سواء كان
هؤلاء النجوم من أهل الفن أم الأدب أم السياسة, فتبقي دائما في دفاترهم
القديمة ذكريات محببة عن الغناء, ومن هؤلاء الفنان الكبير كمال الشناوي
الذي برع في تجسيد العديد من الأدوار الرومانسية في زمن الفن الجميل.
ولأن حرفة
الغناء قد أدركته في سنوات عمره الأولي في مجال الفن, ومست قلبه قليلا,
لكنه تراجع أمام أساطين الطرب في زمن الرومانسية, فقد قررنا الحوار معه
علي وتيرة لحن واحد من حياته المفعمة بالإثارة والذكريات الجميلة, وهو
هنا لا يتذكر فقط, بل يعزف علي أوتار مشاعره الدافئة مقطوعات يصحبها قدر
من الشجن, والتندر- أحيانا- علي زمن كانت لوحة الفن فيه أشبه بعمل
سيمفونية متكاملة الأركان والزوايا.
الأهرام
العربي تبدأ من هذا العدد سلسلة حوارات مع نجوم الفن والأدب والسياسة عن
الغناء في حياتهم, وفي هذا العدد وقع اختيارنا علي النجم الكبير كمال
الشناوي الذي أثري حياتنا بالعديد من الأعمال الفنية التي أصبحت في ذاكرتنا
ووجداننا.
·
بداية هل تقدم لنا لقطة مضيئة أو صورة سريعة
عن العصر الذي عشته في ظل الأفلام الغنائية والاستعراضية التي كانت تعرف
بعصر الرومانسية ؟
كانت
الحياة جميلة فعلا, وعبر الفيلم الرومانسي كانت تزدهر صناعة الحب من خلال
أغان ترسخ وتؤكد معانيه السامية, وربما نلاحظ أن عبد الوهاب, وأم كلثوم
وفريد الأطرش علي سبيل المثال لا الحصر, كانوا يغنون للحب بصدق, وكانت
كلمات الأغاني تتحدث عن الجمال عند المرأة في الشفاه والخدود الوردية,
لكن بشكل لا يجرح حياء المرأة ولا يقلل من قيمتها, ومن بعدهم جاء عبد
الحليم ليغني للشعر الحرير.
·
هل تقصد في كلامك أن الرومانسية لم يعد لها
دور في أفلام أو أغاني الزمن الحالي ؟
لقد انحدر
المستوي للأسف, فلم نعد نسمع كلمة' حب' إلا وترتبط بالابتذال أو'
بالشتيمة' مثل بحبك يابنت الإيه, و' بحبك ياحمار'..( بالذمة ده
كلام!), بصراحة أرفض أن أسمع أغاني الحب من' شوية عيال' ليس لعيب في
الحب في هذا الزمن, ولكن لأن كلماتهم وألحانهم وأداءهم يخلو تماما من
الإحساس والمشاعر الدافئة ورنين الصدق الذي يخطف القلوب العاشقة.
كل الذين
يغنون حاليا أو غالبيتهم- حتي لا أتجني- لا يشبعون ذائقتي التي اعتادت
الفن الجميل.
·
أنت إذن تتهم بشكل واضح مطربي الشباب بعدم
الإحساس وفقدان المشاعر ؟
الفن
الجيد والغناء الجيد هما اللذان يخاطبان الإحساس ويحركان المشاعر, قبل أن
يرتدي المطرب بدلة شيكا, أو ملابس كاجوال غربية مثيرة, وحذاء لامعا من
تحته جورب يتماشي مع لون الكرافتة.
·
في بعض أفلامك كانت لك محاولات غنائية لم
تكتمل.. تري لماذا ؟
في فترة
صباي المبكر التحقت بمعهد الموسيقي العربية, لكني تركته بعد فترة لأن
تعليمي الجامعي حال دون إتمام دراستي للموسيقي, فقد تضاربت المواعيد,
وكنت أتأخر دائما عن دروس الموسيقي, واضطررت للاعتذار عن الدراسة, لكني
ندمت فيما بعد لأني كنت ومازلت متذوقا للموسيقي وبداخلي مطرب.
وأذكر أن
الراحل العظيم فريد الأطرش لمس حسي الموسيقي والغنائي, وعرض علي احتراف
الغناء, وكانت لي محاولات في بعض الأفلام كما ذكرت, لكني خشيت أن أقف
أمام الميكروفون وأغني في وجود العمالقة' عبد الوهاب, أم كلثوم, فريد
الأطرش, عبد الحليم حافظ وغيرهم, كانت هناك رهبة للغناء, ولا يجرؤ
علي الاقتراب منه سوي من كانت لديه موهبة بحجم هؤلاء الكبار, وبقيت
محاولتي الغنائية في الأفلام نظرا لأني كنت متأثرا بالمطرب العالمي
الرائع( فرانك سيناترا).
·
من أهم المطربات اللاتي شاركنك بطولة أفلامك
؟
كثيرات من
رواد الطرب الرومانسي اللذيذ, أذكر منهم' ليلي مراد- نور الهدي-
رجاء عبده- أحلام- شهرزاد- صباح- شادية- هدي سلطان- مها
صبري- سميرة توفيق- نزهة وهيام يونس' طبعا بالإضافة إلي مشاركتي لعبد
الحليم في فيلم' البنات والصيف' ومحمد فوزي في فيلم' الروح
والجسد'.
·
ماذا عن لقائك بالفنانة القديرة شادية ؟
أولا أنا
أعتبر لقائي بالفنانة العظيمة شادية أهم وأحب مطربة شاركتني بطولة بعض
أفلامي المميزة وكانت طوق النجاة بالنسبة لي, فبعد أن أسند لي دور الفتي
الأول فوجئت بأن الممثلات المطربات اللائي يقفن أمامي أكبر من أن أتظاهر
بالوقوع في حبهن, وكنت أبدو للمتفرج وقتها بأني شاب طامع في أموالهن,
كما تبدو البطلة أمامي راغبة فقط في شبابي, لهذا كان لقائي بشادية من أهم
الأشياء التي حدثت لي في السينما, واستطاع المنتج والمخرج حلمي رفلة أن
يصنع مني ومنها ثنائيا جديدا خفيف الروح لمنافسة أنور وجدي وليلي مراد, و
كان أجرنا في ذلك الزمان ضعيفا جدا فقدمنا أفلاما خفيفة وجميلة غاية في
الرومانسية.
·
ما أجمل الأغنيات التي مازالت عالقة في
ذاكرتك من كل تلك الأفلام الرومانسية ؟
يضع يده
علي جبينه ويرجع بظهره للوراء من فوق كرسي عتيق تصحبه تنهيدة طويلة,
قائلا:( أقولك إيه ولا إيه) إنها كثيرة وجميلة, شوف مثلا'
البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي' لرجاء عبده في فيلم' حبايبي كتير',
وعندك' القلب يحب مرة.. مايحبش مرتين' لشادية في فيلم' ارحم حبي'
وفيه' متع شبابك بالأمل.. الدنيا إيه من غير أمل' لهدي سلطان في
فيلم' لمين هواك', و'زي العسل' لصباح, و' سوق علي مهلك ودور
عليه' لشادية, وغيرها لا حصر لها من الأغنيات الجميلة التي كانت تتميز
بالبساطة وخفة الدم, بالإضافة إلي ألحان عذبة تبعث علي الشجن.
·
هل تذكر لنا ظروف غنائك في بعض الأفلام؟
غنائي في
الأفلام جاء بمحض المصادفة, وأذكر في أحد الأفلام التي جمعتني بالفنانة
الشقية وقتها' شقاوة محببة ولذيذة' شادية وجدتني أقف أمامها وهي
تغني, وانتهت كل الحركات التي أقوم بها, فطلب مني المخرج حلمي رفله أن
أغني معها أغنية' سوق علي مهلك'تلحين منير مراد وجلس معي منير وحفظني
اللحن,وأثناء الحفظ طلبت منه أن يضمن اللحن جملة موسيقية خاصة بي, وحدث
ذلك فعلا وغنيت, وبعد عرض الفيلم فوجئت بنجاح الأغنية' الدويتو'
وفتحت لي باب الغناء في الأفلام بعد ذلك.
·
من أحب المطربين إلي قلب الفنان العظيم
والقدير كمال الشناوي ؟
مازلت
أستمتع بغناء أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم, ليس لأنهم تعبير عن زمني
فقط, ولكنهم جميعا تعبير صادق عن الأغنية العذبة والرومانسية بعظمتها
وكبريائها, وأحرص دائما علي سماعهم من خلال الألبومات التي أحتفظ بها أو
عبر قناتي الطرب في روتانا وart.
·
ماذا عن مطربات الشباب الآن ؟
أحيانا
أقلب بالريموت علي قنوات الأغاني, وألاحظ حالة من الصخب والضجيج الذي لا
تحتمله آذاني, لكن أري أن هيفاء وهبي ونانسي عجرم وإليسا لذيذات ويصلحن
للسينما الغنائية, وأخص منهن' هيفاء' التي تتمتع بمواصفات جيدة جدا
للعب أدوار الحب, والإغراء بشكل عصري يلفت النظر أكثر من الغناء, ويمكن
توظيف نانسي في الأفلام التي تتطلب شقاوة وخفة دم وبراءة, أما إليسا
فتأخذ الأدوار التي تعتمد علي الرومانسية الشديدة*
الأهرام العربي
31/01/2009 |