الرجل قارب الثمانين، لكن كلّما تقدم به العمر... ازداد زخماً وحضوراً. ولعل القول إنّ الحديث هنا عن كلينت إيستوود وجديده Changeling (تبديل) لن يفاجئ أحداً. فهو يعمل كما لو أنه ما زال في الثلاثين، غير مبال بكل مسيرته التي ترضي غرور أي سينمائي، ما دام حصل على «الأوسكار» أربع مرات، ومعها 97 جائزة من مهرجانات سينمائية حول العالم، مضافاً إليها 55 ترشيحاً لجوائز متنوعة.

لندع جانباً بطل الـ«ويسترن» الذي كان إيستوود إياه ولننسَ لكماته الشهيرة ونظرته التي تقدح شرراً. إنّه المخرج المدهش الآن، صاحب «فتاة بمليون دولار» الذي أتبعه ــ بعدما حصد عليه أربع أوسكارات بما فيها أوسكار أفضل مخرج ــ بفيلمين هما «رسائل من ايو جيما» و«رايات آبائنا» اللذين نفّذهما عام 2006.

جديد إيستوود هذه المرة يهبّ من مرحلة مفصلية في تاريخ التكوين الاجتماعي للولايات المتحدة. إذ يتّخذ من لوس أنجليس عام 1938 مسرحاً لمأساة هي وقود الدراما، إذ تضيء حجم الفساد المحيط بها. يحكي فيلم «تبديل» الذي يُعرض حالياً في الصالات اللبنانية، عن امرأة مطلّقة تُدعى كريستين (أنجلينا جولي) تعيش مع ابنها الوحيد في ضواحي لوس أنجليس، وتجهد لتحصيل رزقها ورعاية ابنها في الوقت نفسه. ومع تعرفنا إلى تفاصيل حياتها، تضطر في عطلتها للذهاب إلى عملها لأمر طارئ، وما أن تعود إلى البيت حتى يختفي ابنها من حياتها.

من الطبيعي أن تلجأ الأم إلى الشرطة، وبخطّ موازٍ نتعرف إلى حملةٍ يقودها جون مالكوفيتش على فساد تلك الشرطة. وبناءً عليه، يكون العثور على ابنها وإعادته إليها مناسبةً للشرطة لتبرز من خلالها قدرتها المشكوك فيها على صون السلم الاجتماعي، وتسليط الضوء إعلامياً على ذلك، لكن حين تتسلم كريستين ابنها، تكتشف أنّه ليس ابنها الحقيقي.

وعندما ترفض القبول بالأمر الواقع وبابنها «الجديد» بناءً على طلب ضابط الشرطة، وخصوصاً أنّ نجاحه في استعادة الولد الضائع صار في عهدة وسائل الإعلام، يضعها الضابط ـــــ من دون محاكمة أو معاينة ـــــ في مصحٍّ عقلي للتخلّص منها.

الفساد سيكون مستشرياً تماماً، يطال كل شيء، سفّاح الأطفال سيُكتشف بعد أن يكون قد قتل العشرات، وانقلاب الأمور لمصلحة كريستين لن يعيد إليها ابنها الذي يبقى لغزاً محيّراً. ولعل الفيلم محتشد بالأحداث والانعطافات الدرامية التي ستؤلف في النهاية وثيقةً تاريخيةً واجتماعيةً للحياة الأميركية وفق بنية مشوقة، تتوالى فيها الأحداث على إيقاع لا يبهت طوال ساعتين ونصف هي مدة الفيلم الذي جسّدت فيه جولي واحداً من أهم أدوارها.

صالات «أمبير» و«غراند سينما»

الأخبار اللبنانية في 15 يناير 2009