شهد العام
2008 عروض تجارية لافلام عربية في الصالات السينمائية لعدد من الدول
الاوربية. صالات هولندية فنية عرضت مثلا ، ثلاث افلام عربية هي: فيلم نادين
لبكي "سكر بنات" والذي انتج في عام 2007 ، والفيلم التسجيلي للمخرج الأردني
الهولندي محمود المساد "اعادة خلق" والمنتج ايضا في عام 2007 وفيلم المخرج
التونسي الفرنسي عبد اللطيف كشيش "اسرار الكسكس".
فيلمان من
الافلام الثلاثة المذكورة ، سبقت عروضهم الاوربية سمعة دولية جيدة ، ففيلم
"اسرار الكسكس" لعبد اللطيف كشيش سبق ان فاز بجائزة خاصة من لجنة التحكيم
بمهرجان فينسيا السينمائي ، والفيلم اللبناني "سكر بنات" عرض في عشرات
المهرجانات السينمائية ، وحصل على فرص عرض تجاري ممتاز في فرنسا وحقق
ايرادات تجارية، ربما هي الاعلى لأي فيلم عربي يعرض خارج الدول العربية.
أما
الفيلم الوثائقي لمحمود المساد ، فكان ان عرض في مهرجان دبي السينمائي عام
2007 ، والدورة السابعة والثلاثين لمهرجان روتردام الدولي لعام 2008 ، وحصل
وقتها على الكثير من الانتباه ، لتقديمه موضوعة الارهاب المعقدة ، تقديما
لا يعزلها عن الظروف الاجتماعية والسياسية الشائكة، للبيئات الاجتماعية
القادمة منها ، دون ان ينزلق الفيلم الى تبرارات او اتهامات ، كانت ستبدو
ناشزة عن المسار المتفهم والمحايد للفيلم.
المفارقة
ان بعض الافلام المعروضة ، حصل على فرص عرض هي أفضل من الدول العربية نفسها
، وفيلم المخرج محمود المساد التسجيلي ، لم يعرض الا ضمن مهرجانات سينمائية
في بيروت وعمان ودبي. صحيح ان الأفلام المذكورة عرضت في صالات سينمائية
اوربية فنية مختارة (لا يتجاوز عددها الثمانية صالات في هولندا مثلا) ،
لكنها اكثر بكثير من كل الصالات الفنية في الدول العربية مجتمعة!!
النجاح
المهم لبعض الافلام العربية في أوربا ، هو احد الاحداث الايجابية
السينمائية المهمة لهذا العام ، وربما تكون نافذه مهمة ودائمة في المستقبل
للكثير من الافلام العربية الفنية ، والتي مازالت مرتبطة بعروض المهرجانات
السينمائية القليلة ، وندرة عرضها التجاري في الدول العربية ، وغيابها عن
وسائل الاعلام الشعبية ، وخاصة مع تجاهل محطات الافلام التلفزيونية العربية
لافلام هذه السينما ، لاسباب ترتبط بصعوبة مواضيعها والجراة التي تحتويها
بعض هذه الافلام في تقديمها لمواضيع الجنس والدين او المواضيع الاجتماعية
الحساسة.
واذا كان
بعض افلام العام الماضي العربية ، ينتظر العرض في الصالات في اوربا ، مثل
فيلم المخرج الاردني امين مطالقة "كابتن ابو رائد" والمنتظر عرضه في هولندا
في الثامن من شهر يناير القادم ، تيدو فرص العديد من افلام السنة الماضية
في عروض مشابهة قليلة كثيرا. فالعام الماضي شهد عروض مجموعة من الافلام
الضعيفة او المتوسطة فنيا ،بعض من هذه الافلام ، كان تراجعا مخيفا عن
المستوى الذي وصلته سينمات البلدان القادمة منها ، والبعض الآخر قدم سينما
عادية ، حذرة ، مسيسة بفجاجة.
بعض افلام
السنة الفائتة ، شهدت عودة الى تاريخ معاصر ، مثل فيلم المخرج التونسي
الفاضي الجزيري "ثلاثون" وفيه يقدم بعضا من سيرة زعماء الاستقلال في تونس ،
وفيلم الجزائري احمد راشدي "مصطفى بن بولعيد" ، والذي يتناول حياة الشخصية
الجزائرية التاريخية " مصطفى بن بولعيد " ، وهو احد المؤسسين لجبهة التحرير
الجزائرية.
وأهتم
فيلمان فلسطينيان من افلام السنة الماضية ، بظروف الحياة الفلسطينية ،
الفيلمان قدما الحياة في رام الله ، بعيدا عن العنف الدائر في غزة ، ففيلم
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي "ميلاد ليلى" رافق سائق تاكسي في رحلته
اليومية "العادية" وسط ظروف تزداد صعوبتها كل يوم ، والفيلم الروائي الاول
للمخرجة الفلسطينية نجوى نجار (المر والرمان) قدم قصة حب عادية ، تواجه
تحديات الظروف الاجتماعية الشديدة الصعوبة والتي خلقها الاحتلال
الاسرائيلي. المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر قدمت ايضا وفي مسابقة وجهة
نظر في كان فيلمها الاول بعنوان "ملح هذا البحر" ،والذي يقدم قصة العودة
الفلسطينية المغتربة الى فلسطين.
وبعد اكثر
من اربع سنوات من آخر فيلم عراقي طويل ، قدم المخرج العراقي المقيم في
باريس عباس فاضل ، فيلمه الروائي الاول "فجر العالم" ،والذي يقدم قصة من
الاهوار العراقية ، واستعان بممثلين من بلدان عربية مختلفة لتقيدم القصة.
عراقيا ايضا ، شهد العام الماضي ، عرض فيلم المخرج العراقي قاسم عبد "حياة
ما بعد السقوط" ، الفيلم الذي يسجل يوميات حياة عائلة المخرج في بغداد
لاكثر من سنتين بعد سقوط النظام العراقي السابق ، فاز بجائزة افضل فيلم
تسجيلي طويل في مهرجان "مينوخ" للافلام الوثائقية ، كذلك قدمت المخرجة
العراقية ميسون الباجه جي فيلمها الجديد "عيون مفتوجة على العراق " في
مسابقة المهر للافلام الطويلة في مهرجان دبي السينمائي الاخير ، وفيه تسجل
المخرجة يوميات دورة للتصوير الفوتغرافي لنساء عراقيات في سوريا. وعلى صعيد
الجوائز ، حصلت افلام عراقية قصيرة على جوائز في مهرجان الخليج السينمائي ،
كذلك حصل فيلم المخرج والممثل العراقي بشير الماجد على جائزة لجنة التحكيم
الخاصة في مهرجان بيروت السينمائي الدولي الثامن عن فيلمه الروائي القصير
"تقويم شخصي".
مفاجاة
هذا العام ، هو الفيلم الجزائري "مسخرة" للمخرج الشاب لياس سالم ، الفيلم
الذي فاز بجوائز افضل فيلم في مهرجانات قرطاج ، القاهرة ، ودبي ، يقدم
بكوميديا انسانية رفيعة قصة عائلة جزائرية عادية والمازق الذي (دفعت) اليه
بسبب خوف العائلة على مصير احد افرادها. كذلك قدم المخرج السوري عبد اللطيف
عبد الحميد واحد من افضل افلامه الاخيرة. ففيلم "أيام الضجر" والذي عرض في
الربع الاخير من عام 2008 ، ربما يكون نهاية جميلة لسلسلة من الافلام التي
اهتمت بالتاريخ السوري العربي الحديث وتاثيراته العميقة على جيل او اجيال
من السورين والعرب.
وسيتذكر
الكثيرين عام 2008 ، بانه العام الذي شهد رحيل المخرج المصري الكبير يوسف
شاهين ، ونهاية حياة سينمائية حافلة امتدت الى 50 عاما ، قدم فيها شاهين ،
أفلام تعتبر اليوم من كلاسيكيات السينما المصرية ، يوسف شاهين ، الذي اضاف
بشخصيته المميزة وشغبه الكثير من الحياة والفردية للسينما المصرية والعربية
، قدم ايضا واكثر من اي مخرج عربي آخر حياته الخاصة على السينما من خلال
سلسلة من الافلام التي بدات بفيلم "حدوته مصرية" عام 1982 وانتهت بفيلم
"اسكندرية نيويوك" عام 2004.
فالس مع
بشير
منذ عرضه
الاول في مهرجان كان السينمائي الاخير ، و فيلم "فالس مع بشير" للاسرائيلي
آري فولمان. يثير الكثير من النقاش والاعجاب في كل مكان يعرض به ،الفيلم
يقدم شهادات جنود اسرائيلين شاركوا في اجتياح بيروت عام 1982 ، ومنهم من
كان قريبا جدا من مخيمات الفلسطينين في صبرا وشاتيلا ، والتي قتل فيها مئات
المدنين الفلسطينين باسلحة مليشيات القوات اللبنانية.
الفيلم
الاسرائيلي والذي يقدم اشارات واضحة وكافية الى تورط قيادات من الجيش
الاسرائيلي بالسماح او الاشراف على المذابح ، يهتم بالاساس بالذاكرة
الجماعية للجنود ،سوداوية الحروب وبنية المجازر الجماعية. الفيلم الذي
استعان (لاسباب لها علاقة باستحالة تصوير فيلم اسرائيلي في بيروت) بالرسوم
الكارتونية ، لاعادة تصوير تلك الايام ، إنتهى بصورة حقيقة ارشيفية لامراة
فلسطينية خارجة من تلك المخيمات بعد المجازر في اشارة شديدة التاثير عن
تقدم الفيلم في استعادته تلك الاحداث والايام ، من الصورة المغبشة الى صورة
حقيقة ، لامراة تصرخ وتستجند بالعالم.
حرب أخرى
ظهرت في افلام امريكية في العام الماضي ولم تلاقي اي نجاح تجاري في الصالات
الامريكية ، فحرب العراق الدائرة والتي ظهرت في افلام عديدة منها "في وادي
ايلاه" للمخرج الامريكي بول هيغز ، و"ريدكيت" للمخرج بريان دي بالما فشلت
على الرغم من جودة بعضها في جذب الجمهور الامريكي ، والهارب اصلا من متابعة
اخبار الحرب على التلفزيون.
الاخوان
كوين قدما في العام الماضي فيلمين ، احدهما "لا بلد للرجال المسنين" والذي
حصل على الاوسكار كافضل فيلم ، والآخر هو "أحرق بعد القرائه" والذي عرض في
امريكا واوربا في الاشهر الاخيرة من العام الماضي. بصمات الاخوين العبثية ،
وعلاقتهم بشخصيات افلامهم واضحة حتى في الفيلم الكوميدي الاخير.
العام
الماضي شهد ايضا تكريس الممثل البريطاني الاصل دانيال دي لويس ، كواحد من
افضل ممثلي العالم ، الممثل حصل على الاوسكار عن فيلم "ستكون هناك دماء" ،
والذي يقدم قصة عن صعود رجل اعمال جشع في بدايات القرن الماضي.
اوربيا ،
شهد عام 2008 أفلام جديدة لبعض المخرجين الاوربين الكبار ، فالمخرج
الانكليزي مايك لي قدم في فيلمه الجديد "هبي غوليكي" واحدا من اكثر قصصه
تاثرا بالاوضاع السياسية والاجتماعية الحالية ، على الرغم من الروح
الكوميديا للفيلم. الانكليزي الآخر كين لوج ، عرض له في هذا العام ، فيلم
"انه عالم حر" ، وفيه يعود المخرج الى موضوعه الاثير ، الطبقات العمالية
وحقوقها ، في فيلم يتناول عمال بريطانيا الجدد والقادمين من جول اوربا
الشرقية.
وبعد
الفيلم الألماني الكبير "السقوط" عن آخر ايام هتلر ، تقدم السينما
الألمانية ، فترة تاريخية اخرى ، من التاريخ الألماني الحديث ، المخرج إيلي
اديل في فيلمه "
Der Baader
Meinhof Komplex
" والذي يعرض الآن في الصالات الوربية حاليا ، زمن المنظمات اليسارية
الالمانية المتطرفة ، واحلامها بتغيير العالم ، وعلاقتها بمنظمات يسارية
عالمية ، ومنها منظمات عربية.
مهرجانات
سينمائية عربية
باستناء
مهرجان دبي السينمائي ، والذي نشر ارقاما باعداد المتفرجين الذين حضروا
عروض افلامه السينمائية ، لا يمكن الحديث بدقة عن النجاح الجماهيري
للمهرجانات السينمائية العربية لعام 2008 ، وعن نجاح هذه المهرجانات في جذب
جمهور جديد ، ولتكون احصائيات اخرى مثل ، الفئات العمرية والثقافية للجمهور
، من الامور البعيدة المنال كثيرا. رغم اهميتها الكبيرة لتحديد اداء وهوية
هذه المهرجانات ، وما يمكن ان تضيفه من معلومات هي الاساس في علاقة صحيحة
مفترضة بين المهرجان والجمهور الذي يتوجه اليه.
ورغم ما
قيل عن نجاح معظم المهرجانات العربية في جذب اعداد معقولة من الجمهور الى
عروضها، مازالت بعض المهرجانات بعيدة كثيرا عن اي نقاش حقيقي عن جدوى
وجودها ، و خططها المستقبلية الواضحة ،و تطور هويتها ، بالتوجه الى سينمات
بعينها ، و تحويل المهرجانات الى احد ركائز دعم السينما الفنية والسينمات
المستقلة.
ومرة اخرى
، شهد عام 2008 ، نفس التنافس القوي بين المهرجانات السينمائية والذي شهده
عام 2007 ، فالمهرجانات التي تنضم في الاشهر الاخيرة من كل عام ، إجتهدت
كثيرا للحصول على افلام عربية جديدة ، وقيل إن بعضها ، دفع اموال كبيرة
لبعض المخرجين وشركات الانتاج للحصول على بعض افلام عام 2008 الجديدة.
وبفضل
الامكانيات المادة الكبيرة لمهرجاني دبي وابو ظبي السينمائين ، شهدت دورتا
المهرجانين لعام 2008، عروض اولى لافلام مثل "خلطة فوزية" للمصري مجدي احمد
علي والذي عرض لاول مرة في مهرجان ابو ظبي ، وفيلم المخرجة الفلسطينية نجوى
نجار "المر والرمان" والذي عرض لاول مرة في مهرجان دبي السينمائي.
وانضم في
العام الماضي ، مهرجان الخليج السينمائي الى قائمة المهرجانات السينمائية
العربية ، المهرجان الذي عقدت دورته الاولى في مدينة دبي في شهر ابريل
الماضي ، قدم مجموعة كبيرة من الافلام القصيرة والتسجيلية الخليجية ، مع
افلام روائية طويلة من البحرين والكويت والسعودية ، اضافة الى فيلم المخرج
العراقي محمد الدراجي "احلام" والذي فاز بجائزة افضل فيلم روائي طويل.
cinema@elaph.com
موقع "إيلاف" في 31
ديسمبر 2008 |