إحسان القلعاوي.. ممثلة لم تعرف الندم جاء المشهد الأخير للفنانة الكبيرة إحسان القلعاوي مكملاً لمشاهد كثيرة عاشتها في حياتها الفنية الطويلة بعمر الزمن حيث تتجاوز نصف القرن.. أو يزيد.. القليلة بحجم الأدوار التي قدمتها في السينما والمسرح والتليفزيون..فرغم اعتراف الجميع بموهبتها الكبيرة.. وأدائها المتميز إلا أنها لم تعرف أبداً كيف تسوق فنها في سوق العمل.. حيث كانت تقبع دائماً علي هامش ذاكرة المخرجين رغم تربعها في قلوب الملايين من عشاق فنها.كانت طالبة في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية في الخمسينيات ورغم الجو الثوري وسيطرة السياسة علي كل شيء في الحياة إلا أنها كانت تعشق التمثيل فالتحقت بالدراسة المسائية بمعهد الفنون المسرحية وهناك التقت بالفنانة الكبيرة أمينة رزق التي أخذتها من يدها لتسلمها إلي المخرج الكبير نبيل الألفي الذي تبني مواهبها وقدمت معه العديد من الأعمال الفنية.ورغم زواجها من الكاتب السينمائي محمد أبويوسف إلا أنها لم تنل حظها من السينما فلم تقدم خلال مشوارها الفني سوي تسعة عشر فيلماً فقط.. فقد كان زوجها الفنان والكاتب السينمائي الكبير يرفض أن تعمل في مجال تخصصه لذلك اتجهت بقوة إلي العمل في الإذاعة والتليفزيون والمسرح.كانت بدايتها الفنية من خلال ميكروفون الإذاعة حيث قدمت مجموعة من المسلسلات التي حققت بها جماهيرية كبيرة عندما كان المسلسل الإذاعي يتمتع بجماهيرية ساحقة في الشارع المصري ومن أشهر مسلسلاتها دور زنوبة في «عودة الروح» من إخراج حسين كمال كما جسدت العديد من الأدوار المهمة في الإذاعة وأصبح صوتها يمثل بصمة ثابتة في آذان المشاهدين.. ومن أشهر الشخصيات التي استمرت تقدمها سنوات طويلة شخصية عزيزة في المسلسل الأشهر «عائلة مرزوق أفندي».بدأت إحسان القلعاوي حياتها الفنية بتقديم الأدوار التراجيدية التي كانت تنافس فيها ندابة مسرح رمسيس القديرة أمينة رزق في استدرار دموع المشاهدين والمستمعين أيضاً.كانت تحلم في بداية مشوارها الفني أن تكون «فيديت» لذلك تمسكت بأدوار التراجيديا لفترة طويلة حتي جاءت المصادفة عندما رشحها المخرج نبيل الألفي لدور كوميدي صغير في مسرحية «زواج فيجارو» وحققت به نجاحاً كبيراً يومها قال لها الألفي: إنت أحسن في الكوميدي.. ومن يومها وهي تعشق الكوميديا وتحولت من «ندابة» إلي صانعة للابتسامة.. وتوالت أعمالها المسرحية خاصة في المسرح الكوميدي ومسرح القطاع الخاص ومن أشهر مسرحياتها «هانم».كانت إحسان القلعاوي رغم اعترافها بنجومية وعظمة القديرة ماري منيب لا تري نفسها امتداداً لها مؤكدة أن ماري منيب لا يشبهها أحد.. لذلك كانت تري نفسها امتداداً للعظيمة نعيمة وصفي ورغم ذلك لا تنكر فضل ماري منيب عليها.. بل وعلي جيلها بالكامل.إحسان القلعاوي هي ابنة الفنان عبدالحليم القلعاوي وشقيقة الفنان محمود القلعاوي وقد ساعدتها ملامحها وبدانتها علي تجسيد أدوار الزوجه غير المرغوب فيها مثل دورها في فيلم «السمان والخريف» وتتابعت أدوارها السينمائية بعد ذلك في المحضر، قلوب الناس، وعد، قصة حبي، عهد الهوي، هارب من الأيام، كنوز، لا شيء يهم، يمهل ولا يهمل، مسافر بلا طريق، رجب الوحش، كل هذا الحب، الوحوش الصغيرة، شوادر، المرأة والساطور. وفي عام 000 قدمت دوراً كوميدياً في فيلم: فيلم ثقافي مع المخرج والسيناريست محمد أمين مما جعله يرشحها بعد ذلك بخمس سنوات لتقوم بدور الجدة في فيلم «ليلة سقوط بغداد».. ويومها كانت تزور ابنتها «مايسة» المقيمة في ولاية نيوجرسي بالولايات المتحدة الأمريكية، واتصل بها محمد أمين ليعرض عليها الفيلم حيث شجعها علي العودة في أقرب وقت وقال لها إنه لن يعرض الدور علي أحد سواها قبل عودتها مما زاد من سعادتها.. وأثناء قراءة السيناريو كانت تشعر لأول مرة منذ سنوات أنها أمام ورق مكتوب مخصوص للسينما كانت تقرأ مشاهده وكأنها تشاهدها علي الشاشة.. فقد كانت كثيراً ما ترفض المشاركة في أفلام لأنها كانت تجد السيناريوهات المعروضة عبارة عن حوار فقط.. أما سيناريو «ليلة سقوط بغداد» فقد كان متكاملاً، إلي جانب الأفكار المهمة التي كان يطرحها الفيلم وهو ما شجعها علي تجسيد الدور رغم مساحته الصغيرة.. وفي نفس العام شاركت الفنان حكيم تصوير فيلم علي سبايسي حيث كان عام 005 نهاية عملها بالسينما.وإن لم يتوقف عطاؤها الفني حيث شاركت في العديد من الأعمال التليفزيونية كان آخرها «قضية نسب» مع الفنانة الكبيرة عبلة كامل والمخرج السيناريست مدحت السباعي.الطريف أن الفنانة الكبيرة لم تحصل علي البطولة المطلقة خلال مشوارها الفني الذي بدأ في منتصف الخمسينات حتي عام 001 عندما رشحتها المخرجة مها عبدالمنعم لبطولة سهرة درامية بعنوان «ماما عائشة» عن قصة وسيناريو وحوار أحمد عفيفي وشاركها البطولة لأول مرة أيضاً علي حسنين ومجموعة من الشباب منهم أميرة العايدي وأحمد سلامة مع الفنان القدير رشوان توفيق وفيها جسدت دور عائشة السيدة الثرية التي تبحث عن السعادة والحب في أيام عمرها الأخيرة.وخلال السنوات الأخيرة تفرغت إحسان القلعاوي للعمل التليفزيوني حيث قدمت الأدوار التي تناسب عمرها فقدمت أدوار المرأة القوية أو الحماة المتسلطة.شاركت إحسان القلعاوي نجوم السينما الرواد والشباب في أعمالهم وكانت شديد الإعجاب بأداء عبلة كامل وماجدة زكي والراحلة سعاد نصر والمتألقة نشوي مصطفي التي كانت تقول عنها: «تعطيني انطباعاً بأنها دارسة وعارفة بتعمل إيه».وفي العام الماضي عاشت إحسان القلعاوي أجمل لحظات حياتها عندما تم اختيارها للتكريم في مهرجان الإعلام العربي مع عمار الشريعي ورشوان توفيق وحمدي الكنيسي.. وكانت سعادتها طاغية لدرجة أنها قالت يومها: كويس إنهم افتكروني قبل سر ربنا ما يطلع! وأضافت: كل الأعمال التي شاركت فيها أشعر بالفخر لأنني قدمتها وليس من بينها عمل ندمت علي تقديمه.كان ذلك منذ عام ونصف ويوم الأربعاء الماضي فاضت روحها الطاهرة إلي بارئها عن عمر يناهز 76 عاماً بعد صراع طويل مع المرض حيث كانت تقيم لدي ابنتها في ولاية نيوجرسي حيث تم دفنها بمقابر المسلمين.وخلال مشوارها الفني الذي تجاوز نصف قرن أو يزيد قدمت عشرات الأعمال الفنية التي تمتعت بها وأمتعت جمهورها الكبير.. وان كانت قد توقفت سنوات في منتصف الستينات تفرغت خلالها لتربية بناتها حتي حصلت «إيناس» علي الدكتوراة في الإعلام «ومايسة» علي الدكتوراة في علم اللغويات وهي ابنتها التي كانت ترعاها خلال فترة مرضها حتي توفاها الله.. تغمدها الله برحمته وأسكنها فسيح جناته بما قدمت لأمتها من عطاء فني جميل.

جريدة القاهرة في 6 يناير 2009