يلاحظ في
بعض الدول العربية التي لا توجد فيها صناعة سينمائية، طموح شديد لإخراج
الأفلام الروائية الطويلة من قبل عشرات السينمائيين الشباب، الذين درسوا
السينما وعادوا إلى أوطانهم بأحلام إنتاج أفلام سينمائية يحققون من خلالها
طموحاتهم الإبداعية. ولأنهم لم يجدوا الفرص المأمولة فقد شرعوا في البحث عن
السبل الملائمة لتحقيق طموحاتهم، منها حث حكوماتهم على تأسيس صناعة
للسينما.
قبل نحو
ما يقارب الخمسة والثلاثين عاما، انعقد في مدينة دمشق المهرجان الأول
للسينمائيين الشباب العرب. كان المشاركون في معظمهم قادمين من دول ليس فيها
صناعة سينمائية، ومنها السودان والكويت، والعديد منهم تمكن بطريقة أو بأخرى
من إنتاج فيلم روائي طويل واحد أو حتى فيلم تسجيلي. طرحت أثناء المهرجان
العديد من الاقتراحات والمطالبات ذات العلاقة بتطوير السينما العربية، وعلى
الرغم من أن مطالبات السينمائيين الشباب كانت مفعمة بالآمال والحماس إلا
أنه لم يكن من بينها مطلب خاص بتأسيس “صناعة” سينمائية في الدول العربية،
مع انه في حينه، كان يمكن لمطلب من هذا النوع أن يستند لمبررات كثيرة. وعلى
الأغلب، فإن ذلك التجاهل لمطلب تأسيس “صناعة” سينمائية كان سببه الحاجة
للبحث عن حلول عملية وليس وهمية، حلول تنطلق من الممكن وليس من المرجو
المستحيل. المطلب الممكن آنذاك والأكثر واقعية كان يتعلق بإمكانية إنتاج
الأفلام التي أطلق عليها صفة “السينما البديلة”.
إن رفع
شعار تأسيس صناعة سينمائية في الأقطار العربية، خاصة في الوقت الراهن الذي
شهد انقلابات نوعية في تقنيات صنع الأفلام، ليس أمراً واقعياً لأن
“الصناعة” كلمة كبيرة ولأن الدول العربية كانت ولم تزل دولاً غير صناعية
بالمعنى الحقيقي للمفهوم.
كما أن
الشعار لا يمكن أن يجد تفهما له من قبل أنظمة الحكم العربية والمؤسسات
المالية والاقتصادية الكبرى سواء بسواء، التي لا تفهم السينما كقيمة ثقافية
ولا ترى فيها مشروعا استثماريا ذا جدوى اقتصادية. وفي الحقيقة، فإن شعارا
من هذا النوع يبعث على الخوف أكثر مما يثير الحماس أو التفهم لدى مؤسسات
القطاع العام أو الخاص. من حيث المبدأ، وبغض النظر عن مدى تجاوب أو عدم
تجاوب المؤسسات العامة والخاصة في الدول العربية مع هذا المطلب، فلهذا
الشعار الآن ما له وما عليه.
ما له، هو
توفر الكفاءات والخبرات البشرية المساعدة في كافة المجالات والتي تم
اكتسابها من خلال مهنة شقيقة للسينما هي تحقيق البرامج والمسلسلات
التلفزيونية والأغاني المصورة (الفيديو كليب). وكل ما يحتاجه السينمائيون
في هذا المجال هو تطويع الخبرات التلفزيونية وملاءمتها لطبيعة وخصوصيات
السينما، فما قد يبدو مقبولا من حيث الشكل في التلفزيون، يمكن أن يكون
نشازا منفرا غير مقبول في السينما (خبرات كتابة نصوص السيناريوهات، إدارة
الممثلين، الديكور، الأزياء، المكياج وغيرها). ما يجب ملاحظته هنا أولا، هو
أن تأسيس صناعة كهذه، في دول العالم العربي، وفي زمن كهذا، وحتى لو صفيت
النوايا وقر القرار، ضرب من المستحيل، كما أن التفكير فيه نوع من العبث غير
المجدي، لأنه ثبت، حتى من تجربة الدول الأوروبية التي توجد فيها صناعة
سينمائية، أن المسألة ليست في قيام صناعة سينمائية بل في القدرة على
السيطرة على توزيع ونشر وعرض الأفلام محلياً وعالمياً.
ثانياً،
إن تأسيس صناعة سينمائية، بمعنى إيجاد وتمويل البنية التحتية والتقنية
لإنتاج الأفلام السينمائية، على ما يحتاجه الأمر من سنوات طوال وأموال
كثيرة، أمر لم يعد ضرورياً في يومنا هذا وقد تنتفي ضرورته كليا في المستقبل
غير البعيد كثيراً، وذلك بسبب نوعية الاكتشافات الجديدة التي استبدلت
بالتقنيات الإلكترونية الرقمية بعض التقنيات السينمائية التقليدية وستستكمل
في وقت لاحق مسيرة استبدال بقية التقنيات السينمائية (بداية من الكاميرا
السينمائية وشريط الفيلم السينمائي التقليدي الخام وانتهاء بصالات العرض
السينمائية التي ستتخلى عن آلات العرض السينمائية التقليدية وستتوحد تحت
راية واحدة تضم مجموعة شبكات بث تلفزيونية رقمية).
ثالثاً،
إن هذا المطلب مطلب تعجيزي يحول الأنظار عن مطلب آخر أكثر بساطة وأكثر
إلحاحاً وجدوى وينضوي تحت لواء “الممكن”، فيما لو توحدت وتضافرت الجهود من
أجل تحقيقه، ألا وهو تمويل أو دعم إنتاج أفلام سينمائية، على أن تكون
الأفلام ناجحة بكل المقاييس بحيث يكون كل فيلم قادرا من خلال نجاحه، محلياً
ودولياً، قادراً على أن يحفز على تمويل فيلم تال يولد بدوره، شرط أن يكون
ناجحاً، فيلماً ثالثاً، ويجعل السينمائيين جميعا، كما المشاهدين، يسيرون
فخورين بأفلامهم الوطنية.
الخليج الإماراتية في
10
يناير 2009 |