المخرج
السينمائي المتميز د. محمد كامل القليوبي هو من أبرز الأسماء في تاريخ
السينما المصرية. وهو من جيل مخرجي الواقعية في السينما المصرية. امتلك لغة
سينمائية خاصة، وجمع في أفلامه بين المستوي الفني الرفيع والرؤية
الاجتماعية انحازت أعماله للمطحونين والبسطاء وتناول بجرأة أهم القضايا
الشائكة في المجتمع المصري. قدم خلال رحلته خمسة أفلام روائية طويلة منها:
«البحر بيضحك ليه» و«أحلام مسروقة» و«ثلاثة علي الطرق» و«خريف آدم» كما
أخرج مسلسلين هما «الابن الضال» و«بعد الطوفان» والعديد من الأفلام
الروائية القصيرة والتسجيلية.
ومؤخراً
قام بتجربة الإنتاج للمرة الأولي في فيلم عن نجيب الريحاني.
حول
مشواره السينمائي وتجربته ورؤيته لحال السينما اليوم كان الحوار:
·
في البداية سألناه عن ابتعاده عن السينما
المصرية؟
ــ أجاب
الفنان القليوبي: لم أبتعد لكنني أبعدت مثلي مثل أبناء جيلي أمثال خيري
بشارة وداود عبدالسيد وعلي بدرخان، ولا أعرف كيف يركن هؤلاء علي الرفوف
وهذا ما هو إلا استنزاف لعقول ومبدعي مصر! باستثناء المخرج محمد خان الذي
نجح في الافلات من قوانين السوق.
لكنني
مازلت أعمل بعدما أخفقت في العديد من المشاريع حيث قدمت فيلم «الهتيف» بعد
أن قمت فيه بجهد طائل إلا أن ممدوح الليثي نقيب السينمائيين أجهضه ولا أعرف
لمن أشكي نقيب السينمائيين؟ بالإضافة لفيلم (ليلة في 68) الذي تم ذبحه
أيضاً في جهاز الإنتاج بالتليفزيون! فهؤلاء القائمون علي الإنتاج يعتبرون
مصر ما هي إلا «دكان» للبقالة.
وليست بلد
يفكر ويمتلك عقولاً ثقافية ولديه رسالة فهم ينظرون إلينا باعتبارنا خارج
الخريطة ولا يهتمون سوي بأفلام الأكشن التافهة والأفلام المتأمركة. الأمر
الذي جعلنا نخرج من المشهد السينمائي حتي باتت أفلامنا لا ترقي لمهرجانات
العالم. وهكذا تقاوم كل المشروعات الجادة والمحترمة. علماً بأن كل
تليفزيونات العالم بتشارك في الإنتاج!
·
خمسة أفلام رغم تاريخك السينمائي الحافل
بالأعمال الفنية المتميزة.. بماذا تفسر قلة إنتاجك الفني؟
ــ مع كل
المعوقات التي تواجهني إلا أنني أعمل في صمت.. والآن انتهيت من إخراج فيلم
لأول مرة عن الفنان الكبير نجيب الريحاني مع ذلك فأنا لا أري أن إنتاجي
قليل لأنني أخرجت كثيراً من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة بالإضافة
لمسلسلين أتصور انه معدل معقول إلي حد كبير في وسط هذا المناخ القاتل.
لكنني أحاول من خلال أعمالي أن أقدم رؤيتي فكل فيلم يحمل تجربة جديدة في
بناء ولغة الفيلم. لأن السينما في نظري لغة وأداة لفهم العالم.
·
في نظرك ما الأسباب التي ساهمت في تفاقم أزمة
السينما؟
ــ انها
أزمة كبري في مصر تعود في تصوري لانهيار التعليم العام والانحطاط الثقافي
الكبير وما يحدث في السينما ما هو إلا انعكاس قوي لانهيار المجتمع فإذا
حاولنا أن نري الإنجازات الثقافية في مصر فلن نجد شيئا يذكر وإذا أطللنا
علي السينما فلن نجد سوي الاحتكار الذي دمر السينما المصرية واقتصرت دور
العرض علي المولات الكبري بأسعارها المرتفعة الأثمان وجمهورها من تلك
الطبقة القادرة التي لا ترغب سوي في مشاهدة تلك النوعية من الأفلام الساذجة
الخفيفة. وبالتالي يحرم ويمنع قهراً جماهير الأحياء الشعبية الفقيرة
و«المضروبة بالجزم» من مشاهدة كل أفلام السوق خاصة بعد موجة الغلاء
المتوحشة الأخيرة رأينا ارتفاعاً مذهلاً في زسعار التذاكر ففي مصر الآن
وصلت لأعلي أسعار في العالم! علماً بأن جمهور الطبقة الوسطي هو الجمهور
الرئيسي للسينما.
بالإضافة
لأزمة الإنتاج والاحتكار لصالح «البقالين» و«الجزارين» فهم يريدون أن
ينبهوا الفلوس ويجروا بسرعة فهم لا يعنيهم من قريب أو بعيد ما يقدمون ولا
القيمة الفكرية أو الفنية للعمل لكن كل ما يهمهم «القرشينات».
وأنا أري
أن احتكار السينما مثله مثل احتكار الحديد والأسمنت والدولة يجب أن تلعب
دوراً حاسماً في القضاء علي تلك الظاهرة من أجل حماية السينما ودعمها.
·
وما سبل الخلاص في نظرك؟
ــ
الشفافية والديمقراطية هما أساس الحل وسنصل من خلالهما إلي القضاء علي
الاحتكار.
·
كيف؟
ــ في
البداية يجب فصل الإنتاج عن التوزيع عن دور العرض مثل أمريكا والدول
الرأسمالية الكبري وإنشاء قوانين ضد الاحتكار حتي لا يوجد من يسيطر علي
الإنتاج والتوزيع أو دور العرض. وهذا في تصوري السبيل الوحيد للقضاء علي
ظاهرة الاحتكار لإعادة هيكلة السينما في غضون 10 سنوات لكن المهم أن نبدأ
وفوراً.
أني أبكي
علي الزمن الذي مضي عندكا ان الرئيس جمال عبدالناصر يسأل لماذا لا يخرج
توفيق صالح الآن؟ بينما كان المخرج حسن الإمام هو المفضل لدي السادات!
·
ومن المفضل الآن؟
ــ قال
القليوبي ساخرا.. لا تعليق.
·
اختلف المؤرخون والنقاد حول التاريخ الحقيقي
لمئوية السينما؟
ــ يجب أن
يؤرخ للسينما المصرية مع أول تصوير مصري وكان ذلك عام 1923 حيث وقف أمام
الكاميرا الرائد محمد بيومي عندما صور عودة الزعيم سعد زغلول. أما عام 1907
فكان أول تصوير علي يد الأجانب حيث صور ألبرتو الإيطالي الجنسية وعزيز
التركي زيارة الخديو لمسجد المرسي أبوالعباس.
·
باعتبارك أستاذ السيناريو في المعهد العالي
للسينما كيف تري التدريس في المعهد؟
ــ
التدريس مهنة مقدسة في نظري وهي عزائي الوحيد لأنني أري يومياً أجيالاً
مبشرة بمستقبل واعد لديهم القدرة علي الخيال والإبداع والمعهد هو المكان
الوحيد الذي يجعلني أشعر بالتفاؤل والأمل في الغد.
·
يرد بعض النقاد أزمة السينما لغياب النصوص
الجيدة.. فهل تري ذلك؟
ــ بالطبع
لا توجد أزمة نصوص في السينما المصرية فأنا كنت عضو لجنة تحكيم لجائزة
ساويرس وكان هناك أكثر من عشرين سيناريو علي مستوي عال جدا لدرجة اننا
قسمنا الجوائز كما انه عرض في المهرجان القومي السابق العشرات من الأعمال
الجيدة الدالة علي وجود مبدعين حقيقيين لديهم الواقع وقضاياه الحقيقية التي
تشغلهم. بعيداً عما سمي مؤخراً بالسينما الشابة وما تقدمه من أعمال تتشبه
بالغرب من حيث الشكل وأماكن التصوير كما في الساحل الشمالي والقري السياحية
المبهرة أما المضمون فحدث ولا حرج.
·
في ضوء ذلك كيف تري مستقبل صناعة السينما في
مصر؟
ــ
الحقيقة نحن غير مهتمين بالمستقبل ولا بالماضي لقد دمرنا الآثار والتراث
السينمائي وليس لدينا قيم حضارية فكم كاتب وكم شاعر وكم فنان لدينا؟ نحن في
حالة اضمحلال واندثار!
الأهالي المصرية في
21
يناير 2009 |