصة ترويها لنا.
التجربة الشخصية والانتماء الحزبي يساهمان في جعل هذه القصص متفاوتة في
الرؤية والتفاصيل. فادية بزي (الحزب الشيوعي)، ورينا حنا (الكتائب)،
وميسلون فرحات (الحزب القومي السوري)، وكوليت طنوس (القوات اللبنانية)...
يستعدن الحرب، يشرحن الدوافع والأسباب التي ورّطتهنّ فيها، متمنياتٍ أن تظل
مجرد ذكرى.
المشاهد
ينتبه إلى الفارق الذي تصنعه هذه الشهادات مع شهادات مماثلة رواها مقاتلون
ذكور. النساء هنا أقل عنفاً ودموية. لا يذكرن أنهن رأين ملامح الخصوم أثناء
القتال. يسردن طرائف تتعلق بكونهن نساءً في مجتمع الحرب المخصص ــــ
تقليدياً ــــ للرجال. فكرة الاندماج في مجتمع السلم ترد في أكثر من شهادة.
ثمة رغبة في التسامح، لكن من دون ندم حاسم على التجربة.
الندم يرد
بطريقة أوضح في الفيلم الثاني (من إنتاج مؤسسة «أديان»). يقدّم الشريط
شهادة مقاتلَيْن هما محيي الدين شهاب وأسعد شفتري، أصبحا صديقين في زمن
السلم. لقد سبق لشفتري أن اعتذر في بيان مكتوب عن كل ما ارتكبه في الحرب.
إنه يتحدث هنا كأنه يُكمل خطابه السابق. أما شهاب، فيروي المراحل التي مرّ
بها ليتقبَّل صداقة خصمه القديم.
الجو
التصالحي الذي ساد في الفيلمين، عاد واشتعل في النقاش الذي أعقب الأمسية.
إذ لم نعدم أن يكون بين الجمهور من يختلف مع آراء أصحاب الشهادات والأسباب
التي ساقوها لتبرير مشاركاتهم في الحرب. ولم نعدم أيضاً أن ينبري أحدهم في
حضرة خمسة مقاتلين لبنانيين، ليقول إنّ من الخطأ أن نطلق الصفة اللبنانية
على الحرب، مؤكداً أنها كانت «حرب الآخرين على أرضنا». وحين اعترض شفتري
نفسه، منبّهاً إلى خطورة هذا التوجه، وقف الشخص نفسه ليؤكد أن الحرب لم تكن
أهلية و«أن اللبنانيين هم أحسن شعب بالعالم».
الأخبار اللبنانية
02/02/2009 |