قال
المخرج الايراني الشاب روح الله حجازي ، والذي حضر الى روتردام بفيلمه
الاول "بين الغيوم" ، إنه لايريد ان يتكلم في السياسة أبدا. رده هذا، كان
على سؤال سيدة ايرانية شابة في النقاش الذي دار بعد عرض فيلمه ، عن العلاقة
الحالية لايران بالوضع العراقي. جواب المخرج الشاب ممكن تقبله تماما ، لو
لم يسبقه تفسيره الواضح و الذي لا ريب فيه ، عن رمزية المشهد الاخير في
الفيلم ، عندما يرفض البطل المراهق الايراني الجنس الذي عرضته عليه الشابة
العراقية ، وبان الصبي ، هو ايران الدولة ، والتي لا تريد الا الخير
لجيرانها وتمد العون لهم حتى بعد إساءة هؤلاء الجيران لها!!
واذا كان
العرب يشكون دائما ، من صورتهم النمطية في السينمات الاجنبية ، وبالاخص في
هولييود ، فهذه سينما "طليعية" جارة ، تقدمهم بشكل لا يختلف كثيرا ، عما
اعتادت هوليوود ان تقدمهم به ، وربما بشكل اكثر فداحة وفجاجة ، فالعرب
المارون بافلام هوليوود هم عابرون بالغالب ، يظهرون لدقائق ، بسحناتهم
المتجهمة ، وعنفهم الجيني ، وينتهون الى الموت او الخسارة ، اما عراقيو
فيلم "بين الغيوم" ، فهم ابطال الفيلم ، والذين يسيرون الاحداث ، ويحصلون
على التعاطف ، قبل ان يكشفوا على وجوههم الحقيقية وخداعهم وقسوتهم.
تجري معظم
احداث فيلم "بين الغيوم" ، في الحيز الجغرافي الضيق بين الحدود الايرانية
والعراقية ، وللذين قطعوا هذا الطريق من العراقيين بعد حرب 2003 (وعددهم
بالملايين الآن)، يعرفون تماما ، ماذا تعنيه هذه الحدود ، فالعراقيون عليهم
ان يقطعوا على الاقدام مسافات تصل احيانا الى كيلومتر كامل قبل ان يصلوا
الى حدود ايران في ذهابهم ، او الى حدود بلدهم في رجوعهم. فالسطات
الايرانية التي منعت دخول السيارات العراقية ، فرضت على الحجاج ترك سيارتهم
العراقية التي توصلهم الى الحدود والمشي ، حتى الوصول الى الحدود الايرانية
، حيث تنتظرهم السيارات الايرانية التي تنقلهم الى المدن الايرانية
المختلفة.
منحت هذه
المسافة القصيرة ، أسباب الرزق للمئات من الايرانيين ، والذين تحولوا الى
بائعين متجولين ، او أصحاب عربات يدوية ، ينقلون أمتعة العراقيين ، و
المتقدمين بالعمر والاطفال ، وطالبي العلاج من المرضى العراقيين ، والذين
يقصدون مستشفيات ايران ، بعد ان اثرت الحرب والارهاب على مستوى الخدمات في
العراق.
بطل
الفيلم الايراني هو احد الصبيان ، الذين يقومون بدفع عربات أحمال
العراقيين. بعد مشاهد قصيرة عن حياة الصبي واصدقائه المراهقين واحاديثهم
التي تدور بالغالب عن الفتيات العراقيات الجميلات ، يتعلق الصبي بفتاة
عراقية ، ترافق احد المسنين العراقيين في رحلته الى العراق ، مع جثة ابنه.
يساعد الصبي الايراني الشيخ والفتاة في الحصول على سيارة اجرة ، بل يقوم
بدفع الكفن بنفسه ، بعد ان يرفضوا استغلال احد سائقي التاكسي الايرانيين.
في هذا
الجزء من الفيلم ، يقدم المخرج علاقة "لوليتيه" معكوسة ، فالصبي والذي
يبدو انه لم يتجاوز الخامسة عشرة ، يقع في حب شابة اكبر منه ، ناضجة ،
شديدة الجمال ، تعرف تماما تأثير جمالها على المراهق الايراني المحروم
جنسيا. الانجذاب بين الصبي والفتاة والذي يبدو جنسيا بالكامل ، ، لا ينتهي
الى علاقة جسدية من اي نوع ، فالعراقية تعود الى بلدها ، وتترك الصبي ،
يستعيد صورتها ، بخيالات جنسية ، وعلى قدر ما تسمح به الرقابة الايرانية
المحافظة.
بعد اشهر
من رجوع العراقية الى بلدها ، تصل الى الصبي الايراني رسالة عن طريق عائلة
عراقية تحاول ان تعيد ابنتهم الصغيرة والمحتجزة في ايران بسبب مشاكل ادارية
الى العراق. يتطوع الصبي لمساعدة العائلة ، ويخاطر بتهريبها عن طريق الحدود
الى العراق.
يفصح
الفيلم بعد ذلك ، بان الصبي كان ضحية خداع مزدوج ، فالاب العراقي كذب عليه
، وهرب ابنته من زوجته الايرانية السابقة ، والتي يخوض معها صراعا قضائيا
على حضانة الطفلة ، والشابة العراقية التي كان يعتقد بحبها ، استغلته ،
وجعلته يكسر القانون في بلده.
يمنح
الفيلم ابطاله ، لقاء نهائيا للمكاشفة وطلب الغفران ، فالصبي الهارب من
الشرطة الايرانية الى مدينة مشهد المقدسة ، يقابل العراقية في احد الشوارع
هناك بالصدفة ، ويقوم بمواجهتها بما عملته. الشابة العراقية تفصح انها كانت
ضحية استغلال جنسي متكرر من قبل الرجال في كل مكان ، وهو الامر الذي شوه
روحها ،يرفض الصبي الايراني الروح والجسد بالنهاية ، ويعرض عليها مساعدتها
للرجوع الى العراق بطرق غير شرعية بسبب تعقب الشرطة لها ، ليمثل وكما وصف
المخرج الايراني ، مثالية ايران بتعاملها مع جيرانها.
لا يحتاج
الفيلم بالحقيقة الى تفسيرات المخرج او غيره ، فالسيناريو اصلا يرتكز على
ثنائيات الخيانة والوفاء ، البراءة والخديعة ، والتي قدمت بتقليدية قوية ،
متصاحبة مع اداء ممتاز للصبي الذي قام بدور المراهق الايراني ، واقل تاثيرا
للممثلة التي قامت بدور الفتاة العراقية.
المخرج
الذي يعيش هو نفسه على الحدود مع العراق ، يخطئ كثيرا بالتفاصيل التي تخص
لباس العراقيين ، فهم يبدون في فيلمهم اقرب الى الهنود او الخليجيين ،
وخاصة لباس النساء ، كذلك يرتكب المخرج اغلاطا كبيرة تتعلق بالعادات
الاجتماعية للعراقيين ، والتي لا تختلف كثيرا عن عادات الايرانيين ،
فالبطلة العراقية تظهر في احد المشاهد ، وهي تضع اكلها فوق الكفن الذي كان
يضم جسد ابن الرجل المسن ، والذي كانت ترافقه ، وهذا احد المحرمات ، وحتى
بالنسبة الى غانية ، مثل العراقية بطلة الفيلم الايراني!
موقع "إيلاف" في
23
يناير 2009 |