في الثامن
من تشرين
الأول الفائت، اختتم »ميلودراما حبيبي« (تمثيل: باتريك شوني وبياريت قطريب
وغبريال
يمّين وجوليا قصّار وبيار شمسيان)، الفيلم الروائي الطويل
الأول للمخرج اللبناني
هاني طمبا، الدورة الثامنة لـ»مهرجان بيروت السينمائي الدولي«، في عرض هو
الأول له
لبنانياً. شارك في عدد من المهرجانات الدولية، وفاز بجائزتي
الجمهور والمحطّة
التلفزيونية الإذاعية البلجيكية »أر. ت. ب. أف.« في فئة أفضل فيلم، في
الدورة
السادسة (٢٨ حزيران ـ ٦ تموز ٢٠٠٨) لـ»مهرجان الفيلم الأوروبي في بروكسل«،
واختير
للمشاركة في تظاهرة »نظرات على السينما في العالم العربي«، في
الدورة الثانية
والثلاثين (٢١ آب ـ ١/ أيلول ٢٠٠٨) لـ»مهرجان أفلام العالم في مونتريال«.
كما عُرض
في
تظاهرة »ليال عربية« في الدورة الخامسة لـ»مهرجان دبي السينمائي الدولي«
(١١ـ ١٨
كانون الأول الماضي).
بالإضافة
إليه، هناك فيلمان لبنانيان آخران ينتظران
انطلاقتهما التجارية في الصالات اللبنانية، يتميّزان بحساسية بصرية
وإنسانية جميلة:
الوثائقي الأول لسيمون الهبر »سمعان بالضيعة«، والروائي القصير الأول
لكارلوس شاهين »الطريق
إلى الشمال«.
قبل أيام
قليلة على انتهاء العام الفائت، نال فيلمان
لبنانيان جديدان جائزتين أساسيتين في الدورة الخامسة لـ»مهرجان دبي
السينمائي
الدولي«. في فئة الأفلام الوثائقية العربية، فاز »سمعان
بالضيعة«، الفيلم الأول
لسيمون الهبر، بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة (المؤلّفة من الأميركي جيوفري
غيلمور
والمصرية جيهان نجيم والفلسطيني هاني أبو أسعد)؛ وفي فئة الأفلام الروائية
القصيرة،
نال »الطريق إلى الشمال«، العمل الأول للممثل المسرحي
والسينمائي كارلوس شاهين،
الجائزة الأولى (تألّفت لجنة التحكيم من المصري خيري بشارة واللبنانية
كارمن لبّس
والألماني لارس هنريك غاس). لا يُمكن القول إن الجائزتين، على الرغم من
أهميتهما،
تأكيدٌ نهائي على الأهمية الإبداعية للفيلمين، إذ إنهما حصيلة
نقاش بين سينمائيين
ذوي أمزجة متنوّعة، أفضى (النقاش) إلى مقارنتهما بأفلام أخرى مشاركة في
المسابقتين
الرسميتين. مع هذا، فإن الفيلمين يمتلكان سمات إبداعية جدّية، ويطرحان
(مجدّداً)
مسألة تحويل الخاصّ إلى العام، وجعل الاختبار الفردي مرآة سينمائية شفّافة
لواقع
جماعي
مفتوح على أسئلة الهوية والعلاقات والوجود والذاكرة والآنيّ. في الفيلمين،
اللذين يلتقيان عند كونهما التجربة الإخراجية الأولى للهبر وشاهين،
ويستنبطان من
الذاتيّ ما يدفعانهما إلى التوغّل في الذاكرة والأحاسيس
والتفاصيل، ما يوحي بحرفية
مهنية جدّية، وبمخيّلة خصبة بالوعي المعرفي، القادر على جعل الصورة لغة
حيّة،
والذاهب بالمادة المختارة إلى المسافة الأبعد للتعبير الذاتيّ.
العروض
التجارية
على الرغم
من الأهمية الدرامية والجمالية والفنية التي يتمتع بها الفيلمان، لم
يتمّ تحديد موعد رسمي ونهائي لإطلاق عروضهما التجارية المحلية،
مع أن كلاماً تردّد
مؤخّراً، مفاده أن هناك إمكانية لإتاحة الفرصة أمام »سمعان بالضيعة« للعرض
التجاري،
ما
يعني، في حال تحقّق هذا الأمر، أن الفيلم الوثائقي اللبناني قادرٌ على
اختراق
الجدار الروائي الطويل، المرتفع أمامه في الصالات المحلية
(والمرتفع أمام أفلام
روائية طويلة أيضاً، في بعض الأحيان). كما أن موعد بدء العروض التجارية
اللبنانية
لـ»ميلودراما حبيبي« لم يُحدّد رسمياً بعد، مع أن أفلاماً روائية لبنانية
طويلة
عُرضت تجارياً، منها »دخان بلا نار« لسمير حبشي، المستمرّة
عروضه لغاية اليوم في
صالات »زوق« و»أبراج« (فرن الشباك) و»سانت إيلي« (أنطلياس) و»أمبير صوفيل«
(الأشرفية).
وإذا كانت مسألة العرض التجاري للأفلام اللبنانية المختلفة مهمة جداً،
فإن الحيوية الإبداعية في الفيلمين الأولين، والبساطة الجميلة في الفيلم
الثالث،
تسمحان بمشاهدة سينمائية ممتعة، مع أن الوثائقي والروائي
القصير استعادا حالات
حزينة وتفاصيل حادّة من ذاكرة فردية/ جماعية، خصوصاً »سمعان بالضيعة«، الذي
استلّ
مادته الدرامية من أحد الفصول اللبنانية الدموية العنيفة، كي يُرمّم ذاكرة
جماعية
معطوبة، بسبب قسوة المحرّمات السياسية والاجتماعية، وقلق المرء
من سرد الوقائع
والحقائق كما هي، لأن خطاب النسيان مستفحل في لبنان. فهو، باختياره شخصية
سمعان،
العائد الوحيد إلى قريته عين الحلزون، استعاد محطّة أساسية وخطرة في تاريخ
الحرب
الأهلية اللبنانية (تهجير المسيحيين من الجبل في العام ،١٩٨٣
إثر انسحاب الجيش
الإسرائيلي بعد غزوه لبنان في العام السابق له)، ورسم معالمها وأطيافها
وأسئلتها
المعلّقة، من خلال تفاصيل العيش اليومي لسمعان، وقصصه وعلاقاته وأفكاره
وذكرياته،
بالإضافة إلى شخصيات أخرى تزور القرية لوقت قصير.
من جهته،
ارتكز كارلوس شاهين
على المبدأ الأجمل والأهمّ للسينما: الصورة، ولا شيء غير الصورة. ذلك أنه
حرّر نصّه
السينمائي من ثقل الكلام، تاركاً الشخصيات والمناظر والتفاصيل
البصرية تُعبّر عن
مكنوناتها بصمت وهدوء، وإن زيّنها بحوارات مقتضبة. فالرجل العائد من فرنسا
بعد
ثلاثين عاماً على هجرته (شاهين نفسه)، يريد نبش رماد الأب المتوفّى قبل
أعوام، كي
يدفنه مجدّداً، لكن في قريته الشمالية. في الطريق إلى هناك،
يلتقي سائحَين فرنسيين
اثنين، يُفاجآن بسلوك الرجل وغرائبيته وبساطته في آن واحد، قبل أن يبلغ
قريته،
ويحقّق ما أراده. اللغة المستخدمة في إنجاز الفيلم توهم المُشاهد ببساطتها،
قبل أن
تجعله مشاركاً فاعلاً في إعادة صوغ المشاهد، وربط التفاصيل
والحكايات، والتمتّع
بالعمق الإنساني الكامن خلف الصُوَر.
أنواع
متداخلة
أما
»ميلودراما حبيبي«،
الذي يعود بشخصياته إلى زمن الحرب الأهلية (من خلال ذكرى أو
صوت أو حالة، بشكل
مبطّن)، من دون أن يغوص في أمورها المباشرة، فحافظ على بساطة لم تبلغ مرتبة
الإبهار، ولم تسقط في فخّ العاديّ والساذج. بين هذين الفخّ والمرتبة، قدّم
هاني
طمبا قصّة إنسانية مزجت بعض الضحك بشيء من الرومانسية العتيقة،
وربطت ذاكرة الحرب
والموت والألم بلحظة الغرق في التمزّق والتيهان الحاليين. وعلى الرغم من
بساطة
الحبكة ومناخاتها الدرامية والجمالية، ظلّ الفيلم الروائي الطويل الأول
لطمبا
(أنجزه بعد نحو أحد عشر عاماً على تحقيقه فيلمه الروائي القصير الأول
»بيروت،
حلاّقو
هذه المدينة« في العام ،١٩٩٧ الذي أتبعه بثلاثة أفلام روائية قصيرة أخرى،
هي: »مبروك مجدّداً« في العام ١٩٩٩ و»وبر البهيمة« (ترجمة حرفية للعنوان
الفرنسي
»Du Poil De La Bete«)
في العام ٢٠٠٢ و»بيروت بعد الحلاقة« في العام ٢٠٠٤)، ضائعاً
بين الأشكال التي اختارها، من دون أن يفقد تلك السلاسة الهادئة
في سرد التفاصيل
وتصوير المشاهد وبناء شخصيات بدا بعضها كاريكاتورياً، وعكس بعضها الآخر ألم
الفرد
في
ذاكرته المثقوبة وحاضره المفكّك وانسداد أفق المقبل من الأيام أمامه. ثم إن
اختيار الممثلين ملائمٌ للمزيج الواضح بين التجاري والفني: من
بيار شمسيان (مسرح
الشانسونييه) وغبريال يمين (مسرح درامي وأعمال تلفزيونية كوميدية)، إلى
جوليا قصّار
(وإن في دور صغير)، التي شاركت في أفلام لبنانية متفرّقة، والمستمرّة في
نشاطها
التلفزيوني، مبتعدة قليلاً عن خشبة المسرح التي عرفتها سابقاً. إن »تركيبة«
تمثيلية
كهذه، التي أضيفت إليها وجوه شابّة وجميلة أخرى، »قد« تصنع علاقة ما بين
الفيلم
والجمهور السينمائي اللبناني (!)، خصوصاً أن روحاً قديمة تشعّ
منه (زمن الرومانسية
المطعّمة بشيء فرنسي عتيق)، وسرداً مبسّطاً يجعله أقرب إلى مزاجية معيّنة
لدى هذا
الجمهور نفسه.
لأنه
منهمك كلّياً بأعماله وثرائه، لم يجد الصناعي اللبناني
(شمسيان)
أمامه إلاّ مغنيا فرنسيا قديما (شوني) لدعوته إلى بيروت، كي يغنّي في سهرة
عيد ميلاد زوجته المشلولة (قصّار). لكن المغنّي منهار ومنعزل وتائه بين جسد
مترهّل
وعلاقات حب/ جنس عابرة أو معلّقة، والخمر أداة توازن موقّت له.
في بيروت، تُخطف
الزوجة، فيبحث سائق الصناعي (يمين) عنها، أثناء ترتيبه متطلّبات السهرة
والإشراف
على راحة المغنّي. تفاصيل متداخلة من دون عمق، وقصص يتوالد بعضها من البعض
الآخر،
في إطار مسلّ وجميل.
السفير اللبنانية في
29
يناير 2009
»جنكيزخان« و»سبعة
باوندات« و»قصة ديسبيرييو« و»خائن« عروض بيروتية
مغامـرات
الملـوك
والفئـران والقتـلة
تبدأ، بعد
ظهر اليوم،
العروض التجارية اللبنانية لأربعة أفلام جديدة، هي: »جنكيزخان«، في »زوق«
و»سانت
إيلي« (أنطلياس) و»أبراج« (فرن الشباك) و»سيتي كومبلاكس«
(طرابلس) و»سينما سيتي«
(الدورة)
و»أمبير دون« و»أمبير سوديكو«؛ و»سبعة باوندات« لغبريال موتشينو (تمثيل:
ويل سميث وروزاريو داوسون ووودي هارلسون) في »سينما سيتي« و»أمبير دون«
و»إسباس«
(جونيه) و»أمبير سوديكو« و»غالاكسي« (بولفار كميل شمعون) و»سيتي كومبلاكس«؛
و»قصّة
ديسبيريو«
لسام فل وروبرت ستيفنهاغت (من بين الممثلين الذين شاركوا في الفيلم
بأصواتهم، هناك داستن هوفمان وإينما واتسون) في »غراند أ ب ث« (الأشرفية)
و»غراند
كونكورد« (فردان) و»غراند لاس ساليناس« (أنفه) و»سينما سيتي«
و»أمبير سوديكو«
و»غالاكسي«؛
و»خائن« لجيفري ناشمانوف (تمثيل: دون شيدال وغي بيرس) في »غراند أ ب ث«
و»غراند
كونكورد« و»غراند لاس ساليناس«: من الملحمة التاريخية، التي تعيد تصوير
مقتطفات من السيرة الذاتية لجنكيزخان، إلى المؤامرة الدولية التي يواجهها
عميلان
تابعان لـ»المكتب الفيدرالي للتحقيقات«، من دون الخروج عن
المنطق الأمني والأخلاقي
والثقافي المتحكّم بأميركا ما بعد الحادي عشر من أيلول، مروراً بقصّة الفأر
الجميل
والشجاع والمثقف، في مقابل حكاية الرجل »القاتل«، الذي يذهب
حبّه لمرأة إلى تبديل
مسار حياته.
لا يختلف
»جنكيزخان« عن النوع التاريخي، المازج سيرة شخصية فاعلة
في مجتمعها وتاريخ بلدها وناسها، بسيرة هذين المجتمع والبلد،
ومسارات ناسهما. وإذا
تبدّى الفيلم عن حساسية فنية إزاء التوغّل
في
الذات الفردية والتاريخ الجماعي،
الخارج من
حيزه المحليّ الضيّق إلى رحاب العالم بأسره؛ فإن السيرة هنا مصوّرة كنصّ
باحث عن المعاني الإنسانية في قلب العنف والدم والحروب، وعن التفاصيل
الحيّة للعيش
على تخوم الموت الدائم، وعن فخّ السلطة والهيبة والانتصارات
والهزائم. ولعلّ فعل
الشجاعة هنا ينطبق، أيضاً، على الفأر المدعو ديسبيرييو: ذلك أن المنطق
العام،
المتحكّم بحياة الفئران تاريخياً، يفرض على الفأر المولود حديثاً أن يتدرّب
على
الخوف من كل شيء ومن الناس جميعهم. يفرض عليه، أيضاً، أن يبقى
مختبئاً في الجحور
الضيّقة، وأن يبتعد عن الكائنات البشرية، وإلاّ فإن القصاص المنزل عليه
قاس. لكن
ديسبيرييو لا يأبه بالنظم المعمول بها في عالم الفئران: فهو لا يشعر بأي
خوف، ولا
يتردّد عن خوض المغامرة بغية التعرّف على الجديد والتواصل مع
الآخرين، حتى ولو كان
الجديد رواية (يُفترض بالفئران أن تأكل ورق الكتب، لا أن تقرأها)، والآخر
»بني آدم«
من
لحم ودم محتلفين عن لحمه ودمه. إنها المغامرة التي تذهب به إلى تخوم أبعد
بكثير
من
تلك المصنوعة في عالمه، خصوصاً أن قصّة أخرى تُسرد في الوقت نفسه، عن جرذ
مختلف،
هو الآخر، عن بيئته وعالمه.
القتل
والعنف والمطاردة البوليسية والبحث عن منفذ
للخروج من مأزق الوجود والحصار، مفردات متنوّعة المعاني والأشكال في فيلمي
»سبعة
باوندات« (أو »سبع حيوات« بحسب الترجمة الفرنسية) و»خائن«: في
الأول، يبحث الرجل عن
خلاصه بتبديل حيوات سبعة أشخاص لا يعرفهم، ما يؤدّي به إلى العجز المطلق عن
إيقاف
هذا النزف الذاتي، قبل أن يُغرم بامرأة (إحدى الشخصيات التي يُطاردها)
تمنحه القدرة
على تبديل حياته، هذه المرّة. في الثاني، عنف الصراعات
الاستخباراتية/ الأمنية يدفع
محقّقين اثنين إلى مواجهات حادّة، قبل أن يقع أحدهما فريسة الشكّ بإقامته
علاقات
خطرة مع جهات وأشخاص. إذا شكّل الأول مساحة لطرح سؤال الخلاص
الروحي/ النفسي، من
خلال فعل الحبّ؛ فإن خلاص الجماعة، في الثاني، رهنٌ بقدرة البطش البوليسي
على إنهاء
الأزمة، والاستعادة الموقّتة (طبعاً) للهدوء النسبي.
السفير اللبنانية في
29
يناير 2009 |