حققت
صناعة السينما نجاحا علي مستوي الكم ـ أي من حيث عدد الأفلام التي
عرضت(47 فيلما).. ومن حيث الكيف شهد العام عرض عدد من الافلام التي
تناولت قضايا ومواضيع جريئة, كما شهد لقاء النجمين الكبيرين عادل إمام
وعمر الشريف لأول مرة وبرز عدد من الوجوه اللامعة.
بلا منافس
احتل فيلم حسن ومرقص بطولة عادل أمام وعمر الشريف مقدمة الافلام المتميزة
فكرا وجرأة وقيمة لكونه تعرض لموضوع العلاقة بين المسلمين والاقباط وفضح
اراء المتشددين من الطرفين وحقق الفيلم نجاحا جماهيريا ونقديا ونال عددا من
الجوائز والتكريمات ويحسب للنجم عادل إمام حماسته واصراره علي تقديم الفيلم
الذي نجح في إخراجه وإدارته المخرج رامي إمام.
ومثل كل
الاعوام هناك رابحون وخاسرون ومن أبرز الافلام والنجوم الرابحون النجم
الكوميدي أحمد حلمي لنجاحه في مواصلة تحقيق ايرادات كبيرة بالإضافة لاحداثه
نقلات كبيرة علي مستوي الاداء أو اختيار الموضوعات وفيلم كبارية الذي شارك
في بطولته حشد من الممثلين وتناول مواضع جريئة ومن أبرز النجوم خالد الصاوي
وصلاح عبدالله وفتحي عبدالوهاب وفي فيلم الريس عمر حرب برز ولمع خالد صالح
وأيضا هاني سلامة الذي يتميز بتنوع ادائه واختياراته, وعلي مستوي الاخراج
سعي خالد يوسف إلي إحداث نقلة علي مستواه الفني سواء كانت بجرأته غير
العادية أو بطرحه مواضيع مثيرة للجدل.. ومن الافلام المهمة ليلة البيبي
دول رغم ما أثاره من جدل ويحسب له جرأة ما طرحه من مواضيع سياسية وهو أضخم
عمل سينمائي وقد جمع نجوما في حجم وقيمة محمود عبدالعزيز ونور الشريف
ومحمود حميدة وليلي علوي وسلاف فواخرجي.. ومسجون ترانزيت من الافلام التي
حققت نجاحا جماهيريا بفضل حالة التجدد التي تملكها المخرجة ساندرا بالإضافة
لوجود جيلين من النجوم فالفيلم جمع بين نور الشريف وأحمد عز, ومن الافلام
التي لفتت الانتباه فيلم طباخ الريس بطولة طلعت زكريا وخالد زكي واخراج
سعيد حامد ويحسب للرقابة الموافقة علي عرضه أيضا من الأفلام التي حققت
نجاحا رمضان مبروك بطولة محمد هنيدي الذي استعاد مكانته الجماهيرية بفضل
تناول قضية اجتماعية مهمة ومن الافلام المتميزة الوعد الذي اثبت فيه الكاتب
الكبير وحيد حامد قدرته علي كتابة جملة حوارية متميزة وتناول وتقديم أعمال
لها قيمتها وجرأتها الشديدة. وتألق عدد من الشبان واستطاعوا أن يثبتوا
وجودهم ومنهم آسر ياسين ومحمد إمام وأحمد عزمي وأروي جودة وشيرين عادل
وروبي وايمان العاصي ايتن عامر. ويعد المؤلف يوسف معاطي من أهم المؤلفين
لنجاحه في تقديم ثلاثة أفلام جديدة فكرا وموضوعا وجرأة وهي حسن ومرقص و
رمضان مبروك و طباخ الريس.
وكان2008 هو حزن السينما الحقيقي فقد شهد رحيل آخر عمالقة السينما
العربية يوسف شاهين الذي كان طوال مشواره نصف قرن هو صوت مصر في المهرجانات
العالمية بأفلامه التي انتصرت للناس والوطن.
الأهرام اليومي في 1
يناير 2009
أجيال شاهين:
المغامرة وكسر المألوف في مواجهة سينما تقليدية جدا!
كتب-باسم صادق:
لا شك أن
رحيل المخرج المصري العالمي يوسف شاهين خلال عام2008 كان بمثابة الصدمة
للوسط السينمائي بشكل عام رغم حالة الجدل السينمائي الذي أثاره طوال تاريخه
الفني بسبب كثير من الحواجز التي وضعتها أفلامه شديدة الخصوصية بينه وبين
عموم المشاهدين, بل والنقاد أحيانا, ذلك أن أعماله جسدت حالة من
الإبهام والغموض حاول مهرجان القاهرة السينمائي ـ في دورته الأخيرة ـ أن
يفك أسراره ويصل لما وراء كاميرا يوسف شاهين في كتاب ذي طبعة فاخرة, يضم
ستة مقالات نقدية لمجموعة من كتاب السينما في مصر, مع ملحق صور لأهم
أفلام المخرج الكبير, فتحت عنوان( دراما شاهين وحوار الأجيال)لخص
د. وليد سيف مفهوم الحياة في دراما شاهين والتي عبر فيها عن سيرته
الذاتية في أربعة أفلام هي( اسكندرية ليه)..( حدوتة مصرية)..(
اسكندرية كمان وكمان) وأخيرا( اسكندرية نيويورك), وكيف عكست خبراته
الحياتية ورؤاه الشخصية, لهذا كانت علاقة شاهين بالكتاب الذين تعامل معهم
تختلف عن مثيلتها في باقي فروع أفلامه, ومهما تحدث الكثيرون عن فكرة
التخصص والفصل بين الكاتب والمخرج, فإن المخرج في النهاية ليس بوقا
لأفكار المؤلف ولكنه الشخص الذي يضفي علي الورق إحساسه ولمساته ورؤاه
ليحيله الي صور ومعان وشخصيات من دم ولحم, لهذا كان شاهين شريكا أساسيا
في عملية الكتابة بل وتعامل مع عدد كبير جدا من الكتاب من جميع الأجيال
والاتجاهات, منهم أدباء كبار مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعي وعبدالرحمن
الشرقاوي في( الأرض) وإحسان عبدالقدوس ويوسف إدريس, ومنهم صحفيون مثل
صلاح جاهين في( عودة الابن الضال) ولطفي الخولي في تجربته الوحيدة(
العصفور) وسينمائيون مثل علي الزرقاني في( بابا أمين) وعبدالحي أديب
في( باب الحديد) والسيد بدير وحتي تلاميذه يسري نصر الله ومحسن محيي
الدين وخالد يوسف, كل هؤلاء استفاد من حواره معهم بشكل أسهم في تشكيل
ثقافته وتفتح وعيه ونظرته للحياة.
وفي
مقال( أجيال من المخرجين) يروي فاروق عبدالخالق كيف نشأت علاقته كتلميذ
بيوسف شاهين الأستاذ في قاعات معهد السينما عام1966 وكيف استكشف تلاميذته
شخصيته الفنية عبر مناقشات طويلة عرفوا منها أهمية الكادر السينمائي..
حركة الممثل.. الاضاءة.. الظل والنور.. توظيف الإكسسوارات..
المؤثرات.. الصوت.. الموسيقي.. تحريك المجاميع الضخمة والسيطرة علي
موقع التصوير خاصة أن شاهين هو مخرج( الناصر صلاح الدين) بما فيه من
معارك وحشود والتعامل معها بمفهوم السينما.. تنظيم العمل.. التدريب..
والبروفات.. الأزياء. الأهم من كل ذلك الفرص التي منحها شاهين لتلاميذه
النابغين للعمل معه كمساعدي إخراج مثل محمد أبويوسف.. علي رضا.. سمير
نصري.. أشرف فهمي.. داود عبدالسيد.. علي بدرخان.. أسماء البكري..
رضوان الكاشف وأخيرا خالد يوسف. أما الناقد نادر عدلي فيوضح في مقاله(
مواهب جديدة مبهرة ونجوم قدامي أكثر تألقا) كيف كان ولع شاهين بشخصية
هاملت لدرجة أنها سبب محاولته التمثيل, وسبب محاولاته المتكررة في البحث
عن هاملت في كل من شكري سرحان وعمر الشريف وعزت العلايلي وأخيرا محسن محيي
الدين.. كان دائم البحث عن هاملت كرمز للنبالة والنزاهة. وفي هذا
المقال نتلمس تعامل شاهين مع الممثلين من خلال مرحلتين كبيرتين, الأولي
تضم20 فيلما(1950 ـ1966) والثانية تضم17 فيلما(1968 ـ2007) وكل
مرحلة تضم جيلين من الممثلين. فنري في المرحلة الأولي مثلا فاتن حمامة,
هند رستم, ماجدة, عماد حمدي, كمال الشناوي, أحمد رمزي, رشدي
أباظة, بالاضافة للقدامي حسين رياض, يوسف وهبي, وفي المرحلة الثانية
نري مثلا سعاد حسني, نجلاء فتحي, يسرا, محسنة توفيق, نور الشريف,
محمود حميدة, محمود المليجي.
ومن يطالع
مقال محمود قاسم عن التصوير في أفلام شاهين يلاحظ ان الرجل كان أميل
للتعامل مع مديري تصوير بعينهم بشكل شبه ثابت بعد ولادة كيمياء التفاهم
والإبداع بينهم, لذلك كانت أفلامه في أفضل حالاتها وهو يعمل فقط مع هذه
الأسماء, فكل منها كان يري الكادر بعين الآخر بدءا من أحمد خورشيد
والايطاليين ألفيزي أورفانيللي وماسيمو دلامانو, ومرورا بالمصري فيكتور
أنطون في( بابا أمين) حتي محسن نصر ورمسيس مرزوق اللذين عمل معهما
بالتبادل بشكل ملحوظ باستثناء فيلم( سكوت ح نصور)2001 الذي صوره
الفرنسي بيير دونييه نظرا للانتاج المشترك بين مصر وفرنسا والطريف ان
تلاميذ شاهين من المخرجين مثل يسري نصر الله وأسماء البكري, كانوا
يستعينون بنفس المصورين الذين تعامل معهم استاذهم. وفي أكثر أجزاء الكتاب
تشويقا كتبت صفاء الليثي علي لسان مصممة الملابس ناهد نصر الله كيف اكتشفها
جو بعد ان انتشلها من اكتئاب أزمة طلاقها لتعمل معه كمساعدة رقم100 تترجم
لمصممة الأزياء الفرنسية في فيلم( الوداع يا بونابرت) وكيف أصبحت
مساعدة لمصممة أزياء فيلم( اليوم السادس) ونزل اسمها علي التيترات
بعدما كانت تعمل في شركة طيران ورغم انها لم تكن تجيد الرسم..
ناهد
تحدثت عما تعلمته من تفاصيل صغيرة مهمة جدا مثل كيفية تقذير الملابس بمادة
يمكن محوها بسهولة إذا اعيدت اللقطة.. تنظيف الياقة دون ان يخلع الممثل
القميص.. استخدام مواد تنظيف الأطفال الرضع, وتتطرق لمراحل اعتماد جو
عليها بعد ان صممت فستان يسرا في فيلم( المهاجر) علي سبيل التجربة وهو
ما أعجبه بشدة بعد ذلك لدرجة أصبحت معها مصممة ملابس شركته, خاصة أنها
درست الموضة في إحدي مدارس باريس, ومشاركتها في سلسلة أفلامه التاريخية
والفارق بين مهنة مصممة الملابس ومهنة الـ( ستايلست) التي ظهرت بعد ذلك
باعتبارها مسئولة عن اختيار أسلوب الشخصية وتنسيق عناصر الملابس مع
اكسسوارات الممثل, وأطرف ما روته ناهد هو خوف صناع السينما من طلبها
للعمل باعتبارها من ممتلكات شاهين, وكيف استطاعت كسر هذا التابوه وتعمل
بعد ذلك في أفلام ليسري نصر الله ورضوان الكاشف وأخيرا مع شريف عرفة في(
الجزيرة).
الأهرام اليومي في 1
يناير 2009 |