أميركا، أرض الأحلام،
جذبت المزيد من الفلسطينيين بعد نكبة عام 1948، الذين جاؤوها حاملين قصص
الوطن
المفقود، وباحثين عن أفق جديد في أميركا، التي تقدّم الدعم لإسرائيل
المحتلة أرضهم.
فهل هذه هي أميركا، أم إنها أميركا مساحة الديموقراطية وأرض الثراء؟ ماذا
تعني
أمبركا للفلسطيني، وكيف يمكن أن يراها؟ «أميركا» الفيلم يجيب على هذه
الأسئلة
وأكثر، وهو من إخراج الفلسطينية شيرين دعيبس، المولودة في
الولايات المتحدة.
والفيلم أشبه بخطاب تؤدّيه المخرجة بصوت عال من فوق منصات العالم، تحكي فيه
عن
التناقض بين المكانين، وطنا مسلوبا ومكانا ولدت وكبرت فيه.
مهاجر
بالإضافة
إلى كونه مهاجرًا كباقي الأميركيين الجُدد، فإن صفة مهجّر هي صفة خاصّة
بالفلسطيني.
يعيش في بلد يؤذي شعبه عبر حمايته إسرائيل، وفي الوقت نفسه بات يشعر أنه
وطنه
الثاني. وطن أقامه مهاجرون جدد، سلبوا سكان البلد الأصليين أرضهم وأرواحهم،
وليس
عبثًا أن اسم الفيلم يأتي مجرّدا من أي شيء: أميركا. حين نقولها، من الممكن
أننا
نلفظ شتيمة موجّهة لمن يضطهد الشعوب ويحمي إسرائيل بحق النقض
الفيتو. مرّة أخرى
نقول أميركا. وللكلمة مدلول آخر: هناك أصدقاء وأقرباء يعيشون هناك، وكأنّ
«أميركا»
الفيلم، القارّة، صرخة المسافر من على ظهر
باخرة، رأى اليابسة فجأة. أو صرخة متظاهر
ضد أعداء الشعوب العربية.
يحكي «أميركا» قصصا اختزنتها دعيبس من أحداث شاهدتها
عن قرب. في حرب الخليج الثانية عام 1991، واجه والدها الطبيب في ولاية
أوهايو عزوف
الزبائن الأميركيين عن العلاج لديه، كونه طبيباً عربيا. وفي حدث آخر: جاءت
قريبة
للعائلة من فلسطين لتقيم في بيتهم، وواجهت صعوبات في التأقلم.
في الفيلم، تستحضر
دعيبس الشخصيات من جديد: منى فرح (نسرين فاعور) بأدائها المميّز لدور القصة
الرئيسي، المرأة العربية العفوية الصادقة، العاجزة والمرحة؛ رغدة الأخت
(هيام عباس)
السيدة المهاجرة، ذات الشخصية النارية خفيفة الظل؛ نبيل (يوسف أبو وردة) في
دور
متقن لزوج الأخت، يدافع عن عائلته برفع العلم الأميركي فوق البيت، أو
باقتناء مضارب
بيسبول. فادي (ملكار معلم) الابن، والممثلات في أدوار بنات
رغده، أداء صادق ومُقنع.
منى فرح موظّفة في مصرف، تسكن في بيت لحم وتعمل في رام الله. مع الوقت،
يصبح
الطريق إلى بيتها أطول بسبب جنود الحواجز، الذين يوجّهون
الإهانات لأصحاب سيارة
الفيات الحمراء القديمة. تحسّ منى بالمرارة، وتفقد القدرة على مواصلة
العيش. الضوء
الأخضر في آخر النفق، الـ«غرين كارد»، يسمح لها بالدخول إلى أميركا، وعلى
عجل تخبئ
مدّخراتها من الدولارات الأميركية الخضراء في علبة كعك
المعمول. تبدو غير قادرة على
إيجاد عمل في أرض الأحلام، ويدخل ابنها فادي في صراعات مع طلاب مدرسته
الأميركية.
سوء فهم
تصطدم الشخصيات بعالم خارج البيت، حيث تقع أميركا فعلا. مشاهد سوء
الفهم تزداد مع الوقت، تتصرف الشخصيات داخل منطقتها الواقعية،
في البيت: يتجادل
الجميع بصوت عال. البنتان الصغيرتان تتقاسمان الغرفة وتضعان الحدود كما
يحدث في
نزاعات الشرق الأوسط. خارج البيت، تعمل منى في مطعم هامبورغر. في مقابل
ثقافة أخرى،
ثقافة لا تجيز التحدث بمثل هذه العفوية، تفسّر اسم «مات» زميلها في العمل،
على أنه
يعني ميت بالعربية، تقول له: «أنت ميت» في لهجة تهديد غير
مقصودة. في اتصال هاتفي،
تقول الأم من رام الله: «إذا التقيت الرئيس، قولي له أن يتركنا نعيش، كما
يريد هو
أن يعيش. كمان إحنا بدنا نعيش».
في فيلم «أميركا» نجد سينما فلسطينية مختلفة.
فيلم يروي بنجاح قصة اجتماعية خالصة لامرأة عربية. تــضيف شــيرين دعيبس
بهذا
الفيلم اسمها إلى ظاهــرة جديدة في السينما الفلسطينية. فبعد «مــلح هذا
البحر» لآن
ماري جاسر و«المرّ والرمان» لنجوى نجار، تُكمل مع فيلمها «أميركا» ثــلاثي
المخرجات
اللواتي قدّمن أفلاماً روائية طويلة خلال السنة الأخيرة. ولأول مرّة
بتواقيع
نسائية، الأمر الذي لم يحدث من قبل في مسيرة السينما
الفلسطينية.
بعد شيرين
دعيبس، صارت أميركا شيئاً آخر. صارت فيلما فلسطينيا يحكي بلغة جديدة، ويحصد
الجوائز، ويقدّم لائحة اتهام ضد الأفكار المسبقة.
يُعرض الفيلم في صالة سينما «متروبوليس/
أمبير صوفيل» في الأشرفية، وشاهده في أحد عشر يوماً 631 شخصاً
السفير اللبنانية في
19/11/2009 |