في العام
1966، حقق المخرج أناتولي ليتفاك، من إنتاج فرنسي - بريطاني فيلماً حمل
عنوان «ليلة الجنرالات». ويومها جمع ليتفاك لهذا الفيلم أسماء كبيرة في
عالم السينما، من موريس جار لكتابة الموسيقى وألكسندر تراونر للديكور، الى
بيتر أوتول وعمر الشريف وكريستوفر بلامر وفيليب نواريه وغيرهم. أما الموضوع
الرئيس في الفيلم، فكان مؤامرة يقوم بها ضباط كبار في الجيش الألماني
لاغتيال هتلر. لم يبد الفيلم مقنعاً يومها على رغم كل ما كتب من أن الحكاية
حقيقية، خصوصاً أن المخرج وكتّاب الفيلم قد أدخلوا في الأحداث حكايات
ثانوية لم تبد ذات علاقة به، كما أنهم - من الناحية السياسية - أضفوا على
الحكاية كلها غموضاً بدا غير مستحب. والغريب اليوم أن أحداً لا يذكر هذا
الفيلم في مجال الحديث عن فيلم «فالكيري» الذي يعرض في صالات العالم،
ليعتبر مساهمة جديدة في «إعادة الاعتبار الى المقاومة الألمانية ضد هتلر»،
هذه «المقاومة» التي كان سكت عنها طويلاً في الماضي، لكنها فجأة خلال
السنوات الأخيرة، عادت الى الظهور في الكتب والأفلام، ولتقول أموراً كثيرة
أهمها أن الألمان لم يكونوا كلهم مع هتلر. بل كان بعضهم من أشرس مقاوميه
وضحاياه، حتى وإن باءت كل محاولتهم بالفشل. هذا ما قاله قبل سنوات فيلم
«صوفي شول»، ويقوله الآن «فالكيري»، وقالته بين الفيلمين نحو دزينة من
أعمال أخرى. ويبدو أن الرسالة وصلت في كل مرة وفي شكل جيد. وهي تصل هذه
المرة أيضاً، مع «فالكيري» في شكل لا غبار عليه، حتى وإن كان من «نواقص»
الفيلم الجديد انه لا يحدد إذا كان ثمة، علاقة بين المؤامرة والحلفاء،
الإنكليز والأميركيين بخاصة. فيما يرى نقاد ألمان أن النقيصة الأساس في
الفيلم، هي قيام توم كروز بدور الكولونيل ستاوفنبرغ، الضابط الذي كان له
الدور الرئيس. ويبدو أن احتجاج الألمان نابع من أسباب دينية، اذ لا يروقهم
أن يلعب نجم ينتمي الى الطائفة العلموية المهرطقة، دور واحد من أبطال
تاريخهم الحديث!
ومع هذا
قد يكون مفيداً هنا أن نذكر أن وجود الفيلم كله يدين الى اللحظة التي شاهد
فيها كروز صورة للكولونيل ستاوفنبرغ للمرة الأولى، أذهله الشبه بينهما،
وازداد إصراراً ليس على تمثيل الدور فقط، بل حتى على إنتاجه عبر هيمنته على
شركة «يونايتد آرتست». فهل معنى هذا اننا أمام فيلم ولد ليوفر بطولة لنجم
واحد؟ ليس تماماً وإن كان الحيز المعطى في الفيلم للكولونيل (كروز) مبالغاً
فيه بعض الشيء، ما يجعل الفيلم يبدو أحياناً منطلقاً من بطولة فردية. غير
أن هذا لا يؤثر كثيراً، أو سلباً في الفيلم، لأنه ينطلق من حادثة حقيقية
موثقة تاريخياً، هي تنفيذ المؤامرة لاغتيال هتلر يوم 20 تموز (يوليو) 1944.
في ذلك اليوم، كانت القوات الألمانية قد باتت على آخر رمق أمام وصول قوات
الحلفاء الى النورماندي. وكان الجيش الألماني قد فرغ صبره من عناد هتلر
وسيطرة قواته النازية الخاصة على المقدّرات وقرار الحرب والسلم، تاركة
للجيش النظامي أن يُقتل ويُهزم، هو الذي - كما يقول الفيلم على الأقل - لم
يكن كبار ضباطه، الذين كانوا جنود القيصر من قبل هيمنة هتلر ونازييه على
الحكم، لم يكونوا قد استساغوا هتلر منذ البداية. طبعاً نعرف تاريخياً أن
المؤامرة لم تنجح وأن انفجار القنبلة التي «زرعها» ستاوفنبرغ في غرفة
اجتماع يحضر فيها هتلر كي تقضي عليه وعلى كبار ضباطه، لم يؤدِ الهدف. أما
المأساة فكمنت، خلال الساعات اللاحقة في جهل ستاوفنبرغ ورفاقه المتآمرين
لهذه الحقيقة، ما جعلهم يتصرفون وكأن هتلر قتل.
تشويق
هيتشكوكي
تكمن
مشكلة الأفلام التي تقوم على واقع تاريخي معروف، في أن عنصر التشويق لا
يمكنه أن يفعل فعله، حيث لا يمكن المتفرج أن يتوقع مفاجآت. لكننا نعرف، منذ
هتشكوك، أن هذا لا يهم. فإذا كانت النتيجة معروفة سلفاً، حسبنا لاجتذاب
اهتمام هذا المتفرج أن نريه تصرفات شخصيات الفيلم إزاء مسرى الأحداث، التي
نكون نحن، المتفرجين، عارفين نتائجها، ما يخلق تشويقاً من نوع آخر، لعله
يكون أكثر فاعلية. وهذا هو الدرس الذي يبدو أن مبدعي هذا الفيلم قد
اتبعوه... ما يعني اننا نكاد نكون هنا حقاً، أمام فيلم هتشكوكي. فنحن نعرف
ما لا يعرفه أصحاب العلاقة على الشاشة. ونعرف مصيرهم الذي يجهلونه. ومن هنا
تكون قوة الفيلم وقوة علاقتنا به، كامنة في رصدنا توترهم وما يفعلون. وما
يفعله أبطال هذا الفيلم هنا، هو محاولة الهيمنة على السلطة وعلى برلين، إذ
اعتقدوا أن هتلر قد قتل في الانفجار، منفذين خطة كان هتلر هو صاحبها أصلاً:
خطة «فالكيري» - ومن هنا عنوان الفيلم - التي تقوم على تمكن قوات الاحتياط
وقوات شرطة برلين، من الهيمنة على مقدّرات العاصمة، ومن ثم ألمانيا كلها،
إذا وصل الحلفاء، أو إذا حدث شيء للفوهرر (هتلر). وإذ كان المتآمرون هنا
يعتقدون أن هتلر قتل، وإذ تأخر هذا ساعات في إعلان نجاته، بات الفيلم في
القسم الثاني منه، - وهو القسم الأقوى على أي حال - قائماً على تتبع خطة
«فالكيري» التي تتحول هنا الى خطة انقلابية تقضي بالقبض على قوات هتلر
الخاصة التي يفترض - نظرياً - أنها صارت الأضعف بمقتل هتلر.
وبالفعل،
حتى المترددون الذين لم تكن لهم علاقة بالمؤامرة أصلاً، ينخرطون معاً، تحت
أوامر ستاوفنبرغ ورفاقه، في احتلال المباني والشوارع الرئيسة في برلين من
جهة، وفي القبض على ضباط القوات الخاصة وتسريح جنودها من ناحية ثانية. هنا،
كما قلنا، كل الفيلم وكل قوته في لحظات راح المتآمرون، وفي مقدمهم
ستاوفنبرغ يتصرفون وهم واثقون من النجاح، يزيد ثقتهم تأخر هتلر في إعلان
نجاته. ومن الواضح هنا - أو من المفترض - أن هتلر تأخر في هذا كي يكشف
المتآمرين أكثر وأكثر: أعطاهم الوقت اللازم. ولعل اللحظة المحورية،
والأقوى، منطقياً، في الفيلم - من دون أن تكون موثقة في الواقع - هي اللحظة
التي يبدأ فيها غوبلز انتحاره، فيأتيه الهاتف الأول من هتلر، معلناً أنه لا
يزال حياً وسيوجه خطاباً الى الأمة الألمانية. هنا طبعاً يتوقف غوبلز عن
محاولة الانتحار، في إعلان - متوقع منا ولكن ليس من المتآمرين، نكررها لأن
الفيلم يلح عليها باستمرار - عن فشل المؤامرة. وإثر هذا، لا يستغرق الأمر
طويلاً حتى ترسم النهاية: يقبض على المتآمرين. يصفّى بعضهم فوراً. يُحاكم
آخرون ميدانياً. ينقلب المترددون ويعودون الى أحضان الديكتاتور النازي. في
شكل عام تفشل المؤامرة، ولكن بعدما كانت حفنة من ضباط النخبة قد ضحوا
بأنفسهم من أجل إنقاذ شرف الشعب الألماني كله... حتى وإن كانت السينما
ستتأخر كل هذا الوقت قبل أن تكتشف هذا!
السينما
والتاريخ
طبعاً لا
يمكن القول إن «فالكيري» تحفة سينمائية، حتى وإن كان صاحب فعل أساس من
الناحية السياسية، واحتوى على ميزات سينمائية حقيقية، بل حتى على أداء
متميز، من ممثلين كبار ومخضرمين مثل توم ولكنسون وكينيث براناه وبخاصة
تيرنس ستامب، بل حتى توم كروز مع انه لم ينس ولو للحظة في الفيلم أنه توم
كروز وأنه منتج الفيلم. ولعل هذا الجانب هو الذي أضعف القسم الأول من
الفيلم وجعله يبدو طويلاً بعض الشيء، حيث ان السيناريو تابعه منذ كان يخوض
حرب الصحراء في الجنوب التونسي وأصيب بجراح قاسية أفقدته كتفه وإحدى عينيه
وبعض أصابعه.
ولعل هذا
التطويل في التمهيد لا يبدو مقنعاً، وإن كان قد بدا ضرورياً - الى حد ما -
لإقناعنا بكيفية تمكن كولونيل من الهيمنة خلال النصف الثاني من الفيلم على
ضباط أعلى منه رتبة وأكبر منه سناً، من ناحية، ولجعلنا، من ناحية ثانية
نسهى عن مشكلة أساسية في الفيلم تكمن في الزيادة المفتعلة في عدد العالمين
بالمؤامرة، ضباطاً وجنوداً وسكرتيرات حتى، ومع هذا لم تتمكن الاستخبارات
النازية من معرفة أي شيء عما يجرى. لن نخوض هنا في التحري، النظري، عن هذا
الواقع الذي يصوَّر لنا أنه حدث حقاً ووُثِّق، لأن علينا ألا ننسى هنا أننا
أمام فيلم سينمائي، وليس أمام درس تاريخي. فسياق الفيلم، من منطلق الدرس
التاريخي قد لا يبدو مقنعاً تماماً. ولكن كعمل سينمائي، يبدو بعد كل شيء
نزيهاً، مشوقاً في لحظات كثيرة منه، وبخاصة، ذا فاعلية في إعادة الاعتبار
الى أناس ضحوا بحياتهم كي يقال يوماً: إن الشعب الألماني قاوم النازية.
خلفيات
السيناريو والتمويل
منذ
بدايات العام الماضي 2008، بدأت حكاية فيلم «فالكيري» تشغل الصحافة المختصة
والمهتمين، لأن هذا الفيلم الذي كان برايان سنغر قد بدأ تصويره أواسط عام
2007، كانت قد صارت وراءه حكاية طويلة. فالمشروع ولد أولاً عام 2002، حتى
وإن كان سنغر سيقول انه علم بحكاية تلك المؤامرة منذ أوائل ثمانينات القرن
العشرين حين زارت أمه بون والتقت بأرملة أحد كبار الضباط (فون مولتكه)
الذين أسسوا ما عرف خلال الحرب بـ «حلقة الضباط المقاومين». وظل هذا
الموضوع يشغل باله. ثم عاد الى الواجهة من جديد حين أقام الكاتب كرويستوفر
ماكاري في برلين فترة من أجل مشروع آخر، ففوجئ بدوره بالحكاية تروى له،
وبدأ يكتب سيناريو لها، غير دار بأن السيناريو سيتحول فيلماً، بعد ذلك حين
ظهر اهتمام كروز بالموضوع. وكروز بدأ اهتمامه حين كان في المانيا، وشاهد
صورة للكولونيل ستاوفنبرغ ليذهله التشابه بينه وبين الكولونيل المقاوم.
وهكذا،
بالتدريج، وفي أكثر من ذهن ولد المشروع، وفي لحظة ما، نصح ماكاري، بأن يعرض
السيناريو على «يونايتد آرتست»، المملوكة من توم كروز وغيره. ففعل، ليجد
كروز متحمساً ومستعداً للتمويل، شرط أن يكون الفيلم ضئيل الموازنة (20
مليون دولار)، وعلى هذا الأساس دخل سنغر (الذي كان عمل مع ماكاري في
«المشبوهون المعتادون») على الخط. لكن الأمور تطورت، تحت إلحاح كروز الذي
صار الآن راغباً في فيلم كبير، لتصبح الموازنة بين 75 و80 مليون دولار.
انجز
الفيلم في ربيع 2008 في شكل نهائي واتخذ القرار بعرضه في تموز (يوليو)، لكن
ضعف الحملة الدعائية التي قامت بها الشركة المنتجة، كشف عن ان انطلاقة
الفيلم في ذلك الحين ستكون ضعيفة، فأجّل العرض نحو ستة أشهر، ريثما يعاد
النظر في بعض جوانبه، على ضوء بعض العروض التجريبية الخاصة، حتى عرض بدءاً
من عيد الميلاد في الولايات المتحدة.
ويبدو ان
التاريخ حدد كي يصار الى ترشيح الفيلم لبعض جوائز الأوسكار، ولكن هذا لم
يتم، على رغم ان كروز كان على ثقة، أول الأمر، بأنه عثر على الدور وعلى
الفيلم اللذين سيمنحانه أخيراً أوسكار أفضل ممثل!
برايان
سنغر ... جيل الديناميكية من الاحتجاج الى الاستعراض
منذ
«المشبوهين المعتادين» (1993) يعتبر برايان سنغر - مخرج «فالكيري» - حالة
على حدة في السينما الهوليوودية، مثله في هذا مثل مجايله دايفيد فنشر، ومثل
ستيفن سودربرغ. فهؤلاء معاً ينتمون الى جيل جديد في السينما الأميركية،
يتميز أبناؤه بديناميكية مفرطة، وفردانية في إبداع اللغة السينمائية، ناهيك
بتنوع في المواضيع وأساليب التعبير عنها. ولعل القاسم المشترك الأهم في ما
بينهم هو «لا للرسائل في الأفلام» حتى ولو حدث لفيلم من أفلام كل واحد منهم
ان عبّر عن هم اجتماعي أو وجودي. إنها السينما التجريبية في أجلى معانيها،
والسينما الجيدة ايضاً، إنما من دون ان توصل أصحابها الى مستويات عمالقة
الماضي. برايان سنغر من مواليد عام 1965 وهو اعتاد ان يتولى تنفيذ إنتاج
أفلامه بنفسه، من دون ان يعني هذا انه مصرّ على هذا التفرّد، بخاصة بعد ان
صارت تعهد إليه، خلال السنوات الأخيرة، افلام ذات موازنات ضخمة، كما هي
الحال مع «فالكيري». وللتيقن من هذا حسبنا ان نعرف ان «فالكيري» يقع ضمن
مسيرة سنغر بين اثنين من أضخم الأفلام الهوليوودية التي حققت خلال السنوات
الأخيرة «سوبرمان يعود» (2004) و«سوبرمان: رجل الفولاذ» الذي ينجزه حالياً.
حقق سنغر
فيلمه الأول وهو قصير عنوانه «عرين الأسد» لفت الأنظار في مهرجان ساندانس،
وكان ذلك أول تسعينات القرن العشرين، ما فتح الأبواب أمامه ليحقق أول
أفلامه الروائية الطويلة، وأكثرها شهرة حتى الآن «المشبوهون المعتادون»
الذي، حتى وإن كانت فيه رنة نقد اجتماعي، أتى عملاً تشويقياً حاد اللهجة،
مميزاً في إدارة ممثليه. ونعرف ان هذا الفيلم حقق من فوره نجاحاً كبيراً،
على المستوى النقدي كما على المستوى الجماهيري، وصار واحداً من الأفلام -
المرجع، في تاريخ السينما الأميركية الحديثة. من بعده غاب سنغر عن الإخراج
5 سنوات ليعود سنة 1998 بفيلم «قوم قادرون» عن قصة لستيفن كنغ، تتحدث عن
فتى يعيش حال انبهار غريبة تجاه مجرم حرب نازي. إثر ذلك عهدت إليه شركة
فوكس بإنتاج سلسلة «x
مان» وإخراجها بعدما كان سبق له ان رفض المشروع. وانتهى به الأمر في العام
2000 الى العودة إليه، ما فتح أمامه دروب السينما ذات الموازنات الضخمة.
بعده كان من المفروض ان يخرج «اعترافات عقل خطير» من بطولة جوني ديب عن
سيناريو لتشارلي كوفمان، لكن المشروع عاد واستقر بإخراج جورج كلوني ومن
بطولة سام روكويل. لهذا توجه سنغر الى العمل للتلفزة قبل ان يحقق عام 2002
فيلم «أكس 2»، الذي ما لبث ان أتبعه سنة 2004، وبعد أعمال إنتاجية تنفيذية،
بفيلم «سوبرمان يعود» الذي كان حتى ذلك الحين أضخم مشاريعه، قبل ان يحقق «فالكيري»،
الذي على رغم إعجاب عدد لا بأس به من النقاد به، لم يتمكن من ان يفرض حضوره
على ترشيحات الأوسكار لهذا العام، على عكس ما كان يتوقع توم كروز، صاحب
المشروع الأصلي.
الحياة اللندنية في
30
يناير 2009
مذيعون
ابراهيم العريس
من هو
الأكثر فعلاً وتأثيراً على الفضائيات: صحافي أو مراسل يقول ما يحدث بكل
هدوء، تاركاً عواطفه ومواقفه الخاصة ترشح بقوة من خلال موضوعية صادقة، أو
زميل له، يصرخ ويزعق ويقول شعراً وآيات بينات ويهدد ويتوعد؟ في الحقيقة أن
أحداث غزة الأخيرة، كما أحداث لبنان 2006، التي تبدو شبيهة لها تماماً،
قدمت لنا النوعين، وبصرف النظر عن اتجاهات المحطات الفضائية نفسها.
إذ هنا لا
ريب في امكاننا القول إن كل المحطات، من دون استثناء، كان لها خط واحد، هو
خط التعاطف مع غزة وشعبها والفلسطينيين بشكل عام، وخط إدانة اسرائيل حكومة
ويميناً وجيشاً ومستوطنين. وكان هذا أمراً طبيعياً، سار على هدى ما فكر فيه
العالم كله، مع فارق بسيط هو أنه فيما تعاطف العالم كله مع غزة وأبنائها،
كان من الواضح أن ما يهم بعض الفضائيات العربية، هو التعاطف مع التنظيم
الفلسطيني الذي اعتبره كثر في العالم، على الأقل، شريكاً في المسؤولية عما
حدث، ونعني به تنظيم حماس. غير أن هذا ليس موضوعنا هنا. موضوعنا هو
العاملون في الفضائيات، من مراسلين في غزة والضفة وغيرهما، الى المقدمين في
الاستوديوات.
والحقيقة
أنه، كما يحدث كل مرة تدق فيها طبول الحرب وتعتدي اسرائيل على المدنيين،
متذرعة بـ «اعتداءات صاروخية» عليها، كان من الصعب لولاها أن تجد تبريرات
كافية أمام الرأي العالمي، تحول أهل التلفزة، الى نجوم وصارت عيون عشرات
ملايين العرب معلقة بهم.
ولعل هذا
التحول والاستجابة لما هو متوقع منهم، هو ما حرك الأكثرية منهم، أكثر من
العواطف الفعلية، التي يصعب القول إنها يجب أن تكون المتحكم في أداء
الصحافي، ولو كان تلفزيونياً.
على ضوء
هذا، يمكن فهم التصرف الأخرق الذي قام به أحد المقدمين - وهو محترف مخضرم
على أي حال - حين جابه محللاً سياسياً مصرياً، أول أيام العدوان، فوجده
يخالفه الرأي، فما كان منه إلا أن قال له: «أنت قليل الأدب، سوف أقطع
الارسال عنك». طبعاً لم يصل أي مذيع آخر في فصاحة موقفه وتصديقه أنه صاحب
السلطة الحقيقية الى هذا المستوى من الأداء، لكن تراتبية المواقف، أطلعتنا
على الكثير من درجات الديماغوجية، ولا سيما حين عبر عنها مراسلون كثر
ينتمون حتى الى محطات اشتهرت بموضوعية ما.
طبعاً لن
نوغل في هذا، ولن ننشر أسماء أو نعطي علامات. فقط نود هنا أن نروي الحقيقة
التالية: ذات مرة التقى صحافي بمراسلة حسناء كانت تمد صحيفته الدولية،
بأخبار وتحليلات من الداخل الفلسطيني. لم يكن رآها من قبل، ففاجأته بجمالها
وأناقتها بل حتى بدقة تحليلاتها التي رآها تختلف تماماً عما تكتب... ثم
فوجئ أكثر حين سمعها تحدثه عن برامج مثل «سوبر ستار» و «الاكاديمية» مفسرة،
كيف انهما البرنامجان الأكثر شعبية داخل فلسطين.
هنا أمام
دهشته وهو الذي كان يتسم في ذلك الحين بشيء من سذاجة الخارج.. قالت له: نحن
يا صديقي نعطيكم ما تريدونه. ندرك أنكم تحبون التحليلات الصاخبة والأخبار
البطولية والمثيرة فنعطيكم إياها. أما في ما يخصنا نحن، فإننا نعيش حياتنا
ولنا أفكارنا ومواقفنا. حين تنضجون اسألونا عنها فتكون لكم.
الحياة اللندنية في
23
يناير 2009 |