قبل10
سنوات, كان محمد هنيدي هو حديث مصر كلها بنجاحه الجماهيري, وكان شباك
التذاكر يشهد ازدحاما, ويمتد امامه طابور طويل, وعادت لصالات العرض
جملة كامل العدد.. وقد اصابت ايرادات فيلم صعيدي في الجامعة الامريكية
دهشة وذهول صناع السينما أنفسهم, ونجحت مغامرة استغلال نجاح فيلم
اسماعيلية رايح جاي.. وانطلق هذا الكوميديان اللطيف, وتابع نجاحه بفيلم
همام في امستردام.. وبسبب هذا النجاح بدأت السينما مرحلة جديدة, وسادت
الافلام الكوميدية.. ولم تعد السينما تري سواها, فكانت الكلمة العليا
للممثل المرح أو الكوميدي, وتسلم الراية من هنيدي كل من علاء ولي الدين
ثم محمد سعد ثم احمد حلمي( في البداية) ثم احمد مكي.. والمهم انه
سادت الكوميديا الاستهلاكية أو الفارغة.
ارتبك
محمد هنيدي تماما بعد نجاحه الساحق, ولم يعرف بالضبط ماسر النجاح ليظل
علي القمة؟.. واقام معادلته علي أن حب الناس وحده سبب كاف للاستمرار
والنجاح, وكان له في كل عام فيلم, ولكن الايرادات ـ وهي مصدر قوته
الحقيقية ـ كانت تتناقص بدلا من أن تتزايد.. وكرر محمد سعد نفس الخطأ,
وتداركه احمد حلمي, ومازال احمد مكي يفكر ويفكر.. ولكن ظلت الناس تنتظر
أن يسترد محمد هنيدي عافيته, لانه فنان مرح تلقائي, وحضوره محبب,
وخفيف الظل بحق دون خشونة أو محاولات ابتزاز الضحكات, وان كانت معالجات
أفلامه الثمانية المتتالية منذ عام2000 لم تسعفه, ولم تبقه علي
القمة.
في فيلم
رمضان مبروك ابوالعلمين حمودة يسترد محمد هنيدي عافيته القديمة, ويؤكد
أنه مازال موجودا بقوة, وقفزت ايراداته الي16 مليونا في ستة اسابيع,
وهو رقم لم يستطع أن يتخطاه في أفلامه الثمانية الاخيرة... لماذا؟
دعك من
طول اسم الفيلم وخلوه من المعني, والذي جعلنا وكأننا نقرا أسما في بطاقة
شخصية بالسجل المدني, وليس عنوانا سينمائيا, وقد ارادوا به أن نضحك
ولكننا لم نضحك!.. انما ضحكنا مع الفيلم وسعدنا به.. صحيح أن العمل ككل
لا يحمل جديدا, ولكن هنا تعود لهنيدي قدرته ولياقته علي الاضحاك, فهو
لا يتعامل مع الشخصية التي يقدمها باستسهال, انما باجتهاد واضح سواء في
اسلوب الاداء, وطريقة الانفعال( التي بدت زائدة في بعض المواقف),
وحتي اختيار الملابس والاداء الحركي, والاهم أنه ترك في رمضان
مبروك.... مساحات لوجود كوميديا الموقف من خلال الشخصيات الاخري( افتقد
هذا في أفلامه الاخيرة, فكان يوجد دائما, ويلعب اكثر من شخصية).
سر نجاح
الفيلم اننا امام شخصية تتحرك في محيط عملها, وهي مدرس صارم وملتزم يحرص
علي تعليم تلاميذه, ويتصدي لطيشهم ومشاغبتهم التي تفرضها مراهقة المرحلة
السنية التي يعيشونها, ويلمح العمل لما اصاب التعليم من تحلل بسبب انتشار
الدروس الخصوصية, وظهور المدارس الخاصة لابناء الاثرياء( ليس صحيحا ان
الفيلم يعالج مشاكل التربية والتعليم, انما يلمس فقط بعض الظواهر السلبية
السائدة).. وتبدو الشخصية متماسكة ولها ملامح واضحة لانها اصلا مقتبسة من
الفيلم الالماني الملاك الازرق, وليس بسبب اجتهاد يوسف معاطي صاحب
السيناريو في رسمها, ولنفس السبب كان لابد من بطلة تشغل مساحة مهمة
بالاحداث, بطلة تلعب دور الممثلة الساحرة مادلين ديتريش الذي صنع فيلم
الملاك الازرق ـمجدها, فكان اختيار الممثلة والمطربة اللبنانية شيرين
عبدالنور التي كانت من اسباب نجاح الفيلم حضورا وغناء.. ورغم المحاولات
التي تبدو واضحة لتلقيص دورها لحساب اضافة مواقف للبطل رمضان...., مما
جعل علاقتها بالبطل مبتورة, وتصبح تضحيتها بالفن ورغبتها في ان تصبح زوجة
وتغير حياتها لتعيش في الريف غير مبرر, فهي لم تحقق هذا الحب العظيم الذي
يجعل هذا المدرس الالزامي فارس احلامها.
قام
السيناريست يوسف معاطي بحرفية في تقديم مجموعة من المشاهد المتعاقبة التي
تحقق الضحك, ولكنه لم ينجح في الاقتراب من قضايا التعليم في مصر, بل
انه افسد الموضوع المقتبس ليجعل بطله في النهاية يرتبط بحبيبته
المغنية!.. ولعل الحس الكوميدي الجيد للمخرج وائل احسان كان من اسباب
اعادة محمد هنيدي لياقته علي الاضحاك, واختياره للممثلين المساعدين:
عزت ابوعوف وضياء الميرغني ولطفي لبيب وادوار ومحمد شرف والشبان الثلاثة
الذين لعبوا ادوار المشاغبين, ويظل اختبار شيرين عبدالنور هو الاهم,
وتظهر الحرفية في اختيار فريق العمل من الفنيين: ايهاب محمد علي مديرا
للتصوير ومعتز الكاتب مونتيرا وعمرو اسماعيل للموسيقي التصويرية.
لقد استرد
محمد هنيدي قدرته علي الضحك مع الجمهور, فاستقبله الجمهور مرحبا, ولكني
اظن ان المطلوب منه في الفيلم القادم الا يكتفي بالضحك فقط.. فالسينما
المصرية الآن لم تعد ـ مثلما كانت ـ ساحة خالية لنجوم الكوميديا وحدهم.
الأهرام اليومي في
14
يناير 2009 |