اشتغلت المخرجة المصرية تهاني راشد (61 عاماً) قبل أن يأتي فيلمها التسجيلي الأخير البنات دول على جوانب من حكاية الهجرة في مقاطعة كيبيك الكندية حيث تقيم ثم اتبعته بفيلم في بيروت مطلع الثمانينات قبل أن تنجز مجموعة من الأعمال التسجيلية عن الإيدز والفقر ومواضيع متنوعة.

راشد من واحدة من بين المخرجات العربيات القليلات اللواتي شاركن في مهرجان كاّن ضمن الاختيار الرسمي ( البنات دول ، 2006). ما يهمّ فعلاً هذه المخرجة هموم ومتاعب النسوة في بيئتهن وتصوير عيشهن مع مصاعبهن ومشكلاتهن وإفراد مساحات بصرية في نهوضهن عبر إيجاد بدائل وطرق جديدة للتحدي والانعتاق من خلال تجسيد أحلامهم . تتحدث راشد عن بداياتها مع كاميرا الفيديو وتقول كانت لديَّ ميول فنية ورغبت أن أصبح رسامة منذ صغري كنت ارسم عند جدتي التي كانت تحتفظ بلوحاتي قائلةً إني سأصبح رسامة يوماً ما.

هذا كان حلمي الكبير وقد وجدتُ لاحقاً الرابط بين التعبير السينمائي والناس والحياة عندما كانت مضطرة للعمل لأساند أسرتها حيث قررت العمل في شركة طيران في قسم الحجوزات لكنها ظلت تحلم في الالتحاق بكلية الفنون كان ذلك العام 1968 مبينة أنها في تلك الفترة كانت تهتم كثيراً في مسألة الهوية ومسالة الصراع بين الثقافات وفجأة أدركت أن الحياة هي في الشارع بين الناس وليست في عيش متقوقع في محترف فني وفوراً قررت ترك كلية الفنون لتعمل في الشؤون الاجتماعية ثم دخلت مجالات كثيرة إلى إن تعرّفت إلى احد الأشخاص من صناع الأفلام بأسلوبية الفيديو فتعاونت معه .

وعن قيامها بتحقيق أفلام تقتصر أحداثها عن عوالم النساء ومناصرتهن تؤكد راشد هذه الخصوصية ولا تنفيها باعتبارها واحدة من بين تلك النسوة فهي امرأة فهذه المهنة تقترن باللقاءات والتواصل بغية تصوير الأفلام حيث تولّد الصداقات مع أناس رائعين لم تكن لتلتقيهم لولا عملها بالأفلام فهي تعترف بأنها كسولة إلى حدّ ما وإذا لم تكن مخرجة وتصور أفلاما فلا تظن إنها كانت لتفعل شيئاً آخر وهذا سمح لها بأن تلتقي شخصيات زودتها بالشجاعة والرغبة في العيش رغم كل العقبات إلا أنها تستدرك بان ذلك غير مفهومها لأشياء عديدة بمفاهيم الحياة .

وترى راشد التي سبق ان قدمت فيلم امرأة من فلسطين ، أن الفيلم التسجيلي أرضا خصبة لاكتشاف الناس وواقعهم بعكس النوع الدرامي في الفيلم الروائي من هنا ظلت ملتصقة بالمنحى التسجيلي الذي تعلمت من خلاله صناعة الأفلام والتعبير عن قضايا المهمشين على نحو مؤثر عبر عين تسجيلية ترصد وتوثق قبل أن تقوم بحمل الكاميرا وتصويبها نحو شرائح إنسانية يأخذونها إلى البعيد لتبدأ في تسجيل حيوات ومصائر دون أن تعرف ما الشكل الذي سيأخذه الفيلم لاحقا وإنما كل ما تعرفه أن لديك لقاءات وحوارات شاقة ومثقلة بالبؤس ومفردات العذاب اليومي وهو من شأنه أن يكفل لها رصيدا من الحب والانصهار مع أولئك البشر في لحظات اندفاعهم وصعودهم وسقوطهم.

الرأي الأردنية في 1 يناير 2009