السجال الذي دار حول بعض الأفلام المشاركة في مهرجان “الخليج السينمائي”
المنتهي الاربعاء الماضي، كان - ومن دون الدخول في التفاصيل- على علاقة
بأساليب تحقيق الأفلام المشاركة . فالمعظم الأغلب من الأفلام التي شاركت،
في المسابقة أو خارجها، تم تصويرها بكاميرات دجيتال رقمية بينما هي قليلة
تلك الأفلام التي تم تصويرها باعتماد الكاميرا السينمائية .
والموضوع هنا هو هذا الانتشار للتصوير بالدجيتال وما إذا كانت فوائده تجيز
العمل عليه إلى ما لا نهاية أو أن عيوبه المتغاضي عنها يجب ألا تغيب عن بال
الناقد حتى يستطيع تقويم الفيلم كما يجب .
وانطلق السجال منذ فيلم الافتتاح . ذلك الفيلم الشخصي المسمّى ب “طفل
العراق” الذي يتحدّث عن المخرج نفسه وقد عاد من الدنمارك التي كان هاجر
إليها مع والدته وشقيقته قبل سنوات بعيدة، الى العراق حيث موطنه الحقيقي .
هناك تصدمه الفوضى القائمة والمصائر المجهولة والخوف والتعب الاجتماعيين
المنتشرين لجانب وجود مشكلات متواصلة من بينها البطالة وانقطاع الكهرباء
ورغبة الكثير من الشباب في الهجرة من العراق إلى أي مكان .
في الوقت الذي يتعرّض فيه المخرج علاء محسن للوضع الحالي منتقداً (وهو بذلك
يقدم على ما لا يريد مخرجون عراقيون آخرون الإقدام عليه مكتفين بنقد النظام
السابق) وواضعاً خطوطاً تحت المعاناة الحالية، يجب ألا يغيب عن البال أن
الفيلم، أي فيلم، هو ليس الموضوع أو القصة أساساً، بل هو الصورة . فيلم
محسن ركيك التنفيذ لدرجة أنه يكاد لا يكون فيلماً .
وفي الوقت الذي يمكن اعتبار عمله تلقائياً وصادقاً (وهو كذلك فعلاً) لا
يمكن الإشارة الى أن عيوبه كعمل هي أكثر من إيجابياته والسبب الرئيس في ذلك
هو الدجيتال .
الدجيتال هو زر في الكاميرا تضغط عليه وتصوّر والنتيجة، يقولون، فيلم طبيعي
. لكن الحقيقة هي أنه بمجرد فعل ذلك فإن النتيجة ليست فنيّة على الإطلاق .
لا يمكن الوصول الى مرتبة عالية من فن الفيلم الا إذا كان المخرج على خبرة
ودراية بالكاميرا السينمائية بحيث يصمم فيلمه المصوّر بالدجيتال ويخطط له
كما لو كان يصوّر بكاميرا فعلية . هذا ما يُتيح للمخرج التفاعل مع معطيات
فيلمه وعناصره على نحو واضح وإتاحة المجال الأكبر للصورة لكي تقود الفيلم
عوض أن تقودها الحكاية والتعليق والحوارات .
الذي يحدث هو أن الاستسهال الكامن في كاميرا الدجيتال يجذب إليه اختزال
الشروط الصعبة التي ترافق استخدام الكاميرا السينمائية . وإذ يُضاف إلى ذلك
أن المخرجين يستلهمون أساليبهم هذه الأيام من الأفلام الرائجة وحدها، أي من
أفلام هوليوودية حديثة ضحلة الفن وهزيلة الكتابة والمعالجة، فإن المنتشر هو
اعتبار أن التصوير بالدجيتال هو الأنسب والبديل الشامل .
لكن كل ما على المخرج المنتمي إلى عصر الدجيتال فعله هو مشاهدة كيف قام
مخرجون أساسيون برفض التصوير بالدجيتال، وحين فعل بعضهم ذلك استند إلى
خبرته الطويلة في مجال العمل السينمائي.
على سبيل المثال فإن المخرج مارتن سكورسيزي عمد الى الدجيتال في تصوير بعض
أفلامه الوثائقية، كما فعل مؤخراً حين أخرج “سلّط ضوءاً” حول فرقة “ذا
رولينغ ستونز” في حفلتها الأخيرة . أو ألكسندر زوخوروف حين صوّر رائعته
“سفينة روسية” قبل سنوات . والمخرج رتشارد لينكلاتر سبق المخرج عبّاس
كياروستامي في تحقيق أفلامه على الدجيتال، لكن من بعد أن تأسس سينمائياً .
وحتى كياروستامي، الذي لا يسجّل هذا الناقد إعجاباً استثنائياً به، طوّع
الدجيتال جيّداً حين حقق فيلمه الجديد “نسخة مزوّرة” .
عربياً، المسألة لا تزال بعيدة للغاية عن الكمال . الخبرات الجديدة التي
تقفز للوقوف وراء الكاميرا تبغي السهولة التي تتيحها كاميرا الدجيتال،
وكونهم لم يمارسوا السينما من قبل يؤدي الى ممارسة لغة غير سينمائية تؤدي
في الحقيقة إلى تكسير قواعد السينما في الكثير من الحالات . كما تؤدي
غالباً إلى منع المخرج من التطوّر صوب الوضع الأمثل لتحقيق الأفلام .
إنه لا ريب أن التصوير بالفيلم الخام، كما يفعل معظم المخرجين الآن، يمنح
الفيلم على الشاشة وجوداً مختلفاً للغاية . وفي يقين مارتن سكورسيزي نفسه
أنه لو استخدم الدجيتال لتصوير “جزيرة مغلقة” لما حصل على النتيجة ذاتها:
“كان السؤال يقع بين أن نحصل على المشاهد الداخلية لعنابر المستشفى مثلاً،
مشبّعة بالاختيارات الفنية كالضوء وكخامة للصورة، و”اللوك” العام، وبين أن
نحقق ما يشابهها لكنه لا يصل إلى مستواها . هذا في نظري الفرق بين
الكاميرتين” .
الحرب الأفغانية تقضّ مضاجع
السينمائيين
بضعة مشاهد مهمّة تلبث في البال حين مشاهدة فيلم “كود سورس” “شيفرة
المصدر”، (علماً أن المقصود ليس المعنى المحدد) لدنكن جونز، من أهمّها تلك
المكالمة الهاتفية التي يجريها بطل الفيلم كولتر (جايك جيلنال) مع والده .
اللقطة ثابتة عليه طول الوقت وهو يتحدّث إليه . لا نرى صورة للأب لكننا
نسمع صوته . يمتد المشهد نحو دقيقة ونصف الدقيقة أو أكثر قليلاً، وخلالها
يتشرّب المشاهد حسّاً غامراً من اللوعة . ذلك لأن كولتر لا يستطيع أن يقول
لأبيه إنه هو الذي يتّصل به بل يقدّم نفسه على أنه صديق المجنّد- ابن الذي
يتحدّث معه . المجنّد الذي مات في رحى حرب أفغانستان .
للإيضاح، عاد كولتر الحقيقي من الحرب شبه ميّت . بالنصف الأعلى من بدنه فقط
وببعض خلايا المخ التي ترفض أن تموت . لكن العلم، في هذا الخيال العلمي
الجيد، صنع منه رجلاً جديداً مقابل أن ينفّذ عملية ضد الإرهاب . بعدها، حين
ينفّذها، سوف يتم إيقاف حياته المصطنعة، والاكتفاء بذلك النبض الخافت من
بدنه المقطوع .
كولتر “الأصلي” يريد أن يتحدّث إلى أبيه، لكنه يعلم أنه شبه ميّت وأنه الآن
أقرب الى الروبوت ما يجعله يقدّم نفسه الى أبيه كرفيق سلاح للابن يقوم
بواجب التعزية .
المشهد لا يتطلّب شرحاً أكثر من ذلك، لكن بعض عمقه يكشف عن ذلك الحزن
الكامن في روح الكتابة وروح الإخراج: حرب أفغانستان لا طائل منها . إنها
تمزّق الصلات وتحرم الآباء أبناءهم أو تحرم الأطفال آباءهم . حرب كيفما
نظرت إليها هي خاسرة .
إنها صرخة صامتة ضد الحرب لكنها ليست الأولى .
الفيلم الدنماركي “أخوان” لسوزان بير يتحدّث عن وضع محرج . حققته سنة 2004
وتسرد فيه حكاية مجنّد دنماركي يتّجه إلى الحرب في أفغانستان مخلّفاً زوجته
وولديه . هناك يُلقي الأفغان القبض عليه . بعد حين يصل خبر موته إلى زوجته،
فتجد في شقيقه العطوف ملاذاً عاطفياً . هذا إلى أن يعود الزوج ليجد نفسه
وقد خسر كل شيء .
الفيلم نفسه تم تحقيقه أمريكياً من قبل جيم شريدان (مع جايك جيلنهال وتوبي
ماغواير) وجاء أفضل قليلاً من الأول . في كليهما أيضاً ذلك الاحتجاج على
حرب لا بطولة فيها .
في هذا الفيلم نجد أن الأزمة التي يعانيها أحد الشقيقين، ذلك الذي ذهب
لأداء “الواجب الوطني” في حرب أفغانستان الضروس، هي أبعد من مجرّد العودة
من الحرب محمّلاً بشكوكه حول علاقة (ليست في الواقع موجودة) بين زوجته
وشقيقه . ففي خلال فترة اعتقاله، وسعياً وراء البقاء حيّاً، لفّق تهمة لأحد
رفاق السلاح مقابل الحفاظ على حياته . هذا الفعل يتحوّل إلى شعور مبرّح
بالذنب وعدم غفران الذات . لكنه في الوقت ذاته مرمي على شباك الرغبة في
القول إن هذه الحرب الخاسرة تتسبّب في مآسٍ لا تُطاق . ويمكن إضافة فيلم
“أسود كحملان” للمخرج والممثل روبرت ردفورد إلى تلك التي تناولت الحرب
الأفغانية بالنقد، فهو يدور حول جنديين أمريكيين ذهبا الى هناك مُساقين
بالمثل العليا في حرب لا مُثُل عليا فيها ولا أخلاقيات .
على ذلك فإنه من الخطأ القول إن هذه الأفلام المذكورة معادية للحرب كاتجاه
. هناك معاداة لما تسببه الحرب من خسائر، لكن حقيقة أن هذه المعاداة ممتزجة
بحكايات أكبر وأشمل يجعل تلك الأفلام أقرب إلى فرص محدودة عوض مواقف شاملة
.
أوراق ناقد
حديث الجوائز
جميل من الفائز أن يستقبل جائزته بفرح غامر، لحظة وقوفه وسط الصالة وتوجهه
إلى المنصّة، هي لحظة يتابعه فيها الحاضرون ليسجّلوا تصرّفاته . العديد
منهم يتابعون ويصفّقون، خصوصاً إذا ما كان معروفاً بينهم، وهو إذ يتقدّم
لتسلّم الجائزة فإنه يتصرّف تبعاً لموقفه منها .
في الكثير من الحالات يكون الفائز غير راضٍ عن جائزته . ربما نال الثالثة
عوض الأولى التي يريد، فلا يلبث أن تتثاقل خطواته وتكسو وجهه علامات عدم
الرضا ولو أنه قد يرسم ابتسامة امتنان حين يصل المنصّة ويبدأ بمصافحة
الشخصيات التي تسلّمه .
البعض الآخر يعلن عن فرحته الشديدة أول ما يسمع اسمه . يرفع يديه عالياً
ويطلق صرخة النشوة ويشعل في الباقين حماساً . ولا ينقص الحاضرون عادة
التعبير عن حماسهم فيصفّر البعض ويقف البعض ويصرخ البعض أو يصدر عنه تقليد
غربي حديث ربما تستطيع كلمة “واو” أو “أو” التعبير عنه .
الحقيقة أن كل شيء موزون هذه الأيام والتقدير الحقيقي غائب خصوصاً إذا
تذكّرنا أن معظم المصفّقين لأي فيلم فائز لا يذهب لمشاهدة الأفلام ولم ير
الفيلم الفائز ذاته . بالتالي، هو يتصرّف كما لو شاهد الفيلم وأعجبه .
لكن أسوأ ما يُصيب البعض هو الفوز . في الأساس كان اعتبر نفسه فلتة عصره
حتى من قبل فوزه . وربما هو موهوب ويستحق الجائزة، لكنه بالتأكيد لا يزال
بفراسخ بحرية كثيرة بعيداً عن الإتقان .
لقد شاهدت مخرجين متواضعين فرحين بالجائزة الثالثة، وشاهدت مخرجين ثائرين
على أنهم لم يستحوذوا الأولى . وبعض المخرجين شارك مهرجان دبي السينمائي
بفيلمه وخسر، فاشترك به مرّة ثانية في مهرجان الخليج، الذي أسدل ستارة
الدورة الرابعة قبل أيام قليلة، وخسر أيضاً، ورغم ذلك لم يفقد ابتسامته
وهدوءه . ربما حزن وشعر بالأسى وخيبة الأمل، لكن ذلك لن يعيقه عن التفكير
بالمشروع التالي . كل ما هو مطلوب منه (أو نأمل على الأقل) أن يمنح نفسه
“حظوة الشك” في أنه ربما لم يحقق الجائزة لأن فيلمه لم يكن جيّداً كما
يعتقد هو .
الجوائز أمنية ينطلق منها البعض ليحقق الأفضل وليستحوذ المزيد من الجوائز،
بينما ينتهي عندها بعضهم الآخر، غالباً لاعتقاده أنه صار أكبر منها .
م .ر
merci4404@earthlink.net
http://shadowsandphantoms.blogspot.com
الخليج الإماراتية في
24/04/2011
«الأيادي المرفوعة»ليست استسلاماً
قيس قاسم
فرنسا المهاجرين في شريط
من
على الشاشة وفي العام 2067، كما يظهر في شريط التسجيل، تطل علينا السيدة
العجوز ميلينا، لتحكي لنا حكاية جرت أحداثها في باريس في العام 2008 أو
ربما بعدها بعام، كما قالت، فالذاكرة لم تعد قوية لتحفظ كل التفاصيل، وهي
كانت طرفا فيها.
ورغم ما يتركه الزمن من آثار على الإنسان وذاكرته، إلا انها لم تنس
أبدا وقفة أطفال مدرستها معها، في تلك الظروف الصعبة، التي عاشتها مع
عائلتها الشيشانية، بعدما وجدت نفسها، إثر قرار دائرة الهجرة الفرنسية
طردهم من البلاد، بلا مأوى، ولولا مساعدة عوائل فرنسية، ومن بينها عائلة
زميل صفها بيلز، لكان حال العائلة مختلفا وأكثر تراجيدية.
تبنتها العائلة كما لو كانت ابنة حقيقية لها، لكن أشد ما ظل يحزنها في
قصتها الواقعية أن الزمن أجبرها على الإفتراق عن ذلك المكان الذي لم تعد
تسمع شيئا عنه ولا عن أطفال صفها الذين عملوا المستحيل من أجل منع ترحيلها
عن البلاد. لكن الأكيد انها لن تنسى تلك المدرسة الباريسية التي غيرت
الكثير من مسارات حياتها، ولن تنسى أبدا تلك الصورة التي نشرتها بعض الصحف
وظهر فيها طلاب مدارس ابتدائية رافعين أياديهم استسلاما للشرطة.
هل حقا رفعوها استسلاما؟ هذا ما سيتضح من خلال أحداث شريط المخرج
الفرنسي رومين غوبل «أياد مرفوعة» وبطلته الطفلة الشيشانية الأصل ميلينا
(لعبت دورها ليندا دادويفا).
من
عالم الطفولة وبراءته، يطل عالم التمييز السياسي والعرقي في المجتمع
الفرنسي وتتجلى بوضوح سياسة رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي ازاء المهاجرين
وانقسام الفرنسيين في ما بينهم حولها، ومن العالم إياه خرجت مجموعة من
التلاميذ لتدخل عالم السياسة من دون وعي منها. فبيلز وأخته فرنسيان ومشاكل
الإقامة في البلد لا تعنيها، ولهذا كانا يلعبان مع أقرانهما أجانب كانوا
أو فرنسيين، يذهبان معهم بعد انتهاء وقت الدراسة الى مخبئهم السري يطبعون
فيه اسطوانات «سي دي» مزيفة ليبعوه للصغار أمثالهم، وواجباتهم المدرسية
ينجزونها هناك، وينقلون عن الطالبة الموهوبة في الرياضيات ميليدا المسائل
المكلفين انجازها.
عشرة طيبة لصغار لاهين عن صعاب الحياة ومنسجمين مع أعمارهم، لكن وفي
الفترة الأخيرة تغير شيء ما فيهم، فصاروا أكثر حذرا وخوفا بعدما سمعوا من
مهاجرين، وهذه كلمة ظلت غريبة عليهم، أن الشرطة تدهم أحياءهم ليلا وترجل
بعضهم عنوة الى خارج البلاد. ومع الوقت صاروا يستشعرون ذاك الخطر، كلما
رأوا دوريات الشرطة تقترب من أسوار مدرستهم، منتظرين خروج التلاميذ
المهاجرين لأخذهم من هناك ونقلهم الى مقراتها. وكانت الصدمة العنيفة حين
سمعوا بموت والدة أحد زملائهم الأفارقة انتحارا، حين لم تجد أمامها منفذا
للهروب من الشرطة سوى رمي نفسها من شباك الشقة.
بموتها وبترحيل بعض أصدقائهم صاروا يدركون حجم الخطر الحقيقي الذي
يهدد مجموعتهم بأكملها، وانسحب هذا الأمر على عوائلهم التي طالبت بعضها
بحماية الأطفال، ومن بين أكثرهم حماسة والدة بيلز، سندرينا (الممثلة فاليرا
بريني تيدسكي) بدفع من شعورها التضامني العالي الذي فرض عليها موقفا واضحا
تجلى في قبول الطفلة الشيشانية في بيتها الى حين ترتيب أوضاع أهلها
قانونيا.
يطرح غوبل مفهوم «التضامن» من خلال سندرينا بشكل واضح، ويضعه كمفهوم
انساني على المحك، عبر تصادم ناشئ بين زوج يريد الاستعانة بمعارفه وعلاقاته
الواسعة مع المتنفذين لمساعدة الطفلة المهاجرة وموقف زوجة تصر على اختيار
التضامن والتكافل الاجتماعي طريقا الى الحل، وهذا ما سبب شرخا في العلاقة
نفسها. ويذهب الفيلم بعيدا حين يصور عجز كلا الاسلوبين مع الشرطة، فهي
تنفذ سياسة واضحة: ابعاد المهاجرين عن البلد وتخويف غيرهم من الدخول اليه.
هذا الواقع دفع بيلز وأصحابه من المهاجرين! الى التفكير بالهروب
والإختفاء في مغارتهم السرية، فكرة أملاها الواقع القاسي رغم صبيانيتها.
ومع التصعيد العالي في المواقف الدرامية تتعرف الشرطة الى موقعهم وتطلب
منهم الخروج وأيديهم مرفوعة استسلاما.
هذا التطور المفضوح اعلاميا دفع بدوره مسألة الهجرة وعائلة ميلينا الى
الواجهة، وطرح نقاشا واسعا حول حلول مقبولة لها ولغيرها.
فكرة الحكاية وأبعادها أوصلها الشريط بشكل واضح وصريح من دون أن تأتي
على حساب فنيته، بل كانت مساهمة الأطفال فيه واحدة من علامات تميزه كفيلم
اعتمد على عفوية تمثيلهم، ومن خلالها وفق في نسج عمل سينمائي كرس لطرح
مفاهيم سياسية واجتماعية متصارعة بقوة داخل المجتمع الفرنسي وعلاقة الدولة
الفرنسية بالمهاجرين التي يغور فيها فيلم «أياد مرفوعة» عميقا.
مهرجان الخليج
المشاركة العراقية الأكبرعرضت الدورة الرابعة لمهرجان الخليج
السينمائي مجموعة متميّزة من الأفلام العراقية الطويلة والوثائقية والقصيرة
التي وصل عددها إلى 24 فيلماً، ما جعل منها أكبر مشاركة للأفلام العراقيّة
في المهرجانات السينمائية حتى الآن. 17 فيلماً منها توزعت على المسابقات
بالشكل الآتي: 4 طويلة و7 وثائقية و6 أفلام قصيرة. وشملت قائمة الأفلام
الطويلة «حي الفزاعات» للمخرج حسن علي محمود، الذي يتحدّث عن أسراب من
الغربان وهجوم الملكية لأصحاب الأراضي الأغنياء، عندما يعتمد صاحب الأرض
طرقاً عدة لمنعهم من تناول محصوله، لتدور بعد ذلك معركة شرسة بين الطرفين
مع أطفال القرية الذين أصبحوا ضحايا للصراع. فيلم «الرحيل من بغداد» للمخرج
قتيبة الجنابي و«أزهار كركوك» للمخرج فريبورز كامكاري، وتدور قصّته حول
طبيبة شابة تصل إلى وضع يتوجّب عليها أن تختار بين تقاليد عائلتها والأحلام
التي تطمح الى تحقيقها، وتأخذ القصة مجراها في العراق في حقبة الثمانينيات.
وأخيراً فيلم المخرج قاسم حول «المغني» وهو فيلم درامي تدور قصته حول
المغني الذي يحيي حفل عيد ميلاد الدكتاتور وما حصل عندما تتعطّل سيارته في
منتصف الطريق.
وتضمّ قائمة الأفلام السبعة الوثائقية المشاركة في المسابقات الرسمية:
«قبل رحيل الذكريات إلى الأبد» للمخرجين فلاح حسن ومناف شاكر، «الأنفال –
شظايا من الحياة والموت» لمانو خليل، وفيلم المخرج رعد مشتت «موت معلن»
الذي تمثّل قصته حول مسرح بغداد وجهاً آخر لما جرى للعراق منذ حرب 2003 حتى
اليوم، الى جانب «كولا» ليحيى حسن العلاق و«وداعاً بابل» لعامر علوان
و«أجنحة الروح» للمخرج قاسم عبد. كما سيعرض الفيلم الهولندي «مدرسة بغداد
للسينما» وهي القصّة الحقيقية لأول مدرسة مستقلّة لتعليم صناعة الأفلام في
العراق وهي تدور حول معاناة طلاب المدرسة في تحقيق أحلامهم في صناعة
الأفلام في خضم حياةٍ مليئةٍ بالفوضى والخوف والموت والمشقّات.
الأسبوعية العراقية في
24/04/2011
"بنتين من مصر"، المرأة دون تزييف
مها حسن ـ باريس
ينعتق فيلم "بنتين من مصر" من الكليشيهات المسبقة عن المرأة. مع أنه
يتطرق لموضوع مطروق سابقاً، وتمت معالجته سينمائياً وتلفزيونياً وأدبياً،
ألا وهو حلم الفتاة بالزواج. إلا أن المختلف في هذا الفيلم، هو المعالجة
الإنسانية العميقة لتفاصيل أحلام البنات، وسبب تعلقهن بصورة الزوج المنتظر،
وخضوعهن لشتى أشكال القهر الاجتماعي والذكوري، وتنازلات كبرى، من أجل
الحصول على الزوج المُرتجى.
ما من سوقية أو تسطيح في طرح المشكلة، بل يرتقي الفيلم إلى كونه عينة
بحثية عن دواخل النساء وهمومهن، في المجتمعات الذكورية.
يمكننا تقطيع الفيلم إلى أربع تيمات، مع أن التيمة الأصلية هي مشكلة
تأخر سن الزواج لدى البنات، ولكن ثمة تيمات أخرى، لا تقل أهمية، بل وربما
اجتماع تلك الشروط الإضافية، وتواجدها في المجتمع العربي ـ المصري نموذجاًـ
هو ما يؤدي إلى تفاقم أزمات النساء.
1 ـ تأخر سن الزواج
حكاية الفيلم بسيطة وتقليدية. تطرح شخصيتين رئيستين، هما حنان" زينة"
وداليا" صبا مبارك". حنان موظفة في كلية الطب " أمينة مكتبة"، وداليا،
طبيبة وطالبة دراسات عليا في كلية الطب.
داليا، لديها نقص عاطفي، وحاجة للحب. تعوّضها عبر الرسم. حيث جميع
الرسومات التي تخربشها على أوراقها، تحمل مشهد رجل وامرأة يتعانقان. تقحم
نفسها في السياسة، التي لا تميل لها أصلاً، فقط لأن "حنان" تقترح عليها
هذا، إذ ربما تلتقي بفارس أحلامها. تدخل السياسة من باب المعارضة، وتلتقي
بشاب يكاد يكون حلم حياتها، إلا أن ظروفاً تعيق تحقق الحلم. وليس من
المناسب شرح السبب هنا، حتى يستمتع المشاهد بمعرفة السبب .تلجأ إلى "الشات"
أحياناً، للتعرّف على أصدقاء، يخفّفون عنها إحساسها بالوحدة. عبر "الشات"،
تتعرف على جمال، وتنشأ بينهما صداقة بريئة، حيث تقول له " الحياة عن بعد"،
إذ تحلم بالتحدث إلى شخص لا تعرفه ولا يعرفها ولا يلتقيان، فقط يتحدثان عن
همومهما. تحظى بفرصة لم تتوقعها ولم تنتظرها، إذ تقوم "حنان" بتسجيل اسمها،
كما تفعل لنفسها أيضاً، في مكتب للزواج. وتتفاجأ حين يتصلون بها، لإعلامها
عن وجود"عريس". تكاد تصل إلى ذروة الحل، حين تقبل بجميع الظروف الصعبة التي
تحيط بذلك العريس، فقط لأنه شخص جيد، ويقرأون الفاتحة، وتستعد العائلة
للزواج، إلى أن يحصل عارض مباغت، يتسبب في فرار العريس من البلد، وإجهاض
حلم الزواج.
أما حنان، فهي متعلقة بفكرة الأمومة، وتكاد يكون ذلك هاجسها الأساسي.
إضافة إلى الحرمان العاطفي الذي تذهب من أجله، لطبيبة نفسية، حيث تعاني من
مشاكل في المعدة، لتكتشف أنها أزمات نفسية. تتحدث عن همها الرئيسي، في
العثور على زوج، وتخضع عبر الطبيبة إلى جلسات علاج جماعية، مع فتيات يعانين
من المشكلة ذاتها: الخوف من عدم الزواج.
تختلف حنان عن داليا في جرأتها وسعيها المكشوف في الحصول على العريس،
ومحاولاتها رسم سناريوهات عديدة للإيقاع بأي رجل تراه مناسباً. إلا أن
محاولاتها تبوء بالفشل دوماً.
بالصدفة أيضاً وبينما تتحوّل نافذة مكتب إحدى الموظفات إلى فرجة، يطل
منها الباحثون عن الزواج، لمشاهدة البنات، الموظفات في الجامعة، وانتقاء
إحداهن، يقع اختيار أحد الشباب على داليا. ويعجب بها، ويتقدم لخطبتها. إلا
أن تاريخه الماجن مع النساء يفقده الثقة بالمرأة، ويصبح متطلباً بشدة، ورغم
مبالغاته، تخضع حنان لشروطه، وتذهب برفقته إلى طبيبة نسائية للكشف عن
عذريتها. ورغم تأكيد الطبيبة بأن الصبية لم تتعرض لأي فعل جنسي، فهو ينفصل
عن حنان، بسبب عدم ثقته بالنساء.
2ـ اللا انتماء
يكاد يكون "جمال" أهم وأجمل وأعمق شخصية في الفيلم، من خلال توازنه،
ونضجه، ورُقيّه الأخلاقي والفكري ووعيه السياسي.
يستعمل جمال اسم "اللامنتمي" عبر منتديات المحاورة "الشات"، ويتعرف
على "زهرة الصبار" التي هي داليا.
تنشأ بينهما صداقة أنيقة، لا يطرح جمال نفسه"كذكر" شرقي. بل كإنسان،
ندّ، محاور، يبحث عمن يبوح له، ويشاركه أفكاره، ويخفف عنه إحساسه بالوحدة.
جملته الأولى للتعريف عن نفسه: " أنا ابن آدم مش سعيد"، ترد عليه
"زهرة الصبار" : "وأنا بني آدمة مش سعيدة" . وتبدأ صداقتهما الخالية من أي
مصالح أو رغبات، سوى الحديث الإنساني وتبادل الهموم.
نتعرف على جمال تدريجياً. على إحباطاته، انسحابه من المجتمع الذي يصفه
غالباً بالفاسد. على لا انتمائه، ورفضه الدخول في علاقات واقعية، خوفاً من
التعلق، ولعدم إحساسه بالأمان.
يعبّر جمال عن رفضه للفساد، ونقده للمجتمع وللسياسة، عبر مقالات على
الانترنت، فيقع ضحية للاعتقال، في نهاية الفيلم، بسبب آرائه ومواقفه من
الفساد، ومن المجتمع.
3 ـ الفساد
عمر، شاب عمره 25 سنة. عاطل عن العمل، يأخذ مصروفه من أخته داليا.
ويشعر بالحرج وعدم الاستقلالية، وبأنه عبء على العائلة. يقدم طلب عمل في
الخارج، ويُقبل للعمل في بلد عربي في خدمة الفنادق، رغم شهاداته التي
تمكّنه من العمل في ظروف أفضل. بسبب الضيق المالي، يقرر السفر بالباخرة
بدلا من الطائرة، دون إعلام أهله. فتتعرض الباخرة للغرق. ويموت في الحادث
أكثر من 1300 شخص. فتقيم المعارضة الدنيا، وتطالب بالتحقيق، وتتحدث عن
الفساد.
يتطرق الفيلم إلى مشكلة الفساد من عدة زوايا. ويتطرق أيضا إلى الفساد
السياسي.
4ـ كسر التابو
تجري أحداث الفيلم، ضمن الثورات والاعتصامات المطالبة بالتغيير. يتحدث
الفيلم صراحة عن الفساد، كما ذكرنا، عن المعارضة السياسية، الاحتجاجات
الشعبية، الاعتقالات العشوائية. هذا فيما يتعلق بالجانب السياسي، أما
الجانب الجنسي، فهو الحديث عن مشاكل العذرية. وتلميح الفتيات بأن المشكلة
ليست جنسية، بل عاطفية، إذ تقول حنان للطبيبة "الجنس مقدور عليه ولكن
الحرمان الحقيقي فهو الحرمان العاطفي ".ناهيك عن الحوارات المباشرة بين
الطبيبة وحنان، حول مسائل جنسية.
ثمة بوح البنات الجميل والحميمي، عن أسرار الليلة الأولى، وفض
العذرية.. دون فذلكات أو مبالغات، ودون تسطيح أو تمييع. حوارات ناضجة، تحمل
قلق الفتاة الشرقية ورغبتها بالمعرفة.
في جلسة العلاج الجماعي، التي تقترحها الطبيبة النفسية، يتعرّف
المشاهد على عينات من البوح النسائي. يتعرّف على أسباب قلق الفتيات من عدم
الزواج، يسمعهن يتحدثن بين بعضهن، دون خشية، دون تزييف، دون ميوعة أو
تسطيح.
تتفاوت أسباب مخاوف الصبايا، التي يمكن إيجازها في عدة نقاط:
ـ عدم شعور الفتاة بحريتها الشخصية واستقلالها، إلا عبر الزواج، إذ
يحق للمتزوجة ما لا يحق للعازبة، كالتدخين مثلاً.
ـ عد القدرة على الإنتاج أو الإبداع الشخصي بسبب الانشغال بهاجس
الزواج.
ـ الأمومة كهاجس رئيسي.
ـ الحاجة الجنسية، والخوف من الاضطرار لتقديم تنازلات عبر أشكال زواج
مختلفة، كالزواج العرفي، إرضاءً لتلك الحاجة.
ـ الإذعان والقبول بزواج في المهجر، وتحمل عبء الغربة.
ـ الخوف من الوحدة، بعد موت الأهل، والحاجة إلى شخص يخفف من العيش ضمن
شروط الوحدة القاسية.
يمكن اعتبار هذا الفيلم، وثيقة اجتماعية، بحثية، عن قلق الفتيات،
همومهن، مخاوفهن، رغباتهن. فيلم ينحاز إلى المرأة بأناقة، دون الهبوط إلى
مستوى تسطيح المشكلة، كما طرحتها الدراما وكأن المرأة " تتسوّل" الزواج.
فيلم إنساني، يحترم إنسانية المرأة، ولا يبالغ في تعظيم الرجل وأهميته، دون
أن يقزّمه في الوقت ذاته.
تجدر الإشارة إلى أن الفيلم من إنتاج سنة 2010. تأليف محمد أمين
وإخراجه.
عن الكاتبة:
مها حسن روائية وصحافية سورية، مقيمة في فرنسا،
تكتب في الصحافة والمواقع العربية. صدر لها : " اللامتناهي ـ سيرة الآخر "
رواية ـ عام 1995 في دار الحوارـ اللاذقية ، سوريا، " لوحة الغلاف، جدران
الخيبة أعلى " رواية ـ عام 2002 ـ سوريا/ " تراتيل العدم" رواية ـ عام 2009
ـ دار الريس ـ لبنان ـ بيروت حصلت على جائزة هيلمان/هامت التي تنظمها منظمة
Human Writs Watch الأمريكية في عام 2005.
بوابة المرأة في
24/04/2011 |