رغم سيادة
النجوم الذكور واحتلالهم الكاسح لبطولات الأفلام المصرية تاركين حيزا صغيرا
للممثلات.. حيزا يكاد لا يذكر.. أمام الهجمة الذكورية الهائلة التي أبعدتنا
تماما عن الزمن الذهبي للسينما .. حيث كانت أسماء فاتن حمامة وشادية وماجدة
وهند رستم ومديحة يسري وليلي فوزي تقف صفا متماسكا أمام أسماء رشدي أباظة
وشكري سرحان وعماد حمدي وصلاح ذو الفقار وأحمد مظهر وأحمد رمزي وحسن يوسف.وحتي
المرحلة الثانية التي أعقبت هذه المرحلة الذهبية تلألأت فيها اسماء سعاد
حسني وميرفت أمين ونجلاء فتحي ونادية لطفي ونبيلة عبيدة ونادية الجندي
وليلي علوي أمام محمود ياسين وحسين فهمي وعزت العلايلي ويوسف شعبان ونور
الشريف وعمر الشريف وفريد شوقي وعادل إمام.سكتة كوميديةهذه الأسماء الكبيرة
كلها تراجعت وكادت تنحسر تماما.. أمام الموجة الكوميدية التي أصابت السينما
المصرية بسكتة دماغية مؤلمة واتجهت الأخطار إلي موجة من شباب وشابات
التمثيل علي موهبتهم واشعاعهم قادرين علي التعادل مع نجوم الكوميديا
الرجالي الذين احتلوا المواقع كلها دون أن يتركوا لأية نجمة أو ممثلة..
الحق في ظهور مؤثر وفعال، وتحولت السينما المصرية في أعوامها الأخيرة..
بفضل نجاح هؤلاء وأفلامهم إلي «سينما للرجال فقط».. فيما شحب وتراجع وجود
النجمات حتي أصبح اكسسوارا جميلا وضروريا لأفلام هؤلاء المضحكين الذين
استولوا علي كل شيء .. الأرض وثمارها وجذورها.عناصر جيدةلقد عقدت الآمال
مثل عدة سنوات علي عدد من العناصر النسائية الجيدة التي اثبتت مقدرتها
الكبيرة وحضورها، كمني زكي وحنان ترك ومنة شلبي وهند صبري، ولكن موجة
الكوميديا الهابطة وأفلام التسلية والإضحال التي لا هدف لها أبعدت مني زكي
عن الشاشة.. بعد أن كانت مرشحة لأن تكون النجمة الأولي في هذه المرحلة لأن
هذه الفنانة الذكية أحست أن الأدوار التي تعهد إليها لا تعادل طموحها
وموهبتها وقدرتها علي العطاء.. كما ابتعدت حنان ترك والتي كانت تشكل أملاً
كبيراً للحضور النسوي علي الشاشة المصرية .. بملء ارادتها عن الشاشة..
مفضلة اقتحام ميادين أخري لا علاقة لها كثيرا بالسينما.انفجار صاعقكما
تراجعت منة شلبي بعد أن تفجرت موهبتها بشكل صاعق في أفلامها الأولي واكتفت
بأن تكون مساعدا حلوا في أفلام يستأثر ببطولتها النجوم الشبان. وحدها ..
هند صبري حاولت أن تقاوم هذا المد.. واستطاعت أن تحافظ علي مستواها الجيد
في الأداء.. حتي عندما حجم دورها في فيلم كالجزيرة علي حساب النجم الكبير
الذي كان يلعب البطولة، ولكنها مع ذلك استطاعت رغم هذا «التقييد» علي
موهبتها أن تترك في الفيلم بصمة خاصة بها.وحده يسري نصرالله انصفها في «جنينة
الأسماك» وهو فيلم انتقائي لم يحظ بنجاح جماهيري وإن كان نجاحه الفني
والأدبي قد جعله واحدا من أهم أفلام موسم 008 السينمائي.هناك نجمات شابات
يحاولن في هذا الخضم الواسع.. أن يفسحن لأنفسهن مجالا للتعبير عن موهبتهن
وامكانياتهن.. أمام المد الذكوري الواسع الذي التهم كل شيء.. علا غانم
تحاول بقوة أن تنوع في أدوارها وفي شخصياتها ولكنها مازالت تبحث عن
«الفيلم» الذي يمكنه أن يؤكدها كنجمة كبيرة.كذلك تفعل «حنان مطاوع» في
اختيار شديد الذكاء لأدوارها وفي محاولة صادقة لاغتنام فرصة كبري .. تماما
كما تفعل زميلتها «دنيا» التي انصفها التليفزيون أكثر بكثير مما انصفتها
السينما.ثقافة وحضور«بسمة» بثقافتها وحضورها الخاص تشكل مذاقا مختلفا
للأداء النسائي وهو ما يرشحها بسهولة لأن تحتل مقاما كبيرا إذا انحسر المد
الذكوري قليلا.كذلك «زينة» التي لا تجيد كبسمة اختيار أدوارها .. تتأرجح
بين الجيد عندما تكون تحت إدارة مخرج متمكن.. والرديء عندما تترك علي
سجيتها.ربما كانت يسرا اللوزي بجمالها البريء وجرأتها واقتحامها أكثر
الوجوه الشابة اقترابا من النجومية الكبيرة.. خصوصا بعد أن انحسر قليلا «اشعاع»
«منة فضالي» التي تجمعت حولها الآمال عند ظهورها الأول والتي لم تستطع
الحفاظ علي مستواها رغم الموهبة الحقيقية التي تملكها .. والكاريزما
الشعبية التي تتمتع بها «بشري» لم تأخذ حظها.. في هذه الدائرة المغلقة التي
تدور بها السينما المصرية، مع أنها تملك مقومات نجمة، كذلك الحال مع
كارولين خليل .. المقلة في أفلامها رغم البصمة الكبيرة والتأثير القوي الذي
يتركه كل ظهور لها علي الشاشة، ان كارولين خليل يمكن أن تكون في يوم ما
مرادفا حقيقيا لسناء جميل في عفويتها وصدق أدائها وقوة حضورها، ولكن عين
المنتجين المحدقة دائما بنجوم الكوميديا والأكشن الشبان لا تود أن تمنحها
هذه الفرصة.الإطار الحديديبقيت الممثلات الطموحات اللاتي أردن أن يكسرن هذا
الحصار الذكوري مهما كان الثمن، عبلة كامل التي تملك موهبة حقيقية وعفوية
تسيل أمامنا كماء النهر حاربت هذا الحصار بسلاح مشابه إذ حاولت أن تقدم
أفلاما ضاحكة علي طريقة المضحكين الجدد وأن تنافسهم في عقر دارهم.ولكن رغم
نجاح بعض محاولاتها الأولي سقطت رغما عنها في نمطية مؤلمة وفي ابتعاد حقيقي
عن مستواها الفني .. مما أدي إلي سقوط فيلمها الأخير «بلطية» رغم أنها
حاولت فيه الخروج قليلا عن الاطار الحديدي الذي وضعته حول عنقها وكاد
يخنقها.ياسمين عبدالعزيز لا تقل عنها طموحا .. وأدركت أن الحرب بين النجوم
الرجال والنجمات الصاعدات بدايته الكوميديا فاخترقته بشجاعة وعناد وأكدت في
تجربتها الأخيرة نجاحاً نسبياً لها.. ربما كان يعود فضله إلي وجود الاطفال
إلي جانبها أكثر مما يعود إلي موهبتها.كذلك فعلت مي عزالدين وإن كان النجاح
الذي حققته زميلتها لم يكن من نصيبها وانطلقت كألعاب نارية اصابها البلل
قبل انفجارها، واثبتت هذه التجارب النسائية أن الطموح وحده لا يكفي لكسب
المعركة التي احتل الكوميديانات الذكور مواقعا متقدمة منها.بقي الهجوم
المضاد .. الذي أتانا من الخارج وتمثل في عدد من الممثلات السوريات
واللبنانيات والتونسيات اللاتي قدمن اعمالا لفتت اليهن الأنظار وتمادت
بعضهن إلي بطولات متميزة.نور اللبنانية التي تتقدم بثقة راسخة متنوعة في
أدوارها قادرة علي التأثير والتقمص، تملك الجمال والموهبة والطموح .. وباتت
تشكل عاملا أساسيا في نجاح الفيلم الذي تلعب بطولته دون أن تصل إلي الحد
الذي يجعلها تتحمل مسئولية فيلم كامل علي عاتقها.غزو خارجي«درة» التونسية
التي أرادت التخصص في أدوار الإغراء النسائي .. ونجحت في أن تكون قاسما
مشتركا في كثير من الأفلام المصرية الأخيرة.. تنافسها في ذلك «دوللي شاهين»
التي تجرؤ علي ما لا تجرؤ عليه أية ممثلة مصرية أخري، وچومانة مراد التي
اشتعلت موهبتها في فيلم واحد هو «كباريه» عادت بعده إلي لعب الأدوار
القليلة الأهمية التي لا تناسب إمكانياتها وقدراتها.سلاف فواخرجي .. التي
لفتت الأنظار بجمالها الرائع في فيلم «حليم» وقدرتها الكوميدية في فيلم «البيبي
دول»، ولكنها كانت تلعب أدوارا ثانوية في هذه الأفلام ولم يكشف الجمهور
المصري مدي قدرتها وموهبتها إلا بعد تجسيدها لشخصية المطربة اسمهان في
المسلسل التليفزيوني الذي حاول رواية حياتها.. بينما اكتشف الجمهور السوري
مبكرا هذه الموهبة من خلال عدة مسلسلات لعبت بطولتها وأفلام سينمائية
أخرجها مخرجون كبار.. أكدوا فيها أن سلاف فواخرجي ليست امرأة جميلة فحسب بل
ممثلة قادرة ومتمكنة.الهجمة النسائية العربية هل ستكون البلسم الذي يشفي
السينما المصرية من داء التحكم الذكوري، أم أن علينا أن ننتظر الدفاع
الحقيقي من بين صفوفنا.هذا ما سنجد الجواب عنه في أفلام موسمنا القادم إن
شاء الله.
جريدة القاهرة في
20
يناير 2009 |